الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها كيف يقضيها
ش: أي هذا باب في بيان حكم الرجل الذي ينام عن الصلاة أو ينساها كيف يقضيها إذا ذكرها؟
والمناسبة بين هذا والتي قبله من الأبواب: أن ما مضى كان في أحكام الصلوات المؤداة في وقتها، وهذا في بيان الصلاة الفائتة.
ص: حدثنا أبو أمية، قال: ثنا قيس بن حفص الدارمي، قال: ثنا مسلمة بن علقمة، عن داود بن أبي هند، عن العباس بن عبد الرحمن مولى بني هاشم، عن ذي مخمر بن أخي النجاشي، قال:"كنا مع رسول الله عليه السلام في سفر فنمنا، فلم نستيقظ إلا بحَرِّ الشمس، فتنحينا عن ذلك المكان، قال: فصلى بنا رسول الله عليه السلام فلما كان من الغد حين بذغ القمر أمر بلالا فأذن، ثم أمره فأقام، فصلى بنا الصلاة، فلما قضى الصلاة قال: هذه صلاتنا بالأمس".
ش: أبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الخزاعي الطرسوسي شيخ النسائي أيضًا، وقيس بن حفص بن القعقاع التميمي الدارمي شيخ البخاري، ومسلمة بن علقمة المازني أبو محمد البصري إمام مسجد داود بن أبي هند، روى له الجماعة سوى البخاري.
وداود بن أبي هند دينار روى له الجماعة، والعباس بن عبد الرحمن ذكره ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" وسكت عنه، وذكره في "التكميل" وسكت عنه أيضًا وقال: لم يرو عنه إلا داود بن أبي هند.
وذو مِخْمَر -بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الميم الثانية- ويقال ذو مخبر بالباء الموحدة موضع الميم الثانية الحبشي خادم للنبي عليه السلام، وهو ابن أخي النجاشي.
والحديث أخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا أحمد بن داود المكي، نا قيس بن حفص الدارمي، نا مسلمة بن علقمة، نا داود بن أبي هند، عن العباس بن عبد الرحمن مولى بني هاشم، ثنا ذو مخبر بن أخي النجاشي، قال: كنت مع رسول الله عليه السلام في غزاة، فَسَرَوْا من الليل ما سَرَوْا، ثم نزلوا، فأتاني رسول الله عليه السلام فقال: يا ذا مخمر، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، فأخذ برأس ناقتي فقال: أقعد ها هنا ولا تكونن لكاعًا الليلة، فأخذت برأس الناقة فغلبتني عيناي فنمت، وأنسلت الناقة فذهبت، فلم أستيقظ إلا بحر الشمس، فأتاني النبي عليه السلام فقال: يا ذا مخبر، قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك، قال: كنت والله لكع كما قلت لك، فتنحينا عن ذلك المكان، فصلى بنا رسول الله عليه السلام، فلما قضى الصلاة دعى أن ترد الناقة فجاءت بها إعصار ريح تسوقها فلما كان من الغد حين برق الفجر أمر بلالًا فأذن، ثم أمره فأقام، ثم صلى بنا فلما قضى الصلاة قال: هذه صلاتنا بالأمس، ثم ائتنف صلاة يومه ذلك".
قوله: "فتنحينا عن ذلك المكان" أي تحولنا عنه.
قوله: "حين بزغ القمر" أي حين طلع، والبزوغ الطلوع، يقال: بزغت الشمس، وبزغ القمر وغيرهما إذا طلعت.
ويستفاد منه: أن الفائتة يؤذن لها ويقام وأن قضاء الصلاة الفائتة واجبة وأن يصليها مرة أخرى كما ذهب إليه بعض الناس على ما يجيء مع الجواب عنه إن شاء الله تعالى.
ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم الأحول، عن أبي مجلز، عن سمرة بن جندب، عن النبي عليه السلام قال:"من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، ومن الغد للوقت".
(1)"المعجم الكبير"(4/ 235 رقم 4228).
حدثنا أبو أمية، قال: ثنا سريج بن النعمان الجوهري، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن بشر بن حرب، سمع سمرة بن جندب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله عليه السلام فذكر مثله.
ش: هذان طريقان، أحدهما إسناده صحيح، عن أحمد بن داود المكي، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، عن حماد بن سلمة، عن عاصم بن سليمان الأحول، عن أبي مجلز لاحق بن حميد، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.
وأخرجه البزار في مسنده نحوه.
والآخر: عن أبي أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، عن سُريج -بضم السين المهملة، وبالجيم في آخره- ابن النعمان بن مروان الجوهري اللؤلؤي أي الحسن البغدادي من رجال البخاري، عن حماد بن سلمة، عن بشر بن حرب الندبي الأزدي البصري، ضعفه أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي، وقال أحمد: ليس هو قويّا في الحديث، وروى له الترمذي، وابن ماجه.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا عفان، قال: ثنا همام، أنا بشر بن حرب، عن سمرة بن جندب -قال: أحسبه مرفوعًا-: "من نسي صلاة فليصلها حين يذكرها، ومن الغد للوقت".
