المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: الفخذ هل هي من العورة أم لا - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٧

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ص: باب: الفخذ هل هي من العورة أم لا

‌ص: باب: الفخذ هل هي من العورة أم لا

؟

ش: أي هذا باب في بيان أن الفخذ هل هي من العورة أم ليست منها؟ وفيه ثلاث لغات: فتح الفاء وسكون الخاء، وكسرها، وكسر الفاء مع سكون الخاء.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو خالد، عن عبد الله بن سعيد المديني، قال: حدثتني حفصة بنت عمر رضي الله عنهما قالت: "كان رسول الله عليه السلام ذات يوم قد وضع ثوبه بين فخديه، فجاء أبو بكر رضي الله عنه فاستأذن فأذن له النبي عليه السلام على هيأته، ثم جاء عمر رضي الله عنه بمثل هذه الصفة، ثم جاء أناس من أصحابه والنبي عليه السلام على هيأته، ثم جاء عثمان فاستأذن عليه فأذن له، ثم أخد رسول الله عليه السلام ثوبه فتجلله، فتحدثوا ثم خرجوا، فقلت: يا رسول الله عليه السلام جاء أبو بكر وعمر وعلي وأناسٌ من أصحابك وأنت على هيئتك، فلما جاء عثمان رضي الله عنه تجللت ثوبك؟! فقال: أَوَ لا أستحي ممن تستحي منه الملائكة؟ قالت: وسمعت أبي وغيره يحدثون نحوًا من هذا".

ش: أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري واحد أصحاب أبي حنيفة، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج روى له الجماعة، وأبو خالد شيخ لابن جريج لا يعرف حاله ولا اسمه، وذكره مسلم في كتابه "الكنى" وقال: أبو خالد عثمان، عن عبد الله بن أبي سعيد، روى عنه ابن جريج.

وعبد الله بن سعيد المديني -ويقال: ابن أبي سعيد- أبو زيد، ذكره ابن أبي حاتم وسكت عنه.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا روح، نا ابن جريج، أخبرني أبو خالد، عن عبد الله بن أبي سعيد المدني، قال: حدثتني حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قالت: "كان رسول الله عليه السلام ذات يوم

" إلى آخره نحو رواية الطحاوي.

(1)"مسند أحمد"(6/ 288 رقم 26509).

ص: 197

وأخرجه البيهقي أيضًا في "سننه"(1): من حديث ابن جريج، عن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي سعيد، حدثتني حفصة

إلى آخره.

وقال: الذهبي في "مختصره" قلت: حديث غريب.

وأخرجه الطبراني (2): ثنا عبد الله بن الحسن المصيصي، ثنا الحسن بن موسى الأشيب، ثنا شيبان، عن أبي يعفور، عن عبد الله بن أبي سعيد، عن حفصة بنت عمر قالت: "دخل عليّ رسول الله عليه السلام ذات يوم فوضع ثوبه بين فخذيه

" الحديث نحوه.

ورواه أحمد (3) أيضًا من هذا الطريق.

وهذا كما ترى وقع في روايتهم عبد الله بن أبي سعيد، وكذا ذكره في "التكميل"، ولكن وقع في نسخ الطحاوي عبد الله بن سعيد، والله أعلم.

قوله: "على هيأته" في محل النصب على الحال، والمعنى أنه لم يتحول عن هيأته تلك.

قوله: "ثم جاء عمر بمثل هذه الصفة" أي ثم جاء عمر رضي الله عنه ورسول الله عليه السلام بمثل تلك الصفة، وهو أيضًا حال.

قوله: "فتجلله" أي علاه، قال: الجوهري يقال: تجلله أي علاه، أراد بذلك غطى فخذيه بالثوب، أو المعنى: فتجلل بدنه بثوبه، بمعنى غطاه كله، يقال: تجلل الرجل بالثوب إذا غطى بدنه به، وتجلّل: تَفَعَّل وهو متعدي بمعنى جلل كَتَبَيَّنَ بمعنى بَيَّنَ.

ويستفاد منه: أن الفخذ ليست بعورة، ولهذا لم يسترها رسول الله عليه السلام عن أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة مما خلا عثمان رضي الله عنهم.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 231 رقم 3061).

(2)

"المعجم الكبير"(23/ 205 رقم 355).

(3)

"مسند أحمد"(6/ 288 رقم 26510).

ص: 198

وأن توقير من يستحقه من الناس ولا سيما من المشايخ والعلماء والصالحين واجب.

وأن تعري الرجل في بيته مع ستر عورته جائز.

وأن دخول الرجل على غيره بغير إذنه غير جائز.

وأن الاستئذان مستحب.

وفيه فضيلة عثمان رضي الله عنه.

ص: فذهب قوم إلى أن الفخذ ليست من العورة، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وإسماعيل بن علية وابن جرير الطبري وداود الظاهري وأحمد في رواية؛ فأنهم قالوا: الفخذ ليست من العورة، ويروى ذلك عن الاصطخري من أصحاب الشافعي، حكاه الرافعي عنه، وهو مذهب أهل الظاهر.

