المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: المشي بين القبور بالنعال - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٧

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ص: باب: المشي بين القبور بالنعال

‌ص: باب: المشي بين القبور بالنعال

ش: أي هذا باب في بيان حكم المشي بين القبور بالنعال، وهو جمع نعل، وهو الذي يقال له: التاسومة.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود الطيالسي، قال: ثنا الأسود بن شيبان، قال: ثنا خالد بن سُمَيْر، قال: حدثني بشير بن نهيك، عن بشير بن الخصاصيَّة:"أن رسول الله عليه السلام رأى رجلًا يمشي بين القبور في نعلين، فقال: ويحك يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتيك".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا وكيع، عن الأسود

فذكر بإسناده مثله.

ش: هذان طريقان جيدان:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن الأسود بن شيبان السدوسي البصري مولى أنس بن مالك روى له الجماعة سوى الترمذي ولكن البخاري في غير "الصحيح".

عن خالد بن سُمَيْر السدوسي البصري، وثقه النسائي وروى له أبو داود وابن ماجه.

عن بشير بن نهيك السدوسي البصري، قال العجلي والنسائي: ثقه. وقال أبو حاتم: لا يحتج بحديثه. روى له الجماعة.

عن بَشير -بفتح الباء- بن الخصاصيَّة الصحابي، والخصاصيَّة أمه، وقد اختلف في نسبه، فقيل: بشير بن نذير، وقيل: بشير بن معبد بن شراحيل والخَصَاصِيَّة: بالخاء المعجمة، وتخفيف الصاد المهملة، وكسر الثانية، وتشديد الياء آخر الحروف.

ص: 432

وأخرجه الحاكم (1) وصححه، وكذا صححه ابن حزم (2) والطحاوي أيضًا على ما يأتي، وقال أحمد: إسناده جيد.

وأخرجه أبو داود بأتم منه (3): ثنا سهل بن بكار، ثنا الأسود بن شيبان، عن خالد بن سمير السدوسي، عن بشير بن نهيك، عن بشير مولى رسول الله عليه السلام وكان اسمه في الجاهلية: زحم بن معبد، فهاجر إلى رسول الله عليه السلام، فقال:"ما اسمك؟ قال: زحم، فقال: بل أنت بشير، قال: بينما أنا أماشي رسول الله عليه السلام مر بقبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيرًا كثيرًا -ثلاثًا- ثم مر بقبور المسلمين فقال: لقد أدرك هؤلاء خيرًا كثيرًا، وحانت من رسول الله عليه السلام نظرة فإذا رجل يمشي في القبور عليه نعلان، فقال: يا صاحب السبتيتين ويحك، ألق سبتيتيك، فنظر الرجل فلما عرف رسول الله عليه السلام خلعهما فرمى بهما".

الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن وكيع، عن الأسود بن شيبان

إلى آخره.

وأخرجه النسائي (4): أنا محمَّد بن عبد الله بن المبارك، قال: نا وكيع، عن الأسود بن شيبان وكان ثقه، عن خالد بن سُمَيْر، عن بَشير بن نهيك، أن بشير بن الخصاصية قال:"كنت أمشي مع رسول الله عليه السلام، فمر على قبور المسلمين فقال: لقد سبق هؤلاء شرًّا كثيرًا، ثم مر على قبور المشركين فقال: لقد سبق هؤلاء خيرًا كثير، فحانت منه التفاتة فرأى رجلًا يمشي بين القبور في نعليه، فقال: يا صاحب السبتيتين ألقهما".

(1)"مستدرك الحاكم"(1/ 528 رقم 1380).

(2)

"المحلى"(5/ 136، 137).

(3)

"سنن أبي داود"(2/ 236 رقم 3230).

(4)

"المجتبى"(4/ 96 رقم 2048).

ص: 433

وأخرجه ابن ماجه (1): ثنا علي بن محمَّد، نا وكيع، نا الأسود بن شيبان، عن خالد بن سمير، عن بشير بن نهيك، عن بشير بن الخصاصية قال:"بينا أنا أمشي مع رسول الله عليه السلام فقال: يا ابن الخصاصية ما تنقم على الله؟ أصبحت تماشي رسول الله، فقلت: يا رسول الله ما أنقم على الله شيئًا، كل خير قد أتانيه الله، فمر على مقابر المسلمين فقال: أدرك هؤلاء خيرًا كثيرًا، ثم مر على مقابر المشركين فقال: سبق هؤلاء خيرًا كثيرًا، قال: فالتفت فرأى رجلًا يمشي بين المقابر في نعليه، فقال: يا صاحب السبتيتين ألقهما".

قوله: "ويحك" كلمة ترحم، كما أن "ويلك" كلمة دعاء بالهلاك.

و"السِّبْتيَّة" بكسر السين وسكون الباء الموحدة نسبة إلى السِّبْت، وهو جلود البقر المدبوغة بالقرظ تتخذ منها النعال سميت بذلك؛ لأن شعرها قد سبت عنها أي حلق وأزيل، وقيل: لأنها انسبتت بالدباغ أي لانت، وإنما أطلق عليه السلام على النعل المتخذ من السبت سِبْتِيًّا بالنسبة، وقد جاء في بعض الروايات بدون النسبة:"يا صاحب السِّبْتين" فهذا من قِبَل قولهم: فلان يلبس الصوف والإبْرَيْسَم وأراد به الثياب المتخذة منها، وهذا على طريق الاتساع والمجاز.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذا الحديث، فكرهوا المشي بالنعال بين القبور.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: يزيد بن زريع وأحمد بن حنبل وأهل الظاهر؛ فإنهم كرهوا المشي بالنعال بين القبور.