ص: فذهب قوم إلى هذا، فقالوا: هكذا يفعل من نام عن صلاة أو نسيها، واحتجوا في ذلك بهذين الحديثين.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: جماعة من الظاهرية، ونفرًا من أهل الحديث؛ فإنهم قالوا: إن من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها مرتين، مرة عند تذكرها، ومرة أخرى في مثل الوقت الذي قد فاتت فيه الصلاة من الأمس، ويحكى أيضًا مثل هذا عن سمرة وسعد رضي الله عنهما.
(1)"مسند أحمد"(5/ 22 رقم 20270).
قوله: "بهذين الحديثين" أراد بهما حديث ذي مخبر الحبشي، وحديث سمرة بن جندب.
ص: وخالفهم في ذلك أخرون، فقالوا بل يصليها مع التي يليها من المكتوبة، وليس عليه غير ذلك، واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا مروان بن جعفر بن سعد السَّمُري، قال: أخبرني محمد بن إبراهيم بن خُبيب بن سليمان بن سمرة، عن جعفر بن سعد بن سمرة، عن خُبيب بن سليمان، عن أبيه، عن سمرة أنه كتب إلى بنيه:"أن رسول الله عليه السلام -كان يأمرهم إذا شغل أحدهم عن الصلاة أو نسيها حتى يذهب حينها الذي تصلي فيه، أن يصليها مع التي تليها من الصلاة المكتوبة".
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون وأراد بهم أيضًا: طائفة من الظاهرية، ونفرًا من أهل الحديث؛ فإنهم قالوا: إن من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها مع التي تليها من الصلاة المكتوبة، واحتجوا في ذلك بحديث سمرة.
أخرجه عن إبراهيم بن أبي داود البرسي، عن مروان بن جعفر بن سعد السمري شيخ أبي حاتم، فقال: صدوق، وقال الأزدي: يتكلمون فيه.
عن محمد بن إبراهيم بن خُبيب -بضم الخاء المعجمة، وفتح الباء الموحدة- بن سليمان بن سمرة بن جندب، ذكره ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" وسكت عن حاله، وقال: روى عن جعفر بن سعد بن سمرة رسالة سمرة، سمعت أبي يقول ذلك.
وهو يروي عن جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب الفزاري أبي محمد السَّمُري والدمروان، قال عبد الحق: ليس هو ممن يعتمد عليه.
روى له أبو داود.
عن خُبيب -بضم الخاء المعجمة- بن سليمان بن سمرة بن جندب الفزاري أبي سليمان الكوفي، ذكره ابن حبان في "الثقات" وروى له أبو داود.
عن أبيه سليمان بن سمرة، ذكره ابن حبان في "الثقات" وروي له أبو داود.
عن أبيه سمرة بن جندب رضي الله عنه.
وأخرجه الطبراني (1): ثنا موسى بن هارون، قال: ثنا مروان بن جعفر السمرى، نا محمد بن إبراهيم بن خبيب بن سليمان بن سمرة، ثنا جعفر بن سعد بن سمرة، عن خبيب بن سليمان بن سمرة، عن أبيه، عن سمرة قال:"إن رسول الله عليه السلام كان يأمرنا إن شغل أحدنا عن الصلاة أو نسيها حتى يذهب حينها الذي تصلي فيه، أن يصليها مع التي تليها من الصلاة المكتوبة".
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل يصليها إذا ذكرها وإن كان ذلك قبل دخول وقت التي تليها، ولا شيء عليه غير ذلك.
ش: أي خالف الفريقين المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: جماهير العلماء والفقهاء من التابعين ومن بعدهم، وأبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحابهم؛ فإنهم قالوا: بل يصلي الصلاة الفائتة إذا ذكرها أيّ وقتٍ كان عند مالك والشافعي وأحمد، وفي غير وقت الطلوع والغروب والاستواء عند أبي حنيفة وأصحابه، ثم إنهم اتفقوا أنه يصليها وإن كان ذلك قبل دخول وقت الصلاة التي تليها، ولا شيء عليه غير تلك الفائتة عندهم جميعًا.
ص: واحتجوا في ذلك بحديث أبي قتادة وعمران وأبي هريرة عن رسول الله عليه السلام حين نام عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس فصلاها بعد ما استوت ولم ينتظر دخول وقت الظهر، وقد ذكرنا ذلك بأسانيده في غير هذا الموضع من هذا الكتاب.
ش: أي واحتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث أبي قتادة الحارث بن ربعي، وعمران بن الحصين، وأبي هريرة رضي الله عنهم، وقد أخرج الطحاوي أحاديث هؤلاء في باب:"الرجل يدخل في صلاة الغداة فيصلي منها ركعة ثم تطلع الشمس".
(1)"المعجم الكبير"(7/ 254 رقم 7034).
