المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: الاعتماد على العقل - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني: انقطاع صلة المنهج الأشعري في كثير من مسائله بالسلف:

- ‌المبحث الثالث: بيان مخالفة متأخّري الأشاعرة للأشعري ولكبار أصحابه

- ‌المبحث الرابع: نصوص أئمة أصحاب الأشعري في إثبات الصفات لله تعالى والمنع من تأويلها

- ‌المبحث الخامس: متابعة الأشاعرة لمنهج المعتزلة إما صراحة وإما لزوماً

- ‌المبحث السادس: نصوص العلماء في مخالفة الكلابية والأشاعرية لأهل السنة ولطريق السلف

- ‌المبحث الأول: قولهم في الإيمان

- ‌المبحث الثاني: أشاعرة وافقوا السلف

- ‌المبحث الثالث: الصلة بين الإيمان والإسلام عند الأشاعرة

- ‌المبحث الرابع: قولهم في الزيادة والنقصان

- ‌المبحث الخامس: قولهم في الاستثناء في الإيمان

- ‌المبحث السادس: الفرق بين تصديق الأشاعرة ومعرفة جهم

- ‌المبحث السابع: رأي الأشاعرة في مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث الثامن: مفهوم الكفر عند الأشاعرة

- ‌المبحث التاسع: الرد على من زعم أن الأنبياء والرسل ليسوا اليوم أنبياء ولا رسلا

- ‌المبحث الأول: تعريفه

- ‌المبحث الثاني: مراتب القدر:

- ‌المطلب الأول: تعليل أفعال الله وإثبات الحكمة فيها:

- ‌المطلب الثاني: هل الإرادة تقتضي المحبة أم لا

- ‌المبحث الرابع: أفعال العباد عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: تعريف العلة عند الأشاعرة:

- ‌المطلب الثاني: موقف الأشاعرة من الحكمة والتعليل

- ‌المطلب الثالث: تحرير محل النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة

- ‌المطلب الرابع: أدلة الأشاعرة والجواب عنها

- ‌المطلب الأول: التحسين والتقبيح

- ‌المطلب الثاني: معاني الحسن والقبح، وتحرير محل النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة

- ‌المطلب الثالث: ثمرة الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة في الحسن والقبح العقليين

- ‌المطلب الرابع: أدلة نفاة الحسن والقبح العقليين والجواب عنها

- ‌المطلب الخامس: أحكام متعلقة بأفعال الله المتعدية عند الأشاعرة

- ‌المطلب السادس: هل يجب على الله تعالى شيء

- ‌المطلب السابع: معنى الظلم

- ‌المطلب الأول: عقيدة العادة عند الأشاعرة

- ‌المطلب الثاني: الحكم المترتب على مخالفة عقيدة العادة

- ‌المطلب الثالث: نقد مفهوم العادة

- ‌المطلب الرابع: عقيدة العادة مبطلة لعقيدة التوحيد

- ‌المطلب الخامس: عقيدة العادة مبطلة لمبادئ العلوم

- ‌المطلب السادس: الأسباب والمسببات عند الأشاعرة وعلاقتها بأفعال الله

- ‌المبحث الثامن: نقد موقف الأشاعرة من الخوارق والمعجزات

- ‌المطلب الأول: نشأة مصطلح "أهل السنة" وتاريخ إطلاقه:

- ‌المطلب الثاني: معنى أهل السنة

- ‌المطلب الثالث: تنازع الطوائف هذا اللقب

- ‌المطلب الرابع: طريق معرفة السنة وإدراكها

- ‌المطلب الخامس: موقف الأشاعرة من النقل عموماً والسنة خصوصاً

- ‌المطلب السادس: سلف الأشاعرة وموقف أهل السنة منهم

- ‌المبحث الثاني: موقف علماء أهل السنة من دعوى الأشاعرة أنهم أهل السنة

- ‌المبحث الثالث: مواقف العلماء الآخرين من المذهب الأشعري

- ‌المبحث الرابع: من أهم المسائل التي خالف فيها الأشاعرة أهل السنة

- ‌المبحث الأول: الرد على متأخري الأشاعرة بأقوال شيوخهم وردود بعضهم على بعض

- ‌المبحث الثاني: إبطال دعوى الأشاعرة أنهم أكثر الأمة

- ‌المبحث الثالث: ذكر بعض من نسبوا إلى الأشعرية وبيان براءتهم منها

- ‌المبحث الرابع: بطلان دعوى أن ابن حجر كان أشعريا

- ‌المبحث الخامس: مسائل الخلاف بين الأشعرية والماتريدية

- ‌المبحث السادس: تناقض الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: التناحر الأشعري الأشعري