وقال ابن حزم في "المحلى"(1): العورة المفترض سترها عن الناظر وفي الصلاة من الرجال الذَّكَر وحلقة الدبر فقط، وليس الفخذ منه عورة، وهي من المرأة جميع جسمها حاشى الوجه والكفين فقط، الحُرّ والعبد، والحُرّة والأمة سواء في كل ذلك ولا فرق.

ثم قال: بعد أن روى حديث أنس الذي أخرجه البخاري (2): "أن رسول الله عليه السلام غزا خيبر، ثم حصر الإزار. عن فخذه حتى أني انظر إلى بياض فخذ النبي عليه السلام".

فصح أن الفخذ من الرجل ليست عورة، ولو كانت عورة لما كشفها الله تعالى من

(1)"المحلى"(3/ 210).

(2)

"صحيح البخاري"(1/ 145 رقم 364).

ص: 199

رسوله المطهر المعصوم من الناس في حال النبوة والرسالة، ولا أراها أنس بن مالك ولا غيره، وهو تعالى، قد عصمه من كشف العورة في حال الصبا وقبل النبوة.

ثم قال: وهو قول ابن أبي ذئب وسفيان الثوري وأبي سليمان.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: الفخذ عورة.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: جمهور العلماء من التابعين ومن بعدهم، منهم: أبو حنيفة ومالك في أصح أقواله والشافعي وأحمد في أصح رواياته وأبو يوسف ومحمد وزفر بن الهذيل، حتى قال أصحابنا: إن صلاة مكشوف الفخذ فاسدة، وقال الأوزاعي: الفخذ عورة إلا في الحمام.

ص: وقالوا: قد روى هذا الحديث جماعة من أهل البيت من على غير ما رواه الذين احتججتم بروايتهم، فمن الذي روي في ذلك: ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا عثمان بن عمر بن فارس، قال: أنا مالك بن أنس، عن الزهري، عن يحيى بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها:"أن أبا بكر رضي الله عنه استأذن على النبي عليه السلام ورسول الله عليه السلام لابس مرط أمّ المؤمنين، فأذن له فقضى إليه حاجته ثم خرج، فاستأذن عليه عمر رضي الله عنه وهو على تلك الحال فأذن إليه حاجته ثم خرج، فاستأذن عليه عثمان رضي الله عنه فاستوى جالسًا وقال لعائشة: اجمعي عليك ثيابك، فلما خرج قالت له عائشة: مالك لم تفزع لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان؟! فقال: إن عثمان رجل كثير الحياء فلو أذنت له على تلك الحال خشيت أن لا يبلغ في حاجته".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن يحيى بن سعيد، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي عليه السلام حدثنا محمد بن عبد العزيز الأيلي، قال: ثنا سلامة بن روح، قال: ثنا عُقَيل، قال: حدثني ابن شهاب، قال: أخبرني يحيى بن سعيد بن العاص، أن سعيد بن العاص أخبره: "أن أبا بكر استأذن على رسول الله عليه السلام

ثم ذكر مثله.

ص: 200

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثني الليث ابن سعد، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، عن يحيى بن سعيد بن العاص، أن سعيد بن العاص أخبره:"أن عائشة زوج النبي عليه السلام وعثمان حدثناه: "أن أبا بكر استأذن على النبي عليه السلام

ثم ذكر مثله.

فهذا أصل هذا الحديث، ليس فيه ذكر كشف الفخذين أصلًا.

ش: أي قال أهل المقالة الثانية في جواب الحديث المذكور ملخصه أن يقال: إن الحديث المذكور على هذا الوجه غريب؛ لأن جماعة من أهل البيت رووه على غير الوجه المذكور، وليس فيه ذكر كشف الفخذين، فحينئذ لا تثبت به الحجة.

وقال أبو عمر: الحديث الذي رووه عن حفصةفيه اضطراب.

وقال البيهقي: قال الشافعي: والذي يروى في قصة عثمان رضي الله عنه من كشف الفخذين مشكوك فيه، وقال الطبري في كتاب "تهذيب الآثار": الأخبار التي رويت عن النبي عليه السلام أنه دخل عليه أبو بكر وعمر وهو كاشف فخذه واهية الأسانيد، لا تثبت بمثلها حجة في الدين، والأخبار الواردة بالأمر بتغطية الفخذ والنهي عن كشفها أخبار صحاح.

ثم إنه أخرج حديث أهل البيت من أربعة أوجه طرقها صحاح ورجالها ثقات:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن عثمان بن عمر بن فارس بن لقيط البصري، عن مالك بن أنس، عن محمد بن مسلم الزهري، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أبيه سعيد بن العاص بن أحيحة القرشي الأموي المدني الصحابي، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهما.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن يحيى بن سعيد بن العاص، عن عائشة قالت: "استأذن أبو بكر على رسول الله عليه السلام وأنا معه في مرط واحد، قالت: فأذن له فقضى إليه حاجته وهو معي في المرط، ثم

(1)"مسند أحمد"(6/ 167 رقم 25378).

