المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السابع: معنى الظلم - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني: انقطاع صلة المنهج الأشعري في كثير من مسائله بالسلف:

- ‌المبحث الثالث: بيان مخالفة متأخّري الأشاعرة للأشعري ولكبار أصحابه

- ‌المبحث الرابع: نصوص أئمة أصحاب الأشعري في إثبات الصفات لله تعالى والمنع من تأويلها

- ‌المبحث الخامس: متابعة الأشاعرة لمنهج المعتزلة إما صراحة وإما لزوماً

- ‌المبحث السادس: نصوص العلماء في مخالفة الكلابية والأشاعرية لأهل السنة ولطريق السلف

- ‌المبحث الأول: قولهم في الإيمان

- ‌المبحث الثاني: أشاعرة وافقوا السلف

- ‌المبحث الثالث: الصلة بين الإيمان والإسلام عند الأشاعرة

- ‌المبحث الرابع: قولهم في الزيادة والنقصان

- ‌المبحث الخامس: قولهم في الاستثناء في الإيمان

- ‌المبحث السادس: الفرق بين تصديق الأشاعرة ومعرفة جهم

- ‌المبحث السابع: رأي الأشاعرة في مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث الثامن: مفهوم الكفر عند الأشاعرة

- ‌المبحث التاسع: الرد على من زعم أن الأنبياء والرسل ليسوا اليوم أنبياء ولا رسلا

- ‌المبحث الأول: تعريفه

- ‌المبحث الثاني: مراتب القدر:

- ‌المطلب الأول: تعليل أفعال الله وإثبات الحكمة فيها:

- ‌المطلب الثاني: هل الإرادة تقتضي المحبة أم لا

- ‌المبحث الرابع: أفعال العباد عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: تعريف العلة عند الأشاعرة:

- ‌المطلب الثاني: موقف الأشاعرة من الحكمة والتعليل

- ‌المطلب الثالث: تحرير محل النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة

- ‌المطلب الرابع: أدلة الأشاعرة والجواب عنها

- ‌المطلب الأول: التحسين والتقبيح

- ‌المطلب الثاني: معاني الحسن والقبح، وتحرير محل النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة

- ‌المطلب الثالث: ثمرة الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة في الحسن والقبح العقليين

- ‌المطلب الرابع: أدلة نفاة الحسن والقبح العقليين والجواب عنها

- ‌المطلب الخامس: أحكام متعلقة بأفعال الله المتعدية عند الأشاعرة

- ‌المطلب السادس: هل يجب على الله تعالى شيء

- ‌المطلب السابع: معنى الظلم

- ‌المطلب الأول: عقيدة العادة عند الأشاعرة

- ‌المطلب الثاني: الحكم المترتب على مخالفة عقيدة العادة

- ‌المطلب الثالث: نقد مفهوم العادة

- ‌المطلب الرابع: عقيدة العادة مبطلة لعقيدة التوحيد

- ‌المطلب الخامس: عقيدة العادة مبطلة لمبادئ العلوم

- ‌المطلب السادس: الأسباب والمسببات عند الأشاعرة وعلاقتها بأفعال الله

- ‌المبحث الثامن: نقد موقف الأشاعرة من الخوارق والمعجزات

- ‌المطلب الأول: نشأة مصطلح "أهل السنة" وتاريخ إطلاقه:

