الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين وثمان مئة خرج الْعَدو نَحْو حصون الشرقية وَكَانَت فِي صلحه فاستولى على تِلْكَ الْحُصُون كلهَا غدرا ومكرا من غير قتال وَلَا حِصَار وَلَا تَعب وَصَارَت جَمِيع حصون الشرقية فِي قَبضته وَتَحْت إيالته ثمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَاده من قشتالة
حِصَار مَدِينَة بسطة رَجَب وَشَعْبَان ورمضان وشوال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة من عَام
894
وَفِي شهر رَجَب من سنة أَربع وَتِسْعين وثمان مئة خرج الْعَدو دمره الله بمحلته وعدته وَقصد نَحْو حصن موجر فحاصره وقاتله قتالا شَدِيدا أَيَّامًا قَلَائِل فاستولى عَلَيْهِ وَاسْتولى أَيْضا عل الْحُصُون الْقَرِيبَة مِنْهُ وَمن مَدِينَة بسطة وَقصد مَدِينَة بسطة أَيْضا فَنزل قَرِيبا مِنْهَا فَوجدَ بَلَدا مُقيما بِالْخَيْلِ وَالرِّجَال وَالْعدة
وَالطَّعَام فَكلما قرب من الْبَلَد وَأَرَادَ قتال الْمُسلمين رَجَعَ خاسرا وَقتل مِنْهُ خلق كثير وَلم يقدر أَن يمْنَع داخلها وخارجها كَمَا فعل بغَيْرهَا من المدن وَكَانَ يدخلهَا كل من جاءها من نجدة الفرسان وَالرِّجَال فَبَقيَ محاذيا لَهَا شهر رَجَب وَشَعْبَان ورمضان
والمسلمون قائمون ببلدهم غالبون لعدوهم فَكلما أَرَادَ الدنو من الْبَلَد قمعوه وردوه على عقبه خائبا خاسرا وَلم يقدر على نصب نفط وَلَا عدَّة من آلَة الْحَرْب فَلَمَّا كَانَ شهر شَوَّال شدّ عَلَيْهِم الْحصار وَعمل على الْبَلَد سورا من خشب وحفيرا عَظِيما وَجعل على ذَلِك الرِّجَال والحرس لِئَلَّا يدْخل دَاخل من أنجاد الرِّجَال إِلَيْهِم الَّذين يأْتونَ لنصرتهم وإعانتهم على عدوهم وَلَا من يجلب لَهُم الطَّعَام فَلم يعبأ الْمُسلمُونَ بِمَا صنع بل كَانُوا يخرجُون من النقب ويهبطون من على الأسوار ويقتلونهم فِي محلتهم وَفِي كل مَسْلَك يسلكونه حَتَّى قتلوا مِنْهُم خلقا كثيرا وَكَانُوا يحملون الْمُسلمين الواردين
عَلَيْهِم لنصرتهم بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من الطَّعَام فبقوا على هَذِه الْحَالة من شدَّة الْحصار شهر شَوَّال وَذَا الْقعدَة وَذَا الْحجَّة وَفِي آخر ذِي الْحجَّة من عَام التَّارِيخ تفقد أَعْيَان الْبَلَد مَا بَقِي فِي بلدهم من الطَّعَام وَذَلِكَ فِي خُفْيَة من الْعَامَّة فَلم يَجدوا إِلَّا مَا يُقَام بِهِ أَيَّامًا قَلَائِل فبعثوا لملك الرّوم وطلبوا مِنْهُ الْأمان على شُرُوط اشترطوها فوجدوه رَاغِبًا فِي ذَلِك فَجعلُوا بَينهم هدنة وَالْكَلَام يتَرَدَّد بَينهم فِي خُفْيَة من الْعَامَّة فأجابهم بِجَمِيعِ مَا طلبوه مِنْهُ
فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة عَاشر محرم الْحَرَام فاتح عَام خَمْسَة وَتِسْعين وثمان مئة أَدخل قواد الْبِلَاد جمعا من النَّصَارَى للقصبة على حِين غَفلَة من الْعَامَّة فملكوا القصبة وقهروا من كَانَ بِالْبَلَدِ من الْعَامَّة وَغَيرهم وَسقط فِي أَيْديهم ثمَّ إِنَّهُم سرحوا من كَانَ عِنْدهم من أنجاد الرِّجَال والفرسان الَّذين كَانُوا عِنْدهم يعينونهم على نصْرَة عدوهم فَخَرجُوا مُؤمنين بخيلهم وأسلحتهم وأمتعتهم كَمَا
شَرط عَلَيْهِ قواد الْبَلَد فَسَارُوا إِلَى مَدِينَة وَادي آش وأخلوا الْبَلَد لِلنَّصَارَى وَخَرجُوا إِلَى الأرباض بِمَا مَعَهم من أَمْوَالهم وأمتعتهم مُؤمنين وَلم يتْركُوا شَيْئا إِلَّا سقف الْمَدِينَة خَاصَّة
ثمَّ إِن ملك الرّوم دمره الله جعل فِي الْبَلَد قائدا من قواده حَاكما ورتبه وأشحنه بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من أَطْعِمَة وَزَاد وَآلَة حَرْب وارتحل من مَدِينَة بسطة يُرِيد المرية فَلم يمر على حصن وَلَا على قَرْيَة إِلَّا وَدخل أَهلهَا فِي ذمَّته وَتَحْت طَاعَته من غير حِصَار وَلَا قتال