الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: الدفن بالليل
ش: أي هذا باب في بيان دفن الميت بالليل هل يكره أم لا؟.
ص: حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا مبارك بن فضالة، قال: ثنا نصر بن راشد، عن جابر بن عبد الله:"أن رجلًا من بني عذرة دفن ليلًا ولم يصل عليه النبي عليه السلام، فنهى عن الدفن بالليل".
ش: مسلم بن إبراهيم أبو عمرو القصاب البصري شيخ البخاري وأبي دود، ومبارك بن فضالة بن أبي أمية القرشي البصري، ضعفه يحيى والنسائي، وعن يحيى: ثقة. وعن ابن المديني: صالح. روى له البخاري مستشهدًا وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
ونصر بن راشد وثقه ابن حبان.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا عفان، نا المبارك بن فضالة، حدثني نصر بن راشد، عمن حدثه عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:"توفي رجل على عهد رسول الله عليه السلام من بني عذرة فدفن ليلًا، فنهى رسول الله عليه السلام أن يقبر الرجل ليلًا حتى يصلي عليه، إلا أن يضطروا إلى ذلك".
ص: حدثنا فهد، قال: ثنا محمَّد بن عمران، قال: حدثني أبي، قال: حدثني ابن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر قال:"لا تدفنوا موتاكم بالليل".
ش: محمَّد بن عمران بن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي شيخ البخاري في كتاب "الأدب" قال أبو حاتم: كوفي صدوق. روى له الترمذي.
وأبوه عمران بن محمَّد بن عبد الرحمن روى له الترمذي وابن ماجه، ووثقه ابن حبان، وقال الأزدي: ليس بذاك.
(1)"مسند أحمد"(3/ 399 رقم 15322).
وابن أبي ليلى هو محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي قاضي الكوفة، فيه مقال، وكان يحيى بن سعيد يضعفه، وعن ابن معين: ليس بذاك. وقال النسائي: ليس بالقوي. وروى له الأربعة.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فكره قوم دفن الموتى في الليل، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الحسن البصري وسعيد بن المسيب وقتادة وأحمد في رواية؛ فإنهم كرهوا دفن الموتى في الليل، واحتجوا في ذلك بالحديث المذكور.
وقال ابن حزم (1): لا يجوز أن يدفن أحد ليلًا إلا عن ضرورة، وكل من دفن ليلًا منه عليه السلام ومن أزواجه وأصحابه رضي الله عنهم فإنما ذلك لضرورة أوجبت ذلك من خوف زحام أو خوف الحر على من حضر، وحر المدينة شديد، أو خوف تَغَيُّرٍ، أو غير ذلك مما يبيح الدفن ليلًا، لا يحل أن يظن بهم خلاف ذلك، وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان، نا هشام الدستوائي، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب:"أنه كره الدفن بالليل".
وفي المصنف (2): ثنا أبو داود، عن أبي حرة، عن الحسن:"أنه كان يكره أن يدفن ليلًا".
وفيه أيضًا (3): "وكان قتادة يكره ذلك" أي الدفن بالليل.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يروا بالدفن في الليل بأسًا.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون فيما ذهبوا إليه، وأراد بهم: النخعي والزهري والثوري وعطاء وأبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد -في الأصح- وإسحاق وآخرين من جماهير الفقهاء فإنهم أجازوا دفن الموتى بلا كراهة بالليل والنهار.
(1)"المحلى"(5/ 114 - 115).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 32 رقم 11838).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 31 رقم 11830).
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا محمَّد ابن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن جابر قال:"رُئِيَ في المقبرة ليلًا نار فإذا النبي في قبر وهو يقول: ناولوني صاحبكم".
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثثا محمَّد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، قال: أخبرني جابر بن عبد الله أو سمعت جابر بن عبد الله
…
مثله، وزاد:"هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالقرآن".
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث جابر رضي الله عنه.
وأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي أحمد محمَّد بن عبد الله بن الزبير الزبيري الأسدي الكوفي، عن محمَّد بن مسلم بن سوسن الطائفي، عن عمرو بن دينار المكي، عن جابر بن عبد الله.
وأخرجه الحكم (1) وصححه، وقال النووي: سنده صحيح.