- ‌المبحث الثامن: حيرة الأشاعرة وشكهم ورجوعهم عن علم الكلام

- ‌المبحث التاسع: من كلام الإمام الجويني (الأب) في رسالته التي وجهها إلى شيوخه بعد رجوعه إلى مذهب السلف

- ‌المبحث الأول: التعريف بالماتريدية

- ‌المطلب الأول: حياته

- ‌المطلب الثاني: مصنفاته

- ‌المطلب الثالث: شيوخه وتلاميذه

- ‌المطلب الرابع: أهم آراء الماتريدي إجمالا

- ‌المبحث الأول: نشأة الماتريدية وأهم زعمائها

- ‌المبحث الثاني: أسباب انتشار الماتريدية

- ‌المبحث الأول: الاعتماد على العقل

- ‌المبحث الثاني: ترك الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقيدة

- ‌المبحث الثالث: القول بالمجاز

- ‌المبحث الرابع: معرفة الله واجبة عندهم بالعقل قبل ورود السمع

- ‌المبحث الخامس: القول بالتحسين والتقبيح العقليين

- ‌المبحث السادس: التأويل والتفويض

- ‌المطلب الأول: معنى الإيمان وحقيقته

- ‌المطلب الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المطلب الثالث: الاستثناء في الإيمان

- ‌المطلب الرابع: الإيمان والإسلام

- ‌المطلب الخامس: حكم إيمان المقلد

- ‌المطلب السادس: حكم مرتكب الكبيرة

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: توحيد الربوبية والألوهية

- ‌تمهيد

- ‌أولا: مذهب الماتريدية في الأسماء الحسنى

- ‌ثانيا: مذهب الماتريدية في صفات الله تعالى

- ‌أولا: ما تثبت به النبوة عند الماتريدية

- ‌المبحث الرابع: اليوم الآخر عند الماتريدية

- ‌المطلب الأول: مراتب القضاء والقدر عند الماتريدية

- ‌المطلب الثاني: مذهب الماتريدية في أفعال العباد

- ‌أولا: القدرة والاستطاعة

- ‌ثانيا: التكليف بما لا يطاق

- ‌المبحث السادس: خلاصة المسائل العقدية التي خالف فيها الماتريدية السلف

- ‌المبحث الأول: الموازنة بين الماتريدية والأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: الموازنة بين الماتريدية والمعتزلة

- ‌الفصل السادس: الرد على الماتريدية

- ‌المبحث الأول: الرد على الماتريدية في عدم الاحتجاج بخبر الآحاد في العقيدة

- ‌المطلب الأول: معنى "التفويض" في اصطلاح السلف

- ‌المطلب الثاني: التفويض عند الماتريدية

- ‌المطلب الثالث: في إبطال التفويض

- ‌المبحث الثالث: الرد على الماتريدية في باب الأسماء والصفات

- ‌أولا: مخالفة الماتريدية للنقل الصحيح

- ‌ثانيا: خروج الماتريدية على إجماع جميع بني آدم

- ‌ثالثا: مكابرة الماتريدية بداهة العقل الصريح

- ‌خامسا: إبطال شبهاتهم حول "علو" الله تعالى

- ‌المبحث الخامس: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة استواء الله تعالى على عرشه

- ‌المبحث السادس: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة "نزول" الله إلى السماء الدنيا

- ‌المبحث السابع: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة "اليدين" لله تعالى وتحريفهم لنصوصها

- ‌المبحث الثامن: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة الكلام

- ‌المبحث التاسع: الرد على قولهم بخلق أسماء الله الحسنى

الفصل: ‌المبحث الأول: الاعتماد على العقل

‌المبحث الأول: الاعتماد على العقل

يبدو واضحاً لكل باحث مطلع على كتب الماتريدية الكلامية أنهم جعلوا معظم مباحث الإلهيات "عقلياتٍ" فجعلوا "السمع" تابعاً للعقل فيها، ومن هذه العقليات تلك الصفات الثمان التي يسمونها صفاتٍ عقلية ثبوتية، كما يسمونها (صفات المعاني) أيضاً. ويعتمدون في إثباتها على الحجج العقلية التي يرونها قطعية، أما النصوص الشريعة فيذكرونها للاعتضاد، لا للاعتماد (1).

