المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تمهيد لقد عرضت للمعطلة بما فيهم الماتريدية شبهة - هي أساس - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني: انقطاع صلة المنهج الأشعري في كثير من مسائله بالسلف:

- ‌المبحث الثالث: بيان مخالفة متأخّري الأشاعرة للأشعري ولكبار أصحابه

- ‌المبحث الرابع: نصوص أئمة أصحاب الأشعري في إثبات الصفات لله تعالى والمنع من تأويلها

- ‌المبحث الخامس: متابعة الأشاعرة لمنهج المعتزلة إما صراحة وإما لزوماً

- ‌المبحث السادس: نصوص العلماء في مخالفة الكلابية والأشاعرية لأهل السنة ولطريق السلف

- ‌المبحث الأول: قولهم في الإيمان

- ‌المبحث الثاني: أشاعرة وافقوا السلف

- ‌المبحث الثالث: الصلة بين الإيمان والإسلام عند الأشاعرة

- ‌المبحث الرابع: قولهم في الزيادة والنقصان

- ‌المبحث الخامس: قولهم في الاستثناء في الإيمان

- ‌المبحث السادس: الفرق بين تصديق الأشاعرة ومعرفة جهم

- ‌المبحث السابع: رأي الأشاعرة في مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث الثامن: مفهوم الكفر عند الأشاعرة

- ‌المبحث التاسع: الرد على من زعم أن الأنبياء والرسل ليسوا اليوم أنبياء ولا رسلا

- ‌المبحث الأول: تعريفه

- ‌المبحث الثاني: مراتب القدر:

- ‌المطلب الأول: تعليل أفعال الله وإثبات الحكمة فيها:

- ‌المطلب الثاني: هل الإرادة تقتضي المحبة أم لا

- ‌المبحث الرابع: أفعال العباد عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: تعريف العلة عند الأشاعرة:

- ‌المطلب الثاني: موقف الأشاعرة من الحكمة والتعليل

- ‌المطلب الثالث: تحرير محل النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة

- ‌المطلب الرابع: أدلة الأشاعرة والجواب عنها

- ‌المطلب الأول: التحسين والتقبيح

- ‌المطلب الثاني: معاني الحسن والقبح، وتحرير محل النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة

- ‌المطلب الثالث: ثمرة الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة في الحسن والقبح العقليين

- ‌المطلب الرابع: أدلة نفاة الحسن والقبح العقليين والجواب عنها

- ‌المطلب الخامس: أحكام متعلقة بأفعال الله المتعدية عند الأشاعرة

- ‌المطلب السادس: هل يجب على الله تعالى شيء

- ‌المطلب السابع: معنى الظلم

- ‌المطلب الأول: عقيدة العادة عند الأشاعرة

- ‌المطلب الثاني: الحكم المترتب على مخالفة عقيدة العادة

- ‌المطلب الثالث: نقد مفهوم العادة

- ‌المطلب الرابع: عقيدة العادة مبطلة لعقيدة التوحيد

- ‌المطلب الخامس: عقيدة العادة مبطلة لمبادئ العلوم

- ‌المطلب السادس: الأسباب والمسببات عند الأشاعرة وعلاقتها بأفعال الله

- ‌المبحث الثامن: نقد موقف الأشاعرة من الخوارق والمعجزات

- ‌المطلب الأول: نشأة مصطلح "أهل السنة" وتاريخ إطلاقه:

- ‌المطلب الثاني: معنى أهل السنة

- ‌المطلب الثالث: تنازع الطوائف هذا اللقب

- ‌المطلب الرابع: طريق معرفة السنة وإدراكها

- ‌المطلب الخامس: موقف الأشاعرة من النقل عموماً والسنة خصوصاً

- ‌المطلب السادس: سلف الأشاعرة وموقف أهل السنة منهم

- ‌المبحث الثاني: موقف علماء أهل السنة من دعوى الأشاعرة أنهم أهل السنة

- ‌المبحث الثالث: مواقف العلماء الآخرين من المذهب الأشعري

- ‌المبحث الرابع: من أهم المسائل التي خالف فيها الأشاعرة أهل السنة

- ‌المبحث الأول: الرد على متأخري الأشاعرة بأقوال شيوخهم وردود بعضهم على بعض

- ‌المبحث الثاني: إبطال دعوى الأشاعرة أنهم أكثر الأمة

- ‌المبحث الثالث: ذكر بعض من نسبوا إلى الأشعرية وبيان براءتهم منها

- ‌المبحث الرابع: بطلان دعوى أن ابن حجر كان أشعريا

- ‌المبحث الخامس: مسائل الخلاف بين الأشعرية والماتريدية

- ‌المبحث السادس: تناقض الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: التناحر الأشعري الأشعري