- ‌المطلب الثاني: معنى أهل السنة

- ‌المطلب الثالث: تنازع الطوائف هذا اللقب

- ‌المطلب الرابع: طريق معرفة السنة وإدراكها

- ‌المطلب الخامس: موقف الأشاعرة من النقل عموماً والسنة خصوصاً

- ‌المطلب السادس: سلف الأشاعرة وموقف أهل السنة منهم

- ‌المبحث الثاني: موقف علماء أهل السنة من دعوى الأشاعرة أنهم أهل السنة

- ‌المبحث الثالث: مواقف العلماء الآخرين من المذهب الأشعري

- ‌المبحث الرابع: من أهم المسائل التي خالف فيها الأشاعرة أهل السنة

- ‌المبحث الأول: الرد على متأخري الأشاعرة بأقوال شيوخهم وردود بعضهم على بعض

- ‌المبحث الثاني: إبطال دعوى الأشاعرة أنهم أكثر الأمة

- ‌المبحث الثالث: ذكر بعض من نسبوا إلى الأشعرية وبيان براءتهم منها

- ‌المبحث الرابع: بطلان دعوى أن ابن حجر كان أشعريا

- ‌المبحث الخامس: مسائل الخلاف بين الأشعرية والماتريدية

- ‌المبحث السادس: تناقض الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: التناحر الأشعري الأشعري

- ‌المبحث الثامن: حيرة الأشاعرة وشكهم ورجوعهم عن علم الكلام

- ‌المبحث التاسع: من كلام الإمام الجويني (الأب) في رسالته التي وجهها إلى شيوخه بعد رجوعه إلى مذهب السلف

- ‌المبحث الأول: التعريف بالماتريدية

- ‌المطلب الأول: حياته

- ‌المطلب الثاني: مصنفاته

- ‌المطلب الثالث: شيوخه وتلاميذه

- ‌المطلب الرابع: أهم آراء الماتريدي إجمالا

- ‌المبحث الأول: نشأة الماتريدية وأهم زعمائها

- ‌المبحث الثاني: أسباب انتشار الماتريدية

- ‌المبحث الأول: الاعتماد على العقل

- ‌المبحث الثاني: ترك الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقيدة

- ‌المبحث الثالث: القول بالمجاز

- ‌المبحث الرابع: معرفة الله واجبة عندهم بالعقل قبل ورود السمع

- ‌المبحث الخامس: القول بالتحسين والتقبيح العقليين

- ‌المبحث السادس: التأويل والتفويض

- ‌المطلب الأول: معنى الإيمان وحقيقته

- ‌المطلب الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المطلب الثالث: الاستثناء في الإيمان

- ‌المطلب الرابع: الإيمان والإسلام

- ‌المطلب الخامس: حكم إيمان المقلد

- ‌المطلب السادس: حكم مرتكب الكبيرة

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: توحيد الربوبية والألوهية

- ‌تمهيد

- ‌أولا: مذهب الماتريدية في الأسماء الحسنى

- ‌ثانيا: مذهب الماتريدية في صفات الله تعالى

- ‌أولا: ما تثبت به النبوة عند الماتريدية

- ‌المبحث الرابع: اليوم الآخر عند الماتريدية

- ‌المطلب الأول: مراتب القضاء والقدر عند الماتريدية

- ‌المطلب الثاني: مذهب الماتريدية في أفعال العباد

- ‌أولا: القدرة والاستطاعة

- ‌ثانيا: التكليف بما لا يطاق

- ‌المبحث السادس: خلاصة المسائل العقدية التي خالف فيها الماتريدية السلف

- ‌المبحث الأول: الموازنة بين الماتريدية والأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: الموازنة بين الماتريدية والمعتزلة

- ‌الفصل السادس: الرد على الماتريدية

- ‌المبحث الأول: الرد على الماتريدية في عدم الاحتجاج بخبر الآحاد في العقيدة

- ‌المطلب الأول: معنى "التفويض" في اصطلاح السلف

- ‌المطلب الثاني: التفويض عند الماتريدية

- ‌المطلب الثالث: في إبطال التفويض

- ‌المبحث الثالث: الرد على الماتريدية في باب الأسماء والصفات

- ‌أولا: مخالفة الماتريدية للنقل الصحيح

- ‌ثانيا: خروج الماتريدية على إجماع جميع بني آدم

- ‌ثالثا: مكابرة الماتريدية بداهة العقل الصريح

- ‌خامسا: إبطال شبهاتهم حول "علو" الله تعالى

- ‌المبحث الخامس: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة استواء الله تعالى على عرشه

- ‌المبحث السادس: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة "نزول" الله إلى السماء الدنيا

- ‌المبحث السابع: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة "اليدين" لله تعالى وتحريفهم لنصوصها

