المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: تنازع الطوائف هذا اللقب - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني: انقطاع صلة المنهج الأشعري في كثير من مسائله بالسلف:

- ‌المبحث الثالث: بيان مخالفة متأخّري الأشاعرة للأشعري ولكبار أصحابه

- ‌المبحث الرابع: نصوص أئمة أصحاب الأشعري في إثبات الصفات لله تعالى والمنع من تأويلها

- ‌المبحث الخامس: متابعة الأشاعرة لمنهج المعتزلة إما صراحة وإما لزوماً

- ‌المبحث السادس: نصوص العلماء في مخالفة الكلابية والأشاعرية لأهل السنة ولطريق السلف

- ‌المبحث الأول: قولهم في الإيمان

- ‌المبحث الثاني: أشاعرة وافقوا السلف

- ‌المبحث الثالث: الصلة بين الإيمان والإسلام عند الأشاعرة

- ‌المبحث الرابع: قولهم في الزيادة والنقصان

- ‌المبحث الخامس: قولهم في الاستثناء في الإيمان

- ‌المبحث السادس: الفرق بين تصديق الأشاعرة ومعرفة جهم

- ‌المبحث السابع: رأي الأشاعرة في مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث الثامن: مفهوم الكفر عند الأشاعرة

- ‌المبحث التاسع: الرد على من زعم أن الأنبياء والرسل ليسوا اليوم أنبياء ولا رسلا

- ‌المبحث الأول: تعريفه

- ‌المبحث الثاني: مراتب القدر:

- ‌المطلب الأول: تعليل أفعال الله وإثبات الحكمة فيها:

- ‌المطلب الثاني: هل الإرادة تقتضي المحبة أم لا

- ‌المبحث الرابع: أفعال العباد عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: تعريف العلة عند الأشاعرة:

- ‌المطلب الثاني: موقف الأشاعرة من الحكمة والتعليل

- ‌المطلب الثالث: تحرير محل النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة

- ‌المطلب الرابع: أدلة الأشاعرة والجواب عنها

- ‌المطلب الأول: التحسين والتقبيح

- ‌المطلب الثاني: معاني الحسن والقبح، وتحرير محل النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة

- ‌المطلب الثالث: ثمرة الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة في الحسن والقبح العقليين

- ‌المطلب الرابع: أدلة نفاة الحسن والقبح العقليين والجواب عنها

- ‌المطلب الخامس: أحكام متعلقة بأفعال الله المتعدية عند الأشاعرة

- ‌المطلب السادس: هل يجب على الله تعالى شيء

- ‌المطلب السابع: معنى الظلم

- ‌المطلب الأول: عقيدة العادة عند الأشاعرة

- ‌المطلب الثاني: الحكم المترتب على مخالفة عقيدة العادة

- ‌المطلب الثالث: نقد مفهوم العادة

- ‌المطلب الرابع: عقيدة العادة مبطلة لعقيدة التوحيد

- ‌المطلب الخامس: عقيدة العادة مبطلة لمبادئ العلوم

- ‌المطلب السادس: الأسباب والمسببات عند الأشاعرة وعلاقتها بأفعال الله

- ‌المبحث الثامن: نقد موقف الأشاعرة من الخوارق والمعجزات

- ‌المطلب الأول: نشأة مصطلح "أهل السنة" وتاريخ إطلاقه:

- ‌المطلب الثاني: معنى أهل السنة

- ‌المطلب الثالث: تنازع الطوائف هذا اللقب

- ‌المطلب الرابع: طريق معرفة السنة وإدراكها

- ‌المطلب الخامس: موقف الأشاعرة من النقل عموماً والسنة خصوصاً

- ‌المطلب السادس: سلف الأشاعرة وموقف أهل السنة منهم

- ‌المبحث الثاني: موقف علماء أهل السنة من دعوى الأشاعرة أنهم أهل السنة

- ‌المبحث الثالث: مواقف العلماء الآخرين من المذهب الأشعري

- ‌المبحث الرابع: من أهم المسائل التي خالف فيها الأشاعرة أهل السنة

- ‌المبحث الأول: الرد على متأخري الأشاعرة بأقوال شيوخهم وردود بعضهم على بعض

- ‌المبحث الثاني: إبطال دعوى الأشاعرة أنهم أكثر الأمة

- ‌المبحث الثالث: ذكر بعض من نسبوا إلى الأشعرية وبيان براءتهم منها

- ‌المبحث الرابع: بطلان دعوى أن ابن حجر كان أشعريا

- ‌المبحث الخامس: مسائل الخلاف بين الأشعرية والماتريدية

- ‌المبحث السادس: تناقض الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: التناحر الأشعري الأشعري