وقال ابن حزم في "المحلى": ولا يحل لأحد أن يمشي بين القبور بنعلين سبتيتين، وهما اللذان لا شعر فيهما، فإن كان فيهما شعر جاز ذلك، فإن كانت إحداهما بشعر والأخرى بلا شعر جاز المشي فيهما.

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 499 رقم 1568).

ص: 434

وفي "المغني": وتخلع النعال إذا دخل المقابر هذا مستحب، ثم روى الحديث المذكور.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: قد يجوز أن يكون النبي عليه السلام أمر ذلك الرجل بخلع النعلين لا لأنه كره المشي بين القبور بالنعال، لكن لمعنى آخر من قذر رأه فيهما يقذر القبور، وقد رأينا رسول الله عليه السلام صلى وعليه نعلاه، ثم أُمِرَ بخلعهما فخلعهما وهو يصلي، فلم يكن ذلك على كراهة الصلاة في النعلين، ولكنه للقذر الذي فيهما.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الحسن البصري ومحمد بن سيرين والنخعي والثوري وأبا حنيفة ومالكًا والشافعي وجماهير الفقهاء من التابعين ومن بعدهم؛ فإنهم أباحوا المشي بين القبور في النعال إذا كانت طاهرة، وقال ابن قدامة: وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأسًا.

قوله: "فقالوا" أي هؤلاء الآخرون، وأراد به الجواب عن الحديث المذكور، بيانه: أنه قد يجوز أن يكون النبي عليه السلام أمر صاحب السِّبْتيِتَين بالخلع لا لكون المشي بين القبور بالنعال مكروهًا، ولكن لما رأى عليه السلام قذرًا فيهما يقدر القبور فلذلك أمر بخلعهما.

وقال ابن الأثير: إنما اعترض عليه بالخلع احترامًا للمقابر لأنه كان يمشي بينها، أو لاختياله في مشيه، ومنه حديث ابن عمر:"إنك تلبس النعال السِّبتية" إنما اعترض عليه لأنها نعال أهل النعمة والسعة.

وقال الخطابي: يشبه أن يكون إنما كره ذلك لما فيه من الخيلاء؛ لأنها من لباس أهل السرف والتنعيم، فأحب أن يكون دخوله المقبرة على زي التواضع والخشوع.

وقال ابن الجوزي: هذا تكلف من الخطابي؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يلبس النعال السبتية ويتوخى التشبه بسيدنا رسول الله عليه السلام في نعاله؛ لأن نعاله كانت

ص: 435

سبتية، أو لأن السبتية كانت تشبهها، وما كان ابن عمر يقصد التنعيم بل يقصد السنة، وليس في هذا الحديث سوى الحكاية عمن يدخل المقابر، وذلك لا يقتضي إباحة ولا تحريمًا، ويدل على أنه أمره بخلعهما احترامًا للقبور؛ لأنه نهى عن الاستناد إلى القبر والجلوس عليه. انتهى.

وفيه ذهول عما ورد في بعض الأحاديث: أن صاحب القبر كان يُسأل، فلما سمع صرير السبتيتين أصغى إليه فكاد يهلك لعدم جواب الملكين، فقال له النبي عليه السلام:"ألقهما لئلا تؤذي صاحب القبر". ذكره أبو عبد الله الترمذي.

قوله: "وقد رأينا رسول الله عليه السلام صلى وعليه نعلاه" ذكره شاهدًا لما قاله من قوله: "لكن لمعنى آخر

"، إلى آخره، أي صلى والحال أن نعليه في رجليه، ثم أُمِرَ بخلعهما فخلعهما، والحال أنه يصلي، فلم يكن ذلك الأمر بخلع نعليه لأجل كراهة الصلاة فيهما، ولكنه للقذر الذي كان فيهما، وهذا أيضًا كذلك.

ص: وقد روي عن رسول الله عليه السلام ما يدل على إباحة المشي بين القبور بالنعال:

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا آدم بن أبي إياس، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام

فذكر حديثًا طويلًا في المؤمن إذا دفن في قبره: "والذي نفسي بيده إنه ليسمع خفق نعالهم حين تولوا عنه مدبرين".

حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: أنا محمَّد بن عمرو

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا فهد، قال: ثنا أحمد بن حميد، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة رفعه، مثله.

فهذا يعارض الحديث الأول؛ إذ كان معناه على ما حمله عليه أهل المقالة الأولى، ولكنا لا نحمله على المعارضة ونجعل الحديثين صحيحين، فنجعل النهي الذي كان في حديث بشير للنجاسة التي كانت في النعلين؛ لئلا تنجس القبور، كما قد نُهِيَ أن

ص: 436

يتغوط عليها أو يبال، وحديث أبي هريرة على إباحة المشي بالنعال التي لا قذر فيها بين القبور.

فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار.

ش: ذكر حديث أبي هريرة لكونه حجة لأهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه، ووفق أيضًا بينه وبين حديث بشير بن الخصاصية؛ لأنه يقع بينهما التعارض إذا حمل معنى حديث بشير على ما حمله عليه أهل المقالة الأولى، وهو ظاهر.

ووجه التوفيق الذي ذكره: هو أن حديث بشير محمول على أنه كانت فيه نجاسة، وكان النهي لذلك لا لأنه كره المشي بين القبور بالنعال كما قد ذكرناه، وهذا معنى قوله:"فهذا يعارض الحديث الأول" أي حديث أبي هريرة هذا يعارض حديث بشير "إذ كان معناه" أي حين كان معناه على ما حمله عليه أهل المقالة الأولى، وهو الحمل على المنع مطلقًا، والباقي ظاهر.

