الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: القول بالتحسين والتقبيح العقليين
ومن القواعد والأسس المنهجية التي يقوم عليها منهج الماتريدية في تقرير العقيدة القول بالتحسين والتقبيح العقليين فقد ذهبت الماتريدية إلى أن العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها فقد ذهبت الماتريديةإلى أن العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها كما قالت المعتزلة من قبل إلا أنهم خالفوهم في المسائل المبنية على القول بالتحسين والتقبيح العقليين كالقول بوجوب الصلاح والأصلح ونحو ذلك.
واختلفت الماتريدية فيما بينها في الجزم بحكم الله في الفعل بمجرد إدراك العقل للحسن والقبح فيه فجمهور الماتريدية وعلى رأسهم الماتريدي يذهبون إلى أن حكم الله يجزم به في بعض الأفعال دون بعض قبل ورود السمع كالإلهيات والنبوات وأما السمعيات والشرائع فلا تدرك إلا بالسمع.
وأما أئمة بخارى فذهبوا إلى أن العقل لا يقضي بما أدركه من حسن الفعل وقبحه بحكم الله تعالى فيه إلا بعد ورود الشرع.
قال ابن الهمام: " قالت الحنفية قاطبة بثبوت الحسن والقبح للفعل على الوجه الذي قالته المعتزلة ثم اتفقوا على نفي ما بنته المعتزلة على إثبات الحسن والقبح للفعل من القول بوجوب الأصلح
…
ووجوب الرزق والثواب على الطاعة والعوض في إيلام الأطفال والبهائم
…
واختلفوا هل يعلم باعتبار العلم بثبوتهما في فعل حكم الله في ذلك الفعل تكليفا، فقال الأستاذ أبو منصور وعامة مشايخ سمرقند نعم وجوب الإيمان بالله وتعظيمه وحرمة نسبة ما هو شنيع إليه وتصديق النبي عليه السلام وهو معنى شكر المنعم
…
وقال أئمة بخارى منهم لا يجب إيمان ولا يحرم كفر قبل البعثة
…
إذ لا يمتنع أن لا يأمر الباري بالإيمان ولا يثيب عليه وإن كان حسنا ولا ينهى سبحانه عن الكفر ولا يعاقب عليه وإن كان قبيحا والحاصل أن لا يمتنع عدم التكليف عقلا إذ لا يحتاج سبحانه إلى الطاعة
…
ولا يتضرر بالمعصية
…
" (1).
وقول الماتريدية بالتحسين والتقبيح العقليين راجع إلى أن العقل عندهم هو أصل المعرفة فلذلك كان أصلا للسمع وكان مقدما عليه عند التعارض فيتفقون في هذا مع المعتزلة ويقابلهم الأشاعرة فإنهم ينفون الحسن والقبح العقليين ويجعلون حسن الأشياء وقبحها راجعا إلى الشرع لا إلى صفات قائمة بالأعيان والأفعال فهذان المذهبان على طرفي نقيض والحق وسط بينهما.
المصدر:
الماتريدية دراسة وتقويما لأحمد بن عوض الله بن داخل اللهيبي الحربي - ص 151، 152
وخلاصة القول أن الماتريدية يوافقون المعتزلة في إثبات الحسن والقبح الذاتيين للأفعال وأن العقل يدرك الحسن والقبح في بعض الأفعال فيدرك القبح المناسب لترتب حكم الله تعالى بالمنع من الفعل على وجه ينتهض معه الإتيان بذلك الفعل سببا للعقاب ويدرك الحسن المناسب لترتب حكمه تعالى فيه بالإيجاب والثواب على فعله والعقاب على تركه.
إلا أن أئمة بخارى- وإن أثبتوا الحسن والقبح العقليين- متفقون مع الأشاعرة في أنه لا يجب إيمان ولا يحرم كفر قبل البعثة.
(1)((المسايرة)) (154 - 161)، ط بولاق (26 - 28) ط1 الكردي 1347هـ، ملحقة بالمسامرة وانظر ((التوحيد)) للماتريدي (221، 223، 224)، ((التأويلات)) (1/ل 202، 638، 767) دار الكتب، ((أصول الدين)) للبزدوي (92)، ((تبصرة الأدلة)) للنسفي (ل 280 - 282)، ((التمهيد)) (43، 44)، ((كشف الأسرار عن أصول البزدوي)) لعلاء الدين البخاري (4/ 229)، ((إشارات المرام)) (76)، ((رسالة عمر الهاتفي في الفرق بين الأشاعرة والماتريدية)) (ل6)، ((نظم الفوائد)) (31)، ((تاريخ المذاهب الإسلامية)) أبو زهرة 179.
