الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: الرجل يصلي على الميت أين ينبغي أن يقوم منه
؟
ش: أي هذا باب في بيان الصلاة على الجنازة إذا صلاها الرجل، في أي موضع من الميت ينبغي أن يقوم فيه؟.
ص: حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يحيى بن يحيى، قال: أنا عبد الوارث بن سعيد، عن حسين بن ذكوان، قال: حدثني عبد الله بن بريدة، عن سمرة بن جندب قال:"صليت خلف النبي عليه السلام على أم كعب ماتت وهي نفساء، فقام رسول الله عليه السلام للصلاة عليها وسطها".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عفان، قال: ثنا همام، قال: ثنا حسين المعلم
…
فذكر بإسناده مثله.
ش: هذان طريقان صحيحان ورجالهما رجال الصحيح ما خلا ابن شيبة وابن مرزوق، ويحيى بن يحيى النيسابوري شيخ الشيخين.
والحديث أخرجه الجماعة:
فالبخاري (1): عن عمران بن ميسرة، عن عبد الوارث، عن حسين، عن ابن بريدة، حدثنا سمرة بن جندب قال:"صليت وراء النبي عليه السلام على امرأة ماتت في نفاسها، فقام عليها وسطها".
وعن (2) مسدد، عن يزيد بن زريع عن حسين به.
ومسلم (3): عن يحيى بن يحيى
…
إلى آخره، نحو رواية الطحاوي.
(1)"صحيح البخاري"(1/ 447 رقم 1267).
(2)
"صحيح البخاري"(1/ 447 رقم 1266).
(3)
"صحيح مسلم"(2/ 664 رقم 964).
وأبو داود (1): عن مسدد، عن يزيد بن زريع، عن حسين أن
…
إلى آخره نحو رواية البخاري.
والترمذي (2): عن علي بن حجر، عن عبد الله بن المبارك والفضل بن موسى، عن الحسين المعلم
…
إلى آخره نحوه.
والنسائي (3): عن علي بن حجر
…
إلى آخره نحوه.
وابن ماجه (4): عن علي بن محمد، عن أبي أسامة، عن الحسين
…
إلى آخره نحوه.
قوله: "وهي نفساء" جملة اسمية وقعت حالًا، والنفساء -بضم النون وفتح الفاء وبالمد- قال الجوهري: النفاس ولادة المرأة إذا وضعت فهي [نفساء وعشراء](5) ويجمع على نفساوات وعشروات، وامرأتان نفساوان. انتهى.
وعن ثعلب: النفساء الوالدة والحامل والحائض.
وقال ابن سيده: والجمع من كل ذلك نَفْسَاوات ونِفاس ونُفَاس ونُفَّاس ونُفَّس ونُفَس ونُفُس ونُفْس.
قلت: نِفاس بكسر النون، ونُفاس بضمها وتخفيف الفاء فيهما، ونُفَّاس بالضم والتشديد، ونُفَّس كذلك، ونُفَس كذلك إلا أن الفاء مخففة، ونُفُس بضمتين والتخفيف، ونُفْس بضم النون وسكون الفاء.
(1)"سنن أبي داود"(3/ 209 رقم 3195).
(2)
"جامع الترمذي"(3/ 353 رقم 1035).
(3)
"المجتبى"(4/ 72 رقم 1979).
(4)
"سنن ابن ماجه"(1/ 479 رقم 1493).
(5)
كذا بالأصل، ولعله انتقال نظر من المؤلف رحمه الله. والذي في "الصحاح": النفاس ولادة المرأة إذا وضعت فهي نفساء، ونسوة نفاس، وليس في الكلام فُعلاء يجمع على فِعال غير نفساء وعشراء، ويجمع أيضًا على نفساوات
…
إلخ.
قوله: "وَسْطها" قال عياض: كذا ضبطناه عن أبي يحيى وغيره بسكون السين، وكذا ضبطه الجياني، وأما ابن دينار فقد قال: وَسْط الدار ووَسَطها معًا. وقال النووي: هو بسكون السين. وذكر ابن قرقول عن بعضهم فتحها.