ثم إنه أخرج حديث أبي هريرة من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن نصر بن مرزوق، عن آدم بن أبي إياس عبد الرحمن التميمي شيخ البخاري، عن حماد بن سلمة روى له الجماعة البخاري مستشهدًا، عن محمَّد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني روى له الجماعة البخاري مقرونًا بغيره ومسلم في المتابعات، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف روى له الجماعة، عن أبي هريرة.

وأخرجه أحمد بن منيع في "مسنده"(1): حدثنا عباد بن عباد المهلبي ويزيد بن هارون -واللفظ لفظ عباد- قالا: ثنا محمَّد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة -قال أحمد: دخل أحدهما في حديث الآخر- في الميت إذا وضع في قبره، قال: "إنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه

" الحديث بطوله.

(1) انظر "إتحاف الخيرة"(2/ 490 - 491 رقم 1954/ 1) بتحقيقنا. وقال البوصيري: رجاله ثقات.

ص: 437

الثاني: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف البصري، عن محمَّد بن عمرو بن علقمة الليثي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة

فذكر الحديث بإسناده نحوه.

وأخرجه الحاكم (1): ثنا أبو العباس محمَّد بن يعقوب، ثنا محمَّد بن إسحاق الصغاني، ثنا سعيد بن عامر، ثنا محمَّد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال: "إن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين

" الحديث بطوله.

الثالث: عن فهد بن سليمان، عن أحمد بن حميد الطريثيثي أبي الحسن الكوفي شيخ البخاري، عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة الأسدي الكوفي الأعور روى له الجماعة إلا البخاري، كان يقعد في سدة باب الجامع بالكوفة، فسمى السدي.

عن أبيه عبد الرحمن بن أبي كريمة مولى قيس بن مخرمة، وثقه ابن حبان، وروى له أبو داود والترمذي.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفة"(2): ثنا وكيع، عن سفيان، عن السدي، عن أبيه، عن أبي هريرة رفعه قال:"إنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين".

ص: وقد جاءت الآثار متواترة عن رسول الله عليه السلام بما قد ذكرنا عنه في صلاته في نعليه ومن خلعه إياهما في وقت ما خلعهما للنجاسة التي كانت فيهما، ومن إباحته للناس الصلاة في النعال، فمن ذلك:

ما قد حدثنا فهد، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا زهير بن معاوية، قال: ثنا أبو حمزة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: "خلع النبي عليه السلام نعليه

(1)"مستدرك الحاكم"(1/ 535 رقم 1403).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 53 رقم 12049).

ص: 438

وهو يصلي، فخلع من خلفه، فقال: ما حملكم على خلع نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال: إن جبريل عليه السلام أخبرني أن في إحداهما قذرًا، فخلعتهما لذلك، فلا تخلعوا نعالكم".

ش: لما ذكر فيما مضى وقد رأينا رسول الله عليه السلام صلى وعليه نعلاه

إلى آخره شرع بين ذلك، فقال:"وقد جاءت الآثار" أي الأحاديث "متواترة" أي متكاثرة "عن رسول الله عليه السلام بما قد ذكرنا عنه" أي عن النبي عليه السلام "من صلاته في نعليه

" إلى آخره.

قوله: "فمن ذلك" أي فمن مجئ الآثار في ذلك ما قد حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا أبو غسان وهو مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري، قال: ثنا زهير بن معاوية بن حُديج روى له الجماعة، قال: ثنا أبو حمزة -بالحاء المهملة والزاي المعجمة- واسمه ميمون قاله البزار. وفي "التكميل": ميمون أبو حمزة الأعور القصاب الكوفي الراعي، قال: فيه مقال كثير، فعن أحمد: ضعيف. وعنه: متروك.

وهو يروي عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، عن ابن مسعود رضي الله عنه.

وأخرجه البزار في "مسنده"(1): ثنا يوسف بن موسى، نا مالك بن إسماعيل، ثنا زهير، ثنا أبو حمزة، قال: ثنا إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال:"خلع رسول الله عليه السلام فخلع من خلفه، فقال: ما حملكم على أن خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، قال: إن جبريل عليه السلام أخبرني أن فيها قذرًا فخلعتهما لذلك، فلا تخلعوا نعالكم". قال إبراهيم: "كانوا لا يخلعونها"، قال:"ورأيت إبراهيم يصلي في نعليه"، وهذا الحديث لا نعلمه يروى من حديث إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله إلا من حديث أبي حمزة عنه.

(1)"مسند البزار"(5/ 16 رقم 1570).

ص: 439

ويستفاد منه أحكام:

الأول: أنه يدل على إباحة الصلاة في النعلين، فإذا كان تجوز الصلاة فيهما في المسجد، فالمشي فيهما في القبور بالطريق الأولى.

والثاني: ذكر الخطابي أن من صلى وفي ثوبه نجاسة لم يعلم بها فإن صلاته مجزية ولا إعادة عليه.

قلت: قال أصحابنا: ولو رأى في ثوبه نجاسة ولم يدر متى أصابته لا يعيد صلاته حتى يتحقق، بالإجماع، وفي رواية:"يعيد صلاة يوم وليلة".

فإن قيل: هذا إذا علم بها بعد أن صلى، وأما إذا علم بها وهو في الصلاة، فلا خلاف فيه أنه تفسد صلاته وعليه أن يستأنفهما، فكيف يكون الجواب عن الحديث؛ لأنه عليه السلام علم بالنجاسة وهو في الصلاة بإخبار جبريل عليه السلام ومع هذا لم يعدها؟

قلت: الجواب عن ذلك من وجهين:

الأول: أن الحظر مع النجاسة نزل حينئذ.

والثاني: يحتمل أنه كان أقل من قدر الدرهم، وهذا لا يمشي إلا على مذهب الحنفية، فافهم.

