المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السابع: رأي الأشاعرة في مرتكب الكبيرة - موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - جـ ٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الثاني: انقطاع صلة المنهج الأشعري في كثير من مسائله بالسلف:

- ‌المبحث الثالث: بيان مخالفة متأخّري الأشاعرة للأشعري ولكبار أصحابه

- ‌المبحث الرابع: نصوص أئمة أصحاب الأشعري في إثبات الصفات لله تعالى والمنع من تأويلها

- ‌المبحث الخامس: متابعة الأشاعرة لمنهج المعتزلة إما صراحة وإما لزوماً

- ‌المبحث السادس: نصوص العلماء في مخالفة الكلابية والأشاعرية لأهل السنة ولطريق السلف

- ‌المبحث الأول: قولهم في الإيمان

- ‌المبحث الثاني: أشاعرة وافقوا السلف

- ‌المبحث الثالث: الصلة بين الإيمان والإسلام عند الأشاعرة

- ‌المبحث الرابع: قولهم في الزيادة والنقصان

- ‌المبحث الخامس: قولهم في الاستثناء في الإيمان

- ‌المبحث السادس: الفرق بين تصديق الأشاعرة ومعرفة جهم

- ‌المبحث السابع: رأي الأشاعرة في مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث الثامن: مفهوم الكفر عند الأشاعرة

- ‌المبحث التاسع: الرد على من زعم أن الأنبياء والرسل ليسوا اليوم أنبياء ولا رسلا

- ‌المبحث الأول: تعريفه

- ‌المبحث الثاني: مراتب القدر:

- ‌المطلب الأول: تعليل أفعال الله وإثبات الحكمة فيها:

- ‌المطلب الثاني: هل الإرادة تقتضي المحبة أم لا

- ‌المبحث الرابع: أفعال العباد عند الأشاعرة

- ‌المطلب الأول: تعريف العلة عند الأشاعرة:

- ‌المطلب الثاني: موقف الأشاعرة من الحكمة والتعليل

- ‌المطلب الثالث: تحرير محل النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة

- ‌المطلب الرابع: أدلة الأشاعرة والجواب عنها

- ‌المطلب الأول: التحسين والتقبيح

- ‌المطلب الثاني: معاني الحسن والقبح، وتحرير محل النزاع بين الأشاعرة والمعتزلة

- ‌المطلب الثالث: ثمرة الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة في الحسن والقبح العقليين

- ‌المطلب الرابع: أدلة نفاة الحسن والقبح العقليين والجواب عنها

- ‌المطلب الخامس: أحكام متعلقة بأفعال الله المتعدية عند الأشاعرة

- ‌المطلب السادس: هل يجب على الله تعالى شيء

- ‌المطلب السابع: معنى الظلم

- ‌المطلب الأول: عقيدة العادة عند الأشاعرة

- ‌المطلب الثاني: الحكم المترتب على مخالفة عقيدة العادة

- ‌المطلب الثالث: نقد مفهوم العادة

- ‌المطلب الرابع: عقيدة العادة مبطلة لعقيدة التوحيد

- ‌المطلب الخامس: عقيدة العادة مبطلة لمبادئ العلوم

- ‌المطلب السادس: الأسباب والمسببات عند الأشاعرة وعلاقتها بأفعال الله

- ‌المبحث الثامن: نقد موقف الأشاعرة من الخوارق والمعجزات

- ‌المطلب الأول: نشأة مصطلح "أهل السنة" وتاريخ إطلاقه:

- ‌المطلب الثاني: معنى أهل السنة

- ‌المطلب الثالث: تنازع الطوائف هذا اللقب

- ‌المطلب الرابع: طريق معرفة السنة وإدراكها

- ‌المطلب الخامس: موقف الأشاعرة من النقل عموماً والسنة خصوصاً

- ‌المطلب السادس: سلف الأشاعرة وموقف أهل السنة منهم

- ‌المبحث الثاني: موقف علماء أهل السنة من دعوى الأشاعرة أنهم أهل السنة

- ‌المبحث الثالث: مواقف العلماء الآخرين من المذهب الأشعري

- ‌المبحث الرابع: من أهم المسائل التي خالف فيها الأشاعرة أهل السنة

- ‌المبحث الأول: الرد على متأخري الأشاعرة بأقوال شيوخهم وردود بعضهم على بعض

- ‌المبحث الثاني: إبطال دعوى الأشاعرة أنهم أكثر الأمة

- ‌المبحث الثالث: ذكر بعض من نسبوا إلى الأشعرية وبيان براءتهم منها

- ‌المبحث الرابع: بطلان دعوى أن ابن حجر كان أشعريا

- ‌المبحث الخامس: مسائل الخلاف بين الأشعرية والماتريدية

- ‌المبحث السادس: تناقض الأشاعرة

- ‌المبحث السابع: التناحر الأشعري الأشعري

- ‌المبحث الثامن: حيرة الأشاعرة وشكهم ورجوعهم عن علم الكلام

- ‌المبحث التاسع: من كلام الإمام الجويني (الأب) في رسالته التي وجهها إلى شيوخه بعد رجوعه إلى مذهب السلف

- ‌المبحث الأول: التعريف بالماتريدية

- ‌المطلب الأول: حياته

- ‌المطلب الثاني: مصنفاته

- ‌المطلب الثالث: شيوخه وتلاميذه

- ‌المطلب الرابع: أهم آراء الماتريدي إجمالا

- ‌المبحث الأول: نشأة الماتريدية وأهم زعمائها

- ‌المبحث الثاني: أسباب انتشار الماتريدية

- ‌المبحث الأول: الاعتماد على العقل

- ‌المبحث الثاني: ترك الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقيدة

- ‌المبحث الثالث: القول بالمجاز

- ‌المبحث الرابع: معرفة الله واجبة عندهم بالعقل قبل ورود السمع

- ‌المبحث الخامس: القول بالتحسين والتقبيح العقليين

- ‌المبحث السادس: التأويل والتفويض

- ‌المطلب الأول: معنى الإيمان وحقيقته

- ‌المطلب الثاني: زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المطلب الثالث: الاستثناء في الإيمان

- ‌المطلب الرابع: الإيمان والإسلام

- ‌المطلب الخامس: حكم إيمان المقلد

- ‌المطلب السادس: حكم مرتكب الكبيرة

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: توحيد الربوبية والألوهية

- ‌تمهيد

- ‌أولا: مذهب الماتريدية في الأسماء الحسنى

- ‌ثانيا: مذهب الماتريدية في صفات الله تعالى

- ‌أولا: ما تثبت به النبوة عند الماتريدية

- ‌المبحث الرابع: اليوم الآخر عند الماتريدية

- ‌المطلب الأول: مراتب القضاء والقدر عند الماتريدية

- ‌المطلب الثاني: مذهب الماتريدية في أفعال العباد

- ‌أولا: القدرة والاستطاعة

- ‌ثانيا: التكليف بما لا يطاق

- ‌المبحث السادس: خلاصة المسائل العقدية التي خالف فيها الماتريدية السلف

- ‌المبحث الأول: الموازنة بين الماتريدية والأشاعرة

- ‌المبحث الثاني: الموازنة بين الماتريدية والمعتزلة

- ‌الفصل السادس: الرد على الماتريدية

- ‌المبحث الأول: الرد على الماتريدية في عدم الاحتجاج بخبر الآحاد في العقيدة

- ‌المطلب الأول: معنى "التفويض" في اصطلاح السلف

- ‌المطلب الثاني: التفويض عند الماتريدية

- ‌المطلب الثالث: في إبطال التفويض

- ‌المبحث الثالث: الرد على الماتريدية في باب الأسماء والصفات

- ‌أولا: مخالفة الماتريدية للنقل الصحيح

- ‌ثانيا: خروج الماتريدية على إجماع جميع بني آدم

- ‌ثالثا: مكابرة الماتريدية بداهة العقل الصريح

- ‌خامسا: إبطال شبهاتهم حول "علو" الله تعالى

- ‌المبحث الخامس: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة استواء الله تعالى على عرشه

- ‌المبحث السادس: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة "نزول" الله إلى السماء الدنيا

- ‌المبحث السابع: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة "اليدين" لله تعالى وتحريفهم لنصوصها

