المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: الطفل يموت، أيصلى عليه أم لا - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٧

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ص: باب: الطفل يموت، أيصلى عليه أم لا

‌ص: باب: الطفل يموت، أيصلى عليه أم لا

؟

ش: أي هذا باب في بيان الطفل يموت، هل يصلى عليه أم لا؟ قال الجوهري: الطفل المولود، وولد كل وحشية أيضًا طفل، والجمع: أطفال، ويكون الطفل واحدًا وجمعًا مثل الجنب، قال تعالى:{الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا} (1).

ص: حدثنا ابن أبي عمران، قال: ثنا أبو خيثمة، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم ابن سعد، قال: ثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها:"أن رسول الله عليه السلام دفن ابنه إبراهيم ولم يصل عليه".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمد بن يحيى النيسابوري، قال: ثنا يعقوب

فذكر بإسناده مثله.

ش: هذان طريقان رجالهما ثقات:

الأول: عن أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي نزيل مصر، عن أبي خيثمة زهير بن حرب بن شداد شيخ الشيخين وأبي داود وابن ماجه، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم القرشي الزهري المدني روى له الجماعة، عن أبيه إبراهيم بن سعد روى له الجماعة، عن محمَّد بن إسحاق المدني روى له الجماعة البخاري مستشهدًا ومسلم في المتابعات عن عبد الله بن أبي بكر بن محمَّد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني روى له الجماعة، عن عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية روى لها الجماعة، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

وأخرجه أبو داود (2): نا محمد بن يحيى بن فارس، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، نا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة بنت

(1) سورة النور، آية:[31].

(2)

"سنن أبي داود"(2/ 244 رقم 3187).

ص: 407

عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"مات إبراهيم ابن النبي عليهما السلام وهو ابن ثمانية عشر شهرًا، فلم يصل عليه رسول الله عليه السلام".

الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن محمد بن يحيى النيسابوري شيخ البخاري والأربعة، عن يعقوب بن إبراهيم

إلى آخره.

وأخرجه أحمد، (1) والبزار، وأبو يعلى في مسانيدهم.

وقال حنبل: قال لنا أبو عبد الله: هذا حديث منكر جدًّا، وأجابوا عنه بوجوه: الأول: شغل النبي عليه السلام بصلاة الكسوف، وهذا ضعيف.

الثاني: أنه استغنى بفضيلة نبوة النبي عليه السلام عن الصلاة كما استغنى الشهداء بفضيلة الشهادة عن الغسل والصلاة عليه عند قوم.

الثالث: أنه لا يُصلي نبي على نبي، وقد جاء أنه لو عاش لكان نبيًّا.

الرابع: أنه لم يصلي عليه بنفسه وصلى عليه غيره.

الخامس: أن جماعة رووا عن النبي عليه السلام أنه صلى عليه على ما يجيء إن شاء الله تعالى، فخبر المثبت أولى، وهذا أولى الأجوبة وأحسنها على ما لا يخفى.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أنه لا يصلى على الطفل، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: سويد بن غفلة وسعيد بن جبير وعمرو بن مرة؛ فإنهم قالوا: لا يصلي على الطفل. واحتجوا بالحديث المذكور، ويروى ذلك عن الزبير بن العوام.

وقال ابن حزم في "المحلى"(2): وروي عن الزبير بن العوام أنه مات ابن له قد لعب مع الصبيان واشتد ولم يبلغ الحلم اسمه عمر؛ فلم يصل عليه.

(1)"مسند أحمد"(6/ 267 رقم 26348).

(2)

"المحلى"(5/ 160).

ص: 408

وقال أيضًا (1): وتستحب الصلاة على المولود حيًّا ثم يموت، استهل أو لم يستهل، وليس الصلاة عليه فرضًا ما لم يبلغ، أما الصلاة فإنها فعل خير لم يأتي عنها نهي، وأما ترك الصلاة عليه فلما روينا من طريق أبي داود، وروى الحديث المذكور، ثم قال: هذا خبر صحيح، ولكن إنما فيه ترك الصلاة وليس فيه نهي عنها، وقد جاء أثران مرسلان بأنه عليه السلام صلى عليه، والمرسل لا حجة فيه.

ص: ورووا في ذلك أيضًا عن سمرة بن جندب، حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا أبو معمر، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا عقبة بن سيار، قال: حدثني عثمان بن جحاش، وكان ابن أخي سمرة بن جندب قال:"مات ابن لسمرة قد كان سقي ماء، فسمع بكاء فقال: ما هذا؟ فقالوا: على فلان مات، فنهى عن ذلك، ثم دعى بطست أو نقير فغسل بين يديه، وكفن بين يديه، ثم قال لمولاه فلان: انطلق به إلى حفرته، فإذا وضعته في لحده فقل: بسم الله وعلى سنة رسول الله، ثم أطلق عقد رأسه، وعقد رجليه، وقيل: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، قال: ولم يصل عليه".

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن جُلاس، عن ابن جحاش، عن سمرة بن جندب:"أن صبيًّا لهم مات، فقال: ادفنوه ولا تصلوا عليه؛ فإنه ليس عليه إثم، ثم ادعوا الله لأبويه أن يجعله لهما فرطًا وسلفًا".

ش: أي روى هؤلاء القوم فيما ذهبوا إليه أيضًا عن سمرة بن جندب، وأخرج حديثه من طريقين:

الأول: عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني أيضًا، عن أبي معمر عبد الله ابن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد البصري شيخ البخاري وأبي داود، عن عبد الوارث بن سعيد التميمي أبي عبيدة البصري روى له الجماعة، عن عقبة بن سيار أبي الجلاس الشامي نزيل البصرة وثقه يحيى وابن حبان وروى له أبو داود،

(1)"المحلى"(5/ 158).

ص: 409

عن عثمان بن جحاش ابن أخي سمرة بن جندب وثقه ابن حبان، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.

وأخرجه البيهقي (1): من حديث عبد الوارث، عن عقبة بن سيار، حدثني عثمان ابن أخي سمرة قال:"مات ابن لسمرة -وفيه- قال: انطلق به إلى حفرته، فإذا وضعته في لحده فقل: بسم الله وعلى سنة رسول الله عليه السلام، ثم أطلق عقد رأسه وعقد رجليه".