الثالث: أن العمل اليسير لا يقطع الصلاة وهو الذي لا يحتاج فيه إلى استعمال اليدين.

الرابع: ذكر الخطابي أن الاقتداء برسول الله عليه السلام في أفعاله واجب كهو في أقواله، وهو أنهم لما رأوا رسول الله عليه السلام خلع نعله خلعوا نعالهم، وقد قال الشيخ جلال الدين في كتابه "المغني": إن الأمر يتوقف على الصيغة عندنا خلافًا للشافعي؛ حتى لا تكون أفعال النبي عليه السلام موجبة لأنه يصح أن يقال: فلان يفعل كذا ويأمر بخلافه، ولو كان الفعل أمرًا لكان هذا تناقضًا، انتهى.

ص: 440

قلت: كأنه بني على هذا الاختلاف أن أفعال النبي عليه السلام غير موجبة.

فإن قيل: يرد عليه أن النبي عليه السلام إذا فعل فعلًا وواظب عليه من غير تركه مرة؛ تكون واجبة مع أنه لم توجد فيه صيغة الأمر.

قلت: يمكن أن يقال: المواظبة أمر زائد على نفس الفعل، والنزاع ليس فيه، ثم تحرير الخلاف في هذا الموضع: أنه إذا نقل إلينا فعل من أفعاله عليه السلام التي ليست بسهوٍ مثل الزلات، ولا طبعٍ مثل الأكل والشرب، ولا من خصائصه مثل وجوب التهجد والضحى، ولا بيان لمجمل مثل المسح على الناصية، هل يسعنا أن نقول فيه: أمر النبي عليه السلام بكذا، وهل يجب علينا في ذلك اتباعه أم لا؟ فعند مالك في رواية وبعض الشافعية يصح إطلاق الأمر عليه بطريق الحقيقة، ويجب علينا الاتباع، وعندنا: لا، من وجوه ثلاثة:

الأول: يلزم التناقض في قولنا: فلان يفعل كذا ويأمر بخلافه، على تقدير كون الفعل أمرًا والتناقض محال، وكل تقدير يلزم منه المحال فهو محال.

الثاني: لو كان الأمر حقيقة في الفعل لاطرد في كل فعل؛ إذ الاطراد من غير مانع من أمارات الحقيقة ولكنه لم يطَّرد إذ لا يقال: الآكل أو الشارب آمرًا فوجب أن لا يكون حقيقة فيه؛ لأن كل مقصود من مقاصد الفعل كالماضي والحال والاستقبال مختصة بصيغ وضعت لها، والمراد بالأمر من أعظم المقاصد لحصول الابتلاء به فاختصاصه بالعبارة أحق من غيره، فإذا ثبت أصل الموضوع كان حقيقة، ولا يكون حقيقة في غيره، وإلا يلزم الاشتراك، وهو خلاف الأصل، ويؤيد هذا كله أنه عليه السلام لما خلع نعليه في الصلاة خلع الناس نعالهم، فقال عليه السلام منكرًا عليهم بعد فراغه من الصلاة:"ما حملكم على خلع نعالكم؟ " فلو كان الفعل موجبًا وأمرًا لصار كأنه أمر بخلع النعال ثم أنكر عليهم وهو باطل، وفيه نظر؛ لأنه عليه السلام علل الإنكار في خلع النعال بأن جبريل عليه السلام قد أتاه وأخبره بأن في إحداهما قذرًا، فالإنكار وقع لأمر زائد على الاتباع وكيف يجو الإنكار على نفس الاتباع وقد أمرنا

ص: 441

بالاتباع والتأسي به لقوله تعالى: {فَاتَّبِعُونِي} (1)، ولقوله:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (2)، ولقوله:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (3)، وفعله مما أتى به.

قلت: الصحيح المختار عند فخر الإسلام وشمس الأئمة ما قاله أبو بكر الرازي الجصاص: أن ما علمنا من أفعال النبي عليه السلام واقعًا على صفة من كونها واجبة أو مندوبة أو مباحة علينا اتباعه، والاقتداء على تلك الصفة، وما لم نعلم من أفعاله على أي صفة فعلها فلنا متابعته على أدنى منازل أفعاله وهي الإباحة؛ لأن الاتباع والاقتداء برسول الله عليه السلام هو الأصل لما تلونا، والله أعلم.

ص: حدثنا ابن أبي عقيل، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا شعبة، عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد الأزدي قال:"سألت أنس بن مالك كان النبي يصلي في النعلين؟ فقال: نعم".

ش: إسناده صحيح، وابن أبي عقيل هو عبد الغني بن رفاعة بن عبد الملك أبو جعفر شيخ أبي داود أيضًا، وعبد الرحمن بن زياد الرصاصي الثقفي وثقه ابن حبان، وأبو مسلمة سعيد بن يزيد بن مسلمة الأزدي ويقال: الطاحي البصري القصير روى له الجماعة.

وأخرجه البخاري (4): ثنا آدم بن أبي إياس، قال: ثنا شعبة، قال: أنا أبو مسلمة سعيد بن يزيد الأزدي

إلى آخره نحوه.

وأخرجه مسلم، (5) والترمذي، (6) والنسائى (7) أيضًا.

(1) سورة آل عمران، آية:[31].

(2)

سورة الأحزاب، آية:[21].

(3)

سورة الحشر، آية:[7].

(4)

"صحيح البخاري"(1/ 151 رقم 379).

(5)

"صحيح مسلم"(1/ 391 رقم 555).

(6)

"جامع الترمذي"(2/ 249 رقم 400).

(7)

"المجتبى"(2/ 74 رقم 775).