- ‌المبحث الثامن: حيرة الأشاعرة وشكهم ورجوعهم عن علم الكلام

- ‌المبحث التاسع: من كلام الإمام الجويني (الأب) في رسالته التي وجهها إلى شيوخه بعد رجوعه إلى مذهب السلف

- ‌المبحث الأول: التعريف بالماتريدية

- ‌المطلب الأول: حياته

- ‌المطلب الثاني: مصنفاته

- ‌المطلب الثالث: شيوخه وتلاميذه

- ‌المطلب الرابع: أهم آراء الماتريدي إجمالا

- ‌المبحث الأول: نشأة الماتريدية وأهم زعمائها

- ‌المبحث الثاني: أسباب انتشار الماتريدية

- ‌المبحث الأول: الاعتماد على العقل

- ‌المبحث الثاني: ترك الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقيدة

- ‌المبحث الثالث: القول بالمجاز

- ‌المبحث الرابع: معرفة الله واجبة عندهم بالعقل قبل ورود السمع

- ‌المبحث الخامس: القول بالتحسين والتقبيح العقليين

- ‌المبحث السادس: التأويل والتفويض

- ‌المطلب الأول: معنى الإيمان وحقيقته

- ‌المطلب الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المطلب الثالث: الاستثناء في الإيمان

- ‌المطلب الرابع: الإيمان والإسلام

- ‌المطلب الخامس: حكم إيمان المقلد

- ‌المطلب السادس: حكم مرتكب الكبيرة

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: توحيد الربوبية والألوهية

- ‌تمهيد

- ‌أولا: مذهب الماتريدية في الأسماء الحسنى

- ‌ثانيا: مذهب الماتريدية في صفات الله تعالى

- ‌أولا: ما تثبت به النبوة عند الماتريدية

- ‌المبحث الرابع: اليوم الآخر عند الماتريدية

- ‌المطلب الأول: مراتب القضاء والقدر عند الماتريدية

- ‌المطلب الثاني: مذهب الماتريدية في أفعال العباد

- ‌أولا: القدرة والاستطاعة

- ‌ثانيا: التكليف بما لا يطاق

- ‌المبحث السادس: خلاصة المسائل العقدية التي خالف فيها الماتريدية السلف

- ‌المبحث الأول: الموازنة بين الماتريدية والأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: الموازنة بين الماتريدية والمعتزلة

- ‌الفصل السادس: الرد على الماتريدية

- ‌المبحث الأول: الرد على الماتريدية في عدم الاحتجاج بخبر الآحاد في العقيدة

- ‌المطلب الأول: معنى "التفويض" في اصطلاح السلف

- ‌المطلب الثاني: التفويض عند الماتريدية

- ‌المطلب الثالث: في إبطال التفويض

- ‌المبحث الثالث: الرد على الماتريدية في باب الأسماء والصفات

- ‌أولا: مخالفة الماتريدية للنقل الصحيح

- ‌ثانيا: خروج الماتريدية على إجماع جميع بني آدم

- ‌ثالثا: مكابرة الماتريدية بداهة العقل الصريح

- ‌خامسا: إبطال شبهاتهم حول "علو" الله تعالى

- ‌المبحث الخامس: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة استواء الله تعالى على عرشه

- ‌المبحث السادس: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة "نزول" الله إلى السماء الدنيا

- ‌المبحث السابع: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة "اليدين" لله تعالى وتحريفهم لنصوصها

- ‌المبحث الثامن: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة الكلام

- ‌المبحث التاسع: الرد على قولهم بخلق أسماء الله الحسنى

الفصل: ‌المطلب الثالث: تنازع الطوائف هذا اللقب

‌المطلب الثالث: تنازع الطوائف هذا اللقب

لما كان أهل السنة، هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اتبعهم على ما كانوا عليه من الهدى. ووجد كثير من الطوائف أن النجاة لا تكون إلا لمن كان على ما كانوا عليه لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث افتراق الأمة: ((

وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي)) (1).