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير بن حازم، عن شعبة، عن جلاس -بضم الجيم وتخفيف اللام- وهو أبو الجلاس عقبة بن سيار، وقال شعبة في روايته: حدثني جلاس بدون ذكر أبي. وقال ابن ماكولا: أبو الجُلاس عقبة بن سيار، وقيل: ابن يسار بتقديم الياء آخر الحروف، ويقال: ابن شماس، يروي عن عثمان بن جحاش روى عنه شعبة فلم يضبط اسمه، فقال: حدثني الجُلاس، وروى عنه عبد الوارث فضبطه، وجُلاس أو أبو جُلاس يروي عن ابن جحاش وهو عثمان بن جحاش ابن أخي سمرة بن جندب ووقع في رواية ابن أبي شيبة: علي بن جحاش حيث قال: ثنا غندر، ثنا شعبة، قال: ثنا جُلاس السلمي، قال: سمعت علي بن جحاش قال: سمعت سمرة بن جندب ومات ابن له صغير فقال: "اذهبوا به فادفنوه، ولا تصلوا عليه؛ فإنه ليس عليه إثم، وادعوا الله لوالديه أن يجعله لهما فرطًا وأجرًا".

قوله: "ثم دعى بطست" وهو التور، وهو إناء من صُفْر ويقال فيه بفتح الطاء وكسرها، ويقال: طس أيضًا بالفتح والكسر، ويقال: طَسَه أيضًا بالفتح والكسر، وأصل طست: طس، والتاء فيه بدل من السين بدليل جمعه على طسوس، وطساس والعامة يقولونه بالشين المعجمة.

(1)"السنن الكبرى"(3/ 407 رقم 6506).

ص: 410

و"النقير" بفتح النون وكسر القاف أصله النخل ينقر وسطه وينبذ فيه التمر أيضًا.

قوله: "فلانٍ" بالجر لأنه بدل من قوله: "لمولاه" والمراد به مولاه الأسفل وهو الذي تحت رقه، أو أعتق منه.

قوله: "لا تحرمنا" من حَرَمَه الشيء يَحْرِمه حَرِمًا، من باب ضَرَبَ يَضْرِبُ، والحَرِم بكسر الراء نحو سَرَقَ سَرِقًا بكسر الراء، ونحوه حرمه حَرِيمة وحرمانًا، وأحرمه أيضًا إذا منعه إياه، وقد تقدم تفسير الفَرَط، والسَّلَف من سلف المال كأنه قد أسلفه وجعله ثمنًا للأجر والثواب الذي يجازى على الصبر عليه، وقيل: سلف الإنسان من تقدمه بالموت من آبائه وذوي قرابته، ولهذا سمي الصدر الأول من التابعين: السَّلَف الصالح.

ويستفاد منه أحكام:

النهي عن البكاء على الميت ولكن هذا فيما إذا كان بصوت. وأما إذا كان بدون صوت فلا بأس به.

وأن الطفل يغسل وأنه يكفن وأنه لا يصلى عليه.

وأن السنة لواضع الميت في قبره أن يقول: بسم الله وعلى سنة رسول الله، وأنه يحل العقد من رأسه ورجليه؛ لأنه إنما كان لخوف انتشار الكفن، وقد حصل الأمن عنه بعد وضعه في القبر.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: بل يصلى على الطفل.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: ابن أبي ليلى وابن المسيب وابن سيرين والزهري والنخعي والثوري وأبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا يوسف ومحمدًا رحمهم الله؛ فإنهم قالوا: يصلي على الطفل. وإليه ذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وقال أصحابنا: إذا استهل المولود ميتًا سمي وغسل وصُلي عليه، وكذا إذا استهل ثم مات لحينه، والاستهلال أن

ص: 411

يكون منه ما يدل على حياته، فإن لم يستهل لا يغسل ولا يرث ولا يورث ولا يمسى، وعند الطحاوي أن الجنين الميت يغسل، ولم يحك خلافًا، وعن محمَّد: في سقط استبان خلقه: يغسل ويكفن ويحنط ولا يصلى عليه.

وقال أبو حنيفة: إذا خرج أكثر الولد وهو يتحرك صلي عليه، وإن خرج أقله لم يصل عليه.

وفي "شرح المهذب": إذا استهل السقط صلي عليه؛ لحديث ابن عباس مرفوعًا: "إذا استهل السقط صلي عليه وورث" وهو حديث غريب، وإنما هو معروف من رواية جابر.

ومن رواية جابر بن عبد الله رواه الترمذي (1) وقال: كأن الموقوف أصح، وقال النسائي (2): الموقوف أولى بالصواب.

ونقل ابن المنذر الإجماع على وجوب الصلاة على السقط. وعن مالك: لا يصلى على الطفل إلا أن يختلج أو يتحرك. وعن ابن عمر أنه يصلى عليه وإن لم يستهل. وبه قال ابن سيرين وابن المسيب وأحمد وإسحاق.

قال العبدري: إن كان له دون اربعة أشهر لم يصل عليه بلا خلاف يعني بالإجماع، وإن كان له أربعة أشهر ولم يتحرك لم يصل عليه عند جمهور العلماء، وقال أحمد وداود: يصلى عليه.

وقال ابن قدامة: السقط الولد تضعه المرأة ميتًا أو لغير تمام، فأما إن خرج حيًّا واستهل فإنه يصلى عليه بعد غسله بلا خلاف، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الطفل إذا عرفت حياته واستهل صلي عليه، وإن لم يستهل قال أحمد: إذا أتى له أربعة أشهر غُسِّلَ وصلي عليه وهذا قول سعيد بن المسيب وابن سيرين وإسحاق، وصلى ابن عمر على ابن لابنه ولد ميتًا، وقال الحسن وإبراهيم والحكم وحماد

(1)"جامع الترمذي"(3/ 350 رقم 1032).

(2)

"السنن الكبرى"(4/ 77 رقم 6357، 6358).

ص: 412

ومالك والأوزاعي وأصحاب الرأي: لا يصلي عليه حتى يستهل، وللشافعي قولان كالمذهبين.

ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس، قال: أنا سفيان، عن طلحة بن يحيى بن طلحة، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة زوج النبي عليه السلام قالت:"جاءت الأنصار بصبي لهم إلى النبي عليه السلام ليصلي عليه، فقلت -أو قيل له-: هنيئًا له يا رسول الله لم يعمل سوءًا قط ولم يدركه، عصفور من عصافير الجنة، قال: أو غير ذلك، إن الله عز وجل لما خلق الجنة خلق لها أهلًا وهم في أصلاب أبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلًا وهم في أصلاب أبائهم".

ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث عائشة رضي الله عنها.

وأخرجه بإسناد صحيح على شرط مسلم ورجاله كلهم رجال مسلم، وسفيان هو ابن عيينة، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله القرشية المدنية، وأمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

وأخرجه مسلم في كتاب القدر (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن طلحة بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قالت:"دعي رسول الله عليه السلام إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت: يا رسول الله، طوبى لهذا؛ عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء ولم يدركه، قال: أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلًا خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلًا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم".

وأخرجه أبو داود، (2) والنسائي (3) أيضًا.

قوله: "أو قيل له" شك من الراوي، وفاعل قلت هو عائشة رضي الله عنها.

(1)"صحيح مسلم"(4/ 2050 رقم 2662).

(2)

"سنن أبي داود"(2/ 641 رقم 4713).

(3)

"المجتبى"(4/ 57 رقم 1947).

ص: 413

قوله: "هنيئًا له" أي للصبي المذكور، وانتصاب هنيئًا على أنه اسم جارٍ مجرى المصدر في انتصابه بعامل محذوف، والمعنى: هنؤ له هنيئًا، يقال: هنؤ الطعام يهنؤ هناءة أي صار هنيئًا، وكذلك هنيء الطعام مثل فَقِهَ وفَقُهَ، وكل أمر يأتيك من غير تعب فهو هنيء، وقد يجيء انتصابه على الحال، نحو قولك: هنيئًا لك المال، والتقدير: ثبت لك المال أو دام حال كونه هنيئًا، وعلى الصفة أيضًا كما في قوله تعالى:{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا} (1) أي أكلًا هنيئًا وشربًا هنيئًا.

قوله: "عصفور" خبر مبتدأ محذوف، أي هو عصفور.

قوله: "أو غير ذلك" أي أو يكون غير ما ذكرت يا عائشة، وأراد عليه السلام بذلك أن أحدًا لا يجزم عليه بأنه من أهل الجنة وإن كان صغيرًا لم يعمل سوءًا قط إلا الأنبياء عليهم السلام؛ فإنهم مقطوع لهم بالجنة، وكذلك من شهد له النبي عليه السلام بالجنة.

ويستنبط منه أحكام:

الأول: أنه يدل على أن الطفل يصلى عليه.

فإن قيل: كيف يدل الحديث على ذلك وليس فيه أنه صلى عليه؟

قلت: إنما جاءت الأنصار بصبيهم إلى النبي عليه السلام علمًا منهم أنه عليه السلام كان يصلي على الأطفال، ولو كانوا علموا خلاف ذلك لما جاءوا به إليه، وأيضًا لو لم يصل عليه لبين ذلك في الحديث؛ فإنهم جاءوا لأجل الصلاة، فلو كان الطفل لا يصلى عليه لأعلمهم النبي عليه السلام بذلك.

الثاني: فيه دلالة على أن الأطفال كلهم من المسلمين ومن الكافرين في مشيئة الله تعالى يصيرهم إلى ما شاء من رحمة أو عذاب، وذلك كله عدل منه، وهو أعلم بما كانوا عاملين، وهذا مذهب طائفة من العلماء، واحتجوا في ذلك أيضًا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه السلام: "كل بني آدم يولد على الفطرة

" الحديث،

(1) سورة الطور، آية:[19]، وسورة الحاقة، آية:[24]، وسورة المرسلات، آية:[43].

ص: 414

وفيه: "قيل: يا رسول الله، أفرأيت من يموت صغيرًا؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين"(1).

قال أبو عمر (2): هذا يقتضي كل مولود لمسلم وغير مسلم، ولحديث أبي هريرة أيضًا قال:"سئل رسول الله عليه السلام عن الأطفال، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين". هكذا قال "الأطفال" لم يخص طفلًا من طفل، وإلى هذا ذهب جماعة كثيرة من أهل الفقه والحديث منهم: حماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن المبارك وإسحاق بن راهويه وأكثر أصحاب مالك، قال أبو عمر: وليس عن مالك في ذلك شيء مخصوص.

وقالت طائفة: أطفال المسلمين في الجنة وأطفال الكفار في المشيئة، وحجتهم حديث أبي هريرة وغره عن النبي عليه السلام قال:"ما من المسلمين مَنْ يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله وآباءهم الجنة بفضل رحمته، يجاء بهم يوم القيامة فيقال لهم: ادخلوا الجنة، فيقولون: حتى يدخل آباؤنا، فيقال لهم: ادخلوا أنتم وآباؤكم بفضل رحمتي".

وقالت طائفة: حكم الأطفال كلهم كحكم آبائهم في الدنيا والآخرة، وهو مؤمنون بإيمان آبائهم وكافرون بكفر آبائهم، فأولاد المسلمين في الجنة، وأولاد الكفار في النار، وحجتهم: حديث سلمة بن يزيد الجعفي قال: "أتيت النبي عليه السلام أنا وأختي، فقلنا: يا رسول الله، إن أمنا ماتت في الجاهلية وكانت تقري الضيف وتصل الرحم وتفعل وتفعل، فهل ينفعنا من عملها شيء؟ قال: لا، قلنا: فإن أمنا وأدت أختًا لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث فهل ذلك نافع أختنا؟ فقال رسول الله عليه السلام: أرأيتم الوائدة والموءودة فإنهما في النار إلا أن تدرك الوائدة الإِسلام فيغفر لها".

(1) متفق عليه: البخاري (6/ 2434 رقم 6225)، ومسلم (4/ 2048 رقم 2658).

(2)

"التمهيد"(18/ 117).

ص: 415

قال أبو عمر: هذا الحديث صحيح من جهة الإسناد، إلا أنه يحتمل أن يكون خرج على جواب السائل في غير مقصوده، فكانت الإشارة إليها، والله أعلم.

