الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نزوح مُسْلِمِي الأندلس إِلَى الْمغرب
قَالَ الْمُؤلف عَفا الله عَنهُ وَقد وجدت مُقَيّدا مَا نَصه وَمن تِلْكَ الْوَاقِعَة الَّتِي وَقعت أَيَّام الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ بن نصر الخزرجي المبايع فِي غرناطة فِي ذِي الْقعدَة من عَام اثْنَيْنِ وَتِسْعين وثمان مئة وَعَلِيهِ قَامَت النَّصْرَانِيَّة فِي جَمِيع مَدَائِن الأندلس ونهبت أَمْوَال
الْمُسلمين وأملاكهم وَمن بَقِي على ملكه وَجب عَلَيْهِ الْأسر أَو أَن يكون على دين النَّصْرَانِيَّة حَيْثُ ضعفت قُوَّة ذَوي الْإِسْلَام وَمَاتَتْ الْأَبْطَال
وَكَانَت المجاعة الْكُبْرَى بالعدوة وَقلت رجال العدوة وَقطع الْجَوَاز مِنْهَا إِلَى الأندلس فَكتب السُّلْطَان مُحَمَّد بن عَليّ إِلَى ملك الرّوم بِالصُّلْحِ فَقَالَ ملك الرّوم بِشَرْط أَن تمكنني من مَدِينَة الْحَمْرَاء ومدينة مرون وجبال السبيكة فأنعم لَهُ بذلك فَقطع النَّصَارَى إِلَى الْمَدَائِن فأخلى لَهُم تِلْكَ النَّاحِيَة من الْمُسلمين وَدخل النَّصَارَى دون أَوْلَاد ألفنش مِنْهُم لقلَّة ذمامهم وَعَهْدهمْ
وَفِي عَام خَمْسَة وَتِسْعين وثمان مئة كتب ملك الرّوم إِلَى السُّلْطَان بِأَنَّهُ يجب على الْمُسلمين أَن يعينوه بالزرع فِي كل سنة بِالَّذِي وَجب فِي دينكُمْ من الأعشار والزكوات وَلَا يَأْكُلهُ الْمُسلمُونَ أَو يَكُونُوا فِي هَيْئَة الْحَرْب ثمَّ ضربوا الدِّيوَان على أَن يُؤمنُوا أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ وأملاكهم فرضوا بِالشُّرُوطِ إِلَّا ماحرم الله تَعَالَى ثمَّ ارتحل ملك الرّوم إِلَى نَاحيَة الْمَدِينَة الْحَمْرَاء وَنظر ضعف الْمُسلمين ثمَّ ارتحل إِلَى جبل الْفَتْح قرب غرناطة ثمَّ بعث بَنو الفنش إِلَى قشتالة بِأَن الْمُسلمين فِي غَايَة الضعْف وقبح الوجنة فوفدوا عَلَيْهِم بحشود الرّوم فَلَمَّا وصلوا أَخذ النَّصَارَى يَأْكُلُون أَمْوَال الْمُسلمين فاشتكى الْمُسلمُونَ إِلَى الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ فَقَالَ لَهُم عَلَيْكُم بِالصبرِ حَتَّى ينْتَقل الْجَيْش إِلَى قشتالة فَبعث إِلَيْهِ ملك الرّوم يَقُول لَهُ قل لمن أَرَادَ الْإِقَامَة فِي الأندلس من الْمُسلمين فَعَلَيهِ بِالصبرِ وَمن أَرَادَ الْجَوَاز إِلَى العدوة يَبِيع أملاكه إِلَى النَّصَارَى بِالثّمن الوافي فَعَلَيهِ الْأمان والعهد ثمَّ انطفأ منار الْإِسْلَام وانكسرت شوكتهم وَقَالَ
ملك الرّوم من أَرَادَ الْجَوَاز إِلَى العدوة يحملهُ النَّصَارَى فِي المراكب من غير كِرَاء وَلَا يلْزمه بِشَيْء مُدَّة من عَاميْنِ أَو ثَلَاثَة وَمن أَرَادَ الْإِقَامَة بغرناطة فَعَلَيهِ الْأمان
فَلَمَّا تمت ثَلَاثَة سِنِين ارتحل ملك الرّوم إِلَى الْمَدِينَة الْحَمْرَاء وَإِلَى غرناطة وَفِي ربيع الأول من عَام سَبْعَة وَتِسْعين وثمان مئة كتب ملك الرّوم إِلَى الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ يَأْمُرهُ بالرحيل من غرناطة إِلَى قرى أندراش ثمَّ ضَاقَ الْأَمر بِالْمُسْلِمين من دُخُوله غرناطة فَقَالَ الْأَمِير مُحَمَّد بن عَليّ للْمُسلمين أردْت الْجَوَاز إِلَى العدوة