- ‌المبحث الثامن: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة الكلام

- ‌المبحث التاسع: الرد على قولهم بخلق أسماء الله الحسنى

الفصل: ‌المطلب السابع: معنى الظلم

‌المطلب السابع: معنى الظلم

القول في معنى الظلم مبني على مسألة التحسين والتقبيح، وقد وقع الخلاف في معنى الظلم على ثلاثة أقوال:

1 -

قول الجهمية والأشاعرة، وهؤلاء قالوا في تعريف الظلم: إما أنه التصرف في ملك الغير، أو أنه مخالفة الآمر الذي تجب طاعته، وهؤلاء يقولون: الظلم بالنسبة لله غير ممكن الوجود، بل كل ممكن إذا قدر وجوده فإنه عدل، والظلم منه ممتنع غير مقدور، وهو محال لذاته كالجمع بين الضدين، وكون الشيء موجودا معدوما.

وهؤلاء يقولون لو عذب الله المطيعين ونعم العاصين لم يكن ظالما، لأن الظلم عندهم إنما هو التصرف في ملك الغير، والله تعالى مالك الملك، فأي فعل فعله ولو كان تعذيب أنبيائه وملائكته وأهل طاعته، وتكريم أعدائه من الكفار والشياطين لم يكن ظالما، لأنه لم يتصرف إلا في ملكه، وكذلك فليس هناك آمر فوقه حتى يخالفه. وهذا قول جمهور الأشاعرة، وهو قول كثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، كالقاضي أبي يعلى، وأتباعه، وأبي المعالي الجويني وأتباعه، وأبي الوليد الباجي وأتباعه وغيرهم (1).

(1) انظر: ((منهاج السنة)) (1/ 90، 2/ 232) – ط دار العروبة المحققة. و ((جامع الرسائل – رسالة في معنى كون الرب عادلا، وفي تنزهه عن الظلم –)) (1/ 121 - 122)، و ((رسالة في شرح حديث أبي ذر – مجموعة الرسائل المنيرية)) (3/ 207).

ص: 88

2 -

قول المعتزلة، وهؤلاء يقولون: إن الظلم مقدور لله تعالى، ولكنه منزه عنه، وهذا حق، ولكنهم يجعلون الظلم الذي حرمه الله وتنزه عنه نظير الظلم من الآدميين بعضهم لبعض، وشبهوه في الأفعال ما يحسن منها وما لا يحسن بعباده، فضربوا له من أنفسهم الأمثال، ولذلك فهم يسمون مشبهة الأفعال. وبناء على هذا قالوا:"إذا أمر العبد ولم يعنه بجميع ما يقدر عليه من وجوه الإعانة كان ظالما له، والتزموا أنه لا يقدر أنه يهدي ضالا كما قالوا: إنه لا يقدر أن يضل مهتديا، وقالوا عن هذا: إذا أمر اثنين بأمر واحد، وخص أحدهما بإعانته على فعل المأمور كان ظالما إلى أمثال ذلك من الأمور التي هي من باب الفضل والإحسان، جعلوا تركه لها ظلما، وكذلك ظنوا أن التعذيب لمن كان فعله مقدرا ظلم له، ولم يفرقوا بين التعذيب لمن قام به سبب استحقاق ذلك ومن لم يقم"(1).فالله عند المعتزلة عدل لا يظلم لأنه لم يرد وجود شيء من الذنوب، لا الكفر ولا الفسوق ولا العصيان، بل العباد يفعلون ذلك بغير مشيئته، والله لم يخلق شيئا من أفعال العباد لا خيرا ولا شرا، لأنه لو كان خالقا لها ثم عاقب العاصين لكان ظالما لهم (2).3 - قول أهل السنة، قالوا: الظلم وضع الشيء في غير موضعه وهذا معناه في اللغة، يقال: من أشبه أباه فما ظلم، ومن استرعى الذئب فقد ظلم (3)، وعلى هذا المعنى بنى أهل السنة تعريفهم للظلم الذي نزه الله نفسه عنه فقالوا: إن الله تعالى حكم عدل يضع الأشياء مواضعها، فلا يضع شيئا إلا في موضعه الذي يناسبه، ولا يفرق بين متماثلين، ولا يسوي بين مختلفين (4).وعلى هذا فالظلم الذي حرمه الله على نفسه، وتنزه عنه فعلا وإرادة هو ما فسره به سلف الأمة وأئمتها أنه لا يحمل المرء سيئات غيره، ولا يعذب بما لم تكسب يداه، وأنه لا ينقص من حسناته فلا يجازي بها أو ببعضها، وهذا هو الظلم الذي نفى الله خوفه عن العبد بقوله: وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا [طه: 112]، قال المفسرون لا يخاف أن يحمل عليه من سيئات غيره ولا ينقص من حسناته، وقيل: يظلم بأن يؤاخذ بما لم يعمل (5).والله تعالى قادر على الظلم، ولكنه تعالى نزه نفسه عنه، وحرمه على نفسه، كما ورد في ذلك الأدلة الكثيرة، وأشهرها حديث أبي ذر:((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)) (6). وغيره.

