الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: المرأة لا تجد محرمًا هل يجب عليها فرض الحج أم لا
؟
ش: أي هذا باب في بيان حكم المرأة التي لا تجد محرمًا هل يجب عليها أن تحج أم لا؟
والمَحْرَمُ: مَنْ لا يحل له نكاحها من الأقارب كالأب والابن والأخ والعم ومن يجري مجراهم، والمراد من المحرم ذو المحرم، ويقال له: ذو الحرمة أيضًا، وفي الحديث:"إلَّا ومعها ذو محرم"(1) وفي رواية: "مع ذي حرمة منها"(1).
والمحرم يكون مصدرًا ميميًا بمعنى الحرمة.
ص: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، سمع أبا معبد مولى ابن عباس يقول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: "خطب رسول الله عليه السلام الناس فقال: لا تسافر امرأة إلَّا ومعها ذو محرمٍ، ولا يدخل عليها رجل إلَّا ومعها ذو محرمٍ. فقام رجل فقال: يا رسول الله، إني قد اكتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا، وقد أردتُ أن أحج بامرأتي. فقال رسول الله عليه السلام: احجج مع امرأتك".
حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: ثنا ابن جريج، عن عمرو
…
فذكر بإسناده مثله.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، عن أبي معبد، عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام مثله.
ش: هذه ثلاث طرق رجالها كلهم رجال الصحيح ما خلا أبا بكرة بكَّارًا القاضي، وأبو معبد اسمه نافذ، وابن جريج هو عبد الملك بن جريج، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد.
وأخرجه مسلم (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب، كلاهما عن
(1) أخرجه مسلم (2/ 977 رقم 1339) من حديث أبي هريرة.
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 978 رقم 1341).
سفيان -قال أبو بكر: نا سفيان بن عيينة- قال: ثنا عمرو بن دينار، عن أبي مَعْبد، سمعت ابن عباس يقول: سمعت النبي عليه السلام يخطب يقول: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلَّا مع ذي محرم. فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي حاجة وإني اكتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا. قال: انطلق فحج مع امرأتك".
وأخرجه البخاري (1): ثنا أبو النعمان، ثنا حماد بن زيد، عن عمرو، عن أبي معبد مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا تسافر المرأة إلَّا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلَّا ومعها محرم. فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا وامرأتي تريد الحج. فقال: اخرج معها".
وأخرجه ابن ماجه (2): ثنا هشام بن عمار، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا ابن جريج، حدثني عمرو بن دينار، أنه سمع أبا معبد مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال:"جاء أعرابي إلى النبي عليه السلام قال: إني اكتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا وامرأتي حاجة قال: فأرجع معها".
وفيه فوائد:
حرمة سفر المرأة بدون ذي محرم معها، وعموم اللفظ يتناول عموم السفر، فيقتضي أن يحرم سفرها بدون ذي محريم معها؛ سواء كان سفرها قليلًا أو كثيرًا، للحج أو لغيره، ويجيء الخلاف فيه عن قريب، وكذلك عموم اللفظ يتناول ذوي المحارم جميعها، إلَّا أن مالكًا كره سفرها مع ابن زوجها وإن كان ذا محرم منها؛ لفساد الناس، وأن المحرمية في هذا ليست في المراعاة كمحرمية النسب.
وحرمة اختلاء المرأة مع الأجنبي، وهذا لا خلاف فيه.
(1)"صحيح البخاري"(2/ 658 رقم 1763).
(2)
"سنن ابن ماجه"(2/ 968 رقم 2900).
وفيه دلالة على أن حج الرجل مع امرأته إذا أرادت حجة الإِسلام أولى من سفره إلى الغزاة؛ لقوله عليه السلام لذلك الرجل: "احجج مع امرأتك" مع كونه قد كُتِبَ في الغزو.
وفيه دلالة على اشتراط المَحْرَمِ في وجوب الحج على المرأة، ثم اختلفوا؛ هل هو شرط الوجوب أو شرط الأداء؟
وفيه خلاف سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ص: حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا حامد بن يحيى، قال: ثنا سفيان بن عُيينة، قال: ثنا ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن رسول الله عليه السلام قال:"لا تسافر المرأة إلَّا ومعها ذو محرم".
ش: إسناده صحيح.
وروح بن الفرج القطان المصري شيخ الطبراني أيضًا.
وحامد بن يحيى بن هانئ البلخي نزيل طرسوس، وشيخ أبي داود، قال أبو حاتم: صدوق. ووثقه ابن حبان.
وابن عجلان المدني، روى له الجماعة البخاريُّ مستشهدًا.
وأخرجه البزار في "مسنده"(1): ثنا عمرو، نا يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا -لا أدري كم- إلَّا ومعها ذو محرم".
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى أن المرأة لا تسافر سفرًا قريبًا أو بعيدًا إلَّا مع ذي محرمٍ، واحتجوا في ذلك بهذه الأخبار.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: النخعي والشعبي وطاوس بن كيسان والظاهرية؛ فإنهم قالوا: لا يجوز للمرأة أن تسافر مطلقًا، سواء كان سفرًا قريبًا أو بعيدًا إلَّا ومعها ذو
(1) وأخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخه"(8/ 254) من طريق حفص بن عمرو الربالي عن يحيى بن سعيد به.