وأخرجه أبو داود (2): ثنا محمَّد بن حاتم بن بزيع، نا أبو نعيم، عن محمَّد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، قال: أخبرني جابر بن عبد الله أو سمعت جابر بن عبد الله قال: "رأى ناس نارًا في المقبرة فأتوها، فإذا رسول الله عليه السلام في القبر، وإذا هو يقول: ناولوني صاحبكم، فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر".
الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، عن محمَّد بن مسلم بن سوسن
…
إلى آخره.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(3): من حديث محمَّد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، عن جابر قال: "رأى ناس نارًا في المقبرة فأتوها، فإذا
(1)"مستدرك الحاكم"(1/ 523 رقم 1362).
(2)
"سنن أبي داود"(2/ 219 رقم 3164).
(3)
"سنن البيهقي الكبرى"(374 رقم 6701).
رسول الله عليه السلام[في القبر](1) وإذا هو يقول: ناولوني صاحبكم، وإذا هو الذي كان يرفع صوته بالذكر".
وفيه من الفقه: جواز الدفن بالليل، وإيقاد النار في المقبرة.
ص: ففي هذا الحديث: إباحة الدفن في الليل، وقد يجوز أن يكون النهي الذي ذكرنا في الباب الأول ليس من طريق كراهة الدفن، ولكن لإرادة رسول الله عليه السلام أن يصلي على جميع موتى المسلمين؛ لما يكون لهم في ذلك من الفضل والخير بصلاته عليهم؛ فإنه حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يحيى بن يحيى، قال: ثنا هشيم، عن عثمان بن حكيم الأنصاري، عن خارجة بن زيد، عن يزيد بن ثابت رضي الله عنه:"أن رسول الله عليه السلام قال: لا أعرفن أحدًا من المؤمنين مات إلا آذنتموني للصلاة عليه؛ فإن صلاتي عليهم رحمة".
وكما حدثنا فهد، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي عليه السلام:"أنه دخل المقبرة فصلى على رجل بعدما دفن، وقال: ملئت هذه المقبرة نورًا بعد أن كانت مظلمة عليهم".
فيكون رسول الله عليه السلام أراد بنهيه عن دفن الموتى في الليل ليكون هو الذي يصلي عليهم، فيصيبون بصلاته ما وصفنا من الفضل.
ش: أي ففي حديث جابر هذا إباحة دفن الموتى بالليل، بخلاف ما في الحديث الأول.
قوله: "وقد يجوز
…
" إلى آخره، جواب عن الحديث المذكور، بيانه: أن النهي المذكور في الحديث الأول ليس لأجل كراهة الدفن بالليل لكونه بالليل، بل إنما كان لإرادة رسول الله عليه السلام أن يصلي على كل من مات من المسلمين؛ لينالوا بذلك بركة النبي عليه السلام وفضله وخيره؛ لأن صلاته عليهم رحمة كما قد صرح عليه السلام بذلك بقوله: "فإن صلاتي عليهم رحمة". في حديث يزيد بن ثابت أخي زيد بن ثابت، ولأن
(1) ليست في "الأصل، ك" والمثبت من "سنن البيهقي".
صلاته عليه السلام عليهم نور في قبورهم كما جاء بذلك في حديث أبي هريرة، فلأجل ذلك نهاهم عليه السلام عن الدفن بالليل حتى لا يحرموا هذه الفضائل العظيمة.
قوله: "فإنه حدثنا""الفاء" للتعليل والضمير للشأن.
وإسناد هذا الحديث صحيح ورجاله كلهم رجال الصحيح ما خلا عليًّا.
ويزيد بن ثابت -بالياء آخر الحروف في أوله- هو أخو زيد بن ثابت وهو أكبر من زيد، يقال: إنه شهد بدرًا مع النبي عليه السلام.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1) بأتم منه: ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا هشيم، نا عثمان بن حكيم، ثنا خارجة بن زيد بن ثابت، عن عمه يزيد بن ثابت -وكان أكبر من زيد- قال:"خرجنا مع رسول الله عليه السلام، فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر جديد، فسأل عنه فقالوا: فلانة فعرفها، فقال: ألا آذنتموني؟ فقالوا: كنت قائلا صائمًا فكرهنا أن نؤذيك، قال: فلا تفعلوا، لا أعرفن ما مات منكم ميت -ما كنت بين أظهركم- إلا آذنتموني؛ فإن صلاتي عليه رحمة، ثم أتى القبر فصففنا خلفه، فكبر عليه أربعًا".