ص: 201

خرج، ثم استأذن عليه عمر فأذن له فقضى حاجته على تلك الحال ثم خرج، ثم استأذن عليه عثمان فأصلح عليه ثيابه، وجلس فقض إليه حاجته ثم خرج، فقالت عائشة: قلت: يا رسول الله، استأذن عليك أبو بكر فقضى إليك حاجته على حالك تلك، ثم استأذن عمر عليك فقضى إليك حاجته على حالك، ثم استأذن عليك عثمان فكأنك احتفظت؟! فقال: إن عثمان رجل حيي، وإني لو أذنت له على تلك الحال خشيت أن لا يقضي إليّ حاجته".

قوله: "ورسول الله عليه السلام لابس مرط أم المؤمنين" جملة اسمية وقعت حالًا، و "المِرط" بكسر الميم وسكون الراء: كساء من صوف، وربما كان من خَزّ، والمراد من "أم المؤمنين" ها هنا عائشة رضي الله عنها.

قوله: "مالك لم تفزع لأبي بكر" من قولهم فزعت لمجيء فلان إذا تأهبت له متحولًا من حال إلى حال، كما ينتقل النائم من حال النوم إلى حال اليقظة.

ورواه بعضهم بالراء والغين المعجمة من الفراغ والاهتمام، والأول أكثر، وهو أن يكون بالزاي والعين المهملة، وهو في الأصل من الفزع الذي هو الخوف، ثم استعمل في معاني كثيرة بحسب الحال، وذلك كما في الحديث:"لقد فزع أهل المدينة ليلًا، فركب رسول الله عليه السلام فرسًا لأبي طلحة"(1). أي استغاثوا وكما في حديث الكسوف: "فافزعوا إلى الصلاة"(2). أي الجئوا إليها واستعينوا بها على دفع الأمر الحادث، وكما جاء في صفة علي رضي الله عنه:"فإذا فزع فزع إلى ضرس حديد"(3). أي إذا

(1) متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه، "البخاري"(3/ 1065 رقم 2751)، و"مسلم"(2/ 1804 رقم 2307).

(2)

متفق عليه -أيضًا- من حديث عائشة رضي الله عنها، "البخاري"(1/ 355 رقم 999)، و"مسلم"(2/ 616 رقم 901).

(3)

رواه أحمد -أيضًا- في فضائل الصحابة (2/ 576 رقم 975) من حديث عبد الله بن عياش الزرقي، ووقع فيه: قرع -بلقاف والراء- وانظر: "غريب الحديث" للخطابي (2/ 161) وكتب المعجم.

ص: 202

استغيث به التجئ، وكما في حديث آخر:"ألا أفزعتموني". أي أنبهتموني ونحو ذلك وذكره صاحب "الدستور" في باب: فَعَلَ يَفْعَلُ، بكسر العين في الماضي، وفتحها في الغابر ثم قال: فزع: خاف، وفزع إليه: التُجِئ، وفزع له: أغاثه.

الثاني: عن ابن مرزوق أيضًا، عن عثمان بن عمر أيضًا، عن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب المدني، عن محمد بن مسلم الزهري، عن يحيى بن سعيد، عن أبيه سعيد بن العاص، عن عائشة، عن النبي عليه السلام.

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث ابن شهاب

إلى آخره نحوه.

الثالث: عن محمد بن عزيز بن عبد الله الأيلي، عن سلامة بن روح بن خالد بن عُقيل الأيلي، عن عُقَيل -بضم العين، وفتح القاف- ابن خالد الأيلي، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن يحيى بن سعيد، عن أبيه سعيد بن العاص أخبره، أن أبا بكر رضي الله عنه.

الرابع: عن روح بن الفرج القطان المصري، عن يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي المصري، عن الليث بن سعد، عن عقيل -بالضم- بن خالد الأيلي، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن العاص، عن عائشة وعثمان رضي الله عنهما.

وأخرجه مسلم (2): ثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد، قال: ثنا أبي، عن جدي، قال: أنا عُقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن يحيى بن سعيد بن العاص، أن سعيد بن العاص أخبره، أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي عليه السلام وعثمان رضي الله عنه حدثاه: "أن أبا بكر استأذن على رسول الله عليه السلام وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة، فأذن لأبي بكر وهو كذلك، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال، فقض إليه حاجته ثم أنصرف، قال عثمان ثم

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 231 رقم 3060).

(2)

"صحيح مسلم"(4/ 1866 رقم 2402).

ص: 203

استأذنت عليه فجلس، وقال لعائشة اجمعي عليك ثيابك، فقضيت إلى حاجتي ثم انصرفت، فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان؟! قال: قال رسول الله عليه السلام: إن عثمان رجل حيى، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته".

قوله: "فهذا أصل هذا الحديث، ليس فيه ذكر كشف الفخذين أصلًا".