فَلم يجد من أهل الدِّيوَان خبْرَة وَاخْتلف أَمر الْمُسلمين مَعَ النَّصَارَى فَقَالَ لملك الرّوم أردْت الْجَوَاز إِلَى العدوة فَقَالَ
لَهُ نعم فَاجْتمع مَعَه خلق كثير من النَّاس نَحْو من سبع مئة رحيل وَركب فِي الْبَحْر وَنزل مليلية من العدوة ثمَّ ارتحل
إِلَى فاس فَوجدَ بهَا الْقَحْط والمجاعة الْكَبِيرَة فَامْتنعَ النَّاس من الْجَوَاز إِلَى العدوة عَن أَمر ملك النَّصْرَانِيَّة وَكَانَ من أَرَادَ الْجَوَاز من الْمُسلمين يجوزه النَّصَارَى بالكراء الوافي لضعف وَقُوَّة المغارم وزالت حُرْمَة الْإِسْلَام عَن الْمُسلمين وَقطع لَهُم الْأَذَان فِي الصوامع والإجتماع للصلوات فِي الْمَسَاجِد وَمن أَرَادَ الصَّلَاة فعلهَا فِي دَاره وَأمر على كبار غرناطة بِالْخرُوجِ من الْمَدِينَة إِلَى الأرباض
وَقبض على أَوْلَاد السراج وَأَوْلَاد بيرة وَأَوْلَاد طفير ثمَّ بَادر الْمُسلمُونَ بِالْجَوَازِ إِلَى العدوة من المراسي فَخرج من بَقِي من أهل مالقة فِي ثَلَاثَة أَيَّام إِلَى بادس وَخرج أهل المرية فِي نصف الْيَوْم إِلَى تلمسان
وَخرج أهل الجزيرة الخضراء فِي نصف الْيَوْم إِلَى طنجة وَخرج أهل رندة وبسطة وحصن موجر وقرية قردوش وحصن مرتيل إِلَى تطوان وأحوازها وَأهل ترقة ترقة خَرجُوا إِلَى
المهدية وَخرج أهل منسين إِلَى بِلَاد الرِّيف وَخرج أهل دانية وَأهل جَزِيرَة صقلية فِي أَرْبَعَة أَيَّام إِلَى تونس والجزائر والقيروان وَخرج أهل لوشة وقرية الفخار وَالْبَعْض من
غرناطة وَأهل مرشانة وَأهل الْبشرَة إِلَى قَبيلَة غمارة بزاوية سَيِّدي أَحْمد الغزال وَخرج أهل بربرة وبرجة وبولة وأندراش إِلَى مَا بَين طنجة وتطوان ثمَّ انْتقل الْبَعْض مِنْهُم إِلَى قَبيلَة بني سعيد من قبائل غمارة وَخرج أهل مرينية فِي يَوْم إِلَى مَدِينَة أزيلة وَمَا قرب مِنْهَا ثمَّ خرج أهل مَدِينَة بليش وشيطة وقرية شريش إِلَى مَدِينَة سلا وَخرج مَا بَقِي من أهل غرناطة فِي
خَمْسَة عشر يَوْمًا إِلَى بجاية ووهران وبرشد وزوالة ومازونة ونفطة وَقَابِس وسفاقس
وَسْوَسَة وَخرج أهل طريفة فِي يَوْم إِلَى أسفي وزمور وأنفة وَخرج أهل القلعة إِلَى أجدير
فَلَمَّا نظر الرّوم إِلَى الْمُسلمين قد شرعوا فِي الْجَوَاز ورحل أَكْثَرهم وَمَا بَقِي مِنْهُم إِلَّا الْقَلِيل أظهرُوا لَهُم حسن الْمُعَامَلَة فوعد الْبَاقُونَ من الْمُسلمين أَن يدخلُوا فِي دين النَّصْرَانِيَّة عَام أَرْبَعَة وتسع مئة فَدَخَلُوا فِيهِ كرها إِلَّا من أخْفى الْإِسْلَام وَضربت النواقيس فِي صوامعها ونصبت الصلبان فِي جوامعها وأكلت الْجِيَف وشربت الْخُمُور
وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم لمثل هَذَا فلتبك كل عين فياضة بدموع الدَّم
نسْأَل الله تَعَالَى السَّلامَة والعافية فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِنَّه على كل شَيْء قدير