(1)((شرح حديث أبي ذر – مجموع الرسائل المنيرية)) (3/ 206).

(2)

انظر: ((جامع الرسائل)) (1/ 123).

(3)

انظر: ((الصحاح، ولسان العرب مادة – ظلم –)) وانظر: ((تأويل مشكل القرآن)) (ص: 467).

(4)

انظر: ((جامع الرسائل)) (1/ 124).

(5)

انظر: ((زاد المسير – سورة طه آية: 112 –)) ((شرح الطحاوية)) (ص: 507) ط المكتب الإسلامي، و ((منهاج السنة)) (1/ 90 - 91). ط دار العروبة المحققة.

(6)

رواه مسلم (2577).

ص: 89

ويلاحظ أن الأشاعرة جاء تفسيرهم للظلم مواكبا لمذهبهم في القدر، فهم لميلهم إلى مذهب الجبرية، إذا قيل لهم إن قولكم بأن للعبد قدرة غير مؤثرة، نتيجته الجبر، فكيف يعذب الله العباد على ما جبرهم عليه، هذا ظلم، قالوا ليس هذا ظلما لأن الظلم هو التصرف في ملك الغير أو مخالفة الآمر الذي تجب طاعته، وهذا منتف بالنسبة لله. ولا شك أن هذا التفسير للظلم مخالف للمعروف من لغة العرب، ولما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة التي ورد فيها هذا اللفظ، كما أن قولهم بأن الظلم ممتنع عليه ليس فيه مدح ولا كمال، وإنما المدح والكمال أن يقال: إن الله سبحانه منزه عنه، لا يفعله لعدله، والمدح إنما يكون بترك المقدور عليه، لا بترك الممتنع (1).

تكليف ما لا يطاق:

الطاقة هي الاستطاعة، والخلاف بين الطوائف قائم حول تحديد المقصود بما لا يطاق، هل هو الممتنع عادة، أم المستحيل كالجمع بين الضدين، أو هو كتكليف الكافر وهو لا يؤمن.

وشيخ الإسلام بين أن هذا الخلاف ناتج عن عدم التفريق بين أمرين متعلقين بالنزاع في هذه المسألة:

1 -

ما يرجع إلى الفعل المأمور به، وهذا فيما يتعلق بالقضاء والقدر.

2 -

وما يرجع إلى جواز الأمر الشيء، وهذا فيما يتعلق بمسائل الأمر والنهي. والذين خلطوا بين هذين القسمين وقعوا في المحذور، مثل قياس بعضهم أمر الله الكافر بالإيمان مع علمه تعالى أنه لا يفعل، بمسألة العاجز الذي لو أراد الفعل لم يقدر عليه، وجعلهم القسمين قسما واحداً وأنه تكليف بمالا يطاق. فهذا جمع مخالف لما يعلم بالاضطرار من الفرق بينهما، وهو من مثارات الأهواء بين القدرية والجبرية (2).ولذا يرى شيخ الإسلام أن إطلاق القول بتكليف ما لا يطاق من البدع الحادثة في الإسلام (3).