وقالت طائفة: أولاد المسلمين وأولاد المشركين إذا ماتوا صغارًا في الجنة، وحجتهم حديث عائشة رضي الله عنها قالت:"سألت خديجة النبي عليه السلام عن أولاد المشركين، فقال: هم مع آبائهم، ثم سألته بعد ذلك، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين، ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} قال: هم على الفطرة أو قال: في الجنة". وذكر ابن سنجر، ثنا هوذة، ثنا عوف، عن خنساء بنت معاوية قالت: حدثني عمي قال: "قلت: يا رسول الله من في الجنة؟ قال: النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والوئيد في الجنة". وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله عليه السلام: "سألت ربي عن اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم". قال أبو عمر: إنما قال: قيل للأطفال اللاهين؛ لأن أعمالهم كاللهو واللعب من غير عقد ولا عزم.

وقالت طائفة: أولاد المشركين خدم أهل الجنة، وحجتهم ما رواه الحجاج بن نُصير، عن مبارك بن فضالة، عن علي بن زيد، عن أنس رضي الله عنه عن النبي عليه السلام قال:"أولاد المشركين خدم أهل الجنة". وعن أنس أيضًا قال: قال رسول الله عليه السلام: "الولدان -أو قال: الأطفال- خدم أهل الجنة".

وذكر البخاري في حديث رجاء العطاردي، عن سمرة بن جندب، عن النبي عليه السلام الحديث الطويل حديث الرؤيا.

وفيه قوله عليه السلام: "وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه السلام، وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة، قال: فقيل: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله عليه السلام: "وأولاد المشركين".

وقالت طائفة: يمتحنون في الآخرة، وحجتهم حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله عليه السلام في الهالك في الفترة، والمعتوه، والمولود، قال: يقول الهالك في

ص: 416

الفترة: لم يأت كتاب ولا رسول ثم تلى {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا} (1) الآية، ويقول المعتوه: رب لم تجعل لي عقلًا أعقل به خيرًا ولا شرًّا، ويقول: المولود: رب لم أدرك العقل، فترفع لهم نار فيقال: رِدُوها وادخلوها قال: فيردها أو يدخلها من كان في علم الله سعيدًا لو أدرك العمل، ويمسك عنها من كان في علم الله شقيًّا لو أدرك العمل، قال: فيقول الله: إياي عصيتم فكيف رسلي لو أتتكم؟. ذكره ابن سنجر. قال أبو عمر: من الناس من يوقف هذا الحديث عن أبي سعيد ولا يرفعه، منهم: أبو نعيم الملائي. وقال السمرقندي في "أصوله": مذهب أهل السنة: أن الله تعالى لا يعذب في الآخرة أحدًا بلا ذنب صدر منه، فلا يلحق صبيان الكفار بهم خلافًا للخوارج، وأما في إدخالهم الجنة أو كونهم من أهل الأعراف، أو أنهم صاروا خدم أهل الجنة فاختلف العلماء فيه، وكذا اختلفوا في دخول الجن في الجنة، والأصح أنهم يدخلون الجنة ولكن درجاتهم دون درجات بني آدم في الجنة، وهو اختيار أبي يوسف ومحمد.

وقال أبو حنيفة: إن الله تعالى، قال في الجن:{وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (2) ولم يذكر دخولهم في الجنة صريحًا فيوقف فيه، قلت: وكذا توقف في أطفال المشركين، وهذا من غايته ورعه ومتانة دينه، وذكر إسحاق بن راهويه قال: ثنا يحيى بن أدم، أنا جرير بن جارية، عن أبي رجاء العطاردي، قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: "لا يزال أمر هذه الأمة مواتيًا أو مقاربًا أو كلمة تشبه هاتين حتى يتكلموا أو ينظروا في الأطفال والقدر".

فإن قيل: قوله عليه السلام: "كل مولود يولد على الفطرة" يدل بعمومه على أن أطفال المشركين أيضًا على الفطرة، وأنهم إذا ماتوا ما لم يبلغوا الحنث يكونون مع المسلمين في الجنة.

(1) سورة طه، آية:[134].

(2)

سورة الأحقاف، آية:[31].

ص: 417

قلت: قد اختلف العلماء في ذلك وفي معنى الفطرة.

فقالت طائفة: ليس هذا الكلام عامًّا، والمعنى في ذلك أن كل من ولد على الفطرة وكان أبواه على غير دين الإسلام، هوداه أو نصراه أو مجساه، وليس المعنى أن جميع المولودين من بني آدم أجمعين مولودون على الفطرة ولكن المولود على الفطرة بين الأبوين الكافرين يكفرانه، وكذلك من لم يولد على الفطرة وكان أبواه مؤمنين يحكم له بحكمهم في صغره، إن كانا يهوديين فهو يهودي، يرثهما ويرثانه، وكذلك لو كانا نصرانيين أو مجوسيين حتى يعبر عنه لسانه ويبلغ الحنث، فيكون له حكم نفسه حينئذ لا حكم أبويه، واحتجوا في ذلك بحديث أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه عن النبي عليه السلام:"الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام طبعه الله يوم طبعه كافرًا".

وبما رواه سعيد بن منصور، عن حماد بن زيد، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد يرفعه:"ألا إن بني آدم خلقوا طبقات، فمنهم من يولد مؤمنًا ويحيى مؤمنًا ويموت مؤمنًا، ومنهم من يولد كافرًا ويحيى كافرًا ويموت كافرًا، ومنهم من يولد مؤمنًا ويحيى مؤمنًا ويموت كافرًا، ومنهم من يولد كافرًا ويحيى كافرًا ويموت مؤمنًا".

ففي هذين دلالة على أن قوله: "كل مولود" ليس على العموم وأن المعنى فيه: كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهوديان أو نصرانيان؛ فإنهما يهودانه وينصرناه، ثم يصير عند بلوغه إلي ما يحكم به عليه، ودفعوا رواية من روى:"كل بني آدم يولد على الفطرة". قالوا: ولو صح هذا اللفظ ما كان فيه حجه أيضًا؛ لأن الخصوص يجوز دخوله على هذا اللفظ وذلك كما في قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} (1) ولم تدمر، وقوله:{فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} (2) ولم تفتح عليهم أبواب الرحمة، ومثل هذا كثير.

(1) سورة الأحقاف، آية:[25].

(2)

سورة الأنعام، آية:[44].

ص: 418

وقال آخرون: المعنى في ذلك كل مولود من بني آدم فهو يولد على الفطرة أبدًا، وأبواه يحكم له بحكمهما، إن كان قد ولد على الفطرة حتى يكون ممن يعبر عنه لسانه، يدل على ذلك رواية من روى:"كل بني آدم يولد على الفطرة" وحق الكلام أن يجري على عمومه. وأجابوا عن حديث سعيد بن منصور بجوابين:

الأول: أنه ضعيف معلول بعلي بن زيد بن جدعان.