محرمٍ لها، وإحتجوا في ذلك بالأحاديث المذكورة وذلك لعمومها واشتمالها على حكم السفر مطلقًا.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: كل سفر هو دون البريد فلها أن تسافر بلا محرم، وكل سفر يكون بريدًا فصاعدًا فليس لها أن تسافر إلَّا بمحرم.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عطاء وسعيد بن كيسان وطائفة من الظاهرية؛ فإنهم قالوا بجواز سفر المرأة فيما دون البريد، فإذا كان بريدًا فصاعدًا فليس لها أن تسافر إلَّا بمحرم.
"والبريد" فرسخان، وقيل: أربعة فراسخ، والفرسخ: ثلاثة أميال، والميل: أربعة آلاف ذراع.
وقال الجوهري: البريد اثني عشر ميلًا.
وفي "المطالع": البَرِيدُ أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والبريد أيضًا الرسول المستعمل، ودواب البريد دواب تُعدّ هؤلاء الرسل، يقال: أبرد إليه بريدًا، ومنه قوله عليه السلام:"إذا أبردتم إليّ بريدًا فاجعلوه حسن الوجه حَسن الاسم"(1) ومنه دار البريد، والبريد أيضًا الطريق، وهو عربي وافق لسان العجم، ومنه الحديث:"على بريد الرُّويثة"(2) وبرَّد لنا بريدًا: أرسله لنا معجلًا، ومن هذا كله سميت الدواب والرسل والطرق المستعملة كذلك. انتهى.
وقال الزمخشري: البريد كلمة فارسية يراد بها في الأصل البغل، وأصلها بريدة دم: أي محذوف الذنَب؛ لأن بغال البريد كانت محذوفة الأذناب كالعلامة لها، فأعربت وخففت، ثم سمي الرسول الذي يركبه بريدًا، والمسافة التي بين السكتين
(1) أخرجه الطبراني في "الأوسط"(7/ 367 رقم 7747)، وعزاه الهيثمي في "المجمع"(8/ 47) للبزار، والطبراني في "الأوسط" وقال: في إسناد الطبراني عمر بن راشد، وثقه العجلي، وضعفه جمهور الأئمة، وبقية رجاله ثقات، وطرق البزار ضعيفة.
(2)
أخرجه البخاري (1/ 183 رقم 470).
بريدًا، والسكة موضع كان تسكنه الفيوج المرتبون من بيت أو قبة أو رباط، وكان يرتب في كل سكة بغال، وبُعد ما بين السكتين فرسخان، وقيل: أربعة (1).
وقال النووي: الفرسخ اثني عشر ألف خطوة، وهي ذراع ونصف بذراع العامة، وهو أربع وعشرون إصبعًا معترضة معتدلةً، والإصبع ست شعيرات معترضات معتدلات، والميل ثلث الفرسخ.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، عن حماد بن سلمة، قال: ثنا سُهَيْل بن أبي صالح، عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبَري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا تسافر امرأة بريدًا إلَّا مع زوج أو ذي محرم".
حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا معلَّى بن راشد، قال: ثنا عبد العزيز بن المختار، عن سهيل
…
فذكر بإسناده مثله.
قالوا: ففي توقيت النبي عليه السلام البريد ما يدل على أن ما دونه بخلافه.
ش: أي واحتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث أبي هريرة؛ فإن فيه توقيتا -أي تحديدًا- بالبريد، فدل أن ما دونه بخلافه، وأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن أبي بكرة بكَّار القاضي، عن أبي عمر الضرير حفص بن عمر البصري شيخ أبي داود وابن ماجه؛ عن حماد بن سلمة، عن سُهيل بن أبي صالح ذكوان الزيات، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(2) من حديث حماد بن سلمة، عن سهيل، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"لا تسافر امرأة بريدًا إلَّا مع ذي محرم".
(1) انظر "النهاية"(1/ 116).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(3/ 139 رقم 5196).
الثاني: عن محمَّد بن خزيمة بن راشد، عن معلى بن أسد العَمي البصري شيخ البخاري، عن عبد العزيز بن المختار الأنصاري الدباغ، عن سهيل بن أبي صالح، عن سعيد، عن أبي هريرة.
وأخرجه أبو داود (1): عن يوسف بن موسى، عن جرير، عن سهيل، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة
…
نحوه.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: إذا كان سفر هو دون اليوم فلها أن تسافر بلا محرم، وكل سفرٍ يكون يومًا فصاعدًا فليس لها أن تسافر إلَّا بمحرم.
ش: أي خالف الفريقين المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الأوزاعي والليث ومالكًا والشافعي؛ فإنهم قالوا: للمرأة أن تسافر فيما دون اليوم بلا محرم، وأما فيما زاد على ذلك فليس لها أن تسافر إلَّا بزوج أو محرم، ولكن مذهب مالك والشافعي أن المرأة تسافر للحج الفرض بلا زوج [أو](2) محرم وإن كان بينها وبين مكة سفر أو لم يكن؛ فإنهما خَصَّا النهيَ عن ذلك بالأسفار الغير واجبة.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا أبو أمية، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا شيبان ابن عبد الرحمن، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سَعْدٍ، عن أبيه، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله عليه السلام: "لا يحل لامرأة أن تسافر يومًا فما فوقه إلَّا ومعها ذو محرمٍ".
حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام مثله، غير أنه لم يقل:"فما فوقه".
حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن سعيد المقبري
…
فذكر بإسناده مثله.
حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا ابن أبي ذئب (ح).
(1)"سنن أبي داود"(2/ 140 رقم 1725).