لما كان الأمر كذلك ادعى كثير من الطوائف والفرق أنهم هم الفرقة الناجية وأنهم أهل الحق، وتسمى بعضهم باسم "أهل السنة".يقول شيخ الإسلام رحمة الله عليه – في معرض كلامه عن الفرق المشار إليها في الحديث-:"فكثير من الناس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى، فيجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له، هم أهل السنة والجماعة، ويجعل من خالفها هم أهل البدع،- قال-: وهذا ضلال مبين، فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، وليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة بل كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن جعل شخصاً غير رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة، ومن خالفه كان من أهل البدع، كما يوجد ذلك في الطوائف من أتباع أئمة الكلام في الدين وغير ذلك، كان من أهل البدع والضلالة والتفرق"(2).

فكل طائفة تدعي أنها الفرقة الناجية، وأن الحق معها.

فالشيعة الإمامية الرافضة:

(1) رواه الترمذي (2641) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وقال: هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه، قال الحافظ العراقي في ((المغني)) (3/ 284): أخرجه من حديث عبد الله بن عمرو وحسنه، ولأبي داود من حديث معاوية، وابن ماجه من حديث أنس وعوف ابن مالك، (وهي الجماعة) وأسانيدها جياد، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).

(2)

((الفتاوى)) (3/ 346 - 317).

ص: 111

تجعل نفسها الفرقة الناجية دون غيرها، وأنها هي المشار إليها في حديث الافتراق. فقد نقل ابن المطهر الحلي عن شيخه النصير الطوسي أنه سئل عن المذاهب فقال:"بحثنا عنها وعن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة منها ناجية والباقي في النار)). وقد عين عليه السلام الفرقة الناجية والهالكة في حديث آخر حديث متفق عليه، وهو قوله: ((مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف غرق)) (1). فوجدنا الفرقة الناجية هي: الفرقة الإمامية؛ لأنهم باينوا جميع المذاهب، وجميع المذاهب قد اشتركت في أصول العقائد"(2).وقد رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رداً متيناً مطولاً من ثمانية أوجه (3) فأفاد وأجاد رحمة الله عليه. وقد بين في "الوجه الخامس" أن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الافتراق عن الفرقة الناجية وهي ((من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)) (4). وفي رواية: ((هم الجماعة)) (5) ، يناقض قول الإمامية ويقضي أنهم خارجون عن الفرقة الناجية، خارجون عن جماعة المسلمين يكفرون أو يفسقون أئمة الجماعة؛ كأبي بكر وعمر، وكذلك يكفرون أو يفسقون علماء وعباد الجماعة.

وبين رحمه الله أن الإمامية أبعد الناس عن سير الصحابة، وأجهلهم بحديث رسول الله وأعداهم لأهله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة المسلمين. ثم بين أن الوصف الوارد في الحديث لا ينطبق إلا على أهل السنة؛ لأنهم هم الذين على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهم أهل الجماعة الذين ما فرقوا دينهم وكانوا شيعاً. ثم بين في "الوجه السادس" (6) أن الحجة التي احتج بها الطوسي على أن الإمامية هي الفرقة الناجية وهي قوله:"لأنهم باينوا جميع المذاهب"، بين رحمه الله أن هذه الحجة كذب في وصفها، كما هي باطلة في دلالتها.

(1) رواه الحاكم في ((المستدرك)) (2/ 373)(3312) والطبراني (3/ 45)(2637) من حديث أبي ذر رضي الله عنه، قال ابن القيسراني في ((ذخيرة الحفاظ)) (2/ 962):(فيه) الحسن بن أبي جعفر متروك الحديث، وقال ابن كثير في ((التفسير)) (7/ 191): إسناده ضعيف، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/ 171): في إسناد البزار، الحسن بن أبي جعفر الجفري وفي إسناد الطبراني، عبد الله بن داهر وهما متروكان. وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (5247).

