الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب السادس: سلف الأشاعرة وموقف أهل السنة منهم
سلف الأشاعرة:
قبل أن أذكر مواقف أهل العلم من ادعاء الأشاعرة أنهم أهل السنة، أرى أن نتعرف على سلف الأشاعرة، وموقف علماء أهل السنة من السلف منهم.
تشير المصادر التي بين أيدينا بما فيها كتب الأشاعرة أنفسهم – إلى أن سلفهم في مقالتهم هو عبدالله بن سعيد بن كلاب، وأبو العباس القلانسي، والحارث المحاسبي. يقول الشهرستاني "479 - 548هـ" – بعد أن بين أن جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون صفات الله عز وجل من غير تفرقة بين الصفات الذاتية منها والصفات الفعلية
…
-: "حتى انتهى الزمان إلى عبدالله بن سعيد الكلابي، وأبي العباس القلانسي، والحارث بن أسد المحاسبي. وهؤلاء كانوا من جملة السلف إلا أنهم باشروا علم الكلام، وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية، وبراهين أصوليه، وصنف بعضهم، ودرس بعضهم، حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه مناظرة في مسائل من مسائل الصلاح والأصلح فتخاصما، وانحاز الأشعري إلى هذه الطائفة، فأيد مقالتهم بمناهج كلامية، وصار ذلك مذهباً لأهل السنة والجماعة، وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية"(1).وكلام الشهرستاني يفيد صراحة؛ أن مذهب الأشعرية إنما تلتمس أصوله لدى جماعة من الصفاتية باشروا الكلام وأثبتوا الصفات من أمثال الكلابي، والقلانسي والمحاسبي (2).ويعتبر الأشاعرة ابن كلاب، إمام أهل السنة في عصره، ويعدونه شيخهم الأول فيقولون: "ذهب شيخنا الكلابي عبدالله بن سعيد إلى
…
" (3).كما يذكرونه وكذا القلانسي في كتبهم مشيرين إلى أنهما من أصحابهم (4).
فهؤلاء هم سلف الأشعرية، وقد كانوا من جملة السلف، ثم باشروا علم الكلام، فجرهم ذلك إلى مخالفة السلف في بعض ما يقولون وموافقة المعتزلة في بعض أصولهم، وأشهر ما خالفوا فيه السلف ووافقوا فيه المعتزلة مسألة قيام الأفعال الاختيارية بذات الله تعالى.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكان الناس قبل أبي محمد بن كلاب صنفين:
فأهل السنة والجماعة: يثبتون ما يقوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها.
والجهمية من المعتزلة وغيرهم: تنكر هذا، وهذا. فأثبت ابن كلاب: قيام الصفات اللازمة به، ونفى أن يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها ووافقه على ذلك أبو العباس القلانسي وأبو الحسن الأشعري وغيرهما" (5).
فوافق السلف والأئمة من أهل السنة في إثبات الصفات، ووافق الجهمية في نفي قيام الأفعال الاختيارية وما يتعلق بمشيئته وقدرته.
فكان في مسلكهم ميل إلى البدع ومخالفة للسنة ومقارفة للكلام مما جعل علماء السلف من أهل السنة يحذرون منهم. وقد كان الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة "164 - 241هـ" من أشدهم في ذلك، فقد هجر الحارث بن أسد المحاسبي لأجل ذلك. كما يقول: أبو القاسم النصر أباذي: "بلغني أن الحارث المحاسبي تكلم في شيء من الكلام فهجره أحمد بن حنبل فاختفى، فلما مات لم يصل عليه؛ إلا أربعة نفر"(6).وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب، ولهذا أمر أحمد بهجره، وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب وأتباعه
…
" (7).
(1)((الملل والنحل)) (1/ 93).
(2)
د. أحمد محمود صبحي. في ((علم الكلام)) (ص: 422).
(3)
الشهرستاني، ((نهاية الإقدام)) (303).
(4)
انظر: البغدادي، ((أصول الدين)) (ص: 87، 97، 234)، والجويني ((الإرشاد)) (ص: 119).
(5)
((درء تعارض العقل والنقل)) (2/ 6).
(6)
الذهبي، ((ميزان الاعتدال)) (1/ 430)، وابن حجر، ((تهذيب التهذيب)) (2/ 153).
(7)
((درء تعارض العقل والنقل)) (2/ 6).
وقال: "والإمام أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة كانوا يحذرون عن هذا الأصل الذي أحدثه ابن كلاب ويحذرون من أصحابه. وهذا هو سبب تحذير الإمام أحمد عن الحارث المحاسبي ونحوه من الكلابية"(1).
وقال الإمام أبو بكر ابن خزيمة "ت 311هـ" لما قال له أبو علي الثقفي: "ما الذي أنكرت أيها الأستاذ من مذاهبنا حتى نرجع عنه؟ قال: ميلكم إلى مذهب الكلابية، فقد كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبدالله بن سعيد بن كلاب، وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره"(2).
وكان ابن خزيمة رحمه الله شيخ الإسلام وإمام الأئمة في زمنه، شديداً على الكلابية، منابذاً لهم. فإذا كان هذا موقف إمام أهل السنة أحمد بن حنبل من الكلابية الذين هم سلف الأشاعرة، مع موافقتهم لأهل السنة في أكثر أقوالهم كما يدل عليه قول أبي الحسن الأشعري: "فأما أصحاب عبدالله بن سعيد القطان، فإنهم يقولون بأكثر ما ذكرناه عن أهل السنة
…
" (3).وكان ابن كلاب والمحاسبي يثبتون لله صفة العلو، والاستواء على العرش، كما يثبتون الصفات الخبرية كالوجه واليدين وغيرهما (4).
فكيف بمتأخري الأشاعرة الذين يؤولون ذلك كله، ويوافقون المعتزلة والجهمية في كثير من أقوالهم، مخالفين بذلك أئمة السلف من أهل السنة بل مخالفين سلفهم ابن كلاب وأصحابه.
فما هو موقف علماء أهل السنة منهم؟ وهل أقروهم على دعواهم أنهم أهل السنة؟ ذلك ما ستقف عليه في الصفحات التالية:
(1)((الفتاوى)) (12/ 368).
(2)
الذهبي، ((سير أعلام النبلاء))، ترجمة ابن خزيمة (14/ 380).
(3)
((مقالات الإسلاميين)) (1/ 350).
(4)
انظر: ابن تيمية، ((درء التعارض)) (3/ 380 – 381، 5/ 248، 6/ 119).