(2)
في "الأصل، ك": "و"، وما أثبتناه هو الصواب.
وحدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام مثله.
قالوا: ففي توقيت النبي عليه السلام يومًا دليل أن ما هو أقل منه بخلافه.
ش: أي واحتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث أبي هريرة؛ فإن فيه توقيتًا بيومٍ، وهذا دليل على أن ما دونه بخلافه.
وأخرجه من خمس طرق صحاح:
الأول: عن أبي أُميَّة محمَّد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، عن أبي نعيم الفضل ابن دكين، عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي البصري المؤذن، عن يحيى بن أبي كثير الطائي، عن أبي سَعْدٍ سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه أبي سعيد كيسان المقبري، عن أبي هريرة.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا حسن، ثنا شيبان، عن يحيى، عن أبي سعد، أن أباه أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله عليه السلام: "لا يحل لامرأة أن تسافر يومًا فما فوقه إلَّا ومعها ذو حرمة".
الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العَقَدي، عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذؤيب المدني، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة.
وأخرجه مسلم (2): حدثني زهير بن حرب، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن ابن أبي ذئب قال: أنا سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلَّا مع ذي محرم".
الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة.
(1)"مسند أحمد"(2/ 423 رقم 9462).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 977 رقم 1339).
وأخرجه مالك في "موطأه"(1): عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله عليه السلام قال:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلَّا مع ذي محرم منها".
وأخرجه أبو داود (2): ثنا عبد الله بن مسلمة والنفيلي، عن مالك.
ونا الحسن بن علي، قال: نا بشر بن عمر، قال: حدثني مالك، عن سعيد بن أبي سعيد -قال الحسن في حديثه: عن أبيه. ثم اتفقوا- عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يومًا وليلة
…
" [فذكر معناه](3).
قال أبو داود: لم يذكر النفيلي والقعنبي: "عن أبيه".
وقال أبو عمر: رواه جماعة الرواة للموطأ عن مالك، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة بدون ذكر أبيه.
ورواه بشر بن عمر، عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، كذلك قال ابن معين وغيره.
الرابع: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن يزيد بن هارون الواسطي شيخ أحمد، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب المدني، عن سعيد المقبري، عن أبيه كيسان المقبري، عن أبي هريرة.
وأخرجه مسلم (4): نحوه وقد ذكرناه.
الخامس: عن ربيع بن سليمان المؤذن، عن خالد بن عبد الرحمن الخراساني، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن سعيد المقبري، عن أبيه كيسان، عن أبي هريرة.
(1)"موطأ مالك"(2/ 979 رقم 1766).
(2)
"سنن أبي داود"(2/ 140 رقم 1724).
(3)
ليست في "الأصل، ك" والمثبت من "سنن أبي داود".
(4)
تقدم.
وقد رأيت أن في ثلاث طرق في رواية الطحاوي: عن سعيد، عن أبيه، وفي طريقين: عن سعيد، عن أبي هريرة بدون ذكر أبيه، وقد ذكرنا الاختلاف فيه.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: كل سفر هو دون الليلتين، فلها أن تسافر بغير محرم، وكل سفر يكون ليلتين فصاعدًا فليس لها أن تسافر بغير محرم.
ش: أي خالف الفِرَق الثلاث المذكورين جماعة آخرون وأراد بهم الحسن البصري والزهري وقتادة؛ فإنهم قالوا: يجوز للمرأة أن تسافر في أقل من يومين وليلتين بغير ذي محرم منها، وإذا كان السفر ليلتان ليس لها ذلك إلَّا بمحرم.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا سعيد بن عامر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن قزعة مولى زياد، عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "لا تسافر المرأة مسيرة ليلتين إلَّا مع زوج أو ذي محرم".
حدثنا يونس، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الملك
…
فذكر بإسناده مثله.
قالوا: ففي توقيت رسول الله عليه السلام في ذلك ليلتين دليل على أن حكم ما هو دونهما بخلاف حكمهما.
ش: أي واحتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث أبي سعيد الخدري، فإن فيه التوقيت بليلتين، وما دونه غير داخل فيه.
وأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن أبي بكرة بكَّار القاضي، عن سعيد بن عامر الضبعي، عن شعبة بن الحجاج، عن عبد الملك بن عمير بن سُويد اللخمي الكوفي، عن قزعة بن يحيى البصري مولى زياد بن أبي سفيان، عن أبي سعيد سعد بن مالك الخدري.
وأخرجه مسلم (1) بأتم منه: ثنا قتيبة بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة جميعًا- عن جرير- قال قتيبة: ثنا جرير- عن عبد الملك -وهو ابن عمير- عن قزعة، عن أبي سعيد قال:"سمعت منه حديثًا فأعجبني، فقلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله عليه السلام؟ قال: فأقول على رسول الله عليه السلام ما لم أسمع؟! قال: سمعته يقول: قال رسول الله عليه السلام: "لا تشدُّوا الرحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى".
وسمعته يقول: "لا تسافر المرأة يوميْن من الدهر إلَّا ومعها ذي محرم منها أو زوجها".
الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى، عن علي بن معبد بن شداد، عن عبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الأسدي الرقي، عن عبد الملك بن عمير، عن قزعة، عن أبي سعيد الخدري.