- ‌المبحث الثامن: الرد على الماتريدية في تعطيلهم لصفة الكلام

- ‌المبحث التاسع: الرد على قولهم بخلق أسماء الله الحسنى

الفصل: ‌المبحث السابع: رأي الأشاعرة في مرتكب الكبيرة

‌المبحث السابع: رأي الأشاعرة في مرتكب الكبيرة

اتفق الأشاعرة على انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر. أما الصغائر فقد ذكر شارح "المقاصد" اتفاق الأمة عن أن الله تعالى يعفو عنها مطلقاً (1) ويفهم منه أن الأشاعرة مجمعون على ذلك، إلا أن شارح (جوهرة التوحيد) ذكر رأيين في هذه المسألة بعد أن ذكر الاتفاق على ترتيب التكفير على اجتناب الكبائر، فقال: ذهب أئمة الكلام إلى أنه لا يجب التكفير على القطع بل يجوز ويغلب على الظن ويقوى فيه الرجاء، لأنا لو قطعنا لمجتنب الكبائر بتكفير صغائره بالاجتناب، لكانت له في حكم المباح الذي يقطع بأنه لا تبعه فيه. وذلك نقض لعرى الشريعة، فقوله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء: 31] معناه إن شئنا حملاً له على قوله: إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء: 48].وذهب جماعة من الفقهاء والمحدثين والمعتزلة إلى أن المكلف إذا اجتنب الكبائر كفرت صغائره قطعاً ولم يجز تعذيبه عليها، بمعنى أنه لا يجوز أن يقع لقيام الأدلة السمعية على عدم وقوعه كقوله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ

[النساء: 31]، والنظم ظاهر في هذا الثاني وهو أشهر من الأول عندهم، ومبني القولين جواز العقاب على الصغيرة وامتناعه والأول هو الحق (2). وهذا الكلام يدل على انقسام القوم في غفران الصغيرة إلى رأيين.

أحدهما: القول بأنها تغفر قطعاً نظراً لوعد الله سبحانه وتعالى بذلك في كتابه حيث قال: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء: 31]، وهذا إيجاب منه تعالى على نفسه بغفران الصغائر إذا اجتنبت الكبائر فلابد وأن الصغائر تغفر لا محالة تفضلاً منه سبحانه. وهذا الرأي هو المذهب المشهور عن الأشاعرة كما ذكر ذلك شارح (المقاصد) الذي يعتبر كتابه من أشهر الكتب التي يعتمد عليها أصحابه.

أما الرأي الثاني فهو القول بأن الصغائر يجوز أن تغفر، ولا نقول بالقطع لأن في ذلك إغراءاً بفعلها، وهو دليل عقلي بحت ولا يخفى ما بين الرأيين من تقارب؛ إذ كلها تتفق على أن الصغائر تغفر إذا اجتنبت الكبائر تفضلا والخلاف في القطع بذلك أو عدمه. ولكن الرأي الذي يسنده الدليل هو القائل بأنها تغفر قطعاً إذا اجتنبت الكبائر لوضوح الأدلة على ذلك، ولا تخفى مؤاخذة صاحبها إن كانت تجره إلى فعل الكبيرة.

(1) شرح ((المقاصد)(2/ 235)، ودعوى اتفاق الأمة غير صحيح، فخلاف الخوارج مشهور.

(2)

اللقاني، عبدالسلام بن إبراهيم المالكي، ((إتحاف المريد بجوهرة التوحيد))، (ص: 158)، تعليق الشيخ محمد يوسف الشيخ، ط سنة 1379هـ - 1960م.