أما حديث أبي قتادة: فأخرجه عن ابن أبي داود، عن إبراهيم بن الجراح، عن أبي يوسف، عن حصين بن عبد الرحمن، عن ابن أبي قتادة، عن أبيه قال: "أسرى رسول الله عليه السلام في غزوة من غزواته ونحن معه
…
" الحديث.
وأخرجه مسلم (1)، والنسائي (1).
وأما حديث عمران بن الحصين: فأخرجه عن عليّ بن شيبة، عن روح، عن هشام، عن الحسن، عنه قال: "سرينا مع رسول الله عليه السلام في غزاة -أو قال: في سرية-
…
" الحديث.
وأخرجه أحمد (1) والحاكم في مستدركه (1).
وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه: عن روح بن الفرج، عن أبي مصعب الزهري، عن ابن أبي حازم، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة:"أن رسول الله عليه السلام عرس ذات ليلة بطريق مكة .... " الحديث.
وأخرجه مسلم (1)، وأبو داود (1): وقد استوفينا الكلام فيها فليعاود إليه.
ص: وقد حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سعيد بن سليمان الواسطي، عن خالد، عن عطاء بن السائب، عن بُرَيد بن أبي مريم، عن أبيه قال: "نام رسول الله عليه السلام وأصحابه عن صلاة الفجر، ثم طلعت الشمس، فأمر رسول الله عليه السلام بلالًا فأذن، ثم صلى ركعتين، ثم أمره فأقام، فصلى بهم المكتوبة.
ش: إسناده صحيح.
وابن أبي داود وهو إبراهيم، وسعيد بن سليمان الواسطي المعروف بسعدويه شيخ البخاري وأبي داود، وخالد هو الحذاء روى له الجماعة، وعطاء بن السائب أبو محمد الكوفي ثقة، غير أنه اختلط في آخر عمره، روى له الأربعة.
وبُريد -بضم الباء الموحدة، وفتح الراء المهملة، وسكون الياء آخر الحروف- ابن أبي مريم السلولي البصري، وثقه يحيى وأبو زرعة والنسائي، وروى له الأربعة.
(1) تقدم.
وأبوه ابن أبي مريم واسمه مالك بن ربيعة بن مريم السلولي، من أصحاب الشجرة.
وأخرجه النسائي (1): أنا هناد بن السري، عن أبي الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن بُرَيد بن أبي مريم، عن أبيه قال:"كنا مع رسول الله عليه السلام في سفر، فأسرينا ليلة، فلما كان في وجه الصبح نزل رسول الله عليه السلام، فنام ونام الناس، فلم نستيقظ إلا بالشمس قد طلعت علينا، فأمر رسول الله عليه السلام المؤذن فأذن، ثم صلى ركعتين قبل الفجر، ثم أمره فأقام، فصلى بالناس، ثم حدثنا بما هو كائن حتى تقوم الساعة".
وأخرجه الطبراني (2) أيضًا.
ويستفاد منه أحكام:
الأول: الذي فاتته صلاة لا يجب عليه قضاؤها إلا مرة واحدة، أيّ وقتٍ ذكرها غير الأوقات الثالثة.
الثاني: أن الفائتة يؤذن لها ويقام، وقد اختلف فيه العلماء، فقال أبو حنيفة: إذا كانت عليه فوائت كثيرة أذن للأولى وأقام وكان مخيرًا في الباقي إن شاء أذن وأقام وإن شاء اقتصر على الإقامة، وبه قال أحمد: وقد اختلف قول الشافعي في ذلك، فأظهر أقاويله أنه يقام للفوائت ولا يؤذن لها، والأصح ما قاله أبو حنيفة؛ لأنه ذكر في الحديث الأذان والإقامة، وهذه زائدة على حديث أبي هريرة؛ لأنه لم يذكر في حديثه الأذان، ولكن الزيادة إذا صحت تقبل والعمل بها واجب.
والثالث: أن ركعتي الفجر إذا فاتتا مع الفرض تقضيان معه بعد طلوع الشمس، والله أعلم.
(1)"المجتبى"(1/ 297 رقم 621).
(2)
"المعجم الكبير"(19/ 275 رقم 602).
ص: حدثنا أبو أمية، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أنا زافر بن سليمان، عن شعبة، عن جامع بن شداد، عن عبد الرحمن بن علقمة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:"كنا مع رسول الله عليه السلام في غزوة تبوك، فلما كنا بدهاس السهل من الأرض قال رسول الله عليه السلام: من يكلؤنا الليلة؟ قال: بلال أنا قال إذن تنام، فنام حتى طلعت الشمس فاستيقظ فلان وفلان، فقالوا: تكلموا حتى يستيقظ: فاستيقظ رسول الله عليه السلام فقال: أفعلوا ما كنتم تفعلون، وكذلك يفعل من نام أو نسي".
ش: إسناده حسن، وأبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، وعبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي الكوفي شيخ البخاري، وزافر بن سليمان الإيادي وثقه أحمد ويحيى وأبو داود، وقال النسائي: ليس بذاك القوي. وقال ابن عدي: يكتب حديثه مع ضعفه.