(2)

ابن المطهر الحلي، ((منهاج الكرامة مطبوع مع كتاب منهاج السنة)(1/ 95) ط. المدني.

(3)

انظر: ((منهاج السنة)) (3/ 444 – 484)، "ط. جامعة الإمام بتحقيق د. محمد رشاد سالم".

(4)

رواه الترمذي (2641) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وقال: هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه، قال الحافظ العراقي في ((المغني)) (3/ 284): أخرجه من حديث عبد الله بن عمرو وحسنه، ولأبي داود من حديث معاوية، وابن ماجه من حديث أنس وعوف ابن مالك، (وهي الجماعة) وأسانيدها جياد، وحسنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).

(5)

رواه أبو داود (4597) ، وأحمد (4/ 102)(16979) ، والدارمي (2/ 314)، والحاكم (1/ 218). والحديث سكت عنه أبي داود. وقال الحاكم: هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث. ووافقه الذهبي. وصحح إسناده أبو الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (96) – كما أشار لهذا في المقدمة -. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): حسن. وانظر كلامه في ((السلسلة الصحيحة)) (204).

(6)

((منهاج السنة)) (3/ 460 - 461).

ص: 112

وبين أن كثيراً من الفرق قد باينت جميع الفرق الأخرى فيما اختصت به من أقوال فالخوارج باينوا جميع المذاهب فيما اختصوا به من التكفير بالذنوب ومن تكفير علي رضي الله عنه

وغير ذلك مما انفردوا به من أقوال. وكذلك المعتزلة باينوا جميع الطوائف فيما اختصوا به من "المنزلة بين المنزلتين" وقولهم أن أهل الكبائر يخلدون في النار، وليسوا بمؤمنين ولا كفار، وهكذا جميع الفرق، فلا اختصاص للرافضة بذلك. ثم قال في "الوجه السابع":"إن مباينتهم لجميع المذاهب هو على فساد قولهم أدل منه على صحة قولهم، فإن مجرد انفراد طائفة عن جميع الطوائف لا يدل على أن – قولها – هو الصواب، واشتراك أولئك في قول لا يدل على أنه باطل"(1).وكيف يتخذ الاختلاف والإغراق في الابتعاد عن الآخرين أساساً لنجاة؟ ولو اتبعنا هذا الأساس لكان الإغراق في الإلحاد أساساً للنجاة، بل لكان التخريف أو تخيلات المجانين أكثر قرباً للنجاة؛ لأنها أكثر ابتعادا عن أراء الأخرين (2).وأما استدلاله بحديث "سفينة نوح" فهو يتوقف على صحة الحديث، والحديث ضعيف كما ذكر ذلك الذهبي، والألباني (3)، ولا عبرة بقول الطوسي:"أنه حديث صحيح متفق عليه" فليس هو من أهل هذا الشأن.

والمعروف أنه من قول الإمام بلفظ "السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخالف عنها هلك".قال شيخ الإسلام في إيضاح معناه: "وهذا حق فإن سفينة نوح إما ركبها من صدق المرسلين واتبعهم، وأن من لم يركبها فقد كذب المرسلين، وأتباع السنة هم أتباع الرسالة التي جاءت من عند الله فتابعها بمنزلة من ركب مع نوح في السفينة باطناً وظاهراً، والمتخلف عن أتباع الرسالة بمنزلة المتخلف عن أتباع نوح عليه السلام وركوب السفينة"(4).

والمعتزلة: يزعمون أنهم أهل الحق وأنهم الفرقة الناجية، يقول مقدمهم وكبيرهم عمرو بن عبيد للخليفة المنصور – وقد سأله أن يعينه بأصحابه -:"أظهر الحق يتبعك أهله"(5) يريد المعتزلة. فما على المنصور إذا أراد معونتهم إلا أن يرفع رايتهم ويظهر مذهبهم. ويستدلون على أنهم الفرقة الناجية برواية محرفة لحديث الافتراق فقالوا: روى سفيان الثوري عن ابن الزبير عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أبرها وأتقاها الفئة المعتزلة))، ولعلهم شعروا بتفردهم بهذه الرواية فاتهموا سفيان بأنه قال لأصحابه:"تسموا بهذا الاسم لأنكم اعتزلتم الظلمة، فقالوا: سبقك بها عمرو بن عبيد وأصحابه – قالوا -: فكان سفيان بعد ذلك يروي: واحدة ناجية"(6).