وأخرجه النسائي، (2) وابن ماجه (3) أيضًا.
قوله: "ألا آذنتموني" أي ألا أعلمتموني من الإيذان وهو الإعلام، وفيه دليل لأصحابنا في تقديم الوالي على الولي في الصلاة على الميت، وأن الحق فيها للإمام الأعظم.
وحديث أبي هريرة كذلك إسناده صحيح، والحماني هو يحيى بن عبد الحميد، وقد تكرر ذكره، وثابت هو البناني، وأبو رافع الصائغ المدني اسمه نفيع بن الحارث روى له الجماعة.
(1)"المعجم الكبير"(22/ 240 رقم 628).
(2)
"المجتبى"(4/ 84 رقم 2022).
(3)
"سنن ابن ماجه"(1/ 489 رقم 1528).
وأخرجه مسلم (1): حدثني أبو الربيع الزهراني وأبو كامل فضيل بن حسين الجحدري -واللفظ لأبي كامل- قالا: نا حماد وهو ابن زيد، عن ثابت البناني، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: "أن امرأة سوداء كانت تَقُمُّ المسجد أو شابًا، ففقدها رسول الله عليه السلام فسأل عنها أو عنه، فقالوا: مات، قال: أفلا كنتم آذنتموني فيقال: فكأنهم صغروا أمرها أو أمره، فقال: دلوني على قبره فدلوه، فصلى عليها ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم.
وفيه من الأحكام: جواز الصلاة على القبر، ودفن الميت بالليل، والقبر له ظلمة على الموتى، وأنها تنور ببركة صلاة النبي عليه السلام عليهم، وفي معنى ذلك الأعمال الصالحة، وافتقاد الأحياء الأموات بالخير، مثل: الذكر، وقراءة القرآن، والصدقة، ونحوها.
ص: وقد قيل: إنه إنما نهى عن ذلك لمعنى غير هذا.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا عبد الله بن حمران، عن أشعث، عن الحسن:"أن قومًا كانوا يسيئون أكفان موتاهم فيدفنونهم ليلًا، فنهى رسول الله عليه السلام عن دفن الليل". فأخبر الحسن أن النهي إنما كان لهله العلة؛ لا لأن الليل يكره الدفن فيه.
ش: القائل هو الحسن البصري؛ فإنه أخبر أن قومًا كانوا يقصرون في أكفان موتاهم ويجحفون فيها ويدفنونهم بالليل حتى لا يطلع على ذلك أحد من الناس، فمنعهم النبي عليه السلام عن الدفن بالليل لذلك لا لأجل الدفن بالليل مكروه.
أخرج ذلك عن أبي بكرة بكار القاضي، عن عبد الله بن حمران بن عبد الله بن حمران بن أبان القرشي الأموي البصري، عن يحيى بن معين: صدوق صالح.
ووثقه ابن حبان، وروى له مسلم وأبو داود والنسائي.
(1)"صحيح مسلم"(2/ 659 رقم 956).
عن أشعث بن عبد الملك الحمراني، وثقه النسائي وغيره، روى له البخاري تعليقًا والأربعة عن الحسن البصري.
وهذا مرسل صحيح.
ص: وقد روي عن جابر بن عبد الله نحوًا من ذلك.
حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا عمرو بن خالد، قال: ثنا ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال:"خطب النبي عليه السلام يومًا فذكر رجلًا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل ودفن ليلًا، فزجر أن يقبر رجل ليلًا لكي يصلي عليه، إلا أن يضطر إلى ذلك، وقال: إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه". فجمع هذا الحديث العلتين اللتين قيل: إن النهي كان من أجلهما، فلا بأس بالصلاة على الموتى بالليل ودفنهم فيه أيضًا، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: أي قد روي عن جابر ما يشبه ما ذكر من العلتين في نهي النبي عليه السلام عن الدفن بالليل؛ لأن النبي عليه السلام نهى أن يقبر رجل ليلًا في حديث جابر المذكور أولا؛ لأجل أن يصلي عليه هو؛ لينال الرحمة من صلاته عليه، فهذه إحدى العلتين في النهي عن الدفن بالليل.