قلت: قد ذكرنا أن الوسيط بالسكون يقال في ما كان متفرق الأجزاء غير متصل كالناس والدواب وغير ذلك، فإذا كان متصل الأجزاء كالدار والرأس فهو بالفتح، فعل هذا ينبغي أن يكون وَسَطها ها هنا بالفتح، ويقال: كل منهما يقع موقع الآخر، فعلى هذا يجوز فيه الفتح والسكون.
وفيه من الفوائد: أن يقوم الإِمام بحذاء وسط الميت مطلقًا، ومشروعية الجماعة في صلاة الجنازة، واستدل به بعضهم على أن النفساء لها حكم الطهارة، وأن الدم الموجود بها لا يوجب نجاستها، ومن ذلك قال السفاقسي وابن بطال: قصد البخاري في الباب -يعني باب الصلاة على النفساء الذي ذكر البخاري فيه هذا الحديث- أن النفساء وإن كانت لا تصلي فهي طاهر، لها حكم غيرها من النساء ممن ليست نفساء؛ لأنه عليه السلام لما صلى عليها أوجب لها حكم الطهارة، وليس كون الدم موجودًا بها يوجب أن تكون نجسة، وهذا يرد على من زعم أن الآدمي ينجس بموته؛ لأن هذه النفساء أجمعت الموت وحمل النجاسة بالدم اللازم لها، فلما صلى عليه السلام عليها، وأبان سنته فيها كان الميت الطاهر الذي لا تسيل منه نجاسة أصلى بإيقاع اسم الطهارة عليه، وقال القرطبي: تأول بعضهم صلاة النبي عليه السلام على أم كعب وسط جنازتها من أجل جنينها حتى يكون أمامه.
ص: فذهب قوم إلي هذا فقالوا: هذا هو المقام الذي ينبغي للمصلي على الجنازة أن يقومه من المرأة ومن الرجل.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: إبراهيم النخعي وأبا حنيفة في رواية وأحمد في رواية والحسن البصري في قول؛ فإنهم قالوا: ينبغي للمصلي على الجنازة أن يقوم حذاء وسطها سواء كان رجلًا أو امرأة.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، وقالوا: أما المرأة فهكذا يقوم للصلاة عليها، وأما الرجل عند رأسه.
ش: أي: خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الشافعي في قول، وأحمد في رواية، وأبا يوسف ومحمدًا؛ فإنهم قالوا: يقوم من المرأة حذاء وسطها، ومن الرجل عند رأسه.
وقال ابن قدامة: لا يختلف المذهب في أن السنة أن يقوم الإِمام في صلاة الجنازة حذاء وسط المرأة، وعند صدر الرجل أو عند منكبيه، وإن وقف في غير هذا الموضع خالف سنة الوقف وأجزأه، وهذا قول إسحاق، ونحوه قول الشافعي، إلا أن بعض أصحابه قال: يقوم عند رأس الرجل. وهو مذهب أبي يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: يقوم عند صدر الرجل والمرأة (1)؛ لأنه يروى مثل هذا عن ابن مسعود، ويقف من المرأة عند منكبيها؛ لأن الوقوف عند أعاليها أمثل وأسلم.
وقال عياض: ذهب قوم إلى الأخذ بهذا الحديث أعني حديث سمرة بن جندب في القيام وسط الجنازة ذكرًا كانت أو أنثى، قال أبو هريرة في المرأة: لأنه يسترها عن الناس. وقيل: كان هذا قبل اتخاذ الأنعشة والقباب وهو قول النخعي وأبي حنيفة. وقال آخرون: هذا حكم المرأة، وأما الرجل فعند رأسه لئلا ينظر إلى فرجه، وأما المرأة فمستورة في النعش، وهو قول أبي يوسف وابن حنبل، وروى ابن غانم عن مالك نحوه في المرأة، وسكت عن الرجل، وقال ابن مسعود بعكس هذا في المرأة والرجل، وذكر عن الحسن التوسعة في كل ذلك، وقال به أشهب وابن شعبان من أصحابنا، وقال أصحاب الرأي: يقوم فيهما حذاء الصدر.