ص: 442

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا زهير، قال: ثنا أبو إسحاق، عن علقمة بن قيس ولم يسمعه منه:"أن عبد الله بن مسعود أتى أبا موسى الأشعري، فحضرت الصلاة فقال أبو موسى: تقدم يا أبا عبد الرحمن فإنك أقدم سنًّا وأعلم، فقال: تقدم فإنما أتيناك في منزلك ومسجدك فأنت أحق، فتقدم أبو موسى فخلع نعليه، فلما سلم قال: ما أردت إلى خلعهما؟ أبالواد المقدس طوى أنت؟! لقد رأينا رسول الله عليه السلام يصلي في الخفين والنعلين".

ش: أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري، وزهير هو ابن معاوية بن حديج روى له الجماعة، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي روى له الجماعة، ولم يسمع أبو إسحاق من علقمة بن قيس فيكون الحديث منقطعًا، ويقال: سمع منه فيكون متصلًا.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا حسن بن موسى، ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن قيس ولم يسمعه منه

إلى آخره نحو رواية الطحاوي، غير أنه ليس في روايته لفظة "طوى".

قوله: "ما أردت إلى خلعهما" كلمة "إلى" ها هنا مرادف "اللام" نحو الأمر إليك، ويجوز أن تكون لانتهاء الغاية على أصلها نحو قولهم:"أحمد إليك الله سبحانه" أي أنهي حمده إليك، والمعنى ها هنا: لأي شيء تنهي قصدك إلى خلعهما.

قوله: "أبالواد المقدس" إنكار منه على خلعه نعليه، على سبيل التعجب، أي: هل أنت في الواد المقدس حتى تخلع نعليك؟! أراد أن الله تعالى أمر موسى عليه السلام بخلع نعليه بالواد المقدس وأنت لست هناك حتى تخلعهما؛ وذلك لأن موسى عليه عليه السلام أمر بخلع النعلين ليباشر الوادي بقدميه متبركًا به، وقيل: لأن الحفوة تواضع لله ومِنْ ثَمَّ طاف السلف بالكعبة حافين، ومن ذلك استعظم بعضهم دخول المسجد بنعليه، وكان إذا وقع منه الدخول منتعلًا تصدق، والمقدس معناه المطهر، من

(1)"مسند أحمد"(1/ 460 رقم 4397).

ص: 443

القدس وهو الطهر، ومنه قيل للجنة: حظيرة القدس، وروح القدس: جبريل عليه السلام، والتقديس: التطهير، وتقدس أي: تطهر، والأرض المقدسة: المطهرة، وهي أرض بيت المقدس، وقيل: الشام، وقيل: الطور وما حوله، وقيل: فلسطين ودمشق وبعض الأردن، والمراد بالواد المقدس هو وادي الطور.

قوله: "طوى" أي طوي مرتين، أي: قدس، وقال الحسن: نبتت فيه البركة والتقديس مرتين. وقال الزمخشري في قوله تعالى: {إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} (1) طوى بالضم والكسر منصرف وغير منصرف بتأويل المكان والبقعة، وقيل: مرتين نحو ثنى، أي: نودي نداءين، أو قدس الوادي كرة بعد كرة، قال الجوهري:"طوى" اسم موضع بالشام تكسر طاؤه وتضم، ويصرف ولا يصرف، فمن صرفه جعله اسم وادٍ ومكان وجعله نكرة، ومن لم يصرفه جعله بلدة وبقعة وجعله معرفة.

ويستفاد منه: جواز الصلاة في النعلين وفي الخفين، وأن الأحق بالإمامة أسن القوم وأعلمهم، وأن صاحب المنزل أولى بالإمامة من غيره.

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أبي نعامة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: "إذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن كان فيهما أذى أو قذر فليمسحهما ثم ليصل فيهما".

ش: إسناده صحيح وابن أبي داود هو إبراهيم البرلسي، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، وأبو نعامة عبد ربه البصري روى له الجماعة، وأبو نضرة -بالنون والضاد المعجمة- المنذر بن مالك العبدي البصري روى له الجماعة البخاري مستشهدًا، وأبو سعيد الخدري سعد بن مالك رضي الله عنه.

(1) سورة طه، آية:[12].

ص: 444

وأخرجه داود (1): نا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن أبي نعامة السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال:"بينا رسول الله عليه السلام يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله عليه السلام صلاته قال: ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله عليه السلام: إن جبريل عليه السلام أتأني فأخبرني أن فيهما قذرًا، وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما".

وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"، (2) إلا أنه لم يقل فيه:"وليصل فيهما" ورواه عبد بن حميد (3)، وإسحاق بن راهويه، وأبو يعلى الموصلي (4) في مسانيدهم.

قوله: "أذى" أي نجاسة وكذلك القذر، والفرق بينهما من حيث اللغة: أن الأذى اسم لكل شيء يتأذى الشخص منه وهو يعم النجاسة وغيرها، وفي الحديث:"أدناها إماطة الأذى عن الطريق"(5) وهو ما يؤدي فيها كالشوك والحجر والنجاسة ونحو ذلك، وفي حديث العقيقة:"أميطوا عنه الأذى"(6) يريد الشعر والنجاسة وما يخرج على رأس الصبي حيئ يولد، يحلق عنه يوم سابعه، والقذر اسم لضد النظافة، قال الجوهري: القذر ضد النظافة، ويقال: قَذَرْتُ الشي أَقْذِرُه إذا كرهته واجتنبته.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 231 رقم 650).

(2)

"صحيح ابن حبان"(5/ 560 رقم 2180).

(3)

"المنتخب من مسند عبد بن حميد"(1/ 278 رقم 880).

(4)

"مسند أبي يعلى"(2/ 409 رقم 1194).