كما أن جميع الماتريدية يخالفون المعتزلة في وجوب الصلاح واللطف وغيرها من الأمور التي أوجبها المعتزلة على الله تفريعا على قولهم بالحسن والقبح العقليين.
المصدر:
الحكمة والتعليل في أفعال الله تعالى لمحمد ربيع هادي المدخلي- ص 94
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الناس في مسألة التحسين والتقبيح على ثلاثة أقوال طرفان ووسط:
الطرف الأول: قول من يقول بالحسن والقبح ويجعل ذلك صفات ذاتية للفعل لازمة له ولا يجعل الشرع إلا كاشفا عن تلك الصفات لا سببا لشيء من الصفات فهذا قول المعتزلة وهو ضعيف.
وأما الطرف الآخر في مسألة التحسين والتقبيح فهو قول من يقول إن الأفعال لم تشتمل على صفات هي أحكام ولا على صفات هي علل للأحكام بل القادر أمر بأحد المتماثلين دون الآخر لمحض لا لحكمة ولا لرعاية مصلحة في الخلق والأمر
…
وهذا القول ولوازمه هو أيضا قول ضعيف مخالف للكتاب والسنة ولإجماع السلف والفقهاء مع مخالفته أيضا للمعقول الصريح" ثم قال: "وقد ثبت بالخطاب والحكمة الحاصلة من الشرائع ثلاثة أنواع:
أحدها: أن يكون الفعل مشتملا على مصلحة أو مفسدة ولو لم يرد الشرع بذلك كما يعلم أن العدل مشتمل على مصلحة العالم والظلم يشتمل على فسادهم فهذا النوع هو حسن وقبيح وقد يعلم بالعقل والشرع قبح ذلك لا أنه أثبت للفعل صفة لم تكن لكن لا يلزم من حصول هذا القبح أن يكون فاعله معاقبا في الآخرة إذا لم يرد شرع بذلك وهذا مما غلط فيه غلاة القائلين بالتحسين والتقبيح فإنهم قالوا إن العباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة ولو لم يبعث إليهم رسولا وهذا خلاف النص قال تعالى: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص:59] والنصوص الدالة على أن الله لا يعذب إلا الرسالة كثيرة ترد على من قال من أهل التحسين والتقبيح أن الخلق يعذبون في الأرض بدون رسول أرسل إليهم.
النوع الثاني: أن الشارع إذا أمر بشيء صار حسنا وإذا نهى عن شيء صار قبيحا واكتسب الفعل صفة الحسن والقبح بخطاب الشارع. النوع الثالث: أن يأمر الشارع بشيء ليمتحن العبد هل يطيعه أم يعصيه ولا يكون المراد فعل المأمور به كما أمر إبراهيم بذبح ابنه فلما أسلما وتله للجبين حصل المقصود ففداه بالذبح وكذلك حديث أبرص وأقرع وأعمى لما بعث إليهم من سألهم الصدقة فلما أجاب الأعمى "قال الملك: أمسك عليك مالك فإنما ابتليتم فرضي عنك وسخط على صاحبيك"(1).فالحكمة منشؤها من نفس الأمر لا من نفس المأمور به وهذا النوع والذي قبله لم يفهمه المعتزلة وزعمت أن الحسن والقبح لا يكون إلا لما هو متصف بذلك بدون أمر الشارع والأشعرية ادعوا أن جميع الشريعة من قسم الامتحان وأن الأفعال ليست لها صفة لا قبل الشرع ولا بالشرع وأما الحكماء والجمهور فأثبتوا الأقسام الثلاثة وهو الصواب " (2).
فإطلاق القول في مسألة التحسين والتقبيح بأنهما عقليان أو شرعيان غير صحيح والحق والصواب في المسألة هو التفصيل كما بينه ووضحه شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه المتقدم.
المصدر:
الماتريدية دراسة وتقويما لأحمد بن عوض الله بن داخل اللهيبي الحربي - ص 152 - 154
(1) رواه البخاري (2052).
(2)
((الفتاوى)) (8/ 432 - 436)، وانظر ((الرد على من أنكر الحرف والصوت)) (165، 166)، ((منهاج السنة)) ت محمد رشاد سالم (1/ 448 - 451)، ((الرد على المنطقيين)) (422)، ((الفتاوى)) (17/ 198 - 205)، ((مدارج السالكين)) (1/ 230) وما بعدها، (3/ 491)، ((مفتاح دار السعادة)) (367) وما بعدها، ((الصواعق المرسلة)) (495)، ((لوامع الأنوار البهية)) (1/ 284)، ((إيثار الحق)) (377)، ((العلم الشامخ)) (109) وما بعدها ((جلاء العينين)) (247)، ((الحكمة والتعليل في أفعال الله)) المدخلي (78 - 105).