الثاني: لا معارضة بينه وبين معنى العموم في هذا الحديث؛ لأن من ولد مؤمنًا وعاش عليه ومات عليه وكذا عكسه وما أشبهه كله راجع إلى علم الله تعالى، فإنه قد يولد الولد بين مؤمنين والعياذ بالله يكون سبق في علم الله غير ذلك، وكذا من ولد بين كافرين، وإلى هذا أيضًا يرجع غلام الخضر عليه السلام، وقد روى قتادة عن عكرمة:"أن الغلام الذي قتله الخضر كان رجلًا، وكان قاطع طريق"، والدليل عليه حديث الزهري عن محمد بن عبد الله بن نوفل، عن عبد المطلب بن ربيعة، قال:"اجتمعت أنا والفضل بن عباس ونحن غلامان شابان قد بلغنا في ذكره من كراهية الصدقة لبني هاشم" ورد هذا بأنه كلام خارج عن العرف والمجاز وقد سمى الله عز وجل الإنسان الذي قتله الخضر غلامًا، فالغلام عند أهل اللغة هو الصبي، يقع عليه عند بعضهم اسم غلام من حين يفطم إلى سبع سنين، وعند بعضهم يسمى غلامًا وهو رضيع إلى سبع سنين، ثم يصير يافعًا ويناعًا إلى عشر سنين، ثم يصير حزورًا إلى خمس عشر سنة، وقد قال بعضهم: لم يقتله الخضر إلا وهو كافر، قد كفر بعد إدراكه وبلوغه، أو عمل عملًا استوجب به القتل فقتله، ورد هذا بأنه تخرص وظن لم يصح في الأثر، ولا جاء به خبر، ولا يعرفه أهل العلم، ولا أهل اللغة؛ فافهم.

ثم اختلف العلماء في معنى الفطرة، فذكر أبو عبيد أنه سأل محمَّد بن الحسن صاحب أبي حنيفة عن معنى الحديث فما أجابه بأكثر من أن قال: هذا القول من النبي عليه السلام قبل أن يؤمر الناس بالجهاد، كأنه حاد عن الجواب إما إشكالًا

ص: 419

له أو لكراهة الخوض فيه، وقوله: قبل أن يؤمر الناس بالجهاد غير جيد؛ لأن في حديث الأسود بن سريع يبين أن ذلك كان بعد الجهاد، وهو قوله، قال رسول الله عليه السلام:"ما بال قوم بلغوا في القتل إلى الذرية، إنه ليس مولود إلا وهو يولد على الفطرة، فيعبر عنه لسانه"(1).

ورواه ابن حبان في "صحيحه"(2) ولفظه: "ما من مولود يولد إلا على فطرة الإِسلام حتى يعرب".

وقال أبو حاتم: يريد الفطرة التي يعتقدها أهل الإسلام حيث أخرج الخلق من صلب آدم عليه السلام فاقروا له بتلك الفطرة من الإسلام، فنسب الفطرة إلى الإسلام عند الاعتقاد على سبيل المجاورة.

وقالت طائفة: الفطرة ها هنا الخلقة التي يخلق عليها المولود من المعرفة بربه، فكأنه قال: كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه عز وجل إذا كبر وبلغ مبلغ المعرفة، يريد خلقة مخالفة لخلقة البهائم التي لا تصل بخلقتها إلى معرفة ذلك، قالوا: لأن الفطرة: الخلقة، والفاطر: الخالق، وأنكروا أن يكون المولود يفطر على كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار، قالوا: وإنما يولد المولود على السلامة في الأغلب خلقة وطبعًا وبنيةً، ليس فيها إيمان ولا كفر ولا إنكار ولا معرفة ثم يعتقدون الإيمان أو غيره إذا ميزوا.

واحتجوا بقوله في الحديث: "كما تنتج البهيمة جمعاء -يعني سالمة- هل تحسون فيها من جدعاء؟ " يعني مقطوعة الأذن، فَمَثَّلَ قلوب بني آدم بالبهائم لأنها تولد كاملة الخلق ليس فيها نقصان ثم تجدع بعد ذلك، فكذا قلوب الأطفال في حين ولادتهم ليس بهم كفر حينئذ ولا إيمان ولا معرفة ولا إنكار، مثل البهائم السالمة، فلما بلغوا استهوتهم الشياطن فكفر أكثرهم إلا من عصمه الله تعالى، قالوا: ولو كان

(1) أخرجه أحمد في "مسنده"(435/ 3 رقم 15626) بنحوه.

(2)

"صحيح ابن حبان"(1/ 341 رقم 132).

ص: 420

الأطفال قد فطروا على الكفر أو الإيمان في أول أمرهم ما انتقلوا عنه أبدًا، فقد تجدهم مؤمنين ثم يكفرون ثم يؤمنون، ويستحيل أن يكون الطفل في حين ولادته يعقل شيئًا؛ لأن الله تعالى أخرجهم في حال لا يفقهون معها شيئًا، فمن لا يعلم شيئًا استحال منه كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار.

قال أبو عمر: هذا القول أصح ما قيل في معنى الفطرة هنا، والله أعلم.

وقال الباقلاني: المراد أن كل مولود يولد في دار الإسلام فحكمه حكم الدار، وأنه لاحق بكونه مولدًا موجودًا بأحكام المسلمين في تولي أمره ووجوب الصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ومنعه من اعتقاد غير الإسلام إذا بلغ.

وقوله: "فأبواه يهودانه" يريد أنه إذا ولد على فراشهما لحق بأحكامهما في تحريم تولي أمره ولم يرد أنهما يجعلانه يهوديًّا ولا نصرانيًّا.

وقال القزاز في "جامعه": قال بعض المفسرين في قوله: "كل مولود يولد على الفطرة" إنما قال: هذا قبل أن تنزل الفرائض؛ لأنه لو كان يولد على الفطرة ثم مات أبواه قبل أن يهودانه أو ينصرانه لما كان يرثهما ويرثانه، فلما نزلت الفرائض عُلِمَ أنه يولد على دينهما.

وقالت طائفة: الفطرة هنا: الإسلام، وهو المعروف عند السلف من أهل العلم بالتأويل؛ فإنهم أجمعوا في قول الله عز وجل:{فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (1) قالوا: هي دين الإسلام؛ لأن الإسلام والإيمان: قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، وهذا معدوم في الطفل.