- ‌المبحث الثامن: حيرة الأشاعرة وشكهم ورجوعهم عن علم الكلام

- ‌المبحث التاسع: من كلام الإمام الجويني (الأب) في رسالته التي وجهها إلى شيوخه بعد رجوعه إلى مذهب السلف

- ‌المبحث الأول: التعريف بالماتريدية

- ‌المطلب الأول: حياته

- ‌المطلب الثاني: مصنفاته

- ‌المطلب الثالث: شيوخه وتلاميذه

- ‌المطلب الرابع: أهم آراء الماتريدي إجمالا

- ‌المبحث الأول: نشأة الماتريدية وأهم زعمائها

- ‌المبحث الثاني: أسباب انتشار الماتريدية

- ‌المبحث الأول: الاعتماد على العقل

- ‌المبحث الثاني: ترك الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقيدة

- ‌المبحث الثالث: القول بالمجاز

- ‌المبحث الرابع: معرفة الله واجبة عندهم بالعقل قبل ورود السمع

- ‌المبحث الخامس: القول بالتحسين والتقبيح العقليين

- ‌المبحث السادس: التأويل والتفويض

- ‌المطلب الأول: معنى الإيمان وحقيقته

- ‌المطلب الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المطلب الثالث: الاستثناء في الإيمان

- ‌المطلب الرابع: الإيمان والإسلام

- ‌المطلب الخامس: حكم إيمان المقلد

- ‌المطلب السادس: حكم مرتكب الكبيرة

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: توحيد الربوبية والألوهية

- ‌تمهيد

- ‌أولا: مذهب الماتريدية في الأسماء الحسنى

- ‌ثانيا: مذهب الماتريدية في صفات الله تعالى

- ‌أولا: ما تثبت به النبوة عند الماتريدية

- ‌المبحث الرابع: اليوم الآخر عند الماتريدية

- ‌المطلب الأول: مراتب القضاء والقدر عند الماتريدية

- ‌المطلب الثاني: مذهب الماتريدية في أفعال العباد

- ‌أولا: القدرة والاستطاعة

- ‌ثانيا: التكليف بما لا يطاق

- ‌المبحث السادس: خلاصة المسائل العقدية التي خالف فيها الماتريدية السلف

- ‌المبحث الأول: الموازنة بين الماتريدية والأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: الموازنة بين الماتريدية والمعتزلة

- ‌الفصل السادس: الرد على الماتريدية

- ‌المبحث الأول: الرد على الماتريدية في عدم الاحتجاج بخبر الآحاد في العقيدة

- ‌المطلب الأول: معنى "التفويض" في اصطلاح السلف

- ‌المطلب الثاني: التفويض عند الماتريدية

- ‌المطلب الثالث: في إبطال التفويض

- ‌المبحث الثالث: الرد على الماتريدية في باب الأسماء والصفات

- ‌أولا: مخالفة الماتريدية للنقل الصحيح

- ‌ثانيا: خروج الماتريدية على إجماع جميع بني آدم

- ‌ثالثا: مكابرة الماتريدية بداهة العقل الصريح

- ‌خامسا: إبطال شبهاتهم حول "علو" الله تعالى

- ‌المبحث الخامس: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة استواء الله تعالى على عرشه

- ‌المبحث السادس: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة "نزول" الله إلى السماء الدنيا

- ‌المبحث السابع: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة "اليدين" لله تعالى وتحريفهم لنصوصها

- ‌المبحث الثامن: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة الكلام

- ‌المبحث التاسع: الرد على قولهم بخلق أسماء الله الحسنى

الفصل: ‌ ‌تمهيد لقد عرضت للمعطلة بما فيهم الماتريدية شبهة - هي أساس

‌تمهيد

لقد عرضت للمعطلة بما فيهم الماتريدية شبهة - هي أساس كل فساد وضلال- حول صفات الله تعالى، ونصوصها في الكتاب والسنة، وهي أن ظاهر نصوص الصفات تشبيه الله تعالى بخلقه، ولو تركنا هذه النصوص على ظاهرها بدون تفويض أو تأويل، وأثبتنا ما تدل عليها دلالة حقيقة من العلو، والاستواء، والنزول، والوجه، واليدين، والغضب، والرضى، ونحوها، ولم نصرفها إلى المعاني المجازية، يلزم من ذلك تشبيه، وهذا يخالف التنزيه.