وأخرجه البخاري (2): ثنا سليمان بن حَرْب، ثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن قزعة مولى زياد، قال: سمعت أبا سعيد- وقد غزا مع النبي عليه السلام ثنتي عشرة غزوة- قال: "أربع سمعتهن من رسول الله عليه السلام فأعجبتني آنقنني: لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذو رحم، ولا صوم يومين؛ الفطر، والأضحى، ولا صلاة بعد صلاتين بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا تشد الرحال إلَّا إلى ثلاثة مساجد؛ مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الأقصى".
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: كل سفر يكون ثلاثة أيام فصاعدًا فليس لها أن تسافر إلَّا بمحرم، وكل سفر يكون دون ذلك، فلها أن تسافر بغير محرم.
(1)"صحيح مسلم"(2/ 975 رقم 827).
(2)
"صحيح البخاري"(2/ 659 رقم 1765).
ش: أي خالف الفِرَق الأربع المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الثوري والأعمش وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا؛ فإنهم قالوا: إذا كان السفر مسافة ثلاثة أيام فصاعدًا ليس لها أن تسافر إلا بمحرم أو زوج، وإذا كان أقل من ذلك فلها أن تسافر بغير محرم.
ويروي ذلك عن ابن عمر وابن مسعود رضي الله عنهم.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا مسدّد، قال: ثنا يحيى، عن عبيد الله بن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله عليه السلام قال:"لا يحل لامرأة أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلَّا مع محرم".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا مكي بن إبراهيم، قال: ثنا ابن جريج، قال: ثنا عبد الكريم بن مالك، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله ابن عمرو، عن رسول الله عليه السلام مثله.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمَّد بن المنهال، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا روح بن القاسم، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا يحل لامرأة أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام إلَّا مع رجل يحرم عليها نكاحه".
حدثنا محمَّد بن عمرو بن يونس، قال: ثنا يحيى بن عيسى وعبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا تسافر المرأة سفرًا ثلاثة أيام فصاعدَا إلَّا ومعها زوجها أو ابنها أو أخوها أو ذو محرم منها".
غير أن ابن نمير قال في حديثه: "فوق ثلاث".
حدثنا فهدٌ، قال: ثنا عمر بن حفص، قال: ثنا أبي، عن الأعمش
…
فذكر بإسناده مثله، وقال:"سفرًا ثلاثة أيام".
حدثنا فهدٌ، قال: ثنا موسى بن إسماعيل أبو سلمة، قال: ثنا وُهَيب بن خالد، قال: ثنا سُهِيْل، عن أبيه وعن المغيرة، حدثاه عن أبي هريرة رفعه، قال:"لا تسافر امرأة فوق ثلاث ليال إلَّا مع بعل أو ذي محرم".
قالوا: ففي توقيت رسول الله عليه السلام الثلاث في ذلك دليل على أن حكم ما دون الثلاث بخلاف ذلك، وممن قال بهذا القول: أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد- رحمهم الله.
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بأحاديث عبد الله بن عمر، وعبد الله ابن عمرو بن العاص، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، فإنهم قالوا في أحاديثهم: وقّت رسول الله عليه السلام ثلاثة أيام، والتقييد به ينافي أن يكون حكم ما دونه مثل حكمه.
أما حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب فأخرجه بإسنادٍ صحيح، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن مسدد شيخ البخاري وأبي داود، عن يحيى بن سعيد القطان، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني، عن نافع مولى ابن عمر، عن عبد الله بن عمر.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثني يحيى بن سعيدِ، عن عُبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام قال:"لا تسافر المرأة ثلاثًا إلَّا ومعها ذو محرمٍ".
وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص فأخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن مكي بن إبراهيم البلخي شيخ البخاري، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي روى له الجماعة، عن عبد الكريم بن مالك الجزري أبي سعيد الحراني مولى عثمان بن عفان روى له الجماعة، عن عمرو بن شعيب ثقة، وحديثه حسن، عن أبيه شعيب بن محمَّد ذكره ابن حبان في "الثقات"، عن عبد الله بن عمرو بن العاص وذكر البخاري وأبو داود وغير واحد أنه سمع من جده عبد الله ابن عمرو.
(1)"سنن أبي داود"(2/ 140 رقم 1727).
والحديث أخرجه العدني في "مسنده"(1): ثنا هشام، عن ابن جريج، أخبرني عبد الكريم بن مالك، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال:"استند النبي عليه السلام إلى البيت، فوعظ الناس وذكرهم، ثم قال: لا يصلين أحدٌ بعد العصر، ولا تسافر امرأة إلَّا مع ذي محرم مسيرة ثلاثة أيام، ولا تقدم المرأة على عمتها ولا على خالتها".
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه من طريقين:
الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن محمَّد بن المنهال
…
إلى آخره، وإسناده صحيح، وأبو صالح اسمه ذكوان الزيات.
وأخرجه مسلم (2): ثنا أبو كامل الجحدري قال: نا بشر -يعني ابن المفضل- قال: ثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا يحل لامرأة أن تسافر ثلاثًا إلَّا ومعها ذو محرمٍ منها".
الثاني: أيضًا صحيح عن فهد بن سليمان، عن موسى بن إسماعيل المنقري أبي سلمة التبوذكي البصري شيخ البخاري وأبي داود، عن وُهَيْب بن خالد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه أبي صالح ذكوان الزيات، وعن أبي سَعْد سعيد بن أبي سعيد كيسان المقبري، كلاهما عن أبي هريرة.
وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا عمرو بن علي، نا بشر بن المفضل، نا سهيل بن أبي صالح، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة نحوه.
وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن محمد بن عمرو بن موسى، عن يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن الكوفي الجزار وثقه العجلي وغيره، وعبد الله بن نمير، كلاهما عن سليمان الأعمش، عن أبي صالح ذكوان، عن أبي سعيد.
(1) وأخرجه الفاكهي في "أخبار مكة"(1/ 263 رقم 518).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 977 رقم 1339).
وأخرجه مسلم (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب جميعًا، عن أبي معاوية -قال أبو كريب: نا أبو معاوية- عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا يكون ثلاثة أيام فصاعدًا إلَّا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها".
الثاني: عن فهد بن سليمان، عن عمر بن حفص، عن أبيه حفص بن غياث بن طلق الكوفي النخعي القاضي، عن سليمان الأعمش، عن أبي صالح ذكوان الزيات، عن أبي سعيد.
وأخرجه أبو داود (2): ثنا عثمان بن أبي شيبة وهنَّاد، أن أبا معاوية ووكيعًا حدثاهم، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا فوق ثلاثة أيام فصاعدًا؛ إلَّا ومعها أخوها أو أبوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرمٍ منها".
ص: فقد اتفقت هذه الآثار كلها عن النبي عليه السلام في تحريم السفر ثلاثة أيام على المرأة بغير ذي محرم، واختلف فيما دون الثلاث، فنظرنا في ذلك، فوجدنا النهي عن السفر بلا محرم مسيرة؛ ثلاثة أيام فصاعدًا ثابتًا بهذه الآثار كلها، وكان توقيته ثلاثة
أيام في ذلك إباحة السَّفر دون الثلاث لها بغير محرم، ولولا ذلك لما كان لذكره الثلاث معنى، ولنَهَى نَهْيًا مطلقًا ولم يتكلم بكلام يكون فَضْلًا، ولكنه ذكر الثلاث ليكْلَمَ أن ما دونها بخلافها، وهكذا الحكيم يتكلم من الكلام بما يَدُلُّ على غيره ليُغْنيِه عن ذكر ما يدل كلامه ذلك عليه، ولا يتكلم بالكلام الذي لا يدلُّ على غيره وهو يقدر أن يتكلم بكلام يدل على غيره، وهذا تفضيل من الله عز وجل لنبيه عليه السلام بذلك، إذ آتاه جوامع الكلم الذي ليس في طبع غيره القوة عليه، ثم رجعنا إلى ما كنا فيه، فلما
(1)"صحيح مسلم"(2/ 977 رقم 1340).
(2)
"سنن أبي داود"(2/ 140 رقم 1726).
ذكر الثلاث، وثبت بذكره إياها إباحة ما هو دونها، ثم ما رُوي عنه في مَنْعها من السفر دون الثلاث من اليوم واليومين والبريد، فكل واحد من تلك الآثار ومن الأثر المروي في الثلاث متى كان بعد الذي خالفه نَسَخَه، إن كان النهي عن سفر اليوم بلا محرم بعد النهي عن سفر الثلاث بلا محرم، فهو ناسخ، وإن كان تخبر الثلاث هو المتأخر عنه فهو ناسخ، فقد ثبت أن أحد المعاني التي دون الثلاث ناسخة للثلاث أو الثلاث ناسخةٌ لها، فلم يَخْلُ تخبر الثلاث من أحد وجهين: إما أن يكون هو المتقدم، أو أن يكون هو المتأخر، فإن كان هو المتقدم فقد أباح السفر بأقل من ثلاث بلا محرم، ثم جاء بعده النهي عن سفر ما هو دون الثلاث بغير محرم، فحرَّم ما حرم الحديث الأول، وزاد عليه حرمةً أخرى وهي ما بينه وبين الثلاث، فوجب استعمال الثلاث على ما أَوْجَبه الأثر المذكور فيه وإن كان هو المتأخر وغيره المتقدم فهو ناسخٌ لما تقدمه والذي تقدمه غير واجب العملُ به، فحديثُ الثلاث واجبٌ استعماله على الأحوال كلها، وما خالفه فقد يجب استعماله إن كان هو المتأخر، ولا يجب إن كان هو المتقدم، فالذي قد وجب علينا استعماله والأخذ به في كلا الوجهين أولى مما قد يجب استعماله في حال وتركه في حال، وفي ثبوت ما ذكرنا دليل على أن المرأة ليس لها أن تحج إذا كان بينها وبين الحج مسيرة ثلاثة أيام إلَّا مع محرم، فإذا عَدِمَت المحرم وكان بينها وبين مكة المسافة التي ذكرنا فهي غير واجدة للسبيل الذي يجب عليها الحج بوجوده.
ش: أشار بهذا الكلام إلى بيان وجوب العمل بالأحاديث التي فيها تعيين مدة الثلاث، والتوفيق بينها وبين الآثار التي فيها التعيين بيومٍ ويومين، بيانه ملخصًا: أن هذه الآثار كلها متفقة على حرمة السفر عليها بغير ذي محرم مسافة ثلاثة أيام، والاختلاف فيما دونها، والنهي عن السفر مسافة ثلاثة أيام فما فوقها ثابت بهذه الآثار كلها، ثم في تقييده بالثلاث إباحة لما دونها، إذ لو لم يكن كذلك لما كان لتعيين الثلاث فائدة، ولكان نهي مطلقًا، وكلام الحكيم مصون عما لا فائدة فيه وعن الحشو، ولا سيما رسول الله عليه السلام الذي أُوتي جوامع
الكلم، وهو الموجز من القول، وهو ما قلَّت ألفاظه واتسقت معانيه، وقد يقال: هو القرآن لإيجازه وإعجازه.