وقالت طائفة: معنى قوله: "على الفطرة": على البَدْأَة التي ابتدأهم عليها، أي على ما فطر الله تعالى عليه خلقه من أنه ابتدأهم للحياة والموت والسعادة والشقاء وإلى ما يصيرون إليه عند البلوغ من قبولهم من آبائهم واعتقادهم فكأنه قال: كل

(1) سورة الروم، آية:[30].

ص: 421

مولود يولد على ما ابتدأه عليه، قال محمد بن نصر: وقد كان أحمد يذهب إلى هذا القول ثم تركه، قال أبو عمر: مذهب مالك نحو هذا.

وقالت طائفة: معنى ذلك: أن الله تعالى قد فطرهم على الإنكار والمعرفة وعلى الكفر والإيمان، فأخذ من ذرية آدم الميثاق حين خلقهم فقال:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} (1) فقالوا جميعا: بلى، فأما أهل السعادة فقالوا: بل على معرفة له طوعًا من قلوبهم، وأما أهل الشقاوة فقالوا: بل كرهًا لا طوعًا، وتصديق ذلك قوله تعالى:{وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} (2) وإلى هذا ذهب ابن راهويه.

وقالت طائفة: معناها ما أخذه الله من الميثاق على الذرية، فأقروا جميعًا له تعالى بالروبية عن معرفة منهم به، ثم أخرجهم من أصلاب آبائهم مطبوعين علي تلك المعرفة وذلك الإقرار.

وقالت طائفة: الفطرة ما يقلب الله قلوب الخلق إليه مما يريد ويشاء (3).

الثالث من الأحكام: فيه دليل على أن الجنة والنار مخلوقتان؛ ردًّا لما قاله بعض المعتزلة أنهما لم يخلقا الآن وأن الله يخلقهما يوم القيامة.

ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا حرملة بن يحيى، قال: ثنا ابن هب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن عمارة بن غزية، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أبيه:"أن أبا طلحة دعى رسول الله عليه السلام إلى عمير بن أبي طلحة حين توفي، فأتاهم فصلى عليه رسول الله عليه السلام، فكان أبو طلحة وراءه، وأم سليم وراء أبي طلحة، لم يكن معهم غيرهم".

(1) سورة الأعراف، آية:[172].

(2)

سورة آل عمران، آية:[83].

(3)

انتهى من "التمهيد"(18/ 59 - 97) بتصرف واختصار. وهو مبحث نفيس في تفسير الفطرة التي خلق الله الناس عليها.

ص: 422

وإنما كان تزويج أبي طلحة أم سليم بعد قدوم النبي عليه السلام المدينة بمدّة، وعمير ولده منها في ذلك النكاح توفي وهو طفل، فهذا أخوه عبد الله بن أبي طلحة يذكر أن رسول الله عليه السلام صلى عليه.

ش: حرملة بن يحيى بن عبد الله التجيبي المصري شيخ مسلم وابن ماجه، قال الحسن بن سفيان: هو صدوق. ويقال: إن الشافعي رحمه الله نزل عنده لما قدم مصر وروى عن الشافعي من الكتب ما لم يروه الربيع، وهو ممن أخذ عن الشافعي بمصر وكتب كتبه وتفقه له ولم يخالف مذهبه، ولد سنة ست وستين ومائة، ومات سنة ثلاث وأربعين ومائتين بمصر، وكان أسن أصحاب الشافعي.

وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري روى له الجماعة، وعمرو بن الحارث المصري روى له الجماعة، وعمارة بن غزية بن الحارث الأنصاري المدني روى له الجماعة البخاري مستشهدًا، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة زيد بن سهل، وهو أخو أنس بن مالك لأمه، وأمهما أم سليم بنت ملحان، حنكه النبي عليه السلام وسماه عبد الله، ذكره ابن حبان في "الثقات" من التابعين، وروى له مسلم والنسائي.

وأبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود النجاري الأنصاري، شهد العقبة وبدرًا وأحدًا والمشاهد كلها مع النبي عليه السلام وهو أحد النقباء.

واستفيد منه: أن الطفل يُصلى عليه لأن عبد الله بن أبي طلحة ذكر في حديثه هذا أن رسول الله عليه السلام صلى على أخيه عمير حين توفي وأن المراة تتأخر عن الرجل في الصلاة ومكانها وراء الرجل، وفيه دلالة على جواز الإعلام بالميت للأئمة وطلبهم إلى الصلاة عليه.

قوله: "وإنما كان تزويج أبي طلحة أم سليم

" إلى آخره، وأم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد الأنصارية أم أنس بن مالك وأخت أم حرام بنت ملحان، لها صحبة، يقال: إنها الغميصاء، ويقال: الرميصاء، كانت تحت مالك بن النضر

ص: 423

في الجاهلية فولدت له أنسًا، فلما جاء الله بالإسلام أسلمت مع قومها، وعرضت الإسلام على زوجها فغضب عليها وخرج إلى الشام فهلك هناك، ثم خلف عليها بعده أبو طلحة الأنصاري خطبها مشركًا، فلما علم أنه لا سبيل له عليها إلا بالإسلام أسلم وتزوجها وحسن إسلامه، فوُلِدَ له منها غلام كان قد أعجب به فمات صغيرًا، فأسف عليه. قاله ابن عبد البر، ويقال: إنه أبو عمير صاحب النغير، ثم ولدت له عبد الله بن أبي طلحة فبورك فيه، وهو والد إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الفقيه، وقد ذكرناه الآن.

ص: حدثنا عبد العزيز بن معاوية، قال: ثنا إسماعيل بن سعيد الجبري، قال: ثنا أبي، عن زياد بن جبير بن حية، عن أبيه -فيما يحسب عبد العزيز يشك في أبيه خاصة- عن المغيرة بن شعبة، قال: قال رسول الله عليه السلام: "الطفل يصلى عليه".

ش: عبد العزيز بن معاوية القرشي قال الدارقطني: لا بأس به.

وإسماعيل بن سعيد بن عبيد الله الجبيري -بضم الجيم وفتح الباء الموحدة قاله ابن ماكولا- قال أبو حاتم: شيخ. روى له الترمذي.

وهو يروي عن أبيه سعيد بن عبيد الله بن جبير، وثقه يحيى وأبو زرعة، وروى له البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه.