(1)((منهاج السنة)) (3/ 466).

(2)

د. عبدالحليم محمود، ((التفكير الفلسفي في الإسلام)) "ط. الثالثة 1387هـ، نشر: مكتبة الأنجلو المصرية"، (ص: 99).

(3)

رواه الحاكم في ((المستدرك)) (2/ 373)(3312) والطبراني (3/ 45)(2637) من حديث أبي ذر رضي الله عنه، قال ابن القيسراني في ((ذخيرة الحفاظ)) (2/ 962):(فيه) الحسن بن أبي جعفر متروك الحديث، وقال ابن كثير في ((التفسير)) (7/ 191): إسناده ضعيف، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/ 171): في إسناد البزار، الحسن بن أبي جعفر الجفري وفي إسناد الطبراني، عبد الله بن داهر وهما متروكان. وضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (5247).

(4)

((الفتاوى)) (4/ 137).

(5)

الخطيب البغدادي: ((تاريخ بغداد)) (12/ 168).

(6)

ابن المرتضى أحمد بن يحيى، ((المنية والأمل)) (ص: 2 - 3).

ص: 113

ولهؤلاء نقول: من مذهبكم عدم الاحتجاج بأحاديث الآحاد في باب الاعتقاد، فكيف سوغتم لأنفسكم الاحتجاج بهذا الحديث مع اتهامكم راوية سفيان بأنه تصرف في الحديث بوضع عبارة مكان أخرى؟ ولكن، لا غرابة فإن إحدى علامات أهل البدع: أنهم يأخذون من السنة ما وافق أهواءهم، صحيحاً كان أو ضعيفاً، ويتركون ما لم يوافق أهواءهم من الأحاديث وإن صح وأخرجه الشيخان! (1) ".

ويزعم المعتزلة أنهم هم المتمسكون بالسنة والجماعة دون غيرهم مع قولهم بعدم حجية حديث الآحاد. فقد جاء في كتاب (فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة)(2) قولهم:

"

ومعنى السنة إذا أضيفت إليه صلى الله عليه وسلم؛ هو ما أمر به ليدام عليه، أو فعله ليدام الاقتداء به، فما هذا حاله يعد سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنما يقع هذا الاسم على ما ثبت أنه قاله أو فعله، فأما ما ينقل من أخبار الآحاد فإن صح فيه شروط القبول، يقال فيه: أنه سنة على وجه التعارف؛ لأنا إذا لم نعلم ذلك القول أو ذلك الفعل فالقول بأنه سنة يقبح؛ لأنا لا نأمن أن نكون كاذبين في ذلك، وعلى هذا الوجه لا يجوز في العقل أن يقول في خبر الواحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعاً، وإنما يجوز أن يقال: روي عنه صلى الله عليه وسلم.

وأما الجماعة: فالمراد به ما أجمعت عليه الأمة، وثبت ذلك من إجماعها، فأما ما لم يثبت مما لم يجز التمسك به فهو بمنزلة أخبار الآحاد، وإذا صح ما ذكرناه فالمتمسك بالسنة والجماعة هم أصحابنا والحمد لله دون هؤلاء المشنعين".

وهكذا سائر الطوائف والفرق، فما من طائفة إلا وتدعي أنها الناجية، وأن الحق معها، وتستكره النصوص على تأييد مذهبها، كما فعلت الشيعة والمعتزلة، كما أوضحنا ذلك.

