الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: عقيدة العادة مبطلة لعقيدة التوحيد
يقول ابن رشد: (والقول بنفي الأسباب في الشاهد ليس له سبيل إلى إثبات سبب فاعل في الغائب، لأن الحكم على الغالب من ذلك إنما يكون من قبل الحكم بالشاهد فهؤلاء لا سبيل لهم إلى معرفة الله تعالى)
ولا يخفى أن أقوى الأدلة التي استدلت بها الأشعرية على وجود الله وإثبات صفاته هو قياس الغائب على الشاهد يقول الإيجي: (احتج الأشاعرة بوجوه، الأول: ما اعتمد عليه القدماء، وهو قياس الغائب على الشاهد، فإن العلة والحد والشرط لا يختلف غائبًا وشاهدًا). فقولهم: لعقيدة العادة يبطل عليهم أدلتهم في معرفة الله ويقول ابن القيم: ( .. ثم من أعظم الجناية على الشرائع والنبوات والتوحيد إيهام الناس أن التوحيد ناقصة لا يتم إلا بإنكار الأسباب).
فكيف إذا حكم على مثبت الأسباب بالكفر والضلال وهو موحد مؤمن!! ويقول ابن تيمية: ( .. ومن قال: إن قدرة العبد وغيرها من الأسباب التي خلق الله بها المخلوقات ليست أسبابًا، أو أن وجودها كعدمها، وليس هناك إلا مجرد اقتران عادي، كاقتران الدليل بالمدلول فقد جحد ما في خلق الله وشرعه من الأسباب والحكم والعلل، ولم يجعل في العين قوة تمتاز بها عن الخد تبصر بها) بل يعتبر ابن القيم وغيره عقيدة العادة عند الأشاعرة داعية لإساءة الظن بالتوحيد، وتسليطًا لأعداء الرسل على ما جاءوا به (إن ضعفاء العقول إذا سمعوا أن النار لا تحرق، والماء لا يغرق، والخبز لا يشبع، والسيف لا يقطع، ولا تأثير لشيء من ذلك البتة، ولا هو سبب لهذا الأثر، وليس فيه قوة وإنما الخالق المختار يشاء حصول كل أثر من هذه الآثار عند ملاقاة كذا بكذا وقالت: هذا هو التوحيد وإفراد الرب بالخلق والتأثير، ولم يدر هذا القائل أن هذا إساءة الظن بالتوحيد، وتسليط لأعداء الرسل على ما جاءوا به كما تراه عيانًا في كتبهم ينفرون به الناس عن الإيمان) وقد صدق ابن القيم فانظر إلى ما يقوله الدهريون الملحدون في زماننا في هذا النص الذي ينسبونه إلى الدين: (جميع الآراء الأخرى أو بالأحرى أي اتجاه فلسفي آخر، في مسألة السببية وإنكار القوانين الوضعية والسببية والضرورية في الطبيعة، تنتسب إلى الاتجاه الإيماني .. ذلك أن من الواضح حقًا أن الاتجاه الذاتي في مسألة السببية واستنباط نظام الطبيعة وقوانينها، ليس من العالم الموضوعي الخارجي، بل من الشعور والعقل والمنطق .. ).
مع العلم أن الدين الإسلامي لا يخاصم العلوم ولا يمنع من البحث في الطبيعة والتعرف على سنن الله فيها، فهل يستطيع أحد أن يقول: إن القرآن ينكر الجاذبية الأرضية مثلاً أو سائر قوانين السببية التي ما هي إلا آيات تدل على منتهى الحكمة والدقة والنظام ولهذا رد ابن سينا على الطبائعيين الذين ينكرون السبب الأول، ويجعلون الطبائع هي الأولى والآخرة في الإبداع والخلق والتأثير ( .. إن المواد للأجسام العالمية صنفان، صنف يختص بالتهيؤ لقبول صورة واحدة لا ضد لها، فيكون حدوثها على سبيل الإبداع لا على سبيل التكوين من شيء آخر وفقدها على سبيل الفناء لا سبيل الفساد إلى شيء آخر وإلى هذا يرجع قول الحكيم في كتبه إن السماء غير مكونة من شيء ولا فاسدة إلى شيء لأنها لا ضد لها لكن العامة من المتفلسفة صرفوا هذا القول إلى غير معناه فأمعنوا في الإلحاد والقول بقدم العالم فهذا صنف، وخصوه باسم الأثير، والصنف الثاني صنف مهيأ لقبول الصورة المتضادة فيتكون تارة هذا بالفعل وذلك بالقوة وتارة بالعكس وسموه العنصر فجعلوا الأجسام أثيرية وعنصرية).