وهو يروي عن عمه زياد بن جبير روى له الجماعة، وزياد يروي عن أبيه جبير بن حَيَّة بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف، قاله ابن ماكولا، روى له الجماعة سوى مسلم.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفة"(1): ثنا وكيع، عن سعيد بن عبيد الله، عن زياد بن جبير، عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة، أن رسول الله عليه السلام قال:"الطفل يصلى عليه".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 9 رقم 11583).

ص: 424

وأخرجه ابن ماجه (1): ثنا محمد بن بشار، ثنا روح بن عبادة، نا سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حَيَّة، حدثني عمي زياد بن جبير، حدثني أبي جبير بن حية، أنه سمع المغيرة بن شعبة يقول: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "الطفل يصلى عليه".

ص: حدثنا أبو أمية، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا عبد السلام، عن ليث، عن عامر، عن البراء قال: قال رسول الله عليه السلام: "أحق ما صليتم عليه أطفالكم".

ش: أبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، وأبو نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، وعبد السلام هو ابن حرب الملائي أبو بكر الكوفي روى له الجماعة، وليث هو ابن أبي سليم روى له الجماعة البخاري مستشهدًا ومسلم مقرونًا بغيره.

وعامر هو ابن شراحيل الشعبي، وفي رواية البيهقي عاصم موضع عامر.

وأخرجه (2): من حديث عبد السلام بن حرب، عن ليث، عن عاصم، عن البراء قال: قال رسول الله عليه السلام: "أحق ما صليتم عليه أطفالكم".

قال الذهبي في "مختصر السنن": ليث لين، وعاصم لا يعرف.

ص: وقد قال عامر الشعبي: إن رسول الله عليه السلام قد كان صلى على ابنه إبراهيم عليه السلام ولم يكن ليقول ذلك إلا وقد كان ثبت عنده.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، عن سفيان، عن جابر، عن الشعبي قال:"مات إبراهيم ابن رسول الله عليه السلام وهو ابن ستة عشر شهرًا، فصلى عليه النبي عليه السلام".

حدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور، قال: ثنا الهيثم بن جميل، قال: حدثني شريك، عن جابر

فذكر بإسناده مثله غير أنه قال: "وهو ابن ستة عشر شهرًا أو ثمانية عشر شهرًا".

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 483 رقم 1507).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(4/ 9 رقم 6578).

ص: 425

ش: أخرج عن الشعبي أولًا معلقًا، ثم أسند عنه من طريقين بالإرسال:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي روى له الجماعة، عن سفيان الثوري، عن جابر بن يزيد الجعفي، فيه مقال، وقد تكرر ذكره.

عن عامر بن شراحيل الشعبي.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن عامر: "أن النبي عليه السلام صلى عليه وهو ابن ستة عشر شهرًا -يعني ابنه إبراهيم-.

وكذا أخرجه عبد الرزاق مرسلًا (2).

الثاني: عن الحسن بن عبد الله بن منصور البالسي، عن الهيثم بن جميل البغدادي نزيل أنطاكية الثقة الحافظ، عن شريك بن عبد الله النخعي، عن جابر الجعفي، عن الشعبي

إلى آخره.

وأخرجه البيهقي (3) ثم قال: وكونه صلى عليه هو أشبه بالأحاديث الصحيحة.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(4) مسندًا متصلًا: ثنا أسود بن عامر، ثنا إسرائيل، عن جابر الجعفي، عن عامر الشعبي، عن البراء قال:"صلى رسول الله عليه السلام على ابنه إبراهيم، ومات وهو ابن ستة عشر شهرًا".

وفي "الطبقات الكبير"(5) لمحمد بن سعد: عن محمَّد بن عمر: "ولد إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 54 رقم 12055) دون ذكر الصلاة عليه.

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(7/ 494 رقم 14014).

(3)

"سنن البيهقي الكبرى"(4/ 9 رقم 6579) موصولا عن البراء بن عازب، به.

(4)

"مسند أحمد"(4/ 283 رقم 18520).

(5)

"الطبقات الكبرى"(1/ 135).

ص: 426

وعن الشعبي (1): "توفي وله ستة عشر شهرًا".

وعن محمود بن لبيد (2): "توفي وله ثمانية عشر شهرًا".

وفي حديث (3) بشير ابن أخت مارية: "مات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر".

ويقال: بلغ ستة عشر شهرًا وثمانية أيام، وقيل: سبعة عشر شهرًا، وقيل: سنة وعشرة أشهر وستة أيام.

وفي "سنن أبي داود"(4): "توفي وله سبعون يومًا".

وعن (5) محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: "أول من دفن بالبقيع ابن مظعون، ثم اتبعه إبراهيم".

وعن (6) الزهري، قال رسول الله عليه السلام:"لو عاش إبراهيم لوضعت الجزية عن كل قبطي".

وعن (6) مكحول: "أن رسول الله عليه السلام قال في إبراهيم: "لو عاش ما رَقَّ له خالٌ".

ص: ففي هذه الآثار إثبات الصلاة على الأطفال، فلما تضادت الآثار في ذلك وجب أن ننظر إلى ما عليه عمل المسلمين الذي قد جرت عليه عاداتهم، فيعمل على ذلك ويكون ناسخًا لما خالفه، فكانت عادة المسلمين الصلاة على أطفالهم، فثبت ما وافق ذلك من الآثار، وانتفى ما خالفه؛ فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.

(1)"الطبقات الكبرى"(1/ 140).

(2)

"الطبقات الكبرى"(1/ 142).

(3)

"الطبقات الكبرى"(1/ 143، 144).

(4)

"سنن أبي داود"(2/ 224 رقم 3188).

(5)

"الطبقات الكبرى"(1/ 141).

(6)

"الطبقات الكبرى"(1/ 144).

ص: 427

ش: أراد بهذه الآثار: التي رواها عن عائشة وعبد الله بن أبي طلحة، عن أبي طلحة والمغيرة بن شعبة والبراء بن عازب وعامر الشعبي مرسلًا، وحاصل كلامه: أن أحاديث هؤلاء لما تضادت ما روي عن سمرة وعن عروة عن عائشة اللذين يدلان على نفي الصلاة على الأطفال، أُعْمِلَت العادة في ذلك، فما وافق من الآثار عادات المسلمين ثبت، وما خالف انتفى، وعن هذا قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن الطفل إذا عُرِفَت حياته واستهل صُلي عليه.