الأشاعرة:

لا يفتأ أئمة الأشاعرة يذكرون في كتبهم أنهم أهل السنة وأهل الحق، وأنهم هم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية

وهذا أمر لا يخفى على من قرأ كتبهم، وأنا أذكر فقط نماذج من كلامهم في ذلك على مر العصور:

- كلام أبي بكر الباقلاني "ت 403هـ"، وهو من تلاميذ أبي الحسن الأشعري: قال مثلاً في صفة الكلام التي خالفوا فيها السلف من أهل الحديث والسنة: "اعلم أن الله تعالى متكلم، له كلام عند أهل السنة والجماعة، وأن كلامه قديم ليس بمخلوق ولا مجعول ولا محدث بل كلامه قديم صفة من صفات ذاته، كعلمه وقدرته وإرادته ونحو ذلك"(3).

ثم قال في موطن آخر: "فإن قالوا: أليس تقولون إن كلام الله مسموع بحاسة الآذان على الحقيقة؟ قلنا: بلى، فإن قالوا: فليس يجوز أن يكون مسموعاً على الحقيقة؛ إلا ما كان صوتاً وحرفاً. فالجواب: أن هذا جهل عظيم، وذلك أن أهل السنة والجماعة قد أجمعوا على أن الله تعالى يرى بالأبصار على الحقيقة، ولا يجوز أن يرى على الحقيقة إلا ما كان جسماً وجوهراً وعرضاً، أفتقولون إن الله تعالى، جسم وجوهر وعرض، فإن قالوا: نعم فقد أقروا بصريح الكفر والتشبيه، وإن قالوا: يرى وليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، ولا يشبه شيئاً من المرئيات، قلنا: فكذلك كلامه قديم ليس بمخلوق ومسموع على الحقيقة، وليس بحرف ولا صوت"(4).

(1) انظر: ((مختصر الصواعق المرسلة)) (2/ 628 - 629).

(2)

لأبي القاسم البلخي، والقاضي عبدالجبار، والحاكم الجشمي (ص: 185 - 186)، "نشر: الدار التونسية للنشر".

(3)

انظر: ((الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به)) (ص: 108)، "ط. الثانية 1382هـ. نشر: مؤسسة الخانجي".

(4)

((الإنصاف)) (ص: 136).

ص: 114

فانظر كيف جعل هذا القول الذي هو من خصائص المذهب الكلابي، هو قول أهل السنة والجماعة، مع أن إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد ابن حنبل رحمة الله عليه، وسائر أئمة أهل الحديث المعروفين بالإمامة في السنة، قالوا بإثبات الحرف والصوت في كلام الله.

وهذا يدل على أن الباقلاني يطلق اسم "أهل السنة والجماعة" على طائفة الأشعرية الكلابية، وهكذا كرر هذا الإطلاق في صفحات "144، 161، 162، 168" من كتاب (الإنصاف).

- كلام البغدادي "ت 429":قال: "فأما الفرقة الثالثة والسبعون، فهي: أهل السنة والجماعة من فريقي الرأي والحديث، دون من يشري لهو الحديث، وفقهاء الفريقين وقراؤهم ومحدثوهم، ومتكلموا أهل الحديث منهم، كلهم متفقون على مقالة واحدة في توحيد الصانع وصفاته، وعدله

مع قبول ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم" (1).وقال في بيان أنهم الفرقة الناجية: "ولسنا نجد اليوم من فرق الأمة من هم على موافقة الصحابة رضي الله عنهم غير أهل السنة والجماعة من فقهاء الأمة ومتكلميهم الصفاتية، دون الرافضة، والقدرية

" (2).ثم لما بين الأصول التي اجتمعوا عليها ذكرها على منهج الأشاعرة الكلابية وفيها الكثير من المخالفة لمنهج السلف (3).كقوله إن حديث الآحاد يوجب العلم دون العلم، وكقوله في نفي الحركة عن الله عز وجل، واقتصاره على إثبات سبع صفات لله عز وجل (4)، وكل ذلك على مذهب الأشاعرة والكلابية، أما أهل السنة من سلف الأمة فقولهم في كل ذلك على خلاف ما ذكر.