ثم إذا ثبت بذكر الثلاث وتعيينه إباحة ما دونه نحتاج إلى التوفيق بينه وبين ما رُوي من اليوم واليومين والبريد، وهو أن نقول: لا يخلو إما أن يكون خبر الثلاث متقدمًا على هذه الآثار فيكون منسوخًا، أو متأخرًا عنها فيكون ناسخًا لها، ففي فرضنا له متقدمًا يكون مبيخا للسفر بأقل من ثلاث بلا محرم، ثم النهي الذي جاء بعده عن سفر ما دون الثلاث يكون محرِّمًا ما حرّم هذا، وهذا يكون زائدًا عليه بحرمة أخرى وهي ما بينه وبين الثلاث، فإذا كان كذلك يجب استعمال الثلاث على مقتضى رواية الثلاث.
وفي فرضنا له متأخرًا يكون ناسخًا لما تقدمه ويبطل العمل بما تقدمه، وأما حديث الثلاث يكون واجب الاستعمال في الحالين كما ذكرنا، والعمل بما كان واجب الاستعمال في الحالين أولى من الذي يجب استعماله في حال ويجب تركه في حال؛ فافتح بصيرتك فيه فإنه موضع دقيق، هذا ما ذكره الطحاوي.
وقال القاضي: وقوله في الرواية الواحدة عن أبي سعيد: "ثلاث ليال" وفي الأخرى: "يومين" وفي الأخرى: "أكثر من ثلاث" وفي حديث ابن عمر: "ثلاث" وفي حديث أبي هريرة: "مسيرة ليلة" وفي الأخرى عنه: "يوم وليلة" وفي الأخرى عنه: "ثلاث" وهذا كله ليس يتنافر ولا يختلف، فيكون عليه السلام منع من ثلاث ومن يومين (ومن يوم أو يوم وليلة)(1) وهو أقلها، وقد يكون قوله عليه السلام هذا في مواطن مختلفة ونوازل متفرقة فحدّث كل من سمعها بما بلغه منها وشاهده، وإن حدث بها واحد فحدّث مرات جمها على اختلاف ما سمعها.
وقد يمكن أن يلفق بينها بأن اليوم المذكور مفردًا والليلة المذكورة مفردة بمعنى اليوم والليلة المجموعين؛ لأن اليوم من الليل والليل من اليوم، ويكون ذكره يومين
(1) كذا في "الأصل، ك"، ولعل الصواب:"ومن يوم وليلة، ومن يوم" حتى يستقيم المعنى بما بعده.
مدة مضيها في هذا السفر في السير والرجوع، فأشار مرةً بمسافة السفر، ومرةً بمدة المغيب، وهكذا ذكر الثلاث فقد يكون اليوم الوسط بين السير والرجوع الذي تقضي حاجتها بحيث سافرت له فتتفق على هذا الأحاديث.
وقد يكون هذا كله تمثيلًا لأقل الأعداد للواحد، إذ الواحد أول العدد وأقله، والاثنان أول التكثير وأقله، والثلاث أول الجمع، فكأنه أشار أن مثل هذا في قلة الزمن لا يحل لها السفر فيه مع غير ذي محرمٍ، فكيف بما زاد، ولهذا قال في الحديث الآخر:"ثلاثة أيام فصاعدًا" وبحسب اختلاف هذه الروايات اختلف الفقهاء في تقصير المسافر وأقل السفر. انتهى.
ولقائل أن يقول: لعل الثلاث كن أولًا، ثم رأى النبي عليه السلام المصلحة في أقل من ذلك حسمًا للمادة، وسدًّا لباب الذريعة، لئلا يتطرقن إلى السفر وحدهن.
فإن قيل: في هذا الباب رواية أبي سعيد وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس كما ذكرت، وكل رواياتهم مضطربة إلَّا رواية ابن عباس فإنها لم تضطرب.
بيان ذلك أنه رُوي عن أبي سعيد: "لا تسافر ثلاثًا" ورُوي عنه: "لا تسافر فوق ثلاث" ورُوي عنه: "لا تسافر يومين".
ورُوي عن أبي هريرة: "لا تسافر ثلاثًا" ورُوي عنه: "لا تسافر فوق ثلاث" ورُوي عنه: "لا تسافر يومًا وليلة" ورُوي عنه: "لا تسافر يومًا" ورُوي عنه: "لا تسافر بريدًا".
ورُوي عن ابن عمر: "لا تسافر ثلاثًا" ورُوي عنه: "لا تسافر فوق ثلاث".
فكان الأخذ برواية من رُوي عنه سالمًا من الاضطراب أولى من رواية من اضطربت الرواية عنه، فحيئذ الأخذ برواية ابن عباس أولى كما ذهب إليه النخعي والشعبي وطاوس والحسن وأهل الظاهر في منعها جملة إلَّا بزوج أو محرم.
قلت: رواية غير ابن عباس زادت على رواية ابن عباس، فالأخذ بالزائد أولى، ولكن الزائد في نفسه يختلف؛ فرجح تخبر الثلاث لما ذكره الطحاوي أنه واجب
الاستعمال في الأحوال كلها، وغيره قد يجب استعماله إن كان هو المتأخر ولا يجب إن كان هو المتقدم، فالذي هو واجب الاستعمال في الأحوال كلها أولى بالعمل مما قد يجب استعماله في حالة دون أخرى، والله أعلم.