وهذه الشبهة هي أصل أصولها الثلاثة الأخرى، وهي:

1 -

أن العقل يستحيل ما تدل عليه ظواهر هذه النصوص، وهي ظواهر ظنية في معارضة البراهين العقلية القطعية فنقدم عليها البراهين العقلية.

2 -

أما هذه الظواهر الظنية فهي إما أن نفوض معانيها إلى الله تعالى كما فعله السلف في زعمهم الباطل.

3 -

وإما أن نؤولها بأنواع من المجازات إلى معانٍ توافق البراهين العقلية، كما سيأتي تفصيل ذلك في الفصول الثلاثة الآتية.

وأنا بمشيئة الله تعالى أتحدث في هذا المبحث عن هذه الشبهة التي هي أم الشبهات، وأذكر تاريخها، ثم أذكر نماذجها عن كتب الماتريدية حيث طبقوها عملياً على صفات الله تعالى، ثم أناقشهم في المبحث الثاني بتوفيق الله عز وجل، فأقول وبه أستعين.

لما كانت قلوب السلف الصالح وفيهم الإمام أبو حنيفة سليمةً وفطرهم مستقيمةً، وأذهانهم صافيةً مطهرةً من أرجاس الفلسفة وأنجاس بيئة الكلام، لم يخطر ببالهم أن نصوص الصفات توهم التشبيه ولا ظنوا أن صفات الله تعالى تشبهُهُ صفاتُ المخلوقين، فكان منهجهم إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً في بعض الصفات كالقول في بعضها على طريقة واحدة، فلم يكن عندهم شيء من التشبيه والتعطيل ولا عندهم شيء من التفويض والتأويل كما سيأتي.

وتحقيقاً لما قلنا وتمثيلاً لذلك أُقدِّم نصاً للإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، ليكون قولا فاصلا قاطعا قاضيا على الماتريدية:"وله يد ووجه ونفس كما ذكره الله تعالى في القرآن، فما ذكره الله تعالى في القرآن من ذكر الوجه، واليد، والنفس فهو له صفات بلا كيف، ولا يقال: إن يده قدرته، أو نعمته، لأن فيه إبطال الصفة، هو قول أهل القدر والاعتزال، ولكن يده صفة بلا كيف، وغضبه، ورضاه صفتان من صفاته تعالى بلا كيف"(1).وقال: "لا ينبغي لأحد أن ينطق في الله تعالى بشيء في ذاته، ولكن نصفه بما وصف سبحانه به نفسه .. "(2).وقال: "لا يوصف الله بصفات المخلوقين، وغضبه ورضاه صفتان من صفاته بلا كيف، وهو قول أهل السنة والجماعة، وهو يغضب ويرضى ولا يقال: غضبه عقوبته، ورضاه ثوابه، ونصفه كما وصف نفسه

" (3).

فهذه عقيدة الإمام أبي حنيفة - تمثل عقيدة السلف في الصفات وتقضي على شبهة التشبيه أولاً وعلى التفويض ثانياً والتأويل ثالثاً.

ولكن الحنفية الماتريدية لسبب تأثرهم ببيئة الجهمية تخيلوا من صفات الله تعالى ما يليق بالمخلوقين فكان هذا هو الدافع لهم على التفويض أو التأويل كما كان الجهمية الأولى تزعم أن إثبات الصفات لله تعالى كفر وتشبيه؛ بل القرامطة الباطنية بنوا التعطيل على هذه الشبهة نفسها.

(1)((الفقه الأكبر مع شرحه)) للقاري (ص 58 - 59) و ((مع شرحه)) للمغنيساوي (ص 13).

(2)

رواه الإمام القاضي أبو العلاء صاعد بن محمد إمام الحنفية في كتابه الاعتقاد عن أبي يوسف عنه. انظر ((جلاء العينين)) لنعمان الآلوسي (ص 368).

(3)

((الفقه الأبسط)) لأبي حنيفة – تحقيق الكوثري (ص56) وسكت عليه.