ويقول الدكتور حسام الألوسي: (ويلوم (ابن سينا) الجُهال من الطبيعيين لأنهم يفتشون عن أصل هذه الطبيعة، ويردونها إلى العناصر المكونة (للسقمونيا) مع أنها لا علة لها في العناصر ولو سئلوا عنه لقالوا: لأن النار حارة ثم السؤال لازم في أن الحار لم يفعل هذا فيكون منتهى الجواب الطبيعي أن يقال: إن الحرارة قوة من شأنها أن تفعل هذا الفعل، ثم إن سئلوا بعد هذا لِمَ كان هذا الجسم حارًا دون البارد لم يكن جوابهم إلا الجواب الإلهي إن إرادة الصانع هكذا اقتضت)
وبهذا فإنه يتبين أنه لا حجة للطبائعيين في رد الشيء إلى نفسه بل لا بد له من مبدع أبدعه فصيره من العدم إلى الوجود وأن الآثار الظاهرة للعيان تتسلسل حتى تعود إلى المؤثر الأول كما يقول ابن القيم: ( .. وهذا كما نقوله في خلقه بالأسباب أنه يخلق كذا بسبب كذا، وكذا بسبب كذا، حتى ينتهي الأمر إلى أسباب لا سبب لها سوى مشيئة الرب) فالشيء لا يتحول بذاته إلى شيء آخر (وهي أن استمرار العادة مهما طال، لا يتحول بذاته، دون أي إضافة أخرى إليه، إلى قانون حتمي، وذلك هو الشأن فيما يتعلق بعلاقات أشياء الطبيعة بعضها ببعض)
وأخيرًا: فإن القول بعقيدة العادة شأنه أن يخل بالنظام الكوني الذي يدل على وجود الخالق المبدع يقول ابن رشد: (وأما الذي قاد المتكلمين من الأشعرية إلى هذا القول فهو الهروب من القول بفعل الطبيعة التي ركبها الله تعالى في الموجودات التي ها هنا، كما ركب فيها النفوس وغير ذلك من الأسباب المؤثرة، فهربوا من القول بالأسباب لئلا يدخل عليهم القول بأن ها هنا أسبابًا فاعلة غير الله، وهيهات! إذا كان مخترع الأسباب! وكونها أسبابًا مؤثرة، هو بإذنه وحفظه
وقال: ولو علموا أن الطبيعة مصنوعة، وأنه لا شيء أدل على الصانع من وجود موجود بهذه الصفة في الأحكام، لعلموا أن القائل بنفي الطبيعة قد أسقط جزءًا عظيمًا من موجودات الاستدلال على وجود الصانع بجحده جزءًا من موجودات الله .. )
وناقش ابن رشد الأشاعرة في القضية السابقة قائلاً (ولو علموا .. أنه يجب من جهة النظام الموجود في أفعال الطبيعة أن تكون موجودة عن صانع عالم وإلا كان النظام فيها بالاتفاق، لما احتاجوا أن ينكروا أفعال الطبيعة .. ) بمعنى (لو رفعنا الأسباب والمسببات لم يكن ها هنا شيء يُرد به على القائلين بالاتفاق، أعني الذين يقولون لا صانع ها هنا).