قوله: "وفي ثبوت ما ذكرنا
…
" إلى آخره حاصله أن المرأة ليس لها أن تحج إذا كان بينها وبين مكة مسيرة ثلاثة أيام إلَّا مع زوج أو محرم؛ لما ثبت من الدليل الذي ذكرناه.
فإن قيل: إنكم تقولون في امرأة لا تجد معاشًا أصلًا إلَّا على ثلاث فصاعدًا أنها تخرج بلا زوج ولا محرم، وكذلك من خشيت على نفسها غلبة الكفار أو المحاربين أو الفساق ولم تجد أمنًا إلَّا على ثلاث فصاعدًا، أنها تخرج من غير زوج ومن غير محرم، وطاعة الله واجبة في الحج عليها كوجوب خلاص روحها، فكيف لا تجوزون خروجها ها هنا من غير زوج أو محرم؟
قلت: جواز ذلك هناك لإحياء نفسها وتحصينها، وليس هذا المعنى بموجود ها هنا، ولأن الله تعالى شرط الاستطاعة في الحج؟ والزوج والمحرم من استطاعة السبيل؛ ولهذا قال أحمد: المحرم من السبيل. وذلك حين سأله أبو داود عن امرأة موسرة لم يكن لها محرم هل يجب عليها الحج. قال: لا، المحرم من السبيل.
وقال ابن قدامة: وعنه أن المحرم ليس من شرائط لزوم السعي دون الوجوب.
وعنه رواية أن المحرم ليس بشرط في الحج الواجب قال ابن قدامة: والمذهب الأول.
وروى أبو الحسن البغدادي (1): عن ابن عمر -بسند فيه محمَّد بن أبي يعقوب الكرماني وهو مجهول- قال رسول الله عليه السلام في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها في الحج قال: "ليس لها أن تنطلق إلَّا بإذن زوجها".
(1)"سنن الدارقطني"(2/ 223 رقم 31).
ص: وقد قال قومٌ: لا بأس أن تسافر المرأة بغير محرم، واحتجوا في ذلك بما حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عمرة، عن عائشة أنها سمعتها تقول في المرأة تحج وليس معها ذو محرم فقالت:"ما لكلهن ذو محرم".
حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا ابن وهب، عن الليث، أن ابن شهاب حدثه، عن عمر، أن عائشة أُخبرت أن أبا سعيد الخدري يُفتي أن رسول الله عليه السلام قال:"لا يصلح للمرأة أن تسافر إلَّا ومعها محرم. فقالت: ما لكلهن ذو محرم".
فإن الحجة عليهم في ذلك ما قد تواترت به الآثار التي ذكرناها عن رسول الله عليه السلام فهى حجة على من خالفها.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الزهري وطائفة من أهل الحديث؛ فإنهم قالوا: لا بأس للمرأة السفر بغير محرم سواء كان لحج أو غيره.
ويُروى عن طائفة غيرهم أنه لايجوز إلَّا لحج، وهم الأوزاعي وابن سيرين وقتادة والحكم بن عُتَيْبَة، وأبو سليمان، ومالك، والشافعي؛ فإنهم قالوا: لا بأس للمرأة أن تحج من غير محرمٍ، واحتجوا على ذلك بما أخرجه عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، عن عائشة رضي الله عنها.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): عن وكيع، عن يونس بن يزيد
…
إلى آخره نحوه.
وكذلك احتجوا بما أخرجه عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن عبد الله بن وهب
…
إلى آخره. وفيه رواية صحابية عن صحابي.
قوله: "فإن الحجة عليهم
…
" إلى آخره جواب عما قاله هؤلاء القوم، وهو ظاهر.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 386 رقم 15176).
وأراد بقوله: "تواترت": تكاثرت بأسانيد صحاح، لا التواتر المصطلح عليه في الأصول.
ص: فإن قال قائل: إن الحج لم يدخل في السفر الذي نهى عنه في تلك الآثار.
فالحجة على ذلك القائل حديث ابن عباس الذي بدأنا بذكره في هذا الباب إذ يقول: "خطب رسول الله عليه السلام فقال: لا تسافر امرأة إلَّا مع محرم. فقال له رجلٌ: إني أردت أن أُحِجَّ امرأتي، وقد اكتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا. فقال: اُحْجُجْ بأمرأتِكْ".
فدل ذلك على أنها لا ينبغي لها أن تحج إلَّا به، ولولا ذلك لقال رسول الله عليه السلام: وما حاجتها إليك، لأنها تخرج مع المسلمين وأنت فامْضِ لوَجْهك فيما اكتُتِبْت.
ففي ترك النبي عليه السلام أن يأمره بذلك، وأمره أن يحج معها؛ دليل على أنها لا يصلح لها الحجُّ إلَّا به.
ش: هذا السؤال من جهة هؤلاء القوم الذي قالوا: لا بأس أن تسافر المرأة بغير محرم، وتقريره أن يقال: إن الحج لم يدخل في النهي؛ لأنه محمول على الأسفار غير الواجبة، والحج فرض فلا يدخل في ذلك النهي.
