الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَليّ يَوْم الْأَحَد الْخَامِس من جُمَادَى الأولى عَام التَّارِيخ الْمَذْكُور قبل فَدخل الْبَلَد وَنزل فِي القصبة الْقَدِيمَة
وَاسْتولى الْعَدو دمره الله على مَدِينَة بلش يَوْم الْجُمُعَة الْعَاشِر من جُمَادَى الأولى عَام اثْنَيْنِ وَتِسْعين وثمان مئة
وَلما استولى الْعَدو دمره الله على مَدِينَة بلش دخلت فِي ذمتة جَمِيع الْقرى الَّتِي تلِي بلش وقرى جبل منتميش وحصن قمارش وَخرج أهل بلش من بلدهم مُؤمنين وحملوا مَا قدرُوا عَلَيْهِ وَذَلِكَ بعد قتال شَدِيد وَحرب عَظِيم فَمنهمْ من جوزه الْعَدو إِلَى أَرض العدوة وَمِنْهُم من أَقَامَ فِي بعض تِلْكَ الْقرى وَمِنْهُم من سَار إِلَى أَرض الْمُسلمين الَّتِي بقيت بالأندلس
حِصَار مَدِينَة مالقة ودفاعها الْمجِيد شعْبَان عَام
892
فَلَمَّا استخلص الْعَدو مَدِينَة بلش سَار بمحلته نَحْو مَدِينَة مالقة فَنزل عَلَيْهَا وقاتلها قتالا شَدِيدا وحاصرها حصارا
عَظِيما لم ير مثله وأحاط بهَا من كل جَانب وَمَكَان برا وبحرا فتحصن أهل مالقة ببلدهم وأظهروا مَا كَانَ عِنْدهم وَمَعَهُمْ من السِّلَاح وَالْعدة والأنفاط وَكَانَ فيهم جملَة من نجدة الفرسان فَقَاتلُوا الرّوم قتالا شَدِيدا وَقتلُوا مِنْهُم خلقا كثيرا حَتَّى إِنَّه قتل من الرّوم فِي يَوْم وَاحِد اثْنَا عشر ألفا وَسبع مئة وَمَعَ ذَلِك بَقِي الْعَدو يفتح عَلَيْهِم أبوابا من الْحَرْب والحيل والمسلمون قائمون بحراسة بلدهم ويغلبون عدوهم وَيقْتلُونَ من قرب إِلَيْهِم مِنْهُم
وهم صَابِرُونَ محتسبون مُدَّة طَوِيلَة حَتَّى ضيق عَلَيْهِم الْعَدو ودور بِالْمَدِينَةِ سورا من تُرَاب وسورا من خشب وحفيرا مَانِعا وَمنع عَلَيْهِم الدَّاخِل وَالْخَارِج فِي الْبر وَمنع عَلَيْهِم فِي الْبَحْر بالمراكب من الدَّاخِل وَالْخَارِج وَشد عَلَيْهِم فِي الْحصار والقتال وهم مَعَ ذَلِك صَابِرُونَ محتسبون يُقَاتلُون أَشد الْقِتَال وَلَا يظهرون جزعا وَلَا هلعا وَلَا يطمعون الْعَدو فِي شَيْء مِمَّا يرومه مِنْهُم حَتَّى نفد مَا عِنْدهم من الْأَطْعِمَة والزاد وأكلوا مَا كَانَ عِنْدهم من الْمَوَاشِي من خيل وبغال وحمير وكلاب وجلود وورق الشّجر وَغير ذَلِك من الْأَشْيَاء الَّتِي يُمكن أكلهَا حَتَّى فني ذَلِك كُله وَأثر فيهم الْجُوع أثرا عَظِيما وَمَات كثير من نجدة رِجَالهمْ الَّذين كَانُوا يوالون الْحَرْب والقتال
فَحِينَئِذٍ أذعنوا وطلبوا الْأمان فاحتال عَلَيْهِم الْعَدو حَتَّى دخل الْبَلَد بمكر ومكيدة وأسرهم كلهم وسبى نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادهمْ واحتوى على جَمِيع أَمْوَالهم وفرقهم على أهل دَخلته وقواده وَكَانَ مصابهم مصابا عَظِيما تحزن لَهُ الْقُلُوب وتذهل لَهُ النُّفُوس وتذوب وتبكي مصابهم الْعُيُون بالدماء فَإنَّا لله وَإِنَّا لَهُ رَاجِعُون
وَكَانَ اسْتِيلَاء الْعَدو على مَدِينَة مالقة فِي أَوَاخِر شعْبَان عَام اثْنَيْنِ وَتِسْعين وثمان مئة
فحين خلصت لِلْعَدو دمره الله مَدِينَة مالقة وبلش وَجَمِيع الغربية وَلم يبْق فِي تِلْكَ النواحي للْمُسلمين مَوضِع وَاحِد ارتحل الطاغية إِلَى بَلَده من قشتالة