والثانية هي أنهم دفنوا ذلك الرجل في كفن غير طائل، فلذلك منعهم من الدفن بالليل المذكور فيما روي عن الحسن، وهذا معنى قوله: "فجمع هذا الحديث العلتين
…
" إلى آخره.
بإسناد هذا الحديث وإن كان معلولًا بعبد الله بن لهيعة فالحديث صحيح.
وأخرجه مسلم (1): نا هارون بن عبد الله وحجاج بن الشاعر، قالا: نا حجاج ابن محمَّد، قال: قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله
(1)"صحيح مسلم"(2/ 651 رقم 943).
يحدث: "أن النبي عليه السلام خطب يومًا، فذكر رجلًا من أصحابه قبض، فكفن في كفن غير طائل، وقُبِرَ ليلًا، فزجر النبي عليه السلام أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلي عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك، وقال النبي عليه السلام: إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه".
وأخرجه أبو داود (1) أيضًا: نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق، أنا ابن جريج، عن أبي الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث عن النبي عليه السلام: "أنه خطب يومًا
…
" إلى آخره نحوه.
وأبو الزبير اسمه محمَّد بن مسلم المكي.
قولى: "غير طائل" يقال: هذا أمر لا طائل تحته أو لا طائل فيه، إذا لم يكن فيه غناء ومزيَّة يقال ذلك في التذكير والتأنيث، ولا يتكلم به إلا في الجحد وذكره الجوهري في باب الطول فدل على أن أصله واوي.
قوله: "فزجر أن يقبر" أي منع ونهى أن يدفن، يقال: قُبِرَ إذا دفن وأقبر إذ جعل له قبر.
قوله: "لكي يصلي عليه" أي لكي يصلي على النبي عليه السلام على الميت، وهذه هي العلة في زجره عن الدفن بالليل، وقال النووي: النهي عن الدفن قبل الصلاة.
قلت: الدفن قبل الصلاة منهي عنه مطلقا سواء كان بالليل أو بالنهار والمعنى الذي يفهم من التركيب أنه نهى عن الدفن بالليل لكي يصلي هو عليه.
وفيه من الفوائد: استحباب تحسين الكفن ومراعاة السنة فيه في الرجال والنساء.
ص: وقد فعل ذلك برسول الله عليه السلام فدفن بالليل.
حدثنا فهد، قال: ثنا يوسف بن بهلول، قال: ثنا عبدة بن سليمان، عن محمَّد بن إسحاق، عن فاطمة بنت محمَّد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما علمنا بدفن رسول الله عليه السلام حتى سمعنا صوت المساحي في
(1)"سنن أبي داود"(2/ 215 رقم 3148).
آخر الليل ليلة الأربعاء وهذا بحضرة أصحاب رسول الله عليه السلام لا ينكره أحد منهم". فدل ذلك على أن ما كان من نهي النبي عليه السلام عن الدفن ليلًا إنما كان لعارض، لا لأن الليل يكره الدفن فيه إذا لم يكن ذلك للعارض، وقد قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: "ثلاث ساعات كان رسول الله عليه السلام ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغيب". وقد ذكرنا ذلك بإسناده فيما تقدم من كتابنا هذا، فدل ذلك أن ما سوى هذه الأوقات بخلافها في الصلاة على الموتى ودفنه في الكراهة.
ش: أي وقد فُعِلَ الدفن بالليل برسول الله عليه السلام على ما روته عائشة رضي الله عنها.
أخرجه عن فهد بن سليمان، عن يوسف بن بهلول التميمي شيخ البخاري واحد أصحاب أبي حنيفة، عن عبدة بن سليمان الكلابي الكوفي روى له الجماعة، عن محمَّد بن إسحاق المدني الثقة، عن فاطمة بنت محمَّد مجهولة، عن عائشة رضي الله عنها.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفة"(1): ثنا عبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق
…
إلى آخره نحوه سواء.
وفي آخره قال محمَّد: "والمساحي: المرور".
قلت: هي مِسحاة -بكسر الميم- وهي المجرفة من الحديد، والميم زائدة؛ لأنه من السحو وهو الكشف، والمرور جمع مر -بفتح الميم وتشديد الراء- وهي المسحاة ويسمى بالفارسية بِيل.