ص: 48

هذا بشأن حكم الصغيرة عند الأشاعرة أما حكم مرتكبي الكبائر، فالكلام في ذلك ذو شقين أحدهما الكلام في صفته وتسميته في الدنيا، والثاني الكلام في حكمه الأخروي. فأما تسميته وحكمه الدنيوي فقد ذهبوا إلى القول بأن مرتكب الكبيرة مؤمن فاسق، لأن ارتكاب الكبيرة لا يذهب إيمانه كما ذهب إليه المعتزلة وإنما يؤثر فيه بالنقصان، فيسلب منه كمال الإيمان، ويقيد بما اتصف به من معصية وفسق، فيقال مؤمن فاسق. وفي هذا يقول أبو بكر الباقلاني في (التمهيد): فإن قال قائل: فخبروني عن الفاسق الملي هل تسمونه مؤمناً بإيمانه الذي فيه، وهل تقولون إن فسقه لا يضادّ إيمانه؟ قيل له: أجل، فإن قال: فلم قلتم إن الفسق الذي ليس بجهل بالله لا يضاد الإيمان؟ قيل له: لأن الشيئين إنما يتضادان في محل واحد، وقد علمنا أن ما يوجد بالجوارح لا يجوز أن ينفى علماً وتصديقاً، يوجد بالقلب فثبت أنه غير مضاد للعلم بالله والتصديق له. والدليل على ذلك أنه قد يعزم على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم بقلبه من لا ينفي عزمه على ذلك معرفة النبي صلى الله عليه وسلم، وتصديقه له، وكذلك حكم القول في العزم على معصية الله عز وجل، وأنه غير مضاد لمعرفته والعلم به، والتصديق له هو الإيمان لا غير. فصح بذلك اجتماع الفسق الذي ليس بكفر مع الإيمان وأنهما غير متضادين. فإن قال: ولم قلتم إنه يجب أن يسمى الفاسق الملي بما فيه من الإيمان مؤمناً؟ قيل له: لأن أهل اللغة إنما يشتقون هذا الاسم للمسمى به من وجود الإيمان به، فلما كان الإيمان موجوداً بالفاسق الذي وصفنا حاله، وجب أن يسمى مؤمناً كما أنه لما لم يضاد ما فيه من الإيمان فسقه الذي ليس بكفر وجب أن يسمى به فاسقاً. وأهل اللغة متفقون على أن اجتماع الوصفين المختلفين لا يوجب منع اشتقاق الأسماء منهما، ومن أحدهما، فوجب بذلك ما قلناه (1).

فمما تقدم يتبين لنا الرأي ودليله، وذلك الدليل الذي ساقة الباقلاني ذو شقين، أحدهما عقلي والآخر لغوي.

أما العقلي: فيقول إن الفسق لا يضاد الإيمان، لأن التضاد بين الشيئين لا يكون إلا إذا وجدا في محل واحد، والمعصية التي بها يكون الفسق محلها الجوارح، والإيمان عندهم محله القلب فقط. وما يوجد بالجوارح لا يجوز أن ينفي ما يوجد بالقلب، لأنه غير مضاد له، إذ قد يعص الله تعالى من هو مصدق بقلبه بالله ورسله، فصح بذلك اجتماع الفسق والإيمان.

وأما اللغوي: فهو أن أهل اللغة يشتقون تسمية الشيء من صفة توجد فيه، والإيمان الذي هو التصديق القلبي موجود في الفاسق الذي عصى الله تعالى بعمل قبيح صدر عن الجوارح غير مضاد للإيمان.

(1) الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب، كتاب ((التمهيد))، (ص: 349 – 350)، نشر المكتبة الشرقية، بيروت، سنة 1957م.

ص: 49

وهذان الدليلان – ما هو واضح – مبنيان على مذهبهم القائل بأن الإيمان هو التصديق القلبي بالله وملائكته وكتبه ورسله، الذي تقدم بيانه، وأن أعمال الجوارح إنما هي ثمرات ذلك التصديق القلبي، وليست ركناً فيه، ولا جزءاً في مفهومه. وهم موافقون للسلف في إطلاقهم هذه الصفة على مرتكب الذنب الكبير وقد تقدم استدلالهم على هذه التسمية بمثل قوله تعالى في شأن حاطب بن أبي بلتعة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء

[الممتحنة: 1]. فقط خاطبه باسم الإيمان مع ما ارتكبه من عظيم الذنب بشأن الله ورسوله في قصته المشهورة ومثل قوله تعالى: وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات: 9] فسماهم مؤمنين مع اقتتالهم، وغير ذلك من الآيات التي تطلق على فاعل الذنب الكبير اسم المؤمن، وذلك أيضاً دليل للأشاعرة لأنهم يرون نفس الرأي. أما الحكم الأخروي لمرتكب الكبيرة، عند الأشاعرة، فإنهم أيضاً يوافقون السلف فيه. حيث فوضوا أمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه بعدله وإن شاء غفر له بفضله وذلك إذا مات المذنب من غير توبة، وعن سابق إصرار وفي ذلك يقول البغدادي من الأشاعرة: "