(1) كذا في "الأصل، ك"، وفي "المغني" (2/ 390): لأنهما سواء، فإنما وقف عند صدر الرجل فكذا المرأة، وقال مالك: يقف من الرجل عند وسطه؛ لأنه يروى مثل هذا عن ابن مسعود
…
إلخ.
وقال ابن حزم في "المحلى": ويقف من الرجل عند رأسه، ومن المرأة في وسطها. وبهذا يأخذ الشافعي وأحمد وداود وأصحاب الحديث، وقال أبو حنيفة ومالك بخلاف هذا.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: ثنا همام، قال: ثنا أبو غالب قال: "رأيت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل فقام عند رأسه، وجيء بجنازة امرأة فقام عند وسطها، فقال له العلاء بن زياد: يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله عليه السلام يفعل؟ قال: نعم. فالتفت إلينا العلاء بن زياد فقال: احفظوا".
حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا همام
…
فذكر بإسناده مثله، وزاد فقال العلاء بن زياد:"يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله عليه السلام يقوم من المرأة حيث قمت ومن الرجل حيث قمت؟ قال: نعم".
حدثنا فهد، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، عن أبي غالب، عن أنس:"أن رسول الله عليه السلام كان يقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة".
قال أبو جعفر رحمه الله: فبين أنس رضي الله عنه في هذا الحديث أن رسول الله عليه السلام كان يقوم من الرجل عند رأسه، ومن المرأة وسطها، على ما في حديث سمرة، فوافق حديث سمرة في حكم القيام من المرأة في الصلاة عليها كيف هي، وزاد عليه حكم الرجل في القيام منه للصلاة عليه، فهو أولى من حديث سمرة رضي الله عنه.
ش: أي احتج الآخرون فيما ذهبو إليه بحديث أنس رضي الله عنه؛ لأنه بين في حديثه أن النبي عليه السلام كان يقوم من الرجل عند رأسه ومن المرأة وسطها؛ فاتفق حديثه مع حديث سمرة بن جندب المذكور فيما مضى في حكم القيام في الصلاة على الجنازة إذا كانت امرأة، وزاد عليه -يعني حديث أنس زاد على حديث سمرة- حكم الرجل في القيام في الصلاة عليه فالأخذ به أولى، لزيادته.
ثم انه أخرج حديث أنس رضي الله عنه من ثلاث طرق حسان جياد:
الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد الله الحضرمي البصري المقرئ النحوي روى له الجماعة سوى البخاري، لكن الترمذي في "الشمائل".
عن همام بن يحيى العوذي البصري روى له الجماعة، عن أبي غالب البصري ويقال: الأصبهاني صاحب أبي إمامة، اختلف في اسمه، فقيل: حزور، وقيل: سعيد بن الحزور، وقيل: نافع، فعن يحيى: صالح الحديث. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال الترمذي في بعض أحاديثه: هذا حديث حسن، وفي بعضها: هذا حديث صحيح. وقال النسائي: ضعيف. وقال الدارقطني: ثقة. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه.
وأخرجه الترمذي (1): نا عبد الله بن منير، عن سعيد بن عامر، عن همام، عن أبي غالب قال:"صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل فقام حيال رأسه، ثم جاءوا بجنازة امرأة من قريش، فقالوا: يا أبا حمزة، صل عليها، فقام حيال وسط السرير، فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيت رسول الله عليه السلام قام على الجنازة مقامك منها ومن الرجل مقامك منه؟ قال: نعم. فلما فرغ قال: احفظوا".
قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن.
وأخرجه ابن ماجه (2): عن نصر بن علي الجهضمي، عن سعيد بن عامر، عن همام
…
إلى آخره.
الثاني: عن علي بن شيبة بن الصلت، عن يزيد بن هارون الواسطي، عن همام بن يحيى
…
إلى آخره.