فمصدر تلقي العقيدة في هذه الأبواب هو العقل عندهم والنقل تابع له أما مباحث المعاد فجعلوها سمعية وكذا مباحث النبوات، ويعبرون عن السمعيات بالشرعيات أيضاً. وعرفوا الشرعيات بأنها أمور يجزم العقل بإمكانها ثبوتاً ونفياً، ولا طريق للعقل إليها، وأما العقليات فهي ما ليس كذلك (2).فمصدر العقيدة عندهم في هذه الأبواب هو النقل، والعقل تابع له (3).وقد جعل بعضهم مباحث النبوات من قبيل العقليات (4).فأنت ترى أنهم جعلوا العقل حاكماً فيما يسمونه "العقليات" وجعلوا النقل عاطلاً؛ أما ما يسمونه "السمعيات" فقد جعلوا النقل حاكماً فيه والعقل عاطلاً مع أن من مذهب أهل السنة أنه لا منافاة بين العقل السليم الصريح والنقل الصحيح أصلاً (5)، فالنقل هو الذي يعتمد عليه، والعقل معاضد للنقل ومعاون له كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى، وليس أصلاً من أصول العقيدة يستقل فيه العقل أو يهدر فيه (6).

ولهذا احتج الله تعالى على منكري المعاد بحجج عقلية قطعية في مواضع من كتابه؛ فدل هذا على أن العقل لا يهدر حتى في أمر المعاد بل العقل الصحيح يدل على المعاد أيضاً.

الحاصل: أن الماتريدية لما قسموا أصول الدين إلى "عقليات" و"سمعيات" بنوا على ذلك موقفهم الفاسد من النقل في باب ما يسمونه "العقليات" فأي نقل خالف عقولهم في "العقليات" إن كان من أخبار الآحاد ردوه، أو أوّلوه؛ وإن كان من المتواترات حرفوه بشتى التأويلات الفاسدة، وأما ما يتعلق بالمعاد فلا يؤولونه.

يقول متكلم الماتريدية الهندية، الشيخ عبدالعزيز الفريهاري في صدد إثبات نعيم القبر وعذابه، وسؤال منكر ونكير:

(1)((منهاج السنة)) الطبعة المحققة (7/ 37)، و ((شرح الطحاوية)) (ص 237).

(2)

((شرح المواقف)) (2/ 309).

(3)

راجع على سبيل المثال ((العقائد النسفية)) مع شرحها للتفتازاني فمن أول الكتاب إلى (ص 98)، عقليات ثم بعدها سمعيات، و ((شرح المواقف)) من أوله إلى (8/ 217) عقليات ثم الموقف السادس في السمعيات، والمسايرة مع شرحها لقاسم بن قطلوبغا من أول الكتاب إلى (249)، عقليات ثم الركن الرابع في السمعيات، و ((شرح الإحياء)) إلى (2/ 213)، عقليات ثم سمعيات، وانظر أيضاً ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص 168 - 169).

(4)

انظر ((المسايرة مع شرحها)) لقاسم بن قطلوبغا (ص 216 - 242).

(5)

وكتاب: ((درء التعارض)) نسيج وحده في هذا الباب، وانظر ((إعلام الموقعين)) (2/ 3 - 62، 71 - 134)، ففيها شفاء للمرضى بداء المعارضة بين النقل والعقل.

(6)

راجع ((منهج الأشاعرة في العقيدة)) للدكتور سفر الحوالي (ص 55).

ص: 218

"ثابت كل من هذه الأمور بالدلائل السمعية أي المسموعة من الشارع، وهي الآيات والأحاديث، لأنها أمور ممكنة، غير مستحيلة أخبر بها الصادق، وهو النبي صلى الله عليه وسلم. وقد تقرر أن الأمر الممكن الذي أخبر به الشارع يجب الإيمان به من غير تأويل، وأما الأمر المحال (يعني علو الله تعالى واستوائه ووجهه، ويديه وغيرها من الصفات) فالنص الوارد مؤول مصروف عن الظاهر؛ كالنصوص الموهمة لإثبات جسمية، أو جهة لله تعالى، نحو قوله تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، فإنها مؤولة بالقدرة، وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فإن الاستواء مؤول بالعظمة التامة، والقدرة القاهرة"(1).