- كلام أبي المظفر الإسفرائيني "ت 471هـ":قال: "والفرقة الثالثة والسبعون هي الناجية، وهم: أهل السنة والجماعة من أصحاب الحديث والرأي وجملة فرق الفقهاء

" (5).ثم لما ذكر اعتقادهم ذكر ما عليه الأشاعرة من نفي الاستواء، والحروف والصوت عن كلام الله عز وجل، وتأويل صفة الرحمة وغيرها من الصفات الفعلية وغير ذلك مما هو مخالف لعقيدة السلف ومصادم للكثير من النصوص الصحيحة الصريحة (6).

- كلام الجويني "ت 478هـ":قال في مقدمة كتابه (لمع الأدلة): "هذا وقد استدعيتم أرشدكم الله عز وجل ذكر لمع من الأدلة في قواعد عقائد أهل السنة والجماعة

"، ثم ذكر عقيدة الأشاعرة، كقولهم في كلام الله أنه كلام نفسي ليس بحروف ولا صوت (7).

(1) انظر: ((الفرق بين الفرق)"بتحقيق محمد محيى الدين عبدالحميد، نشر: دار المعرفة – بيروت"، (ص: 26).

(2)

انظر: ((الفرق بين الفرق)"بتحقيق محمد محيى الدين عبدالحميد، نشر: دار المعرفة – بيروت"، (ص: 318).

(3)

انظر: ((الفرق بين الفرق)"بتحقيق محمد محيى الدين عبدالحميد، نشر: دار المعرفة – بيروت"، (ص: 325، 333، 334).

(4)

انظر: ((الفرق بين الفرق)"بتحقيق محمد محيى الدين عبدالحميد، نشر: دار المعرفة – بيروت"، (ص: 325).

(5)

انظر: ((التبصير في الدين)"بتحقيق كمال يوسف الحوت، ط. الأولى نشر: عالم الكتب"، (ص: 25).

(6)

انظر: ((التبصير في الدين)"بتحقيق كمال يوسف الحوت، ط. الأولى نشر: عالم الكتب"، (ص: 158 - 167).

(7)

((لمع الأدلة)"بتحقيق د. فوقية حسين محمود، ط. الأولى 1385هـ، نشر: المؤسسة المصرية العامة للتأليف"، (ص: 75، 92).

ص: 115

- كلام الغزالي "ت 505هـ".قال في كتابه (قواعد العقائد) بعد أن سرد مسائل الاعتقاد على منهج الأشاعرة – كقولهم بالنفي المفصل في صفات الله -، فقال: "وإنه ليس بجسم مصور ولا جوهر محدود مقدر

وأنه ليس بجوهر ولا بعرض

فكل ذلك مما وردت به الأخبار وشهدت به الآثار، فمن اعتقد جميع ذلك موقناً به كان من أهل الحق وعصابة السنة، وفارق رهط الضلال وحزب البدعة" (1).وقال في "الاقتصاد في الاعتقاد":"الحمد لله الذي اجتبى من صفوة عباده عصابة الحق وأهل السنة"(2).

- كلام الرازي "ت 606هـ":قال في كتابه (معالم أصول الدين): "قال الأكثرون من أهل السنة: كلام الله واحد

" (3). وهذا قول الكلابية والأشاعرة وليس بقول أهل السنة والحديث.

- كلام أحمد بن موسى الخيالي "ت 862هـ":

قال في "حاشيته على العقائد النسفية": "الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة. هذا هو المشهور في ديار خراسان والعراق والشام، وأكثر الأقطار، وفي ديار ما وراء النهر يطلق ذلك على الماتريدية أصحاب الإمام أبي منصور

" (4).

- كلام إبراهيم بن محمد البيجوري "ت 1277هـ":قال في (شرح جوهرة التوحيد)(5): "

وأما عند أهل السنة فالحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع". وهذا قول الأشاعرة وليس هو قول السلف من أهل السنة.