وجامع بن شداد المحاربي أبو صخرة الكوفي روى له الجماعة، وعبد الرحمن بن علقمة -ويقال: ابن أبي علقمة- الثقفي، ويقال: له صحبة. وأنكره ابن حبان وذكره في التابعين "الثقات".
وأخرجه أبو داود (1): نا ابن المثنى، نا محمد بن جعفر، نا شعبة، عن جامع بن شداد، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي علقمة، قال: سمعت عبد الله بن مسعود قال: "أقبلنا مع رسول الله عليه السلام من الحديبية، فقال النبي عليه السلام: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا، فناموا حتى طلعت الشمس، فاستيقظ النبي عليه السلام فقال: افعلوا كما كنتم تفعلون، قال: ففعلنا، قال: فكذلك فافعلوا لمن نام أو نسي".
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا غندر، عن شعبة، عن جامع بن شداد، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي علقمة، قال: سمعت عبد الله بن مسعود
(1)"سنن أبي داود"(1/ 122 رقم 447).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(7/ 281 رقم 36096).
قال: "أقبلنا مع رسول الله عليه السلام من الحديبية، فذكروا أنهم نزلوا دهاسًا من الأرض -يعني بالدهاس: الرمل- قال: فقال رسول الله عليه السلام: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا، فقال النبي عليه السلام: إذن تنام قال: فناموا حتى طلعت عليهم الشمس، قال: فاستيقظ ناس فيهم فلان وفلان وفيهم عمر رضي الله عنه، فقلنا اهضبوا -يعني تكلموا- قال: فاستيقظ النبي عليه السلام، فقال: افعلوا كما كنتم تفعلون، قال: كذلك لمن نام أو نسي".
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): نا يحيى، نا شعبة، حدثني جامع بن شداد، عن عبد الرحمن بن أبي علقمة، قال: سمعت ابن مسعود يقول: "أقبل النبي عليه السلام من الحديبية ليلًا، فنزلنا دهاسًا من الأرض، فقال: من يكلؤنا؟ قال بلال: أنا، قال: أذن تنام، قال: لا، فنام حتى طلعت الشمس، فاستيقظ فلان وفلان منهم عمر رضي الله عنه، فقال: اهضبوا، فاستيقظ النبي عليه السلام فقال: افعلوا كما كنتم تفعلون، فلما فعلوا قال: هكذا فافعلوا لمن نام منكم أو نسي".
وأخرجه البيهقي أيضًا في "سننه"(2)، والطيالسي في "مسنده"(3).
قوله: "في غزوة تبوك" وكانت في سنة تسع من الهجرة في شهر رجب، وفي رواية غير الطحاوي:"الحديبية" موضع تبوك كما ذكرناه، وكافت في سنة ست بلا خلاف.
قوله: "فلما كنا بدَهَاس" بفتح الدال وتخفيف الهاء وفي آخره سين مهملة وهو ما سهل في الأرض ولان ولم يبلغ أن يكون رملًا، وكذلك الدهس، وقد فسره في الحديث بقوله:"السهل من الأرض" بجر السهل على أنه بدل من الدهاس، وفي بعض النسخ:"فلما كنا بدهاس من الأرض" وقد فسره في رواية ابن أبي شيبة بقوله: "يعني بالدهاس الرمل".
(1)"مسند أحمد"(1/ 386 رقم 3657).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 218 رقم 2999).
(3)
"مسند الطيالسي"(1/ 49 رقم 377).
قوله: "من يكلؤنا" أي من يحرسنا، من كَلَأَ يَكْلَأُ كِلَاءة أي حَفِظَ يَحْفَظُ حِفْظًا.
قوله: "قال: إذن تنام" أي قال النبي عليه السلام حينئذ: تنام أنت يا بلال، وإنما قال ذلك لأنه كان ثقيل النوم.
قوله: "افعلوا ما كنتم تفعلون" يعني من الطهارة وستر العورة، واستقبال القبلة، والأذان، والإقامة.
قوله: "وكذلك يفعل من نام" أي مثل ما فعلتم يفعل من نام غيركم عن الصلاة أو نسيها.
ص: وقد روي عن رسول الله عليه السلام في ذلك أيضًا ما حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله عليه السلام قال:"من نسي صلاة فيصلها إذا ذكرها، قال همام: فسمعت قتادة يحدث من بعد ذلك فقال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (1) ".
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس، عن النبي عليه السلام قال:"من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها".
ش: أي قد روي عن النبي عليه السلام في ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية ما حدثنا
…
إلى آخره.
وهذان إسنادان صحيحان:
أحدهما: عن أحمد بن داود المكي، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، عن همام بن يحيى بن دينار البصري، عن قتادة.
وأخرجه الجماعة، فالبخاري (2): عن أبي نعيم وموسى بن إسماعيل، كلاهما عن همام، عن قتادة، عن أنس، عن النبي عليه السلام قال: "من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} .
(1) سورة طه، آية:[14].
(2)
"صحيح البخاري"(1/ 215 رقم 5712).