وقد وقع الخلاف في تكليف ما لا يطاق على أقوال:1 - جواز تكليف ما لا يطاق مطلقا، ومنه تكليف الأعمى البصر، والزمن أن يسير إلى مكة. وهذا قول جهم بين صفوان (4).2 - عدم جواز تكليف ما لا يطاق، وقد منعوه لقبحه عقلا، وهذا مبني على مذهبهم في أن القدرة تكون قبل الفعل فقط، حتى يتحقق التكليف، ومن ثم يترتب عليه الثواب والعقاب، ولذلك منعوا أن تكون القدرة مقارنة لمقدورها، لأن معنى ذلك أن يكون تكليف الكافر بالإيمان تكليفا بما لا يطاق؛ إذ لو أطاقه لوقع منه، فلما لم يقع منه دل على أنه غير قادر عليه، وتكليف ما لا يطاق قبيح، والله لا يفعل القبيح، وهذا قول المعتزلة ومن وافقهم (5).

(1) انظر في مسألة الظلم والأقوال فيه: ((جامع الرسائل)) (1/ 27 - 129)، و ((الجواب الصحيح)) (1/ 219)، ((النبوات)) (ص: 143) – ط دار الكتب العلمية، ((منهاج السنة)) (1/ 318) ط دار العروبة المحققة، (1/ 361) – مكتبة الرياض الحديثة، (3/ 23 - 26) – ط بولاق، ((مجموع الفتاوى)) (8/ 505 - 510، 11/ 675 - 676)، ((درء التعارض)) (10/ 28).

(2)

انظر: ((درء التعارض)) (1/ 64 - 65).

(3)

انظر: ((درء التعارض)) (1/ 65).

(4)

انظر: ((مجموع الفتاوى)) (8/ 297).

(5)

انظر: ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 396)، و ((المختصر في أصول الدين)) لعبد الجبار الهمذاني (ص: 218)، و ((نظرية التكليف)) عبدالكريم عثمان (ص: 301)، و ((شرح المواقف)) (ص: 331) – الجزء المحقق.

ص: 90

3 -

أن تكليف ما لا يطاق جائز، وهذا مذهب الأشاعرة، وبنوا ذلك على ما في مذهبهم من أنه لا يجب على الله شيء ولا يقبح منه شيء. لكن الأشاعرة يقولون، إن ما لا يطاق أقسام: أ- أن يمتنع الفعل لعلم الله بعدم وقوعه، كتكليف الكافر الإيمان في حالة كفره، وهذا جائز عند جميع الأشاعرة، وهذا النوع هو ما لا يستطيعه المكلف لاشتغاله بضده فقط وهو الذي منعه المعتزلة (1).ب- أن يمتنع الفعل لنفسه، بكونه محالا كالجمع بين الضدين، وهذا اختلف فيه الأشاعرة، منهم من أجازه كالرازي ومنهم من منعه (2).ج- ألا تتعلق به القدرة الحادثة عادة، كحمل الجبل، والطيران، فهذا يجوزه بعض الأشاعرة وإن لم يقع من خلال الاستقراء، وبعض المجوزين يحتج لذلك بتكليف أبي لهب الإيمان مع ورود الخبر أنه لا يؤمن (3).

4 -

مذهب السلف، التفصيل، وذلك أن يقال: تكليف مالا يطاق على وجهين:

أحدهما: ما لا يقدر على فعله لاستحالته، وهو نوعان:

أ- ما هو ممتنع عادة كالمشي على الوجه والطيران، وكالمقعد الذي لا يقدر على القيام، والأخرس الذي لا يقدر على الكلام.