- كلام الدكتور محمد سعيد رمضان "من الأشاعرة المعاصرين":

قال في معرض كلامه على مسألة كلام الله عز وجل: "ثم إن المعتزلة فسروا هذا الذي أجمع المسلمون على إثباته لله تعالى، بأنه أصوات وحروف يخلقها الله في غيره كاللوح المحفوظ وجبريل، ومن المعلوم أنه حادث وليس بقديم، ثم إنهم لم يثبتوا لله تعالى شيئاً آخر من وراء هذه الأصوات والحروف تحت اسم: الكلام.- قال-: أما جماهير المسلمين، أهل السنة والجماعة، فقالوا: إننا لا ننكر هذا الذي تقوله المعتزلة، بل نقول به ونسميه كلاماً لفظياً ونحن جميعاً متفقون على حدوثه وأنه غير قائم بذاته تعالى، من أجل أنه حادث، ولكنا نثبت أمراً وراء ذلك وهو الصفة القائمة بالنفس

" (6).

وهذا القول من خصائص المذهب الكلابي الذي عليه الأشاعرة، ولم يوافقهم عليه أحد من أئمة الحديث وأهل السنة من سلف هذه الأمة. فجعل الدكتور البوطي أصحاب هذا المعتقد في كلام الله هم أهل السنة.

- كلام وهبي سليمان غاوجي الألباني "من الأشاعرة المعاصرين":

قال: "الفرق في شأن صفات الله تعالى ثلاث: أهل السنة والجماعة، وهم المثبتون لله تعالى على صفة الكمال ورد بها الدليل القطعي

" (7).

ثم ذكر أقسام الصفات على منهج الأشاعرة.

وهكذا نرى الأشاعرة يعلنون منذ نشأتهم وإلى اليوم أنهم هم أهل السنة، وأنهم الفرقة الناجية دون غيرهم.

ونراهم ينصون على سبب استحقاقهم هذا اللقب، وكونهم الفرقة الناجية. وهو: أتباعهم لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة أصحابه من بعده. فيقول البغدادي: "ولسنا نجد اليوم من فرق الأمة من هم على موافقة الصحابة رضي الله عنهم غير أهل السنة والجماعة، من فقهاء الأمة ومتكلميهم الصفاتية

" (8).وقال قبل ذلك عندما ذكر الفرقة الثالثة والسبعين وأنهم أهل السنة والجماعة وذكر مما يجمع هذه الفرقة: "والإقرار بتوحيد الصانع،

مع قبول ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم" (9).ويقول الإسفراييني: في سبب نجاة أهل السنة وهو متابعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم: "وليس في فرق الأمة أكثر متابعة لأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، وأكثر تبعاً لسنته من هؤلاء، ولهذا سموا: أصحاب الحديث: وسموا بأهل السنة والجماعة

" (10).

إذن أتباع ما كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه، هو الضابط لاستحقاق لقب "أهل السنة" والفوز بالنجاة. وهذا ضابط مهم لمعرفة أهل السنة من غيرهم. فهل التزم الأشاعرة بذلك وحققوا الاتباع كما ادعوا؟ أم أنهم قدموا على السنة غيرها، وحكموا فيها العقل، وصرفوها عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات ومستنكرات التأويلات؟

ذلك ما سيتضح لنا فيما بعد إن شاء الله.

وقبل ذلك علينا أن نعرف ما هو الطريق لمعرفة السنة، وبأي شيء تدرك؟

(1)((قواعد العقائد)) (ص: 71) ، بتحقيق موسى محمد علي، ط. الثانية 1405، نشر: عالم الكتب – بيروت"، (ص: 71)، وانظر:(ص: 51).

(2)

(ص: 3)، "ط. الأولى 1403هـ، نشر: دار الكتب العلمية – بيروت".

(3)

((معالم أصول الدين)"بتقديم طه عبدالرؤوف سعد، نشر: مكتبة الكليات الأزهرية – القاهرة"، (ص: 65).

(4)

المرتضى الزبيدي: ((إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين)) (2/ 6)، "نشر: دار الفكر".

(5)

((تحفة المريد)) (ص: 30 - 31).

(6)

((كبرى اليقينيات الكونية)) (ص: 125)، "نشر: دار الفكر – بيروت، 1405هـ مصور عن طبعة 1982م".

(7)

((أركان الإيمان)) (ص: 25).

(8)

((الفرق بين الفرق)) (ص: 318).

(9)

((الفرق بين الفرق)) (ص: 26).

(10)

((التبصير في الدين)) (ص: 185).

ص: 116