الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَجَاء كثير من أهل الْقرى من حوز غرناطة للنزهة فَاجْتمعُوا فِي السبيكة من الْحَمْرَاء وَمَا حولهَا وامتلأت تِلْكَ الْمَوَاضِع بالخلق الْكثير وَأَقْبَلت الفرسان وصاروا يتألفون فِي السبيكة وَذَلِكَ وَقت الضُّحَى
حَادِثَة سيل غرناطة الْعَظِيم عَام
883
فَبَيْنَمَا النَّاس كَذَلِك فِي المهرجان إِذا بسحابة عَظِيمَة قد أَنْشَأَهَا الله تَعَالَى فِي السَّمَاء فأرعدت وأبرقت وانتشرت من ساعتها بقدرة مكون الْأَشْيَاء على السبيكة وَمَا قرب مِنْهَا وعَلى غرناطة وَمَا حولهَا وعَلى وَادي هداره وَجَاءَت بمطر عَظِيم وَلم يزل
الْمَطَر يزْدَاد ويعظم وَيكثر حَتَّى صَار كالأنهار الْعَظِيمَة وَجَاءَت السُّيُول من كل نَاحيَة وَعظم أمرهَا وعاين النَّاس الْهَلَاك من عظم مَا رَأَوْا من شدَّة الْمَطَر وَكَثْرَة السُّيُول من كل نَاحيَة وَاحْتمل السَّيْل الطّرق وَمَا حولهَا وَانْقطع النَّاس وَحَال السَّيْل بَينهم وَبَينه فَكَانَ لَا يسمع إِلَّا بكاء الصّبيان وضجيج النسوان وأصوات الرِّجَال بِالدُّعَاءِ إِلَى الله تَعَالَى والإبتهال إِلَى أَن ارْتَفع الْمَطَر وَجَاء وَادي هداره الَّذِي يشق غرناطة بسيل عَظِيم احْتمل مَا على ضفتيه من الْأَشْجَار الْعِظَام من الميس
الدردار والجوز واللوز وَغير ذَلِك من الْأَشْجَار الْعِظَام الثَّابِتَة فِي الأَرْض وَدخل الْبَلَد وَاحْتمل مَا على ضفتيه من الدّور والحوانيت والمساجد والفنادق وَدخل الْأَسْوَاق وَهدم الْبناء المشيد وَلم يبْق من القناطير إِلَّا الأقواس وَذهب بِكُل مَا كَانَ عَلَيْهَا من الْبُنيان ثمَّ جَاءَ السَّيْل بِتِلْكَ الْأَشْجَار الْعِظَام الَّتِي اقتلعت فتراكمت فِي الْبَلَد فِي آخر قنطرة مِنْهُ فَسدتْ
مجاري الْوَادي فتراكم السَّيْل وَالشَّجر فِي قلب الْبَلَد وعاين الأهالي الْهَلَاك وَدخل السَّيْل تياره والقيسارية حَتَّى دخل بعض حوانيتها وَوصل إِلَى رحبة الْجَامِع الْأَعْظَم وَإِلَى القراقين والصاغة والحدادين وَغير ذَلِك من الْأَسْوَاق
والدور فلطف الله تَعَالَى بعباده فنفض السَّيْل بِقُوَّة تراكمه بالقنطرة والسور وَخرج ذَلِك كُله خَارج الْبَلَد وَكَانَ هَذَا الْيَوْم من أعظم الْأَيَّام شَاهد فِيهِ كل من رَآهُ قدرَة الْقَادِر القهار الْملك العلام سبحانه وتعالى
وَلم يسمع المعمرون بِمثل ذَلِك الْيَوْم
قَالَ المؤرخ عَفا الله عَنهُ وَمن وَقت هَذَا السَّيْل الْعَظِيم بَدَأَ ملك الْأَمِير أبي الْحسن فِي التقهقر والإنتكاس والإنتقاض وَذَلِكَ أَنه اشْتغل باللذات والإنهماك فِي الشَّهَوَات وَاللَّهْو بِالنسَاء المطربات وركن إِلَى الرَّاحَة والغفلات وضيع الْجند وَأسْقط كثيرا من نجدة الفرسان وَثقل المغارم وَكثر الضرائب فِي الْبلدَانِ ومكس الْأَسْوَاق وَنهب الْأَمْوَال وشح بالعطاء إِلَى غير ذَلِك من الْأُمُور الَّتِي لَا يثبت مَعهَا الْملك
وَكَانَ للأمير أبي الْحسن وَزِير يُوَافقهُ على ذَلِك وَيظْهر للنَّاس الصّلاح والعفاف وَهُوَ بعكس ذَلِك
وَكَانَ الْأَمِير الْمَذْكُور متزوجا بابنة عَمه الْأَمِير مُحَمَّد الْأَيْسَر
وَله مِنْهَا ولدان مُحَمَّد ويوسف فَمن جملَة
انهماكه أَنه اصْطفى على زَوجته رُومِية اسْمهَا ثريا وهجر ابْنة عَمه وَأَوْلَادهَا مِنْهُ
فَأدْرك ابْنة عَمه من الْغيرَة مَا يدْرك النِّسَاء على أَزوَاجهنَّ وَوَقع بَينهمَا نزاع كثير وَقَامَ الْأَوْلَاد مُحَمَّد ويوسف مَعَ أمهما وغلظت الْعَدَاوَة بَينهم
وَكَانَ الْأَمِير أَبُو الْحسن شَدِيد الْغَضَب والسطوة فَكَانَت الْأُم تخَاف على ولديها مِنْهُ فَبَقيت الْحَال كَذَلِك مُدَّة والأمير مشتغل باللذات منهمك فِي الشَّهَوَات ووزيره يضْبط المغارم