‌المصدر:

الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني 1/ 537 - 540

(1)((النبراس)) (ص 316 - 317).

ص: 219

إن مصدر الماتريدية في التلقي هو العقل وقد صرح بهذا الماتريدي في كتاب (التوحيد) وفي (التأويلات) فهو يقول أصل ما يعرف به الدين وجهان: أحدهما السمع والآخر العقل أما السمع فما لا يخلو بشر من انتحاله مذهبا يعتمد عليه ويدعوه غيره إليه

فلزم طلب أصل يجمعهم عليه لغاية ما احتمل وسعهم الوقوف عليه على أن الأحق في ذلك إذ علم بحاجة كل ممن يشاهد وضرورة كل من المعاين أن لهم مدبرا عالما بأحوالهم وبما عليه بقاؤهم وأنه جبلهم على الحاجات لا يدعهم وما هم عليه من الجهل وغلبة الأهواء مع ما لهم من الحاجة في معرفة ما به معاشهم وبقاؤهم دون أن يقيم لهم من يدلهم على ذلك ويعرفهم ذلك ولابد من أن يجعل له دليلا وبرهانا يعلمون خصوصه بالذي خصه به من الإمامة لهم وأحوجهم إليه فيما عليه أمرهم فيكون في ذلك

أنه هو الذي جعله المفزع لهم والمعتمد" (1).وقال أيضا: " إنا وجدنا الناس مختلفي المذاهب في النحل في الدين متفقين على اختلافهم في الدين على كلمة واحدة: أن الذي هو عليه حق والذي عليه غيره باطل على اتفاق جملتهم من أن كلا منهم له سلف يقلد فثبت أن التقليد ليس مما يعذر صاحبه لإصابة مثله ضده على أنه ليس فيه سوى كثرة العدد اللهم إلا أن يكون لأحد ممن ينتهي القول إليه حجة عقل يعلم بها صدقه فيما يدعي وبرهان يقهر المنصفين على إصابته الحق فمن إليه - أي إلى العقل - مرجعه في الدين بما يوجب تحقيقه عنه فهو المحق

" (2).وقال في موضع آخر: " والأصل أن الله تعالى إذ لا سبيل إلى العلم به إلا من طريق دلالة العالم عليه بانقطاع وجوه الوصول إلى معرفته من طريق الحواس عليه أو شهادة السمع .... " (3).وقال أيضا: " إن العلم بالله وبأمره عرض لا يدرك إلا بالاستدلال" (4). أي: بالمعرفة الاستدلالية القائمة على النظر العقلي".وقال في تفسيره لقوله تعالى: لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] "قوله تعالى: لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165] حقيقة الحجة لكن ذلك إنما يكون في العبادات والشرائع التي سبيل معرفتها السمع لا العقل فلا يكون وأما الدين فإن سبيل لزومه بالعقل فلا يكون لهم في ذلك على الله حجة

" (5).والماتريدية لا تقول بالقدرة المطلقة للعقل إذ إن العقل عندهم يدرك ظواهر الأشياء ولا يدرك ماهيتها وحقائقها يقول الماتريدي موضحا هذا: " إن العقول أنشئت متناهية تقصر عن الإحاطة بكلية الأشياء والأفهام متقاصرة عن بلوغ غاية الأمر .... " (6) وهم بذلك يحاولون أن يصلوا إلى غايتهم وهي محاولة التوسط بين العقل والنقل وهذا دفعهم إلى تقسيم العقائد إلى إلهيات ونبوات يستقل العقل بإثباتها وإلى سمعيات لا يستقل العقل بإثباتها ولا تدرك إلا بالسمع (7).

(1)((التوحيد)) (4 - 6).

(2)

((التوحيد)) (3).

(3)

((التوحيد)) (129).

(4)

((التوحيد)) (137).