ص: 274

قال الإمام أحمد عن الجهم (128هـ): "

ووجد ثلاث آيات من المتشابه قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وَهُوَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ الأنعام:3 [، لَاّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ] الأنعام:103 [] فهي أصل كلامه على هذه الآيات، وتأويل القرآن على غير تأويله، وكذب بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسوله صلى الله عليه وسلم كان كافراً، وكان من المشبهة. فأضل بكلامه بشراً كثيراً، وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة، وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية" (1).وقال:"وقالوا: لم يتكلم ولا يتلكم، لأن الكلام لا يكون إلا بجارحة، والجوارح منفية"(2).وقال: "وقالوا: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم، إنما كون شيئاً فعبر عن الله وخلق صوتاً فأسمع، وزعموا أن الكلام لا يكون إلا من جوف، ولسان وشفتين"(3).هذه كانت شبهة الجهمية في التعطيل بشهادة الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة. وتبعهم في ذلك الحنفية الماتريدية حذو النعل ورددوا صداهم وطبقوها عملياً فترى كتب الماتريدية مكتظة بهذه الشبهة الجهمية الدافعة لهم على تحريف النصوص وتعطيل الصفات تحريفاً يسمونه تأويلاً، فنراهم كلما يؤولون صفة من صفات الله تعالى يتشبثون بتلك الشبهة الباطلة (4).ويزعمون أن حمل هذه النصوص على ظاهرها يستحيله العقل فهي إما أن يفوض في معانيها أو تؤول فهم أولاً وقعوا في التشبيه، وثانياً فروا منه، وثالثاً حرفوا النصوص، ورابعاً عطلوا الصفات، وخامساً وقعوا فيما فروا منه من التشبيه والتمثيل بل أشد منه حيث وصفوا الله بصفات المعدوم بل الممتنع (5).

(1)((الرد على الجهمية)) (ص104 - 105)، وانظر ((سنن الترمذي)) (ص3/ 41 - 42)، و ((فتح الباري)) (13/ 407) ((شذرات البلاتين)) تحقيق الفقي:15.

(2)

((الرد على الجهمية)) (ص 106)، ((شذرات البلاتين)) (ص 16).

(3)

((الرد على الجهمية)) (ص 130)، و ((ضمن شذرات البلاتين)) (ص 30).

(4)

انظر ((هذه القاعدة في ((المسايرة)) مع المسامرة)) (ص 35، 29)، ((أصول الدين)) لأبي اليسر البزدوي (ص 25)، و ((إشارات المرام)) (ص107، 189)، و ((شرح العقائد النسفية)) للتفتازاني (ص 42)، و ((حاشية الكستلي على شرح العقائد)) (ص 73)، و ((حاشية الخيالي على شرح العقائد)) (ص 57)، و ((حاشية البهشتي على حاشية الخيالي)) (ص 57)، و ((حاشية العصام على شرح التلفتازاني على العقائد النسفية)) (ص 163، 158)((شرح المقاصد)) (4/ 50).

(5)

راجع ((رسالة في إثبات الاستواء والفوقية للجويني ضمن مجموعة الرسائل المنيرية)) (ص1/ 181)، ((درء التعارض)) (4/ 9)، و ((التدمرية)) (ص 19، 79 – 85)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (3/ 48 - 53، 9)، و ((الحموية)) (ص32 - 33)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (5/ 27 – 28، 196، 261)، و ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (ص 245)، و ((جلاء العينين)) لنعمان الآلوسي (ص 391)، ومقدمة أبي الحسن الندوي لكتاب ((العقيدة السنية)) للشاه ولي الله الدهلوي (ص 7). وسيأتي مزيد الشرح في مناقشتنا للماتريدية في تعطيلهم لصفة "العلو".

ص: 275

كما سيأتي شرحه إن شاء الله، وسادساً وقعوا في التناقض الواضح والاضطراب الفاضح حيث أثبتوا بعض الصفات وعطلوا بعضها بهذه الشبهة الجائزة مع أن تلك الشبهة موجودة فيما أثبتوه من الصفات أيضاً إذ لا فرق بين ما أثبتوه وبين ما نفوه، ولذلك نرى الجهمية الأولى والمعتزلة ينفون جميع الصفات بتلك الشبهة والغلاة من الجهمية ينفون الأسماء أيضاً (1).لأن هؤلاء الماتريدية على عادة المعطلة يتبادر إلى أذهانهم أن صفات الله تعالى من جنس صفات المخلوقين فتخيلوا من صفات الله تعالى ما تخيلوا من صفات المخلوقين من اللوازم كما خيل ذلك إلى الجهمية الأولى فقاسوا لخالق على المخلوق كما حقق ذلك شيخ الإسلام وغيره (2).