عقيدة العادة مبطلة لظاهر القرآن
يقول ابن القيم: (أنه -سبحانه- ربط الأسباب بمسبباتها شرعًا وقدرًا، وجعل الأسباب محل حكمته في أمره الديني الشرعي وأمره الكوني القدري، ومحل ملكه وتصرفه فإنكار الأسباب والقوى والطبائع جحد للضروريات، وقدح في العقول والفطر، ومكابرة للحس وجحد للشرع والجزاء والقرآن مملوء من إثبات الأسباب كقوله تعالى: بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة: 105] وقوله: بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ [الأعراف: 39] وذكر آيات كثيرة إلى أن قال: وكل موضع مرتب فيه الحكم الشرعي أو الجزائي على الوصف أفاد كونه سببًا له كقوله سبحانه: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ [المائدة:38] .. وذكر آيات كثيرة إلى أن قال: وهذا أكثر من أن يستوعب وكل موضع تضمن الشرط والجزاء أفاد سببية الشرط والجزاء وهو أكبر من أن يستوعب وكل موضع تقدم ذكرت فيه الباء تعليلاً لما قبلها بما بعدها أفاد التسبب ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد على عشرة آلاف موضع، ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة ويكفي شهادة الحس والعقل والفطرة)
وفي بيان واضح للذين منعوا من إجراء (باء) السببية في بابها وقالوا: (فقد تبين أن الوجود عند الشيء، لا يدل على أنه موجود به) فمنعوا أن يكون ماء السماء سببًَا في إنبات العشب كما بين القرآن في قوله تعالى: وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [البقرة:164] وقوله سبحانه: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ [التوبة:14] ومثل هذا في القرآن كثير، ومنعوا إجراء اللغة بإطلاق باء السببية ولهذا قال ابن تيمية:(تكلم قومٌ من الناس في إبطال الأسباب والقوى والطبائع فأضحكوا العقلاء على عقولهم) ويذكر ابن تيمية أيضًا ما يلزم القائلين بإنكار الأسباب والطبائع من شنائع أنهم يسوون بين المختلفات ويخالفون القرآن يقول: ( .. وكذلك أيضًا لزمت من لا يثبت في المخلوقات أسبابًا وقوى وطبائع ويقولون إن الله يفعل عندها لا بها فليلزم أن لا يكون فرق بين القادر والعاجز .. وأما أئمة السنة وجمهورهم فيقولون ما دل عليه الشرع والعقل، قال تعالى: (فسقناه إلى بلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات) سورة الأعراف: 57، وقال:(فأحيا به الأرض بعد موتها) البقرة: 164، النحل: 65، الجاثية: 5) وقال تعالى: (يهدي به الله من اتبع رضوانه) المائدة: 16، وقال:(يضل به كثيرًا ويهدي به كثيرًا) البقرة: 26 إلى أن قال: ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة يخبر الله تعالى أنه يحدث الحوادث بالأسباب، وكذلك دل الكتاب والسنة على إثبات القوى والطبائع التي جعلها الله في الحيوان .. ) وهذا الإلغاء للسببية هو إلغاء للقوانين العلمية بل تعطيل لذاتية الأشياء بعد أن كان تعطيلاً لتوحيد الرب وهذه الجناية العظيمة تكبر وتتضخم حينما تنسب إلى القرآن والقرآن لا يقرها بل يقر خلافها. وهناك فرق كبير بين قولنا فعلت به وفعلت عنده كما يقول ابن تومرت (الأصل يثبت به الحكم والأمارة يثبت عندها الحكم، وبين يثبت به ويثبت عنده ما بين السماء والأرض)، ولهذا فإن القرآن الكريم عبر عن الباء في محلها وبـ (عند) في محلها. فكيف يجوز أن تلغي (الباء) عن عملها في محلها ونستبدل (عند) وهي ليست مثلها ولا تعمل عملها، وجرب بوضع (عند) في محل (الباء) في الآيات السابقة وانظر كيف سيكون الحال فلا شك أن بين (الباء) و (عند) ما بين السماء والأرض، وهكذا تُطوع اللغة لتتمشى مع الآراء وكان الأولى أن تصحح الآراء وتصقل بالرجوع إلى أصل اللغة.