فإن قيل: قد روى مسلم في "صحيحه"(1)، وأبو يعلى في "مسنده"(2) والبيهقي في "سننه"(3) هذا الحديث، وفيه ذكر كشف الفخذين.

فقال مسلم: ثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر -قال: يحيى بن يحيى أخبرنا وقال: الآخرون- ثنا إسماعيل - يعنون- بن جعفر، عن محمد بن أبي حرملة، عن عطاء وسليمان ابني يسار، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، أن عائشة قالت:"كان رسول الله عليه السلام مضطجعًا في بيته، كاشفًا عن فخذيه -أو ساقيه- فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله عليه السلام وسوى ثيابه -قال محمد: ولا أقول ذلك في يوم واحد- فدخل فتحدث، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك؟! فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟! ".

قلت: لما أخرجه البيهقي قال: لا حجة فيه، وقال الشافعي: إن هذا مشكوك فيه، وذلك لأن الراوي قد قال:"عن فخذيه أو ساقيه" فدل ذلك على ما قاله الطحاوي: إن أصل الحديث ليس فيه ذكر كشف الفخذين.

(1)"صحيح مسلم"(4/ 1866 رقم 2401).

(2)

"مسند أبي يعلى"(8/ 240 رقم 4815).

(3)

"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 230 رقم 3059).

ص: 204

قال أبو عمر: هذا حديث مضطرب.

ص: وقد جاءت عن رسول الله عليه السلام آثار متواترة صحاح فيها أن الفخذ عورة، فمما روي عنه في ذلك:

ما حدثنا ابن أبي عمران، قال: ثنا القواريري، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: "الفخذ عورة".

ش: أي وقد جاءت عن رسول الله عليه السلام أحاديث متكاثرة صحاح ذكر فيها أن الفخذ عورة، فمن ذلك حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

أخرجه عن أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي، عن عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي القواريري شيخ البخاري ومسلم وأبي داود، عن يحيى بن سعيد القطان روى له الجماعة، عن عبد الملك بن جريج روى له الجماعة، عن حبيب بن أبي ثابت قيس بن دينار الكوفي روى له الجماعة، عن عاصم بن ضمرة السلوكي الكوفي، قال العجلي وابن المديني: ثقة وقال النسائي: ليس به بأس. وروى له الأربعة.

عن علي بن أبي طالب.

وأخرجه الدارقطني في "سننه"(1): ثنا أبو بكر النيسابوري، ثنا أحمد بن منصور بن راشد، ثنا روح بن عبادة، ثنا ابن جريج، أخبرني حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله عليه السلام: "لا تكشف فخذك؛ فإن الفخذ من العورة".

وله في رواية أخرى (2): "لا تكشف عن فخذيك ولا تنظر إلى فخذ حيّ ولا ميت". وأخرجه أبو داود (3): من حديث الحجاج، عن ابن جريج، قال فيه:

(1)"سنن الدارقطني"(1/ 225 رقم 3).

(2)

"سنن الدارقطني"(1/ 225 رقم 4).

(3)

"سنن أبي داود"(4/ 40 رقم 4015).

ص: 205

أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بلفظ:"لا تكشف فخذك ولا تنظر لعورة حيّ ولا ميت".

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1) نحو رواية أبي داود.

وأخرجه أبو يعلى في "مسنده".

ثنا يزيد أبو خالد القرشي، ثنا ابن جريج، أبنا حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله عليه السلام: "لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت".

فإن قيل: ما حكم هذا الحديث؟

قلت: هو صحيح، فقد حكم الطحاوي بصحته لوجود شرط الصحة فيه؛ لأن رجاله ثقات كما ذكرنا، وسنده متصل.

فإن قيل: قال أبو داود: هذا الحديث فيه نكارة. وقال الذهبي في "مختصر السنن": لم يصح إسناده. وقال ابن حزم: حديث علي منقطع، رواه ابن جريج عن حبيب ولم يسمعه منه وبينهما من لم يُسم، ولا يدرى من هو، ورواه حبيب عن عاصم بن ضمرة ولم يسمعه منه، قال ابن معين: بينهما رجل ليس بثقة، ولم يروه عن ابن جريج إلا أبو خالد، ولا يدري من هو.

قلت: كل هذا فيه نظر؛ لما ذكرنا، وقول ابن حزم غير صحيح؛ لأن الدارقطني قد صرح في روايته بسماع ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت، قال: حدثنا ابن جريج، أخبرني حبيب بن أبي ثابت، وكذا في رواية أبي يعلى كما ذكرناها.

وقوله: "ولم يروه عن ابن جريج إلا أبو خالد ولا يدري من هو" غير صحيح أيضًا؛ لأن يحيى بن سعيد رواه عن ابن جريج في رواية الطحاوي، وحجاج بن محمد رواه عنه في رواية أبي داود، وروح بن عبادة رواه عنه في رواية الدارقطني.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 228 رقم 3049).

ص: 206

وأبو خالد غير مجهول روى عنه أبو يعلى واسمه يزيد.