قوله: "وقد قال عقبة بن عامر
…
" إلى آخره. قد أخرجه الطحاوي مسندًا في باب: "مواقيت الصلاة" وقال: ثنا ابن مرزوق، قال: نا أبو عامر العقدي، قال: ثنا موسى بن عُلَيِّ بن رباح اللخمي، عن أبيه، عن عقبة بن عامر الجهمي قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله عليه السلام
…
" الحديث.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 32 رقم 11839)، وفيه:"المساحي: المجارف".
وأخرجه مسلم (1)، وأبو داود (1)، والترمذي (1)، وابن ماجه، وقد بسطت الكلام عليه هناك.
ص: وقد حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثني الليث، عن عقيل. (ح)
وحدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا إسحاق بن الضيف، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، قالا جميعًا: عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: "دفن علي بن أتيت طالب فاطمة رضي الله عنها ليلًا.
فهذا علي رضي الله عنه لم ير بالدفن في الليل بأسًا، ولم ينكر ذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنها ولا أحد من أصحاب رسول الله عليه السلام.
ش: هذان طريقان صحيحان رجالهما ثقات، والليث هو ابن سعد، وعُقَيْل -بضم العين- بن خالد الأيلي، وإسحاق بن الضيف، ويقال: إسحاق بن إبراهيم ابن الضيف أبو يعقوب الباهلي العسكري البصري شيخ أبي داود، قال أبو زرعة: صدوق. والزهري هو محمَّد بن مسلم بن شهاب.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة:"أن عليًّا دفن فاطمة ليلًا".
ص: حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:"دفن أبو بكر رضي الله عنه ليلًا".
ش: إسناده صحيح.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا أبو خالد الأحمر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت:"مات أبو بكر ليلة الثلاثاء ودفن ليلة الثلاثاء".
(1) تقدم.
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 31 رقم 11827) دون ذكر عائشة.
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 32 رقم 11834).
قلت: مات أبو بكر بالمدينة ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، بين المغرب والعشاء، وله ثلاث وستون سنة، وكان رسول الله عليه السلام أسن منه بمقدار سِنِيِّ خلافته، وأوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس، فغسلته وصلى عليه عمر بن الخطاب، ودفن في الحجرة إلى جانب النبي عليه السلام وتولى الخلافة يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة، وهو ثاني يوم مات النبي عليه السلام، وكان مولده بمكة بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أيامًا، وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال، وقال ابن الأثير: كانت خلافته سنتين وأربعة أشهر.
ص: حدثنا بكر بن إدريس، قال: ثنا أبو عبد الرحمن المقرى، قال: ثنا موسى ابن عُلَي، قال: سمعت أبي، عن عقبة:"أن رجلًا سأله أيقبر بالليل؟ قال: نعم قبر أبو بكر رضي الله عنه بالليل، فلا نرى بالدفن بالليل بأسًا".
وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: بكر بن إدريس بن الحجاج الأزدي الفقيه، وأبو عبد الرحمن المقرئ اسمه عبد الله بن يزيد القرشي القصير شيخ البخاري، وموسى بن عُلَيّ -بضم العين- ابن رباح اللخمي أبو عبد الله المصري روى له الجماعة البخاري في غير "الصحيح".
وأبوه عُلَيّ بن رباح بن قصير اللخمي روى له الجماعة البخاري في غير "الصحيح".
وعقبة بن عامر الجهني الصحابي رضي الله عنه.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1) بأتم منه: ثنا وكيع، عن موسى بن علي، عن أبيه قال:"كنت عند عقبة بن عامر فسئل عن التكبير على الميت، فقال: أربع، قلت: الليل والنهار سواء؟ قال: الليل والنهار سواء، قلت: يدفن الميت بالليل؟ قال: قبر أبو بكر رضي الله عنه بالليل".
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 31 رقم 11828).
قوله: "أَيُقْبَرُ" الهمزة فيه للاستفهام، ويُقْبَر على صيغة المجهول، أي هل يدفن الميت بالليل؟
"قال: نعم" يدفن بالليل.
"قُبِرَ أبو بكر" أي دفن.
قوله: "فلا يرى بالدفن
…
" إلى آخره من كلام الطحاوي.