فأما أصحاب الذنوب من المسلمين إذا ماتوا قبل التوبة فمنهم من يغفر الله عز وجل له قبل تعذيب أهل العذاب، ومنهم من يعذبه في النار مدة ثم يغفر له ويرده إلى الجنة برحمته" (1).ويقول الشيخ عبدالسلام بن إبراهيم اللقاني في شرح (جوهرة التوحيد). "

فذهب أهل الحق إلى أنه لا يقطع له بعفو ولا عقاب، بل هو في مشيئة الله سبحانه وتعالى، وعلى تقدير وقوع العقاب عدلاً منه سبحانه وتعالى يقطع له بعدم الخلود في النار .... " (2). ولا نعلم خلافاً للأشاعرة في هذه المسألة. ويتبين لنا مما تقدم أن معتقد القوم في مرتكب الكبيرة أنه لا يقطع عليه بحكم ما، بل يفوض أمره إلى الله سبحانه وتعالى، إن شاء غفر له ذنوبه ابتداء من غير سابق تعذيب فيدخله الجنة بفضله ورحمته، وإن شاء أدخله النار وعذبه سابق تعذيب فيدخله الجنة بفضله ورحمته، وإن شاء أدخله النار وعذبه بقدر جرمه ثم أخرجه منها وأدخله الجنة. وكل هذا يستندون فيه إلى أدلة شرعية منها ما يدل على إمكان غفران الذنوب، ومنها ما يدل على عدم تخليد المذنب المؤمن إذا هو أدخل النار لمعاقبته التي تتم بعدل من الله سبحانه وتعالى.

فمن النصوص التي استدلوا بها على غفران الذنوب ما عدا الشرك قوله تعالى: إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء: 48] وقوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر: 53] إلى غير ذلك مما استدلوا به على هذه المسألة مما ورد في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة نبيه مما تقدم ذكره في بيان مذهب السلف، فلا داعي لتكراره. ثم إنهم استدلوا على هذه المسألة أيضا بأن العقاب حقه تعالى فيحسن إسقاطه مع أن فيه نفعا للعبد من غير ضرر لأحد (3). أما دليلهم على أن من عذب من العصاة لا يخلد في النار فهو أيضاً عين ما استدل به السلف من مثل قوله صلى الله عليه وسلم:((من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)) (4)، قالوا: وليس ذلك استقامة الكلام: خاصاً بما قبل دخول النار بل قد يكون بعده. وهي مسألة انقطاع العذاب أو بدونه وهي مسألة العفو التام (5). من أدلتهم أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: ((يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)) (6) ، إلى غير ذلك من الأدلة.

‌المصدر:

الإيمان بين السلف والمتكلمين لأحمد الغامدي - ص 170

(1) البغدادي، أبو منصور عبدالقاهر بن طاهر، ((أصول الدين))، (ص: 242)، ط1 مطبعة الدولة، استانبول، سنة 1346هـ - 1928م.

(2)

انظر: ((إتحاف المريد بجوهرة التوحيد))، تعليق الشيخ محمد يوسف الشيخ، (ص: 173)، ط سنة 1379هـ.

(3)

عبدالسلام بن إبراهيم اللقاني، ((إتحاف المريد بجوهرة التوحيد))، تعليق الشيخ محمد يوسف الشيخ، (ص: 172).

(4)

رواه الحاكم (4/ 279) من حديث أبي طلحة الأنصاري، وقال صحيح الإسناد، ورواه مسلم (27) من حديث عثمان رضي الله عنه بلفظ:(من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة).

(5)

((إتحاف المريد بجوهرة التوحيد))، تعليق الشيخ محمد يوسف الشيخ، (ص: 174).

(6)

رواه الترمذي (2593) ، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقال حديث حسن صحيح، وصححه الألباني، وقال في ((السلسلة)) (2450): صحيح على شرط الشيخين.

ص: 50