وكذا قوله: ورواه حبيب عن عاصم بن ضمرة ولم يسمعه منه، غير صحيح؛ لأن الطحاوي حكم بصحة هذا الحديث، والانقطاع ينافي الصحة.

فإن قلت: قال البيهقي أيضًا، لم يرو حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة شيئًا فأخرج ذلك عن سفيان.

قلت: أخرج أبو داود في "سننه": حديثا من روايته عنه، وأخرج ابن ماجه في سننه في موضعين روايته عنه.

ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا إسحاق بن منصور، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:"خرج النبي عليه السلام فرأى فخذ رجل، فقال: فخذ الرجل عورته".

ش: إسناده صحيح حكم بصحته الطحاوي.

فشيخه عليّ بن معبد بن نوح المصري، قال العجلي: ثقة.

ووثقه ابن حبان أيضًا، وروى عنه النسائي.

وإسحاق بن منصور السلولي شيخ ابن المديني روى له الجماعة، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي روى له الجماعة، وأبو يحيى القَتَّات الكوفي اسمه زاذان، وقيل: دينار وقيل: عبد الرحمن بن دينار: وقيل: مسلم، وقيل: يزيد وقيل: زبان، وثقه يحيى، وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه.

فإن قيل: قال ابن حزم: حديث ابن عباس الذي في طريقه أبو يحيى القتات ضعيف لضعف يحيى.

قلت: هذا يحيى بن معين وثقه وكفاه هذا في صحة حديثه.

وأخرج الترمذي (1) نحوه مرفوعًا، وقال: حديث حسن.

(1)"جامع الترمذي"(5/ 110 رقم 2795).

ص: 207

وكذا أخرجه البيهقي (1): من حديث إسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعًا:"الفخذ عورة" ثم قال عقيب هذا الحديث وأحاديث أخرى نحوه: هذه أسانيد صحيحة.

ص: حدثنا بحر بن نصر، قال: ثنا ابن وهب، قال: ثنا حفص بن ميسرة، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي كثير، عن محمد بن جحش:"أن رسول الله عليه السلام مرّ على معمر بفناء المسجد كاشفًا عن طرف فخذه، فقال له رسول الله عليه السلام: خمر فخذك يا معمر، إن الفخذ عورة".

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا أبو مصعب، قال: ثنا ابن أبي حازم، عن العلاء، عن أبي كثير مولى محمد بن جحش، عن محمد بن جحش، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا فهد، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا سليمان بن بلال وعبد العزيز، قالا: ثنا ابن أبي حازم، عن العلاء، عن أبي كثير مولى محمد بن عبد الله، عن محمد بن عبد الله بن جحش قال:"كنت مع النبي عليه السلام أمشى في السوق، فمرَّ بمعمر جالسًا على بابه مكشوفة فخذه، فقال: خَمِّر فخذيك، أما علمت أنها من العورة؟ ".

ش: هذه ثلاث طرق:

الأول: عن بحر بن نصر بن سابق الخولاني، أبي عبد الله البصري، شيخ أبي عوانة الإسفرائيني، وثقه يونس بن عبد الأعلى.

عن عبد الله بن وهب المصري، روى له الجماعة، عن حفص بن ميسرة العقيلي أبي عمر الصنعاني نزيل عسقلان، روى له الجماعة سوى الترمذي، أبو داود في "المراسيل".

عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب المدني، روى له الجماعة، البخاري في غير "الصحيح" عن أبي كثير مولى آل جحش، يقال: إن له صحبةٌ، عن محمد بن جحش

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 228 رقم 3048).

ص: 208

هو محمد بن عبد الله بن جحش بن رباب أبو عبد الله، هاجر إلى المدينة مع أبيه، له صحبة ورواية، قال الواقدي: كان مولده قبل الهجرة بخمس سنين.

وأخرجه الطبراني (1): عن يحيى بن أيوب، عن سعيد بن أبي مريم، عن محمد بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي كثير مولى محمد بن جحش، عنه قال:"كنت أصلي"(2) مع النبي عليه السلام، فمرّ على معمر وهو جالس عند داره بالسوق وفخذاه مكشوفتان، فقال: يا معمر غط فخذيك؛ فإن الفخذ عورة".

الثاني: عن روح بن الفرج القطان المصري شيخ الطبراني أيضًا، عن أبي مصعب أحمد بن أبي بكر بن الحارث بن زرارة بن مصعب القرشي الزهري المدني الفقيه، قاضي مدينة الرسول عليه السلام، شيخ الجماعة سوى النسائي.

عن عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار المدني، عن العلاء بن عبد الرحمن المدني، عن أبي كثير مولى محمد بن جحش، عن محمد بن جحش، عن رسول الله عليه السلام نحوه.

وأخرجه ابن شاهين في "كتابه" نحوه.

الثالث: عن فهد بن سليمان، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي، عن سليمان ابن بلال القرشي وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، كلاهما عن عبد العزيز بن أبي حازم

إلى آخره.