(5)

أخرجه مسلم في "صحيحه"(1/ 63 رقم 35) من حديث أبي هريرة في حديث شعب الإيمان.

(6)

أخرجه البخاري في "صحيحه"(5/ 2082 رقم 5154) بلفظ: وقال أصبغ: أخبرني ابن وهب

إلى آخره.

ص: 445

ويستفاد منه: أن النجاسة إذا أصابت النعلين أو الخفين فدلكهما بالأرض ومسحهما يطهران سواء كانت رطبة أو يابسة، وسواء كان لها جرم أو لم يكن؛ لإطلاق الحديث، وإليه ذهب أبو يوسف وبه أفتى مشايخ ما وراء النهر لعموم البلوى، وقال أبو حنيفة: المراد بالأذى النجاسة العينية اليابسة؛ لأن الرطبة تزداد بالمسح انتشارًا وتلوثًا، وقال محمَّد: لا تطهر إلا بالغسل، وبه قال زفر والشافعي ومالك وأحمد، والحديث حجة عليهم.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا أبو عوانة، عن عبد الملك ابن عمير، عن رجل من بني الحارث بن كعب قال:"كنت جالسًا مع أبي هريرة، فقال رجل: يا أبا هريرة أنت نهيت الناس أن يصلوا في نعالهم؟ فقال: ما فعلت غير أني ورب هذه الحرمة رأيت النبي عليه السلام صلى إلى هذا المقام، وإن نعليه عليه".

ش: أبو الوليد مضى الآن، وأبو عوانة الوضاح اليشكري روى له الجماعة، وعبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي الكوفي روى له الجماعة، ورجل من بني الحارث بن كعب مفسر في روايته الأخرى وهو زياد بن النضر أبو عائشة الحارثي.

وكذا جاء مفسرًا في رواية ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا شريك، عن عبد الملك بن عمير، عن زياد الحارثي، عن أبي هريرة قال:"رأيت النبي عليه السلام صلى وهما عليه، وخرج وهما عليه" يعني: نعليه.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(2) أيضًا: بأتم منه وكناه بأبي [الأوبر](3) على

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 179 رقم 7858).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(1/ 385 رقم 1504).

(3)

في الأصل، ك "الأزور" وهو تحريف، والمثبت من "المصنف" ومصادر ترجمته مثل "الإصابة"(2/ 643)، و"ثقات ابن حبان"(4/ 257)، و"تاريخ دمشق"(19/ 242)، و"المقتنى في سرد الكنى"(1/ 75 رقم 525).

ص: 446

ما يجيء وقال ابن عساكر (1): زياد بن النضر أبو الأوبر، ويقال: أبو عائشة، ويقال: أبو عمر الحارثي من أهل الكوفة وقد على يزيد بن معاوية وحدث عن أبي هريرة، روى عنه الشعبي وعبد الملك بن عمير.

وقال عبد الرزاق (2): ثنا ابن التيمي، قال: ثنا عبد الملك بن عمير، قال: حدثني أبو الأوبر: "أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه وقال له رجل: يا أبا هريرة أنت نهيت الناس أن يصوموا يوم الجمعة؟ فقال: لا، لعمري ما نهيت الناس أن يصوموا يوم الجمعة، غير أني ورب هذه الحرمة -قالها ثلاثًا- لقد سمعت النبي عليه السلام يقول: لا يخصن أحدكم يوم الجمعة بصوم إلا أن تصوموا أيامًا أخر، قال: فلم أبرح معه حتى جاءه آخر، فقال: يا أبا هريرة أنت نهيت الناس أن يصلوا في نعالهم [فقال: لا، لعمر الله ما نهيت الناس أن يصلوا في نعالهم] (3) غير أني ورب هذه الحرمة -حتى قالها ثلاثًا- لقد رأيت نبي عليه السلام ها هنا عند المقام يصلي وعليه نعلاه، ثم انصرف وهما عليه".

قوله: "ورب هذه الحرمة" أراد بها حرمة الحرم، والحرمة اسم لا يحل انتهاكه.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سفيان، عن عبد الملك قال: أخبرني من سمع أبا هريرة يقول: "إن رسول الله عليه السلام صلى في نعليه".

ش: هذا طريق آخر عن إبراهيم بن مرزوق أيضًا، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي البصري شيخ البخاري، عن سفيان الثوري، عن عبد الملك بن عمير بن سويد الكوفي، عمن سمع، وهو زياد الحارثي كما ذكرنا.

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا محمَّد بن سعيد، قال: أنا شريك، عن زياد الحارثي، قال: سمعت أبا هريرة

فذكر مثله.

(1)"تاريخ دمشق"(19/ 242).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(1/ 385 رقم 1504).

(3)

ما بين المعقوفتين ليس في "الأصل، ك" والمثبت من "مصنف عبد الرزاق".

ص: 447

ش: هذا طريق آخر عن فهد بن سليمان، عن محمَّد بن سعيد بن الأصبهاني شيخ البخاري، عن شريك بن عبد الله النخعي، عن زياد بن النضر الحارثي الذي ذكرناه.

وهذه الرواية تفسير تلكما الروايتين المتقدمتين كما ذكرناه.

ص: حدثنا ربيع الجيزي وصالح بن عبد الرحمن، قالا: ثنا عبد الله بن مسلمة، قال: ثنا مجمع بن يعقوب الأنصاري، عن محمَّد بن إسماعيل، قال: قيل لعبد الله بن أبي حبيبة: "ما تذكر من رسول الله عليه السلام؟ قال: رأيت رسول الله عليه السلام صلى في نعليه".