(5)

((تأويلات أهل السنة)) (1/ 444) نسخة دار الكتب المصرية ل 121 الظاهرية. وانظر ((التوحيد 185)(224)، ((تبصرة الأدلة)) ل (101)، ((التمهيد)) (19)، ((بحر الكلام)) (5، 6، 14)، ((النور اللامع)) ل (80)، ((شرح الشيرازي على منظومة السبكي)) ل (8، 21)، ((بيان الاعتقاد)) ل (22، 23)، ((الخلافيات والوفاقيات)) ل (69، 70)، ((إشارات المرام)) (75)، ((الروضة البهية)) (34، 36، 37).

(6)

((التأويلات)) (1/ل651) دار الكتب.

(7)

انظر ((الحواشي البهية على شرح العقائد النسفية)) (1/ 23).

ص: 220

قال صاحب (نثر اللآلئ): " قد صرح غير واحد من علماء الحنفية بأن العقل حجة من حجج الله تعالى ويجب الاستدلال به قبل ورود الشرع وعليه فيكون إرسال الرسل وإنزال الكتب تتمة للدين من بيان ما لا تهتدي العقول إليه من أنواع العبادات والحدود وأمر البعث والجزاء فإن ذلك مما يشكل مع العقل وحده لا لنفس معرفة الخالق فإنها تنال ببداية (أي ببداهة) العقول"(1).

وهذا المنهج الذي تحاول به الماتريدية التوسط بين العقل والنقل قائم أساسا على فكرة باطلة وهي أن نصوص الوحي متعارضة مع أحكام العقل، وهذا التعارض المزعوم إنما هو في الواقع مسلك الفلاسفة في الأصل الذين لا يثبتون النبوات ولا يرون أن إرسال الرسل وما جاءوا به حقائق ثابتة فمصدرهم في الاستدلال على إثبات الأمور هو العقل وما أثبته العقل فهو الثابت وما نفاه هو المنفي.

فلما اعتمد المتكلمون من المعتزلة ومن نحا نحوهم كالماتريدية والأشاعرة هذا الأصل وقرروا أن العقل هو الميزان الصحيح وأن أحكامه يقينية أقحموا العقل في مجالات ليست من مجال بحثه فخرج العقل بأحكام باطلة وفاسدة وهي بزعمهم أنها يقينية ثم أرادوا أن يجمعوا بين هذه الأحكام ونصوص الوحي فتولد لديهم تعارض بين الأحكام العقلية التي توصلوا إليها وبين نصوص الوحي فأرادوا أن يتخلصوا من هذا التعارض فوضعوا قانونا يسمى بقانون التأويل الذي حاصله أنه يجب تقديم العقل على النقل وتأويل النقل حتى يتفق مع العقل أو تفويضه.

وأصل شبهتهم في تقديمهم للعقل على النقل وجعله مصدر التلقي هو اعتقادهم أن السمع لا يعرف ولا يثبت إلا من طريق العقل. قال صاحب (المسامرة): إن الشرع إنما يثبت بالعقل فإن ثبوته يتوقف على دلالة المعجزة على صدق المبلغ وإنما ثبتت هذه الدلالة بالعقل فلو أتى الشرع مما يكذب العقل وهو شاهده لبطل الشرع والعقل معا .... " (2).

وقد أجاب عن هذه الشبهة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبينا تهافتها وعدم صحتها بقوله: " من المعلوم أنه ليس كل ما يعرف بالعقل يكون أصلا للسمع ودليلا على صحته فإن المعارف العقلية أكثر من أن تحصر والعلم بصحة السمع غايته أن يتوقف على ما به يعلم صدق الرسول صلى الله عليه وسلم.

وليس كل العلوم العقلية يعلم بها صدق الرسول صلى الله عليه وسلم بل ذلك يعلم بما يعلم به أن الله تعالى أرسله مثل إثبات الصانع وتصديقه للرسول بالآيات وأمثال ذلك.

وإذا كان كذلك لم تكن جميع المعقولات أصلا للنقل لا بمعنى توقف العلم بالسمع عليها ولا بمعنى الدلالة على صحته ولا بغير ذلك لا سيما عند كثير من متكلمة الإثبات أو أكثرهم .... الذين يقولون العلم بصدق الرسول عند ظهور المعجزات التي مجرى تصديق الرسول علم ضروري فحينئذ ما يتوقف العلم بصدق الرسول من العلم العقلي سهل يسير مع أن العلم بصدق الرسول له طرق كثيرة متنوعة

(1)((نثر اللآلئ)) (204).

(2)

((المسامرة شرح المسامرة لابن الهمام)) (31، 32)، ط بولاق.