ومسلم (1): عن هداب بن خالد، عن همام .... إلى آخره نحوه.
وأبو داود (2): عن محمد بن كثير، عن همام .... إلى، آخره نحوه، وليس فيه:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} .
والترمذي (3): عن قتيبة وبشر بن معاذ، كلاهما عن أبي عوانة، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله عليه السلام: "من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها".
والنسائي (4): عن قتيبة، عن أبي عوانة .... إلى آخره نحو رواية الترمذي.
وابن ماجه (5): عن نصر بن علي الجهضمي، عن يؤيد بن زريع، عن حجاج، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: "سئل النبي عليه السلام عن الرجل يغفل عن الصلاة أو يرقد عنها؟ قال: يصليها إذا ذكرها.
والطريق الآخر: عن فهد بن سليمان، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري، عن قتادة .... إلى آخره.
وأخرجه الترمذي (6): والنسائي (7): نحوه كما ذكرناه لأن.
قوله: "إذا ذكرها" أي إذا ذكر تلك الصلاة، وهذا القيد ليس للوجوب، حتى لو صلاها بعد ذلك يجوز، وقد اختلفوا في قضاء الفائتة هل هو على الفور؟ والصحيح أن قضاء الفائتة بعذر ليس على الفور، ولكن يستحب قضاؤها على الفور، وحكى البغوي وجهًا عن الشافعي أنه على الفور، وأما الفائتة بلا عذر فالأصح قضاؤها على الفور، وقيل: له التأخير كما في الأول.
(1)"صحيح مسلم"(1/ 477 رقم 684).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 121 رقم 442).
(3)
"جامع الترمذي"(1/ 335 - 336 رقم 178).
(4)
"المجتبى"(1/ 293 رقم 613).
(5)
"سنن ابن ماجه"(1/ 227 رقم 695).
(6)
تقدم.
(7)
"المجتبى"(1/ 293 رقم 614).
قوله: "لذكري" بكسر الراء وياء الإضافة، والمعنى لا وقات ذكري، وهي مواقيت الصلاة، أو لذكر صلاتي، وقيل: لأن أذكرك بالثناء أو لذكري خاصة لا ترائي بها ولا تشوبها بذكر غيري، وقيل: لذكري لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها.
ويستفاد منه أمور:
الأول: في قوله: "إذا ذكرها" دليل على وجوب قضاء الفائتة سنة سواء تركها بعذر كنوم ونسيان أو بغير عذر.
فإن قلت: الحديث مقيد بالنسيان.
قلت: لخروجه على سبب، ولأنه إذا وجب القضاء على العذر فغيره أولى بالوجوب، وهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى.
الثاني: قال النووي: فيه دليل على قضاء السنن الراتبة.
قلت: لا دليل فيه؛ لأن قوله: "من نسي صلاة" صلاة الفرض بدلالة القرينة.
الثالث: فيه دليل على أن أحدًا لا يصلي عن أحد، وهو حجة على الشافعي.
الرابع: فيه دليل على أن الصلاة لا تجبر بالمال كما يجبر الصوم وغيره، اللهم إذا كانت عليه صلوات فائتة فحضره الموت فأوصى بالفدية عنها؛ فإنه يجوز كما بيَّن ذلك في الفروع.
ص: حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يحيى بن عبد الحميد، قال: ثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، عن رسول الله عليه السلام مثله.
ش: إسناده صحيح، ورجاله قد ذكروا غير مرة، وثابت هو البناني، وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي الأنصاري.
وأخرجه الترمذي (1): ثنا قتيبة، قال: ثنا حماد بن زيد، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، عن أبي قتادة قال: "ذكروا للنبي عليه السلام نومهم عن
(1)"جامع الترمذي"(1/ 334 رقم 177).
الصلاة، فقال: إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها".
وأخرجه النسائي (1): عن قتيبة أيضًا، نحوه سواء.
ص: ففي هذا الحديث من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن لا شيء عليه غير قضاؤها.
ش: أشار به إلى الحديث الذي رواه أنس وأبو قتادة، وأراد أن فيه دليلًا صريحًا على أن الرجل إذا فاتته صلاة بأي وجه كان، لا يجب عليه إلا قضاء تلك الصلاة لا غير.
ص: وقد روي عنه أيضًا في ذلك في غير هذا الحديث ما قد زاد على هذا اللفظ:
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله عليه السلام: "من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها؛ لا كفارة لها إلا ذلك، ثم قال: سمعته يحدث ويزيد {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (2).
حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: أنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، أن النبي عليه السلام قال:"من نسي صلاة أو نام عنها فإن كفارتها أن يصليها إذا ذكرها".
فلما قال: لا كفارة لها إلا ذلك استحال أن يكون عليه مع ذلك غيره؛ لأنه لو كان عليه مع ذلك غيره إذن لما كان ذلك كفارة لها".