عقيدة العادة مخالفة لما كان عليه السلف الصالح
يقول السفاريني: ( .. وأما مذهب السلف الصالح المثبتون للقدر من جميع الطوائف فإنهم يقولون إن العبد فاعل لفعله حقيقة وإن له قدرة واستطاعة حقيقية ولا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية بل يقرون بما دل عليه الشرع والعقل من أن الله تعالى ينبت النبات بالماء، وأن الله يخلق السحاب بالرياح وينزل الماء بالسحاب، ولا يقولون القوى والطبائع الموجودة في المخلوقات لا تأثير لها بل يقرون بأن لها تأثيرًا لفظًا ومعنى، ولكن يقولون هذا التأثير هو تأثير الأسباب في مسبباتها والله تعالى خالق السبب والمسبب) فالسلف يثبتون فاعلية لقدرة الإنسان، وأثرًا للأسباب الطبيعية ولكن يشترطون عدم استقلالية الفاعلية والأثر وهذا هو ظاهر القرآن الذي أثبت للإنسان فعلاً، وللماء أثرًا وهكذا والجميع في النهاية يكون بخلق الله، فالخلق يتم في بعض صوره بوسائط هي قوى أودعها الله في مخلوقاته، فهو يخلق الأسباب ببعضها. يقول ابن تيمية:(والله سبحانه خلق الأسباب والمسببات وجعل هذا سببًا لهذا، فإذا قال القائل: إن كان مقدورًا، حصل بدون السبب وإلا لم يحصل جوابه أنه مقدور بالسبب وليس مقدورًا بدون السبب .. ودلل على ذلك بالأدلة) ومعنى ذلك أنه لا غنى للأسباب عن المسببات ولا المسببات في غنى عن الأسباب، لكن الأسباب ليست علة تامة تستقل بإحداث المسببات ( .. ومعلوم أنه ليس في المخلوقات شيء وحده علة تامة وسببًا تامًا للحوادث بمعنى أن وجوده مستلزم لوجود الحوادث، بل ليس هذا إلا لمشيئة الله خاصة). وهذا هو الإنصاف الذي جاء به القرآن في نسبة الفعل والإحداث، فهو لم يغلُ في نسبته إلى الطبيعة بإنكار صنع الإله الحق كما أنه لم يقض على ما يشاهده الناس بعيونهم ويجربونه بأنفسهم بإلغاء أثر القوى الكامنة في الطبيعة فأثبت الجميع وقال للإنسان:(وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين) الإنسان: 30، أي لا يتحقق لك صنع وعمل باستقلال حتى أشاء أنا (وهو الذي قدر الأشياء وقضاها ولا يكون في الدنيا ولا في الآخرة شيء إلا بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره وكتبه في اللوح المحفوظ).
وقال العلامة محمد بن علي بن سلوم: (ومذهب سلف الأمة وأئمتها من جمهور أهل السنة يقولون: إن العبد فاعل لفعله حقيقة، وأن له قدرة حقيقية واستطاعة حقيقية ولا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية بل يقرون بما دل عليه الشرع والعقل ولا يقولون القوى والطبائع الموجودة في المخلوقات لا تأثير لها بل يقرون بأن لها تأثيرًا .. ) وينقل لنا السفاريني أدلة من القرآن يشرح ما فيها من المعاني (فالحوادث تضاف إلى خالقها باعتبار وإلى أسبابها باعتبار كما قال الله تعالى: (هذا من عمل الشيطان) وقال (وما أنسانيه إلا الشيطان) مع قوله: (كل من عند الله) وأخبر أن العباد يفعلون ويصنعون ويعملون ويؤمنون ويكفرون ويفسقون وأن العبد فاعل لفعله حقيقة فقولهم: في خلق فعل العبد بإرادته وقدرته كقولهم في خلق سائر الحوادث بأسبابها، وقد دلت الدلائل اليقينية على أن كل حادث فالله خالقه