(1)"جامع الترمذي"(3/ 352 رقم 1034).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1/ 479 رقم 1494).
وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(1): ثنا همام، نا أبو غالب قال:"شهدت أنسًا صلى على رجل فقام عند رأس السرير، ثم أتي بامرأة من قريش فصلى عليها فقام قريبًا من وسط السرير، وكان فيمن حضر جنازته العلاء بن زياد العدوي، فلما رأى اختلاف قيامه قال: يا أبا حمزة، أهكذا كان رسول الله عليه السلام يقوم من المرأة والرجل كما قمت؟ قال: نعم. فأقبل علينا العلاء وقال: أحفظوا".
وأخرجه البيهقي في "سننه"(2): من طريق الطيالسي.
الثالث: عن فهد بن سليمان، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي صاحب "المسند" الثقة الكبير، عن عبد الوارث
…
إلى آخره.
وأخرجه أبو داود (3) مطولًا: ثنا داود بن معاذ، نا عبد الوارث، عن نافع، عن أبي غالب قال: "كنت في سكة المربد فمرت جنازة معها ناس كثير، قالوا: جنازة عبد الله بن عمير فتبعتها، فإذا أنا برجل عليه كساء رقيق على بُرَيْذِينه على رأسه خرقة تقيه من الشمس، فقلت: من هذا الدهقان؟ قالوا: هذا أنس بن مالك، فلما وضعت الجنازة قام أنس فصلى عليها وأنا خلفه لا يحول بيني وبينه شيء، فقام عند رأسه فكبر أربع تكبيرات، لم يطل ولم يسرع، ثم ذهب يقعد فقالوا: يا أبا حمزة، المرأة الأنصارية، فقربوها و [معها](4) نعش أخضر، فقام عند عجيزتها فصلى عليها نحو صلاته على الرجل، ثم جلس فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله عليه السلام يصلي على الجنائز كصلاتك، يكبر عليها أربعًا ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ قال: نعم
…
" الحديث.
(1)"مسند الطيالسي"(1/ 286 رقم 2149).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(4/ 33 رقم 6713).
(3)
"سنن أبي داود"(3/ 208 رقم 3194).
(4)
كذا في "الأصل، ك"، وفي "سنن" أبي داود:"عليها".
قوله: "فقال له العلاء بن زياد" وهو العلاء بن زياد بن مطر العدوي أبو نصر البصري الزاهد العابد، ذكره ابن حبان في التابعين الثقات، له ذكر في البخاري في تفسير {حم} المؤمن (1) وفي "سنن" أبي داود في الجنائز، وروى له النسائي وابن ماجه.
قوله: "في سكة المِرْبَد" بكسر الميم: أي في طريق المربد وهو موضع بيع الإبل بالبصرة، والمربد أيضًا موضع يوضع فيه التمر إذا جدَّ لييبس كالجرين وأصله من الإقامة واللزوم، يقال: ربد بالمكان: أقام به.
قوله: "على برذينه" تصغير برذون وهو الفرس العجمي.
قوله: "الدهقان" بكسر الدال وضمها، وهي معربة فارسية وهو زعيم فلاحي العجم ورئيس الإقليم، سموا بذلك من الدهقنة والدهمقة وهي تليين الطعام لترفههم وسعة عيشهم، والمعروف الدهقنة بالنون.
ص: وقد قال بهذا القول أبو يوسف فيما حدثني ابن أبي عمران، قال: حدثني محمد بن شجاع، عن الحسن بن أبي مالك، عن أبي يوسف.
وأما قوله المشهور في ذلك فمثل قول أبي حنيفة ومحمد.
حدثني به محمد بن العباس، قال: ثنا علي بن معبد، عن محمد بن الحسن، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة قال: يقوم من الرجل والمرأة بحذاء الصدر، ولم يذكر محمد بين أبي حنيفة وأبي يوسف في ذلك خلاف.