فإذا كان كذلك يكون الإجماع منعقدًا على العمل بالأحاديث المثبتة للصلاة على الأطفال.

فإن قيل: ما وجه قول الطحاوي ويكون ناسخًا لما خالفه، وما وجه هذا النسخ؟

قلت: لم يُرد بذلك النسخ المصطلح عليه، وإنما أراد بذلك معناه اللغوي، بمعنى ويكون رافعًا لما خالفه من الآثار بسبب انعقاد الإجماع على خلاف ما خالفه.

ص: وأما وجهه من طريق النظر، فإنا رأينا الأطفال يغسلون باتفاق المسلمين، وقد رأينا البالغين كل من غُسِّل منهم صلي عليه، ومن لم يغسل من الشهداء ففيه اختلاف، فمن الناس من يصلى عليه ومنهم من لا يصلى عليه؛ فكان الغسل لا يكون إلا وبعده صلاة، وقد تكون صلاة ولا غسل قبلها، فلما كان الأطفال يغسلون كما يغسل البالغون؛ ثبت أنه يصلى عليهم كما يصلى على البالغين.

فهذا هو النظر في هذا الباب، وقد وافق ما جرت عليه عادة المسلمين من الصلاة على الأطفال، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أي وأما وجه هذا الباب من طريق النظر والقياس: أن يقال: كل من يغسل من الموتى يصلى عليه، فالطفل يغسل بالإجماع فيصلى عليه، وكل من لا يغسل لا يصلي عليه إلا الشهيد، فإنه لا يغسل ولكن يصلى عليه، وقد ذكرنا أنه في حكم المغسول فيصلى عليه، ولكن فيه خلاف أشار إليه بقوله: "فمن الناس من يصلي

ص: 428

عليه" وأراد بهم أبا حنيفة وأصحابه، "ومنهم من لا يصلي عليه" وأراد بهم: الشافعي ومالكًا وأحمد؛ فإنهم قالوا: لا يصلى عليه.

ص: وقد روي ذلك عن جماعة من أصحاب رسول الله عليه السلام:

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، عن يونس، عن نافع، أنه حدثه:"أن عبد الله بن عمر صلى في الدار على مولود له، ثم أمر به فحمل فدفن".

حدثنا على بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا محمد بن راشد، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله قال:"إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه".

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن منصور بن أبي منصور، عن أبي هريرة:"أنه استفتي في صبي مولود مات أيصلى عليه؟ قال: نعم".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال:"رأيت أبا هريرة صلى على منفوس لم يعمل خطيئة قط، فسمعته يقول: اللهم أعذه من عذاب القبر".

ش: أي قد روي فعل الصلاة على الأطفال عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وأخرج في ذلك عن ثلاثة منهم، وهم: عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة رضي الله عنهم.

أما أثر عبد الله بن عمر فأخرجه بإسناد صحيح: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن نافع مولى ابن عمر.

وهؤلاء كلهم رجال مسلم.

وأما أثر جابر بن عبد الله فأخرجه بإسناد صحيح: عن علي بن شيبة بن الصلت، عن يزيد بن هارون الواسطي، عن محمَّد بن راشد الخزاعي البصري، أصله شامي وثقه أحمد، وعن يحيى: ثقة صدوق. روى له الأربعة.

عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله.

ص: 429

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا أسباط بن محمَّد، عن أشعث، عن أبي الزبير، عن جابر قال:"إذا استهل صلي عليه وورث، فإذا لم يستهل لا يصلى عليه ولا يورث".

وأخرجه الترمذي (2) مرفوعًا: ثنا أبو عمار، قال: ثنا محمَّد بن يزيد الواسطي، عن إسماعيل بن مسلم المكي، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي عليه السلام قال:"الطفل لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث حتى يستهل".

قال أبو عيسى: هذا حديث قد اضطرب الناس فيه، فرواه بعضهم، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي عليه السلام مرفوعًا، وروى الأشعث بن سوار وغير واحد، عن أبي الزبير، عن جابر موقوفًا، وروى محمَّد بن إسحاق، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر موقوفًا، وكأن هذا أصح من الحديث المرفوع.

وأما أثر أبي هريرة فأخرجه من طريقين:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن عبد الله بن لهيعة فيه مقال، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري روى له الجماعة، عن منصور بن أبي منصور قال في "الميزان": مجهول. وذكره ابن حبان في "الثقات".

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.

وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا عبدة بن سليمان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد، عن أبي هريرة:"أنه كان يقوم على المنفوس من ولده الذي لم يعمل خطيئة فيقول: اللهم من عذاب القبر".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 287 رقم 31483).

(2)

"جامع الترمذي"(3/ 350 رقم 1032).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(6/ 105 رقم 29836).

ص: 430

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة:"أنه صلى على المنفوس، ثم قال: اللهم أعذه من عذاب القبر".

وأخرج أيضًا (2): من حديث نعيم بن حماد، نا ابن المبارك، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة:"أنه كان يصلي على المنفوس الذي لم يعمل خطيئة قط، يقول: اللهم اجعله لنا فرطًا وسلفًا وذخرًا". قال نعيم: وقيل لبعضهم: "أتصلي على المنفوس الذي لم يعمل خطيئة قط؟ قال: قد صلي على رسول الله عليه السلام وكان مغفورًا له بمنزله من لم يعص الله".

قوله: "على منفوس" أي طفل حين يولد.

قوله: "اللهم أعذه من عذاب القبر" يدل على أن عذاب القبر حق ردًّا على من أنكره من المعتزلة، وأنه يعم الصغير والكبير.

فإن قيل: المنفوس الذي لم يعمل خطيئة كيف يعذب في القبر؟

قلت: لما لم يَخْل الصغير عن السؤال في القبر حتى عن نظره إلى الدنيا مرة واحدة أطلق على ذلك العذاب؛ لأن في السؤال نوع عذاب في حقه، والأولى أن يحمل هذا على سؤال الثبات والدوام على ما هو عليه من عدم العذاب في حقه، كما كان رسول الله عليه السلام يتعوذ من عذاب القبر مع العلم قطعًا أنه لا يعذب أصلًا.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(4/ 9 رقم 6584).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(4/ 9 رقم 6585).

ص: 431