وفعل العبد من جملة الحوادث والحاصل أن مذهب السلف ومحققي أهل السنة إن الله تعالى خلق قدرة الإنسان وإرادته وفعله، وأن العبد فاعل لفعله حقيقة ومحدث لفعله والله سبحانه جعله فاعلاً له محدثًا له) وقوله إن محققي السنة يقولون بما يقول به السلف فهذا حق ولهذا جاء في كتب الأشاعرة المحققة قول العلامة الشيخ إبراهيم المذاري:( .. ما يدل على أن الأشعري إنما نفى الاستقلال لا أصل التأثير بإذن الله تعالى .. ما هو المعتمد في معتقده الموافق للكتاب والسنة وأن إمام الحرمين فيما ذكره في النظامية موافق للأشعري في التحقيق المعتمد عنده في (الإبانة) .. وقال أيضًا: فإن هذا الكلام من الشيخ الأشعري صريح في وقوع الفعل بقدرة محدثة والوقوع فرع التأثير غاية الأمر أنه لم يطلق على العبد أنه خالق أدبًا فهو كما قال إمام الحرمين واستحال إطلاق القول بأن العبد خالق لأعماله فإن فيه الخروج عما درج عليه السلف) وقد قال الجويني تصريحًا لا تلميحًا بأثر قدرة العبد فقال: (ففي المصير إلى أنه لا أثر لقدرة العبد في فعله قطع طلبات الشرائع والتكذيب بما جاء به المرسلون .. ) فهل هذا الحكم من الجويني يلزم كل من أنكر أثر الأسباب وقد نقل السفاريني عن محققي أهل السنة الاتفاق في هذه المسألة فقال: ( .. وإنما ذكرت لك أقاويل هؤلاء-أي المحققون من علماء الأشاعرة- مع أن عمدة المعتقد عندنا الغير المنتقد في عقدنا مذهب السلف المقرر على الوجه المرضي المحرر لتعلم أن محققي الأشاعرة لهم موافقة على حقيقة مذهب السلف والإغضاء عما ينمقه الخلف) والذي يرجع إلى التحقيق في هذه المسألة يجد أن لمحققي الأشاعرة قولين أو فهمين، فالجويني له رأي في (الإرشاد) متقدم يقول فيه بعدم تأثير قدرة الإنسان وخالفه في آخر كُتبه وقال بأن لها تأثيرًا ونصه:( .. قدرة العبد مخلوقة لله تبارك وتعالى باتفاق العالمين بالصانع، والفعل المقدور بالقدرة الحادثة واقع بها قطعًا ولكنه مضاف إلى الله تبارك وتعالى تقديرًا وخلقًا) وما ذهب إليه الإمام الجويني لم يرق للشهرستاني فادعى أنه ليس مذهبًا للإسلاميين بل جاء به من عند الفلاسفة (وهذا الرأي إنما أخذه من الحكماء الإلهيين وأبرزه في معرض الكلام .. إلى أن قال: ومن العجب أن مأخذ كلام الإمام أبي المعالي إذا كان بهذه المثابة فكيف يمن إضافة الفعل إلى الأسباب حقيقة).
والحق أن ما ذهب إليه الجويني ليس بدعًا من القول ولا جيء به من مصدر بعيد، بل هو ما قال به السلف والمحققون من أهل السنة وهو ظاهر القرآن ومعناه.
وبهذا يتبين خطأ البغدادي حينما زعم أن الإجماع قام على أن الأجسام لا تختلف بالطبائع وخطأ حكمه الذي رتبه على ذلك وهو الضلال. بل العكس هو الصحيح أن السلف ومحققي أهل السنة كأبي الحسن الأشعري والإمام الجويني اتفقوا على ما نص عليه ظاهر القرآن وإن اختلف النقل عنهم أحيانًا كما بيناه وهو ما توصل إليه البوطي وهو يعلق على كلام الغزالي في نص له يُسلم بوجود قوى كامنة في الأشياء (وتحليل الغزالي هذا أقرب إلى الانسجام مع التعليلات العلمية لظواهر الأشياء وتكويناتها .. وختمه بقوله: إلا أنه أبعد عن مسلك الجمهور وما اتفق عليه)