ش: إسناده جيد، وعبد الله بن مسلمة القعنبي شيخ الشيخين وأبي داود، ومجمع -بتشديد الميم- بن يعقوب بن مجمع أبو عبد الرحمن المدني، قال يحيى والنسائي: لا بأس به. وروى له أبو داود والنسائي.

ومحمد بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري وثقه ابن حبان، وعبد الله بن أبي الأنصاري الأوسي الصحابي شهد بيعة الرضوان، وأبوه أبو حبيبة شهد بدرًا والمشاهد كلها، واسمه الأدرع -وقيل: الأزعر- ابن يزيد بن عطاف.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا يونس بن محمَّد، نا مجمع بن يعقوب، ثنا محمَّد بن إسماعيل، قال: قيل لعبد الله بن أبي حبيبة: "ما أدركت من رسول الله عليه السلام؟ قال: جاءنا رسول الله عليه السلام في مسجدنا بقباء، فجئت وأنا غلام حتى جلست عن يمينه، ثم دعى بشراب فشرب، ثم أعطانيه فشربت منه، ثم قام يصلي، فرأيته يصلي في نعليه".

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده:"أن رسول الله عليه السلام صلى حافيًا ومنتعلًا".

(1) وأخرجه أحمد في "مسنده"(4/ 334 رقم 18971)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(4/ 167 رقم 2148) من طريق ابن أبي شيبة، به.

ص: 448

ش: إسناده حسن جيد، وأبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري، وخالد بن عبد الله بن عبد الرحمن [الطحان](1) روى له الجماعة وحسين بن ذكوان المعلم روى له الجماعة، وعمرو بن شعيب بن محمَّد بن عبد الله بن عمرو بن العاص المدني، قال العجلي والنسائي: ثقة.

وأبوه شعيب بن محمَّد وثقه ابن حبان، ثم الكلام في جده قال الدارقطني: لعمرو بن شعيب ثلاثة أجداد الأدنى منهم محمَّد، والأوسط عبد الله، والأعلى عمرو بن العاص، وقد سمع شعيب من الأدنى محمَّد، ومحمد لم يدرك النبي عليه السلام، وسمع من جده عبد الله، فإذا بينه وكشفه فهو صحيح حينئذ، وقد بسطنا الكلام فيه في ترجمة عمرو في كتاب الرجال.

والحديث أخرجه أبو داود (2): نا مسلم بن إبراهيم، نا علي بن المبارك، عن حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال:"رأيت النبي عليه السلام يصلي حافيًا ومنتعلًا".

وأخرجه النسائي (3) أيضًا.

قوله: "حافيا ومنتعلًا" حالان من الضمير الذي في "صلى" والحافي من حَفِيَ يَحْفَى من باب عَلِم يَعْلَم، وهو الذي يمشي بلا خف ولا نعل، وقال الكسائي: رجل حاف بَيِّن الحفوة والحِفْية والحَفَاية، والحفاء بالمد، وقال: وأما الذي حفى من كثرة المشي أي رقت قدمه أو حافره؛ فإنه حفٍ بَيِّن الحفى مقصور، والمنتعل من انتعلت إذا احتذيت، وكذلك نعلت، ورجل ناعل، أي: ذو نعل، والنعل: الحذاء مؤنثة، وتصغيرها نُعَيْلَة.

(1) في "الأصل، ك": "الطحاوي" وهو سبق قلم من المؤلف رحمه الله.

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 232 رقم 653).

(3)

أخرجه النسائي في "المجتبى"(3/ 81 رقم 1361) من حديث عائشة رضي الله عنها، وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فليس عند النسائي، وإنما أخرجه أبو داود وابن ماجه كما في "تحفة الأشراف"(6/ 310 رقم 8686).

ص: 449

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة، عن سفيان الثوري، عن السدي، قال: أخبرني من سمع ابن حريث يقول: "رأيت النبي عليه السلام يصلي في نعلين مخصفوتين".

ش: فيه مجهول، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي الكوفي شيخ البخاري، والسدي هو إسماعيل بن عبد الرحمن أبو محمَّد الكوفي روى له الجماعة إلا البخاري، وابن حريث هو عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان المخزومي القرشي الصحابي.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا سفيان، عن السدي، عمن سمع عمرو بن حريث:"أن النبي عليه السلام صلى في نعليه".

وأخرجه عبد الرزاق (2): عن الثوري، عن السدي، قال: أخبرني من سمع عمرو بن حريث يقول: "رأيت رسول الله عليه السلام يصلي في نعلين مخصوفتين".

قوله: "مخصوفتين" أي: مطرقتين، من قولهم: أطرقت النعل بالجلد والعصب إذا ألبستها، وترس مطرق، وطراق النعل: ما أطبقت فخرزت به.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا وهب وأبو الوليد، قالا: ثنا شعبة، عن النعمان ابن سالم، في حديث وهب: عن ابن عمرو بن أوس، وفي حديث أبي الوليد قال: سمعت رجلًا جده أوس بن أبي أوس قال: "كان جدي يصلي فيأمرني أن أناوله نعليه، فينتعل ويقول: رأيت رسول الله عليه السلام يصلي في نعليه".

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب

فذكر مثل ما ذكر أبو بكرة عن وهب.

حدثنا نصر، قال: ثنا أسد، قال: ثنا قيس بن الربيع، عن عمير بن عبد الله، عن عبد الملك يعني ابن المغيرة الطائفي، عن أوس بن أبي أوس، أو

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(2/ 179 رقم 7862).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(1/ 386 رقم 1505).

ص: 450

أوس بن أوس قال: "أقمت عند رسول الله عليه السلام نصف شهر، فرأيته يصلي وعليه نعلان مقابلتان".