وأخرجه الطبراني (3): ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا يحيى الحماني، ثنا سليمان بن بلال، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي كثير مولى محمد بن عبد الله بن جحش، عن محمد بن جحش قال: "كنت مع النبي عليه السلام في السوق، فمّر على معمر

(1)"المعجم الكبير"(19/ 245 رقم 550).

(2)

كذا في "الأصل، ك"، وليست في "المعجم الكبير".

(3)

"المعجم الكبير"(19/ 246 رقم 554).

ص: 209

على بابه مكشوفة فخذه، فقال النبي عليه السلام: غط فخذك يا معمر؛ فإنها من العورة" (1).

ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، قال: ثنا يحيى الحماني، نا عبد العزيز بن محمد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي كثير مولى محمد بن عبد الله، عن محمد بن عبد الله، عن النبي عليه السلام مثله.

فإن قيل: ما حال هذا الحديث؟

قلت: هو صحيح عند الطحاوي.

فإن قيل: قال ابن حزم: أبو كثير مجهول، فكيف يكون صحيحًا؟! فلهذا أخرجه البخاري في "تاريخه" ولم يخرجه في "صحيحه".

قلت: كيف يكون أبو كثير مجهولًا وقد قيل: إن له صحبة؟ وعدم إخراج البخاري إياه في "صحيحه" لا ينفي صحته؛ إذ البخاري لم يلتزم أن يخرج كل حديث صحيح في جامعه، وقد أخرج هذا الحديث ابن خزيمة في "صحيحه" عن علي بن حجر، عن إسماعيل بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي كثير، عن محمد بن عبد الله بن جحش رضي الله عنه.

قوله: "خَمِّر فخذك يا معمر" أي غَطِّ، وهو أمر من التخمير وهو التغطية، ومنه خمّروا الإناء أي غطوها، والخمار لإنه يغطى الوجه، والخمر لأنه يغطي العقل.

ومعمر هذا ذكره ابن الإثير غير منسوب، وقال: أورده ابن شاهين، وروى عن محمد بن جحش، قال: "مرّ النبي عليه السلام

". الحديث.

ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا إسحاق بن منصور، قال: ثنا الحسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الله بن جَرْهد، عن أبيه، أن النبي عليه السلام قال:"فخذ الرجل من عورته -أو قال: من العورة-".

(1)"المعجم الكبير"(19/ 247 رقم 555).

ص: 210

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا حسن -هو ابن صالح بن حي- عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الله بن جرهد الأسلمي، عن أبيه، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: حدثني مالك، عن أبي النضر، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد، عن أبيه -وكان من أصحاب رسول الله عليه السلام قال:"جلس رسول الله عليه السلام عندي وفخذي منكشفة، فقال خمر عليك؛ أما علمت أن الفخذ عورة".

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن معمر، قال: ثنا أبو الزناد، عن عمه زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد، عن جده جرهد قال:"مر بي رسول الله عليه السلام وعلي بردة قد كشفت عن فخذي، فقال: غَطِّ فخذيك، الفخد عورة".

ش: هذه أربع طرق:

الأول: عن علي بن معبد بن نوح، عن إسحاق بن منصور روى له الجماعة، عن الحسن بن صالح بن صالح بن حيّ الكوفي العابد، روى له الجماعة، البخاري ذكره في كتاب "الشهادات".

عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب القرشي المدني، فيه مقال، فعن يحيى: ليس حديثه حجة. وعنه: ضعيف الحديث. وعنه: ليس بذاك. وقال النسائي: ضعيف. وقال البخاري: مقارب الحديث. وقال الترمذي: صدوق. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه.

عن عبد الله بن جرهد السلمي، وثقه ابن حبان، وروى له الترمذي.

عن جرهد بن خويلد، وقيل: ابن رزاح بن عدي بن سهم بن مازن بن الحارث ابن سلامان بن أسلم الأسلمي، وهو من أهل الصُّفَّة وشهد الحديبية.

ص: 211

وأخرجه الترمذي (1): من طريق ابن عقيل، عن عبد الله بن جرهد، عن أبيه، عن النبي عليه السلام:"الفخذ عورة".

وقال: حسن غريب من هذا الوجه.

الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن حسن بن صالح ابن حيّ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل

إلى آخره.

وأخرجه الطبراني في "الكبير": عن عبد الله بن جرهد، وعن عبد الرحمن بن جرهد، وعن عبد الملك بن جرهد.

فقال (2): ثنا حفص بن عمر بن الصباح الرقي، ثنا أبو حذيفة، ثنا زهير بن محمد، عن محمد بن عبد الله بن عقيِل، عن عبد الله بن جرهد الأسلمي، أنه سمع أباه يقول: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "فخذ المرء المسلم من عورته".

حدثنا (3) محمد بن عبد الله الحضرمي وعلي بن إبراهيم العامري الكوفي، قالا: ثنا أحمد بن يونس، ثنا حسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الرحمن بن جرهد، عن أبيه، عن النبي عليه السلام قال:"فخذ الرجل من العورة".