قال الإمام أبو محمد عبدالله بن يوسف الجويني (438هـ) والد إمام الحرمين في صدد بيان انشراح صدره للعقيدة السلفية ورجوعه عن العقيدة الجهمية (أبو إبراهيم بن شيخ الحزاميين الواسطي 711هـ):"والذي شرح الله صدري في حال هؤلاء والشيوخ الذين أولوا الاستواء بالاستيلاء والنزول بنزول الأمر، واليدين بالنعمتين، والقدرتين - هو علمي بأنهم ما فهموا من صفات الرب تعالى إلا ما يليق بالمخلوقين فما فهموا عن الله استواءً يليق به، ولا نزولاً يليق به، ولا يدين تليق بعظمته بلا تكييف، ولا تشبيه، فلذلك حرفوا الكلم عن مواضعه، وعطلوا ما وصف الله تعالى نفسه به

" (3).ونقدم إلى القراء الكرام أمثلة واقعة لتطبيق الماتريدية تلك الشبهة الجهمية على صفات الله؛ ليعلم القراء أن أصل بلاء الجهمية جميعاً هي هذه الشبهة الفاسدة (4).

(1) انظر ((التدميرة)) (ص 182 - 183)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)(3/ 99 - 100)

(2)

((التدمرية)) (ص 81 - 83)) ((ضمن مجموع الفتاوى)) (3/ 49 - 51).

(3)

((رسالة في إثبات الاستواء والفوقية للجويني ضمن مجموعة الرسائل المنيرة)) (1/ 181)، و ((مثله كلام الإمام الخطابي فيما نقله عنه البيهقي في السنن الكبرى)) (3/ 3)، و ((الأسماء والصفات)) (ص 453)، وانظر ((مختصر الصواعق)) (2/ 385).

(4)

راجع ((القصيدة النونية)) (ص 166)، و ((شرحها وتوضيح المقاصد)) (2/ 295)، و ((شرحها للدكتور محمد خليل هراس)) (2/ 151)((توضيح الكافية)) للسعدي (ص 139).

ص: 276

أولاً: صفة علو الله تعالى: الماتريدية فهموا من نصوص علو الله على عرشه وفوقيته على عباده أنه يلزم من ظاهرها أن الله تعالى في الجهة، وأنه محاط وكل ذلك وصف الخلائق (1)، وأن من كان في جهة لابد أن يكون بينهما مسافة مقدرة، ويتصور أن تكون أزيد من ذلك أو أنقص أو مساوية (2)، ولو كان في جهة لزم قدم المكان والجهة والحيز ولزم كونه جاهزاً، وجسماً، ومركباً أو يكون محلاً للحوادث (3)، وأيضاً: إما أن يساوى الحيز أو ينقص عنه فيكون متناهياً أو يزيد عليه فيكون متحيزاً (4).قلت: بناءً على هذه الشبهة حرفوا نصوص العلو وعطلوا صفة العلو ووصفوا الله بصفات الممتنعات، فقالوا: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه (5). وأنه ليس في الجهات الست لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف (6).وأنه ليس على العرش ولا على غيره، ولا فوق العرش (7)، فليس الله فوق العالم (8)، ويكفرون من وصف الله تعالى بأنه في السماء أو وصفه بأنه فوق (9).وقالوا: من جوز في معبوده الدخول أو الخروج والاستقرار فهو عابد وثن (10). وأن المشبهة - يعنون من أثبت الاستواء- لاحظ لهم من الإسلام غير أنهم جعلوا صنمهم الأرضي صنماً سماوياً (11)، وأن الله تعالى لا على شيء

ومن وصفه أنه على شيء فقد وصفه بأنه محتاج محمول فيكفر (12).ويحرفون نصوص الكتاب والسنة في علو الله تعالى على خلقه وفوقيته على عباده إلى فوقية القهر، والاستيلاء وتعاليه عن الأمكنية (13). وعلو القهر وعلى القهر والغلبة وعلو المكانة (14)، وفوقية الربوبية والعظمة (15)، وعلو العظمة والعزة (16)،

(1)((كتاب التوحيد للماتريدي)) (ص 70)، و ((البداية)) للصابوني (ص45، 47)، و ((شرح العقائد النسفية)) (ص 40) و ((النبراس)) (ص178 - 179).

(2)

((كتاب التوحيد للماتريدي)) (ص 70)، و ((البداية)) للصابوني (ص45، 47)، و ((شرح العقائد النسفية)) (ص 40) و ((النبراس)) (ص178 - 179).