ش: أي قد روي عن أنس أيضًا فيما ذهب إليه أهل المقالة الثانية غير ما روي فيما مضى من الحديث ما قد زاد على لفظ الحديث المذكور، وهو قوله:"لا كفارة لها إلا ذلك" والعمل بهذه الزيادة واجبة؛ لأنها من الثقات، فالمعنى: لا كفارة لتلك الصلاة الفائتة غير قضائها، فلما قال: هذا القول استحال أن يكون عليه مع ذلك غيره، أي
(1)"المجتبى"(1/ 294 رقم 615).
(2)
سورة طه، آية:[14].
مع القضاء غير القضاء؛ وذلك لأنه لو كان عليه غير القضاء لما كان ذلك القضاء كفارة لها والإشارة في "ذلك" إلى الصلاة ولكن التذكير باعتبار المذكور.
ثم انه أخرج هذا الحديث بالزيادة المذكورة من طريقين صحيحين:
الأول: عن فهد بن سليمان، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك، عن همام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس.
وهذا عين الإسناد في ذاك الحديث غير أن فيه فهذا عوض أحمد بن داود.
وقد أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، بهذه الزيادة وقد ذكرناه (1).
الثاني: عن علي بن معبد بن نوح عن عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد بن أبي عروبة، وكان عبد الوهاب بن عطاء الخفاف صاحب سعيد هذا وراوي كتبه.
وأخرجه مسلم (2): ثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال نبي الله عليه السلام: "من نسي صلاة أو نام عنها، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها".
ص: وقد روى الحسن، عن عمران بن الحصين في حديث النوم عن الصلاة حتى طلعت الشمس "أن رسول الله عليه السلام صلاها بهم، فقلنا: يا رسول الله أَلَا تقضيها لوقتها من الغد؟ فقال النبي عليه السلام: أينهاكم الله عن الربا ويقلبه منكم".
وقد ذكرنا ذلك بإسناده في غير هذا الموضع من هذا الكتاب، فلما سألوا النبي عليه السلام عن ذلك فأجابهم بما ذكرنا، استحال أن يكون عرفوا أن يقضوها من الغد إلا بمعاينتهم رسول الله عليه السلام فعل ذلك فيما تقدم، أو أمرهم به أمرًا فدل ذلك على نسخ ما روى ذو مخمر وسمرة رضي الله عنهما، وإن كان متأخرًا عنه فهو أولى منه؛ لأنه ناسخ له، فهذا هو وجه هذا الباب من طريق الآثار.
(1) تقدم.
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 477 رقم 684).
ش: قد ذكر الطحاوي ما رواه الحسن البصري عن عمران بن الحصين رضي الله عنه في باب: "الرجل يدخل في الصلاة الغداة فيصلي منها ركعة ثم تطلع الشمس" عن علي بن شيبة، عن روح، عن هشام، عن الحسن، عن عمران بن الحصين قال:"سرينا مع النبي عليه السلام في غزاة -أو سَرّية- فلما كان آخر السَّحَر عَرّسنا، فما استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس، فجعل الرجل منا يثب فَزِعًا دَهِشًا فاستيقظ رسول الله عليه السلام فأمرنا فارتحلنا من مسيرنا حتى ارتفعت الشمس، ثم نزلنا، فقضى القوم حوائجهم، ثم أمر بلالًا فأذن، فصلينا ركعتين، فأقام فصلى الغداة، فقلنا: يا نبي الله، ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال النبي عليه السلام: أينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم؟! " والمعنى أن الله تعالى أمركم بصلاة واحدة في كل وقت من الأوقات الخمسة، فإذا فأتت عنكم بنوم أو نسيان أو غير ذلك فأتوا ببدلها ومثلها مرة واحدة، ولا تصلوا أكثر من ذلك؛ لأن ذلك يكون زيادة، والزيادة على الجنس ربًا، فالله تعالى قد نهاكم عن الربا، ثم هو كيف يقبله منكم؟! فدل ذلك على انتساخ حديث ذي مخمر وسمرة بن جندب حيث أخبرا فيه أن القضاء يكون مرتين: مرة إذا ذكرها، ومرة من الغد للوقت.
بيان ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لما قالوا: يا رسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد، أجاب النبي عليه السلام عن ذلك بشيء يدل على المنع عن ذلك، ولكن لم يكن سؤالهم ذلك إلا من أحد وجهين: إما أنهم قد عاينوا النبي عليه السلام قد فعل ذلك قبل هذا الوقت، أو كان قد أمرهم بذلك فيما تقدم، فلذلك سألوا هذا السؤال، فبدون أحد هذين الوجهين سؤالهم مستحيل، فلما أجاب النبي عليه السلام في هذا الحديث بما أجاب؛ دل ذلك على أن حكم حديث ذي مخمر وسمرة قد كان قبل ذلك، وأنه انتسخ بهذا؛ لأن المتأخر ينسخ المتقدم، فهذا وجه النسخ في هذا الموضع، فافهم.