ب- وما هو ممتنع في نفسه كالجمع بين الضدين، وجعل المحدث قديما، والقديم محدثا، ونحو ذلك. فهذان النوعان قد اتفق حملة الشريعة على أن مثل هذا ليس بواقع، وأنه لا يجوز تكليفه (4).والثاني: ما لا يقدر عليه لا لاستحالته، ولا للعجز عنه، لكن لتركه والاشتغال بضده، مثل تكليف الكافر الإيمان في حال كفره، فهذا جائز خلافا للمعتزلة، لأنه من التكليف الذي اتفق المسلمون على وقوعه في الشريعة. ولكن إطلاق تكليف ما لا يطاق على هذا مما منعه جمهور أهل العلم، وإن كان بعض المنتسبين إلى السنة قد أطلقه في ردهم على القدرية (5).بقي الكلام في ما احتج به بعض الأشاعرة من جواز تكليف الممتنع عادة، بقصة أبي لهب (6)، فشيخ الإسلام يرى أن هذا خطأ، لأن من أخبر الله أنه لا يؤمن وأنه يصلى النار، بعد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له إلى الإيمان، فهذا قد حقت عليه كلمة العذاب، فهو كالذي يعاين الملائكة وقت الموت، فلم يبق هذا مخاطبا من جهة الرسول بالأمرين المتناقضين. وهو أيضا كقوم نوح حين أخبر الله نوحا – عليه السلام – أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، فلم يكن بعد هذا يأمرهم بالإيمان بهذا الخطاب (7)."بل إذا قدر أنه أخبر بصليه النار المستلزم لموته على الكفر وأنه سمع هذا الخطاب، ففي هذا الحال انقطع تكليفه، ولم ينفعه إيمانه حينئذ، كإيمان من يؤمن بعد معاينة العذاب، قال تعالى: فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [غافر: 85](8).فأبو لهب قد حقت عليه كلمة العذاب، فلا ينفعه الإيمان (9).وهكذا فالقول الراجح هو التفصيل فيها. ومن ذلك يتبين خطأ المعتزلة والجهمية وبعض الأشاعرة. علما أن من الأشاعرة من ذكر القول الحق بتفصيله في هذه المسألة (10).

هذه أهم المسائل المتعلقة بالقدر، وهي إن كانت مسائل فرعية إلا أنها ذات صلة قوية بموضوع القدر، أو هي جزء منه، ولاشك أن الأشاعرة لم يسلكوا فيها المسلك الصحيح الذي هو مسلك السلف – رحمهم الله – ولذلك جاء مذهبهم في القدر وفي أفعال العباد، منحرفا عن المذهب الحق.

‌المصدر:

موقف ابن تيمية من الأشاعرة لعبد الرحمن المحمود – 3/ 1323

(1) انظر: ((شرح المواقف)) (ص: 331 - 332) – الجزء الثاني.

(2)

انظر: ((الإرشاد)) (ص: 226) وما بعدها، و ((معالم أصول الدين)) للرازي (ص: 85 - 86)، ط مكتبة الكليات الأزهرية، و ((شرح المواقف)) (ص: 332) – الجزء المحقق.

(3)

انظر: ((مجموع الفتاوى)) (8/ 295)، و ((شرح المواقف)) (ص: 333) – الجزء المحقق.

(4)

انظر: ((مجموع الفتاوى)) (8/ 301).

(5)

انظر: ((المعتمد في أصول الدين)) للقاضي أبي يعلى (ص: 46 - 147)، و ((مجموع الفتاوى)) (8/ 298 - 302)، و ((درء التعارض)) (1/ 60).

(6)

كالرازي في ((معالم أصول الدين)) (ص: 85)، ط مكتبة الكليات الأزهرية، وانظر:((مجموع الفتاوى)) (8/ 303).

(7)

انظر: ((مجموع الفتاوى)) (8/ 302)، و ((درء التعارض)) (1/ 63).

(8)

انظر: ((درء التعارض)) (1/ 63 - 64).

(9)

انظر: ((مجموع الفتاوى)) (8/ 438، 473 - 474).

(10)

انظر: ((المعتمد في أصول الدين)) (ص: 146)، و ((الاقتصاد)) للغزالي ((ص: 112 - 114) ط دار الكتب العلمية، و ((مجموع الفتاوى)) (8/ 296، 469 - 470).

ص: 91