ش: هذه ثلاث طرق:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن وهب بن جرير بن حازم وأبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري، كلاهما عن شعبة، عن النعمان بن سالم الطائفي روى له الجماعة سوى البخاري، ففي رواية وهب، عن النعمان، عن ابن عمرو بن أوس قال: "كان جدي يصلي فيأمرني

" إلى آخره.

وفي رواية أبي الوليد، عن النعمان قال: سمعت رجلًا جده أوس بن أبي أوس قال: "كان يصلي

" إلى آخره.

واعلم أن أوسًا هو ابن أبي أوس، واسمه حذيفة الثقفي الصحابي وعمرً ابنه ابن أوس، وابن عمرو هو عثمان، يروي عن أوس ابنه عمرو وابن ابنه عثمان، فالمراد في حديث وهب:"عن ابن عمرو بن أوس" هو عثمان بن عمرو بن أوس، وكذا المراد في حديث أبي الوليد:"سمعت رجلًا" هو عثمان بن عمرو وجده هو أوس.

وأخرج ابن أبي شيبة (1) نحو رواية وهب، قال: ثنا غندر، عن شعبة، عن النعمان بن سالم، عن ابن ابن أوس، عن جده:"أن النبي عليه السلام صلى في نعليه". انتهى.

فهذا ابن ابن أوس هو عثمان، وابن أوس هو عمرو بن أوس.

وأخرج أحمد في "مسنده"(2) نحو رواية أبي الوليد، قال: ثنا عفان، قال: ثنا شعبة، أنا نعمان بن سالم، قال: سمعت فلانًا جده أوس، قال:"كان جدي يقول لي وهو في الصلاة يومئ إلى: ناولني النعلين، فأناولهما إياه، فيلبسهما ويصلي فيهما، ويقول: رأيت رسول الله عليه السلام يصلي في نعليه". انتهى.

(1)"صنف ابن أبي شيبة"(2/ 179 رقم 7861).

(2)

"مسند أحمد"(4/ 10 رقم 16224).

ص: 451

فالمراد من قوله: "فلانًا" هو عثمان بن عمرو بن أوس يروي عن جده أوس كما ذكرنا.

الطريق الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن النعمان بن سالم، عن ابن عمرو بن أوس قال: "كان جدي يصلي

" إلى آخره.

وبنحوه أخرجه أحمد وقد ذكرنا (1).

الثالث: عن نصر بن مرزوق، عن أسد بن موسى ثقة، عن قيس بن الربيع الأسدي الكوفي فيه مقال، فعن أحمد: ضعيف الحديث لا يساوي شيئًا. وقال الجوزجاني: ساقط. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن عدي: لا بأس به. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه.

عن عمير بن عبد الله بن بشر الخثعمي وثقه ابن حبان، عن عبد الملك بن المغيرة الطائفي وثقه ابن حبان، عن أوس بن أبي أوس أو أوس بن أوس

إلى آخره.

وشك الراوي فيه يدل على أنهما اثنان، وقال يحيى بن معين: أوس بن أوس، وأوس بن أبي أوس واحد. وقال الذهبي: قيل: إن يحيى أخطأ في ذلك؛ لأن أوس بن أبي أوس هو أوس بن حذيفة الثقفي غير أوس بن أوس الثقفي، وقد بسطنا الكلام في ترجمته.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(2): ثنا الحسين بن إسحاق التستري ومحمد بن عبد الله الحضرمي، قالا: ثنا يحيى الحماني، نا قيس بن الربيع، عن عمير بن عبد الله الخثعمي، عن عبد الملك بن مغيرة الطائفي، عن أوس بن أوس قال:"أقمت عند النبي عليه السلام نصف شهر، فرأيته يصلي وعليه نعلان مُقابلتان، ورأيته يبزق عن يمينه وعن شماله".

(1)"مسند أحمد"(4/ 10 رقم 16224).

(2)

"المعجم الكبير"(1/ 219 رقم 597).

ص: 452

قوله: "مقابلتان" بفتح الباء، من قابَل نعله إذا عمل لها قبالًا، وكذلك أقبلها، والقِبَال: زمام النعل وهو السير الذي يكون بين الأصبعين، يقال: نعل مقبلة ومقابلة إذا جعلت لها قِبَالًا، ومقبولة إذا سددت قبالها، وذكر في "دستور اللغة" القِبال في باب القاف المكسورة.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو ربيعة، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن الحجاج بن أرطاة، عن عبد الملك، عن سعيد بن فيروز، عن أبيه:"أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله عليه السلام قالوا: فرأيناه يصلي وعليه نعلان مقابلتان".

ش: أبو ربيعة زيد بن عوف القطعي فيه كلام كثير، والحجاج بن أرطاة بن ثور النخعي الكوفي القاضي روى له مسلم مقرونًا بغيره والأربعة.

وعبد الملك بن المغيرة الطائفي ذكر آنفًا، وسعيد بن فيروز الديلمي يروي عن أبيه فيروز الديلمي، ويقال: ابن الديلمي أبي عبد الله اليماني الصحابي قاتل الأسود العنسي الكذاب.

وكان قدوم وقد ثقيف بعد مرجع رسول الله عليه السلام من تبوك في رمضان سنة تسع من الهجرة.

ص: فلما كان دخول المساجد بالنعال غير مكروه، وكانت الصلاة بها أيضًا غير مكروهة، كان المشي بها بين القبور أحرى أن لا يكون مكروهًا، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: لما دلت الأحاديث المذكورة على إباحة الصلاة بالنعال، وإباحة دخول المساجد بها، من غير كراهة في ذلك؛ كان المشي بها بين القبور أحرى أن لا يكون مكروهًا، وأجدر أن يكون مباحًا، والله أعلم.

ص: 453