ص: 221

وحينئذ فإذا كان المعارض للسمع من المعقولات ما لا يتوقف العلم بصحة السمع عليه لم يكن يقدح فيه قدحا في أصل السمع وهذا بين واضح وليس القدح في بعض العقليات قدحا في جميعها كما أنه ليس القدح في بعض السمعيات قدحا في جميعها ولا يلزم من صحة بعض العقليات صحة جميعها كما لا يلزم من صحة السمعيات صحة جميعها. وحينئذ فلا يلزم من صحة المعقولات التي تبني عليها معرفتنا بالسمع صحة غيرها من المعقولات ولا من فساد هذه فساد تلك فضلا عن صحة العقليات المناقضة للسمع فكيف يقال إنه يلزم من صحة المعقولات التي هي ملازمة للسمع صحة المعقولات المناقضة للسمع؟ " (1).

ويقال لهم أيضا: "لو قدر تعارض الشرع والعقل لوجب تقديم الشرع لأن العقل قد صدق الشرع ومن ضرورة تصديقه له قبول خبره والشرع لم يصدق العقل في كل ما أخبر به ولا العلم بصدق الشرع موقوف على كل ما يخبر العقل ومعلوم أن هذا المسلك إذا سلك أصح من مسلكهم كما قال بعض أهل الإيمان يكفيك من العقل أن يعرفك صدق الرسول ومعاني كلامه ثم يخلي بينك وبينه. وقال آخر: العقل سلطان ولى الرسول ثم عزل نفسه. ولأن العقل دل على أن الرسول يجب تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر ولأن العقل يدل على صدق الرسول دلالة عامة ولأن العقل يغلط كما يغلط الحس وأكثر من غلطه بكثير فإذا كان حكم الحس أقوى من أقوى الأحكام ويعرض فيه من الغلط ما يعرض فما الظن بالعقل؟ "(2).

قال الإمام أبو المظفر السمعاني رحمه الله: " اعلم أن فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقل فإنهم أسسوا دينهم على المعقول وجعلوا الاتباع والمأثور تبعا للمعقول وأما أهل السنة قالوا: الأصل في الدين الاتباع والعقول تبع ولو كان أساس الدين على المعقول لاستغنى الخلق عن الوحي وعن الأنبياء صلوات الله عليهم ولبطل معنى الأمر والنهي ولقال من شاء ما شاء ولو كان الدين بني على المعقول وجب أن لا يجوز للمؤمنين أن يقبلوا أشياء حتى يعقلوا. ونحن إذا تدبرنا عامة ما جاء في أمر الدين من ذكر صفات الله عز وجل وما تعبد الناس (باعتقاده) وكذلك ما ظهر بين المسلمين وتداولوه بينهم ونقلوه عن سلفهم إلى أن أسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذكر عذاب القبر وسؤال الملكين والحوض والميزان والصراط وصفات النار وتخليد الفريقين فيهما أمور لا تدرك حقائقها بعقولنا وإنما ورد الأمر بقبولها والإيمان بها فإذا سمعنا شيئا من أمور الدين وعقلناه وفهمناه فلله الحمد في ذلك والشكر ومنه التوفيق وما لم يمكنا إدراكه وفهمه ولم تبلغه عقولنا آمنا به وصدقنا واعتقدنا أن هذا من قبل ربوبيته وقدرته واكتفينا في ذلك بعلمه ومشيئته وقال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً [الإسراء:85] وقال تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَاء [البقرة:255] "(3).ثم قال رحمه الله: " وإنما علينا أن نقبل ما عقلناه إيمانا وتصديقا وما لم نعقله قبلناه تسليما واستسلاما وهذا معنى قول القائل من أهل السنة: إن الإسلام قنطرة لا تعبر إلا بالتسليم "(4).

‌المصدر:

الماتريدية دراسة وتقويما لأحمد بن عوض بن داخل اللهيبي الحربي - ص 140 - 145

(1)((درء تعارض العقل والنقل)) (1/ 89، 90)، وانظر ((الصواعق المرسلة)) (3/ 799، 800).

(2)

((الصواعق المرسلة)) (3/ 807).

(3)

((الانتصار لأهل الحديث عن صون المنطق)) (182 - 183).

(4)

((الانتصار لأهل الحديث عن صون المنطق)) (182، 183).

ص: 222