حدثنا (4) محمد بن يحيى بن سهل العسكري، ثنا محمد بن ثعلبة بن سواء، حدثني عمّي، نا سعيد بن أبي عروبة، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الملك بن جرهد، عن أبيه:"أن النبي عليه السلام مر به وهو كاشف فخذه، فقال: غّطها فإنها من العورة".

الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس، عن أبي النضر سالم بن أبي أمية، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد، عن أبيه وكان من أصحاب رسول الله عليه السلام

إلى آخره.

(1)"جامع الترمذي"(5/ 111 رقم 2797).

(2)

"المعجم الكبير"(2/ 273 رقم 2149).

(3)

"المعجم الكبير"(2/ 273 رقم 2148).

(4)

"المعجم الكبير"(2/ 272 رقم 2147).

ص: 212

وهكذا وقع في هذا الطريق: عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه وكان من أصحاب رسول الله عليه السلام، وفي رواية "الموطأ" عن مالك، عن أبي النضر، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد، عن أبيه، عن جده، قال: وكان جدي من أهل الصُّفَّة قال: "جلس رسول الله عليه السلام

إلى آخره نحو رواية الطحاوي متنًا.

وقال ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل"(1): جرهد بن خويلد الأسلمي له صحبة، روى عنه ابنه مسلم وابنه عبد الرحمن من رواية عبد الله بن نافع، عن مالك، عن أبي النضر، عن زرعة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده، وروى ابن عيينة عن أبي النضر فقال: عن زرعة بن مسلم بن جرهد، عن أبيه، عن جده، عن النبي عليه السلام. سمعت ابن الجنيد المالكي يقول: الصحيح من حديث مالك هذا، وروى ابن وهب ومعن وإسحاق بن الطباع ومحمد بن حرب المكي وابن أبي أويس فقالوا: زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد، عن أبيه، عن النبي عليه السلام، وروى قبيصة، عن الثوري، عن أبي النضر، عن زرعة بن عبد الرحمن عن جدّه جرهد، عن النبي عليه السلام انتهى.

وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(2): من حديث أبي عاصم، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن زرعة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده.

وخرّجه الترمذي (3): عن زرعة بن مسلم بن جرهد، عن جده.

ثم قال: حسن، وما أرى إسناده بمتصل.

وقال الدارقطني: روى هذا الحديث من أصحاب "الموطأ" ابن بكير وابن وهب ومعن، وعبد الله بن يوسف، وهو عند القعنبي خارج "الموطأ" في سماعه الزيادات من مالك، ولم يذكره ابن القاسم في "الموطأ" ولا ابن عفير ولا أبو مصعب.

(1)"الجرح والتعديل"(2/ 539 رقم 2239).

(2)

"صحيح ابن حبان"(4/ 609 رقم 1710).

(3)

"جامع الترمذي"(5/ 110 رقم 2795).

ص: 213

ورواه عن مالك ابن مهدي وإبراهيم بن طهمان، وعمرو بن مرزوق، وأبو قرة وإسحاق بن عدي ومطرف وإسماعيل بن أبي أويس.

الرابع: عن محمد بن خزيمة، عن مسدد شيخ البخاري، عن يحيى بن سعيد القطان، عن مسعر بن كدام، عن أبي الزناد -بالنون- عبد الله بن ذكوان، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد، عن جدّه جرهد

إلى أخره.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا أبو يزيد القراطيسي ويحيى بن أيوب العلاف، قالا: ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا ابن أبي الزناد، حدثني أبي، حدثني زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد الأسلمي، عن جدّه جرهد:"أن رسول الله عليه السلام مرّ عليه وفخذه مكشوفة، فقال له رسول الله عليه السلام: غَطِّ فخذك يا جرهد فإن الفخذ عورة".

فإن قيل: بماذا تحكم في هذا الحديث؟

قلت: هذا الطحاوي حكم بصحته، ويؤيده أن البيهقي أخرجه (2) من حديث محمد بن سواء، نا ابن أبي عروبة، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن جرهد، عن أبيه:"أن النبي عليه السلام مرّ عليه وهو كاشف عن فخذه، فقال: غطها فإنها من العورة". وقال الذهبي: إسناده صالح. وقال البيهقي: إسناده صحيح.

فإن قيل: قال ابن حزم: وأما حديث جرهد فإنه عن ابن جرهد وهو مجهول، وعن مجهولين ومنقطع. وقال ابن القطان: معلول بالاضطراب وبجهالة حال الراوي، وقال: ابن الحذاء (3): لم يخرّجه البخاري في صحيحة لإجل الاختلاف في إسناده.

(1)"المعجم الكبير"(2/ 271 رقم 2140).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 228 رقم 3046).

(3)

هو العلامة المحدث أبو عبد الله محمد بن يحيى بن أحمد التميمي القرطبي المالكي، ابن الحذاء. له كتاب في رجال موطأ مالك، سماه:"التعريف بمن ذكر في موطأ مالك من الرجال والنساء".