وقال الخطابي رحمه الله: يشبه أن يكون الأمر بالصلاة حين ذكرها ومن الغد للوقت في حديث ذي مخمر وسمرة للاستحباب، ليحرز فضيلة الوقت في القضاء عند مصادفة الوقت، ويقال: ويحتمل أن يكون عليه السلام لم يرد إعادة الصلاة المنسية حتى
يصليها مرتين، وإنما أراد أن هذه الصلاة وإن انتقل وقتها بالنسيان إلى وقت الذكر فإنها باقية على وقتها فيما بعد مع الذكر؛ لئلا يظن ظانٌ أن وقتها قد تغير.
قلت: جاء في حديث أبي قتادة في رواية أبي داود: "فليقض معها مثلها". فهذا يدفع هذا الاحتمال من التأويل، والجواب القاطع ما ذكره الطحاوي رحمه الله.
ص: وأما من طريق النظر فإنا رأينا الله عز وجل أوجب الصلوات لمواقيتها، وأوجب الصيام لميقاته في شهر رمضان، ثم جعل على من لم يصم شهر رمضان عدة من أيام آخر، فجعل قضاؤه في خلافه من المشهور، ولم يجعل مع قضائه بعدد أيامه قضاء مثلها فيما بعد ذلك؛ فالنظر على ما ذكرنا أن تكون الصلاة إذا نسيت أو فأتت أن يكون قضاؤها يجب فيما بعدها وإن لم يكن دخل وقت مثلها، ولا يجب مع قضائها مرة قضاؤها ثانية؛ قياسًا ونظرًا على ما ذكرنا من الصيام الذي وصفنا، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: مُلخّص ما قاله من وجه النظر والقياس: أن الصلاة والصوم عبادتان بدنيتان متساويتان في الفرضية والثبوت، ولما كان الواجب في الصوم إذا فات عن أيامه قضاؤه بعدد الإيام الفائتة بدون زيادة عليها؛ كان النظر والقياس على ذلك أن تكون هكذا الصلاة إذا فاتت عن وقتها أن تقضي مرة واحدة ولا يزاد على ذلك، وأن يجب قضاؤها فيما بعد وإن لم يكن دخل وقت مثلها، والله أعلم.
ص: وقد روي ذلك عن جماعة من المتقدمين:
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر قال:"من نسي صلاة فذكرها مع الإمام فليصل التي معه ثم ليصل التي نسي ثم ليصل الأخرى بعد".
حدثنا ابن أبي عمران، قال: ثنا أبو إبراهيم الترجماني، قال: ثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام مثله.
حدثنا محمد بن حميد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا الليث، عن سعيد ابن عبد الرحمن
…
فذكر بإسناده مثله ولم يرفعه.
وقوله: "فليصل التي معه" فذلك محتمل عندنا أن يفعل ذلك على أنها له تطوع.
ش: أشار بذلك إلى قوله: "ولا يجب مع قضائها مرة قضاؤها ثانية" وأخرج ذلك عن ابن عمر من ثلاث وجوه: اثنان موقوفان، وواحد مرفوع.
الأول من الموقوف: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، عن مالك
…
إلى آخره.
وأخرجه مالك في "موطإه"(1).
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا حفص بن غياث، عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يقول:"إذا ذكرت و [أنت] (3) تصلي العصر أنك لم تصلى الظهر مضيت فيها ثم صليت الظهر، فإذا صليت العصر وذكرت أنك لم تصل الظهر [فصليت] (4) أجزأتك".
قوله: "فليصل التي معه" أي فليصل الصلاة التي مع الإِمام، أراد أنه يفعل ذلك على وجه التطوع، أشار إليه الطحاوي.
وقوله: "فليصل التي معه فذلك
…
إلى آخره" وذلك لأن الحاضرة فسدت بذكر تلك الفائتة، فلما فسد وصف الصلاة وهو الفرضية بقي أصل الصلاة وهو كونها تطوعًا.
قوله: "ثم ليصل الأخرى بعد" أي ثم ليصل الصلاة الأخرى بعد ذلك وهي الصلاة التي قد كان نسيها، فهذا يدل على وجوب الترتيب، إذ لو كان غير واجب لما أمر بإعادة الصلاة التي كانت مع الإِمام، فافهم.
(1)"موطأ مالك"(1/ 168 رقم 406).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 414 رقم 4764).
(3)
في "الأصل، ك": "أنك"، والمثبت من "المصنف".
(4)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "المصنف".
الثاني وهو المرفوع: أخرجه عن أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي، عن أبي إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم بن بسام الترجماني، عن سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله الجمحي المدني قاضي بغداد في عسكر المهدي زمن الرشيد، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه العمري المدني، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام مثل المذكور.
وهذا إسناد صحيح لأن رجاله ثقات.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث أبي إبراهيم الترجماني، نا سعيد بن عبد الرحمن، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله عليه السلام قال: "من نسي صلاة ولم يذكرها إلَّا وهو مع الإِمام فليصل مع الإِمام، فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي، ثم ليعد الصلاة التي صلى مع الإمام، قال البيهقي: تفرد برفعه الترجماني، ورواه جماعة عن نافع من قول ابن عمر، فإعادتها عند الشافعي استحباب لا إيجاب.