(3)

((شرح المواقف للجرجاني)) (8/ 20 - 22)، و ((شرح العقائد النسفية)) (ص 40)، و ((النبراس)) (ص 178 - 179).

(4)

((شرح العقائد النسفية)) (ص 40)، و ((النبراس)) (ص 178 - 179).

(5)

((كتاب التوحيد للماتريدي)) (ص 107)، ((تبصرة الأدلة)) (73/أ-ب)، ((الدرة الفاخرة للجامي)) (ص 202)((شرح العقائد النسفية)) (ص 42)، ((شرح المواقف)) (8/ 23)، و ((إشارات المرام)) (ص 197)، ((النبراس)) (ص 184)، و ((تبديد الظلام)) (ص35،78).

(6)

((بدء الأمالي مع شرحه ضوء المعالي)) (ص23 - 25)، و ((الطريقة المحمدية)) (ص 17)، و ((شرح العقائد النسفية)) (ص 40)، و ((شرح المواقف)) (8/ 19)، و ((حاشية الكستلي)) (ص 72)، و ((النبراس)) (ص 180).

(7)

((أصول الدين)) لأبي اليسر البزدوي (ص 28)، وانظر ((ضوء المعالي)) للقاري (ص 25).

(8)

((أصول الدين)) لأبي اليسر البزدوي (ص 31).

(9)

((البحر الرائق)) (5/ 120).

(10)

((تبدين الظلام)) للكوثري (35)، قلت: يريدون نفي كون الله بائناً عن العالم ونفي كونه على العرش.

(11)

((تعليقات للكوثري على تبين كذب المفتري)) (ص 28).

(12)

((بحر الكلام)) لأبي المعين النسفي (ص25 - 26)، و ((الجوهرة المنيفة)) لملا حسين (ص 10).

(13)

((تأويلات أهل السنة)) للماتريدي (1/ 58)، و ((إشارات المرام)) (ص 98)، و ((تعليقات الكوثري على الأسماء والصفات)) (ص 406).

(14)

((شرح الفقه الأكبر)) للقاري (ص 171)، و ((تعليقات الكوثري على الفقه الأبسط)) (ص 51)، و ((مقدمته على الأسماء والصفات: ط وتعليقاته عليها)) (ص 406).

(15)

((شرح الإحياء للزبيدي)) (2/ 108).

(16)

((تعليقات الكوثري على الأسماء والصفات)) (ص 406) ..

ص: 277

وعلو الشأن، وفوقية العز، والقهر والتنزيه (1)، وغيرها من التأويلات الباطلة، ويعدّون شبهاتهم في نفي العلو براهين قاطعة مع أنها جهالات وحماقات بحتة.

أما البراهين القاطعة العقلية الصريحة والحجج الفطرية التي احتج بها أبو حنيفة وغيره من السلف - فهي عندهم أوهام.

ثانياً: صفة الاستواء: فهؤلاء كلما سمعوا باستوائه تعالى على عرشه تشبثوا بشبهات الجهمية الأولى (2).وقالوا: هذا يستلزم المكان، والتغير لله تعالى، وهذا ما أمارات الحدوث وفيه تمكين الحاجة، وذلك أثر النقصان (3)، بل يكون الله محدوداً محاطاً، وكل ذلك وصف الخلائق (4).وقالوا: لو قلنا: إنه على العرش لحصل في ذاته التغير والانتقال، والقديم لا يتصور عليه ذلك فهو لا على العرش ولا على غيره، ولأن ذلك من صفات الأجسام (5)، وأن الاستواء يشعر بالتحيز (6) وغيرها من اللوازم (7).ولذلك حرفوا نصوص الاستواء إلى الاستيلاء (8)، أو إلى التمام (9).وقال الجرجاني: إن فسر الاستواء بالاستيلاء فمرجعه إلى صفة القدرة، وإن فسر بالقصد فمرجعه إلى صفة الإرادة، ولا يجوز التعويل على ظاهر النصوص (10).

ثالثاً: صفتي الوجه واليدين ونحوهما: كلما مرت عليهم آيات من كتاب الله أو أحاديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تنص على صفات الله تعالى من الوجه، واليدين، والعين، والأصابع، واليمين، والساق، والقدم ونحوها يتبادر إلى أذهانهم أنها جوارح (11)، وأنه لو قلنا بإثبات ذلك له تعالى يلزم كونه متبعضاً، ومنجزياً، ومركباً (12)، ولذلك يركزون بقولهم:"ليس متبعضاً، ولا منجزياً، ولا متركباً"(13).