ص: 214

قلت: هذا الترمذي أخرجه (1): عن زرعة بن مسلم بن جرهد، عن جده جرهد، ثم قال: حسن.

ورواه أيضًا (2): من طريق أبي الزناد، أخبرني ابن جرهد، عن أبيه.

ثم قال: حسن. وأخرجه (1) من طريق ابن عقيل، عن عبد الله بن جرهد. ثم قال: حسن غريب من هذا الوجه.

ورواه الشافعي أيضًا، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن آل جرهد، عن جرهد. وسكت عنه.

وكذلك أخرجه أبو داود (1): وسكت عنه.

فكل هذه إمارات الصحة، فإن لم يكن صحيحًا فلا يخرج عن حد الحسن، وقول ابن حزم: ابن جرهد مجهول غير صحيح؛ لأن ابنه الذي روى هذا الحديث عبد الله كما في رواية الطحاوي أو عبد الرحمن كما في رواية البيهقي وإحدى روايات الطبراني.

وقوله: منقطع أيضًا غير صحيح؛ لأن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد يروي عن جده كما يروي عن أبيه، ووقع في رواية أبي حنيفة: عن أبي النضر، عن زرعة بن مسلم بن جرهد، عن أبيه، عن جده.

وكذا وقع في إحدى روايات الترمذي وقال في "التكميل": زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد الأسلمي المدني، ويقال زرعة بن مسلم بن جرهد، ولا يصح.

ص: فهذه الآثار المروية عن رسول الله عليه السلام تخبر أن الفخذ عورة، ولم يضادها أثر صحيح، فقد ثبت بها أن الفخذ عورة تبطل الصلاة بكشفها كما تبطل بكشف ما سواها من العورات، فهذا وجه هذا الباب من طريق معاني الآثار.

(1) تقدم.

(2)

"جامع الترمذي"(5/ 111 رقم 2798).

ص: 215

ش: أشار بـ"هذه" إلى الأحاديث التي أخرجها عن علي بن أبي طالب وعبد الله ابن عباس ومحمد بن عبد الله بن جحش وجرهد السلمي رضي الله عنهم؛ والباقي ظاهر.

ص: وأما وجه ذلك من طريق النظر: فإنا رأينا الرجل ينظر من المرأة التي لا محرم بينه وبينها إلى وجهها وكفيها، ولا ينظر إلى ما فوق ذلك من رأسها ولا إلى أسفل من بطنها وظهرها وفخذيها وساقيها.

ورأيناه في ذات المحرم منه لا بأس أن ينظر منها إلى صدرها وشعرها ووجهها ورأسها وساقيها، ولا ينظر إلى ما بين ذلك من بدنها، وكذلك رأيناه ينظر من الأمة التي لا ملك له عليها ولا محرم بينه وبينها، فكان ممنوعًا من النظر من ذوات المحرم منه ومن الأمة التي ليست بمحرم له ولا ملك له عليها إلى فخذها كما كان ممنوعًا من النظر إلى فرجها، فصار حكم الفخذ من النساء كحكم الفرج لا حكم الساق، فالنظر على ذلك أن يكون من الرجال أيضًا، كذلك وأن يكون حكم فخذ الرجل في النظر إليه كحكم فرجه في النظر إليه لا كحكم ساقه، فلما كان النظر إلى فرجه محرمًا كان كذلك النظر إلى فخذه محرمًا، وكذلك كل ما كان حرامًا على الرجل أن ينظر إليه من ذوات المحرم منه فحرام على الرجال أن ينظر إليه بعضهم من بعض، وكل ما كان حلالًا أن ينظر ذو المحرم من المرأة ذات المحرم معه فلا بأس أن ينظر إليه الرجال بعضهم من بعض، فهذا هو أصل النظر في هذا الباب، وقد وافق ذلك ما جاءت به الروايات التي رويناها عن رسول الله عليه السلام، فبذلك نأخذ، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أي وأما وجه هذا الباب من طريق النظر والقياس، فقد أثبته بمقدمات "صحيحه" وهي أن النظر إلى الأجنبية إلى غير وجهها وكفيها حرام، وكذا إلى ذات المحرم منه إلى غير وجهها وكفيها وصدرها وشعرها ورأسها وساقيها حرام، وكذا إلى الأمة الغير المملوكة ولا ذات المحرم منه.

ص: 216

ففي الجميع كان النظر إلى الفخذ حرامًا، فكان الفخذ فيهن كالفرج، فالقياس على ذلك أن يكون حكم فخذ الرجل أيضًا حكم الفرج، فكما كان النظر إلى فرجه حرامًا كان النظر إلى فخذه أيضًا حرامًا، فنقول كل ما كان حرامًا على الرجل أن ينظر إليه من ذات المحرم منه، كان حرامًا عليه أن ينظر إليه من الرجل، وكل ما كان حلالًا أن ينظر إليه منها كان حلالًا أن ينظر إليه من الرجل، فهذا أصل القياس الذي ينتج منه تحريم النظر إلى الفخذ، فافهم. والله أعلم.

ص: 217