ش: أشار به إلى قول أهل المقالة الثانية، وهو أن يقوم عند رأس الرجل وعند وسط المرأة، روى ذلك الطحاوي، عن أحمد بين أبي عمران موسى الفقيه البغدادي، عن محمد بن شجاع البغدادي أبي عبد الله بن الثلجي -بالثاء المثلثة- من أصحاب الحسن بن زياد اللؤلؤي، وقد تكلم فيه بما لا يليق فيه وما يردُّه زهده وعبادته المشهورة، عن الحسن بن أبي مالك الفقيه الحنفي.
(1) هي سورة غافر.
قوله: "وأما قوله المشهور" أي قول أبي يوسف المشهور "في ذلك" أي في حكم القيام في صلاة الجنازة في أي موضع ينبغي أن يكون منها فمثل قول أبي حنيفة ومحمد، روي ذلك عن محمد بن عباس بن الربيع أبي جعفر الغبري البصري الفقيه، عن علي بن معبد بن شداد العبدي أبي الحسن الكوفي الرقي من أصحاب محمد بن الحسن الشيباني، عن محمد بن الحسن، عن أبي يوسف يعقوب، عن أبي حنيفة النعمان بن ثابت رحمهم الله، وقول أبي حنيفة ومحمد فيه: أن يقوم من الرجل والمرأة بحذاء الصدر هو مذهب الشعبي وعطاء بن أبي رباح.
قال ابن أبي شيبة (1): ثنا عباد بن العوام، عن الشيباني، عن الشعبي قال:"يقوم الذي يصلي على الجنازة عند صدرها".
ثنا (2) حسين بن علي، عن زائدة، عن سفيان، عن ليث، عن عطاء قال:"إذا صلى الرجل على الجنازة قام عند الصدر".
وقال شمس الأئمة في "مبسوطه": وأحسن مواقف الإمام من الميت في الصلاة عليه بحذاء الصدر، وإن وقف في غيره أجزأه؛ لأن أشرف أعضاء البدن الصدر فإنه موضع العلم والحكمة، وهو أبعد من الأذى، فالوقوف عنده أولى، والصدر موضع نور الإيمان، قال الله تعالى:{أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} (3) الآية، وإنما يصلى عليه لإيمانه، فيختار الوقوف حذاء الصدر، والصدر هو الوسط في الحقيقة فإن فوقه رأس ويدان وتحته بطن ورجلان.
وقال صاحب "الهداية": ويقوم الذي يصلي على الرجل والمرأة بحذاء الصدر؛ لأنه موضع القلب وفيه نور الإيمان، فيكون القيام عنده إشارة إلى الشفاعة لإيمانه.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 6 رقم 11547).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 3 رقم 11551).
(3)
سورة الزمر، آية:[22].
وعن أبي حنيفة: أنه يقوم من الرجل بحذاء رأسه، ومن المرأة بحذاء وسطها؛ لأن أنسًا رضي الله عنه فعل كذلك، وقال: هو السنة، قلنا تأويله أن جنازتها لم تكن منعوشة فحال بينها وبينهم.
قلت: الذي ذكره أولًا هو ظاهر المذهب وفي قوله: "إن جنازتها لم تكن منعوشة" نظر، والظاهر أنه غير صحيح لما ذكرنا عن أبي داود في حديث أنس:"ومعها نعش أخضر" وقد مر عن قريب.
ص: وقد روى في ذلك أيضًا عن إبراهيم النخعي، ما قد حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا شريك بن عبد الله، عن مغيرة، عن إبراهيم قال:"يقوم الرجل الذي يصلي على الجنازة عند صدرها".
قال أبو جعفر رحمه الله: والقول الأول أحب إلينا لما قد شده من الآثار التيم رويناها عن رسول الله عليه السلام.
ش: أي وقد روي في الحكم المذكور أيضًا عن إبراهيم النخعي ما قد حدثنا
…
إلى آخره.
وإسناده صحيح، ومغيرة هو ابن مقسم الضبي.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن شريك
…
إلى آخره نحوه.
قوله: "والقول الأول" أراد به قول أبي يوسف الذي رواه عنه الحسن بن أبي مالك، وأشار به إلى أنه اختياره.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 6 رقم 11552).