رابعاً: صفة النزول ونحوها: إذا تليت عليهم آيات بينات، وأحاديث واضحات تنص على نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا، ومجيئه تعالى يوم القيامة فهموا من ذلك انتقالاً انتقال الأعراض، والأجسام (14).ويرى الماتريدي إن إثبات هذه الصفات لله تعالى يستلزم التغير والزوال لله تعالى فيكون الله تعالى من الآفلين، وقد قال إبراهيم عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام:76]. فيجب صرف ذلك إلى الوجه الذي يحق بالربوبية (15).

(1)((تبدين الظلام)) للكوثري (ص 88).

(2)

قارن بين شبهات الماتريدية في صفة الاستواء بشبهات المعتزلة: انظر ((متشابه القرآن)) (ص 72 - 73)، و ((شرح أصول الخمسة)) لعبد الجبار المعتزلي الحنفي (ص 226).

(3)

((كتاب التوحيد للماتريدي)) (ص28 - 29).

(4)

((كتاب التوحيد للماتريدي)) (ص28 - 29).

(5)

((أصول الدين البزدوي)) (ص 28 - 29).

(6)

((حاشية حسن الجلبي على شرح المواقف)) (8/ 24).

(7)

((شرح المواقف)) (8/ 20 - 22)

(8)

انظر كتاب ((التوحيد)) للماتريدي (ص 72)، و ((تأويلات أهل السنة له)) (1/ 85).

(9)

((كتاب التوحيد)) للماتريدي (ص 37)، و ((ضوء المعالي)) للقاري (ص 32).

(10)

((شرح المواقف)) (8/ 110 - 111).

(11)

انظر ((أصول الدين)) لأبي اليسر البزدوي (ص 28)، و ((إشارات المرام)) (ص 189).

(12)

انظر ((حاشية العصام على شرح العقائد النسفية)) (ص 158).

(13)

((العقائد النسفية مع شرحها للتفتازاني)) (ص 39)، و ((النبراس)) (ص 175).

(14)

انظر ((التوحيد)) للماتريدي (ص 77)، ((أصول الدين)) لأبي اليسر (البزدوي)(ص 27)، ((حاشية الحسن الشلبي على شرح المواقف)) (8/ 24).

(15)

انظر ((كتاب التوحيد)) للماتريدي (ص 53)، و ((بحر الكلام)) لأبي المعين النسفي (ص 22).

ص: 278

خامساً: صفتي الغضب، ونحوهما: إذا قرأوا من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما دل على إثبات الغضب والرضا، والفرح، والحياء، والضحك والتعجب، والرحمة ونحوها لله تعالى - فهموا أنها كيفيات وعوارض نفسانية (1) وأنها تغيرات، وانفعالات يجب تنزيه الله تعالى عنها (2) وأنها انفعالات نفسانية (3)، وأنه تعالى لا يوصف بالأعراض المحسوسة، والكيفيات النفسانية (4).وقالوا: إنما يصار إلى المجاز لاستحالة الحقيقة على الله تعالى، لأنها عبارة عن حالة نفسانية فالكل في حقه تعالى محال (5).

سادساً: صفة الكلام: وإذا تصوروا صفة الكلام يتبادر إلى أذهانهم "الآلة والجارحة"(6) أي اللسان، والفم، والشفتان، والأسنان، والحلق كزعم الجهم تماماً كما سبق، وأنه يلزم كون الله تعالى محلاً للحوادث، والأعراض (7).

ولذلك تراهم يعطلون صفة الكلام، ويقولون ببدعة الكلام النفسي وببدعة القول بخلق القرآن، ويصرحون بأنه لا خلاف بينهم وبين المعتزلة في مسألة خلق القرآن غير أن المعتزلة لا يقولون ببدعة الكلام النفسي والماتريدية جمعوا بين بدعتين خطيرتين بدعة القول بخلق القرآن، وبدعة القول بالكلام النفسي، ولذا ينفون سماع كلام الله.

سابعاً: رؤية المؤمنين ربهم بالأبصار في الآخرة:

هكذا تراهم يشترطون شروطاً وقيوداً سلبية في مسألة رؤية الله تعالى؛ لأنه تبادر إلى أذهانهم رؤية الجسم. يقول أبو منصور الماتريدي: "فإن قيل: كيف يرى؟ قيل: بلا كيف، إذ الكيفية تكون لدى صورة بل يرى بلا وصف قيام وقعود واتكاء وتعلق واتصال وانفصال ومقابلة ومدابرة، وقصير وطويل، ونور، وظلمة وساكن ومتحرك، ومماس ومباين، وخارج وداخل ولا معنى يأخذه الوهم أو يقدره العقل لتعاليه عن ذلك"(8).