قلت: الترجماني أخرج له الحاكم في "المستدرك" وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه، وعن يحيى بن معين: ليس به بأس. وكذا قال أبو داود والنسائي، ذكر ذلك المزي في كتابه، ومشهور عن ابن معين أنه إذا قال عن شخص: ليس به بأس كان توثيقًا منه له؛ ففي رواية الترجماني زيادة الرفع، وهي زيادة ثقة فوجب قبولها على مذاهب أهل الفقه والأصول، ثم على تقدير أنه من قول ابن عمر رضي الله عنهما فقد قال: الطحاوي في كتاب "اختلاف العلماء": لا نعلم عن أحد من الصحابة خلافة، وكذا ذكر صاحب "التمهيد"، وذكر في "الاستذكار" (2) قول ابن عمر ثم قال: أوجب الترتيب أبو حنيفة وأصحابه والثوري ومالك والليث، وأوجبه ابن حنبل في ثلاث سنين وأكثر، وقال آخذ بقول ابن المسيب فيمن ذكر
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 221 رقم 3010).
(2)
"الاستذكار"(2/ 340 - 341)، بتصرف واختصار.
صلاة في وقت صلاة، كمن ذكر العشاء آخر وقت صلاة الفجر، قال: يصلي الفجر، ولا يضيع صلاتين قال الأثرم: قيل لأحمد: بعض الناس يقول: إذا ذكرت صلاة وأنت في أخرى لا تقطعها، وإذا فرغت قضيت تلك ولا إعادة عليك. فأنكره وقال: ما أعلم أحدًا قاله، وأعرف من قال: أقطع وأنا خلف الإِمام وأصلي التي ذكرت؛ لقوله عليه السلام: "فليصلها إذ اذكرها" قال: وهذا شنيع أن يقطع وهو وراء الإمام، ولكنه [يتمادى مع الإِمام، فإن كان وحده قطع. وقال الشافعي وداود: يتمادى مع الإِمام](1) ثم يصلي التي ذكر ولا يعيد هذه، وذكر أبو عمر أنه نقض أصله المذكور (2) أولا: ثم ذكر أن الزهري يفتي بقول ابن عمر وهو الذي يروي قوله عليه السلام: "فليصلها إذا ذكرها، قال: الله تعالى {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (3) ".
وبهذا الحديث يحتج من قدم الفائتة على الوقتية وإن خرج الوقت، قالوا: جعل ذكرها وقتًا لها فكأنهما صلاتان اجتمعتا في وقت، فيبدأ بالأولى.
الثالث وهو موقوف أيضًا: عن محمد بن حميد، عن عبد الله بن صالح شيخ البخاري، عن الليث بن سعد، عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر.
وهو أيضًا طريق صحيح، والله أعلم.
ص: حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا مغيرة، عن إبراهيم:"في رجل نسي الظهر فذكرها وهو في العصر، قال: ينصرف فيصلي الظهر، ثم يصلي العصر".
حدثنا صالح، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا هشيم، قال: أنبأنا منصور ويونس، عن الحسن أنه كان يقول:"يتم العصر التي دخل فيها، ثم يصلي الظهر بعد ذلك".
(1) سقط من "الأصل، ك" والسياق لا يستقيم بدونها، والمثبت من "الاستذكار".
(2)
أي: "أحمد بن حنبل رحمه الله".
(3)
سورة طه، آية:[14].
ش: هذان إسنادان:
أحدهما: عن إبراهيم النخعي، وإشارته إلى أنه يوجب الترتيب بين الفائتة والحاضرة، ولهذا حكم بفساد العصر بذكره الظهر فيها.
أخرجه بإسناد صحيح: عن صالح، عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم وأبي داود، عن هشيم بن بشير، عن مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي الأعمى الفقيه، عن إبراهيم النخعي.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن هشيم
…
إلى آخره نحوه سواء.
والأخر: عن الحسن البصري وأشار به إلى أن مذهبه اشتراط الترتيب بين الفائتة والحاضرة، ولكن عنده إذا ذكر الظهر في العصر مثلًا لا تبطل العصر بل يتمها تطوعًا، ثم يصلي الظهر الفائتة، ثم يعيد العصر.
أخرجه بإسناد صحيح أيضًا: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور، عن هشيم بن بشير، عن منصور بن زاذان الواسطي روى له الجماعة، ويونس بن عبيد بن دينار البصري روى له الجماعة، كلاهما عن الحسن رحمه الله.
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن نحو مذهب إبراهيم فقال: في "مصنفه"(2): عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة:"في رجل نسي صلاة حتى يدخل في الأخرى، قال: فإن كان قد صلى منها شيئًا أتمها، ثم صلى الأولى، قال معمر: قال الحسن: ينصرف فيبدأ بالأولى". والله تعالى أعلم.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 414 رقم 4758).
(2)
"مصنف عبد الرزاق"(2/ 6 رقم 2261).