فأنت ترى أيها المسلم أن هذه الشروط السلبية مخالفة للعقل والنقل والفطرة واللغة، فهم في الحقيقة وقعوا في رفع النقيضين كما أنهم وقعوا في نفي علو الله تعالى بل نفي وجود الله، فإن هذه صفات المعدوم كما أنهم وقعوا في نفي الرؤية البصرية أيضاً وإن تظاهروا بإثباتها. ولذلك جعل عقلاؤهم هذا الخلاف بينهم وبين المعتزلة لفظياً؛ لأن الماتريدية جوزوا رؤية "أعمى" "الصين" "بقَّةً" في الأندلس" (9).قلت: هذه ليست رؤية بصرية؛ لأنه لا شك أن رؤية أعمى الصين "بقةً" في الأندلس - والأعمى يكون في المشرق، والبقة تكون في المغرب- إنما هي رؤية القلب التي هي علم ومعرفة؛ ولذلك حكم عليهم شيخ الإسلام بأنهم جعلوا رؤية الله تعالى مستحيلة (10)، وصار قولهم هذا ضحكة متناقضاً محالاً سفسطة حتى عند المعتزلة والروافض (11).

هذه كانت بعض نماذج لهذه الشبهة قدمناها من كتب الماتريدية.

‌المصدر:

الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات لشمس السلفي الأفغاني 1/ 470

(1) انظر ((المسايرة مع المسامرة)) (ص 29).

(2)

المصدر نفسه و ((إشارات المرام)) (ص 110).

(3)

((إشارات المرام)) (ص 189)، ((نشر الطوالع)) (ص 312).

(4)

((حاشية العصام على شرح العقائد النسفية)) (ص 159).

(5)

((إشارات المرام)) (ص 187)

(6)

((حاشية العصام على شرح العقائد النسفية)) (ص 181).

(7)

((شرح العقائد النسفية)) (ص 55)، ((حاشية العصام عليه)) (ص 184 - 185)، ((المسايرة)) (ص84)، ((حاشية عبدالحكيم على حاشية الخيالي على شرح العقائد النسفية)) (ص 264، 28، 40، 46، 63)، و ((النبراس)) (ص 141).

(8)

((كتاب التوحيد)) للماتريدي (ص 85)، وانظر أيضا ((ضوء المعالي شرح بدء الأمالي)) للقاري (ص 43) وراجع أيضاً إلى ((شرح العقائد النسفية)) (ص 73)، و ((البداية من الكفاية)) (ص 74)، و ((المسايرة مع المسامرة)) (ص 41، 43، 46)، و ((أصول الدين)) لأبي اليسر البزدوي (ص 77)، ((إشارات المرام)) (ص 201 - 203)، و ((حاشية الكستلي)) (ص 107)، و ((نشر الطوالع)(ص 265)، و ((الطريقة المحمدية)) (ص 17)، و ((شرح المواقف)) (8/ 116، 143).

(9)

انظر ((حاشية الكستلي على شرح العقائد)) (ص 108)، و ((حاشية الخيالي على شرح العقائد النسفية)) (ص 73)، و ((حاشية البهشتي على حاشية الخيالي على شرح العقائد)) (ص 73)، و ((إشارات المرام)) (ص 202)، و ((حاشية أحمد الجندي على شرح العقائد)) (ص 141)، و ((حاشية عبدالحكيم على الخيالي)) (ص 284)، و ((حاشية العصام على شرح العقائد)) (ص 199)، ((أصول الدين لأبي اليسر البزدوي)) (ص 77)، و ((المسايرة مع المسامرة)) (ص 41، 69)، و ((شرح المواقف)) (8/ 139)، و ((راجع شرح المقاصد)) (4/ 197).

(10)

((بيان تلبيس الجهمية)) (ص 72 - 78)، و ((المراكشية)) (ص 49)، ((مجموع الفتاوى)) (5/ 175).

(11)

راجع ((منهاج الكرامة في إثبات الإمامة)) لابن المطهر الحالي 726هـ (ص 18)، وانظر أيضا ((منهاج السنة)) لشيخ الإسلام (2/ 75)، الطبعة القديمة، و (3/ 340 - 341)، الطبعة المحققة، و ((المنتقى)) للذهبي (ص 151).

ص: 279