وقال القرطبي: قال أبو حنيفة وأصحابه: لا تحج المرأة إلَّا مع ذي رحمٍ أو زوج وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور، وروي ذلك عن إبراهيم والحسن وفقهاء أصحاب الحديث، وذلك أنهم حملوا النهي على العموم في كل سفر، وحمله مالك و [من](1) معه كالأوزاعي والشافعي على الخصوص، وأن المراد بالنهي عن الأسفار غير الواجبة، وقالوا: تخرج المرأة في حجة الفرض مع جماعة النساء في رفقة مأمونة وإن لم يكن معها محرم؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يحج معه نسوة من جيرانه، وهو قول عطاء وابن جبير وابن سيرين والحسن، وقال الحسن: المسلم محرم.
(1) ليست في "الأصل، ك".
قوله: "فالحجة على ذلك القائل
…
" إلى آخره جواب عن السؤال المذكور، وهو ظاهر.
وحديث ابن عباس رضي الله عنه قد مر في أول الباب.
وأخرجه ابن حزم في "المحلى"(1): ثنا أحمد بن محمَّد الطلمنكي، نا ابن مفرّح، نا إبراهيم بن أحمد بن فراس، نا محمَّد بن علي بن زيد الصائغ، ثنا سعيد بن منصور، ثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن أبي مَعْبد، عن ابن عباس، "أنه سمع رسول الله عليه السلام وهو يخطب
…
" الحديث كما مرّ، غير أن في لفظه: "إني نذرت أن أخرج في جيش كذا وكذا" عوض قوله: "إني قد اكتتبت في غزوة كذا وكذا".
ثم قال: فلم يقل عليه السلام: لا تخرج إلى للحج إلَّا معك، ولا نهاها عن الحج، بل ألزم الزوج ترك نذره في الجهاد وألزمه الحج معها، فالفرض في ذلك على الزوج لا عليها. انتهى.
قلت: إنما قال ذلك استدلالًا لما ذهب إليه من أن المرأة تحج من غير زوج ومحرم، فإن كان لها زوج يفرض عليه أن يحج معها، وليس كما فهمه؛ بل الحديث في نفس الأمر حجة عليه؛ لأنه لما قال له:"فأخرج معها" و [أمر](2) بالخروج معها، فدل على عدم جواز سفرها إلَّا به أو بمحرم، وإنما ألزمه بترك نذره لتعلق جواز سفرها به.
فإن قيل: ظاهر الحديث يدل على أن الزوج أو المحرم إذا امتنع عن الخروج معها في الحج أنه يُجبر على ذلك، ومع هذا فأنتم تقولون: إذا امتنع الزوج أو المحرم عن الخروج لا يجبر عليه.
قلت: فليكن ذلك، فلا يضرنا هذا، وإنما وجدنا إثبات شرطية الزوج أو المحرم مع المرأة إذا أرادت الحج على أن هذا الأمر ليس بأمر إلزام، وإنما نبّه بذلك على أن المرأة لا تسافر إلَّا بزوجها.
(1)"المحلى"(7/ 52).
(2)
في "الأصل، ك": "أمر". وما أثبتناه أليق بالسياق
ص: وقد قال قائلٌ: قد رويتم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله عليه السلام قال: "لا تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أيام إلَّا مع ذي محرم".
وقد رُوي عنه من قوله بعد النبي عليه السلام خلاف ذلك، فذكر ما حدثنا علي ابن عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بكير، أن نافعًا حدثه:"أنه كان يسافر مع ابن عمر مواليات له ليس معهن ذو محرم".
قيل له: ما هذا بخلافٍ لما رويناه عنه، عن النبي عليه السلام؛ لأنا لم نرْو عنه عن النبي عليه السلام نهيًا أن تسافر المرأة سفرًا -أي سفرٍ كان- إلَّا بمحرم.
ولكنا روينا عنه عن النبي عليه السلام أنه نهى أن تسافر المرأة سفرًا ثلاثة أيام إلَّا مع ذي محرمٍ، فكان ذلك ناهيًا لها عن السفر الذي مقدار مسافته الثلاث إلَّا بمحرم، ومبيحًا لما هو أقل منه مسافة بغير محرم، فقد يجوز أن يكون السفر الذي كان تسافر معه هؤلاء المُواليات بغير محرم هو السفر الذي لم يدخل فيما نهى عنه، ما رويناه عنه عليه السلام.
ش: الظاهر أن المراد من هذا القائل هو الشافعي: فإنه أورد هذا على أصحابنا، وهو وجوابه ظاهران.
والحديث أخرجه عن علي بن عبد الرحمن بن محمَّد بن المغيرة الكوفي المعروف بعلَّان شيخ أبي عوانة الإسفرايني أيضًا، عن عبد الله بن صالح وراق الليث وشيخ البخاري، عن بكر بن مضر بن محمَّد المصري روى له الجماعة سوى ابن ماجه، عن عمرو بن الحارث المصري روى له الجماعة، عن بكير بن عبد الله بن الأشج القرشي المدني نزيل مصر روى له الجماعة، عن نافع مولى ابن عمر.
وأخرجه ابن حزم في "المحلى"(1) من طريق سعيد بن منصور، نا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث
…
إلى آخره نحوه.
(1)"المحلى"(7/ 48).
قوله: "مواليات" بضم الميم أي نساء مواليات، من وإلى القوم موالاة، وعقد الموالاة أن يُسلم رجل على يد آخر ويواليه، فيقول له: أنت مولاي ترثني إذا مت وتعقل عني إذا جنيتُ. فيقبل الآخر، فهذا عقد صحيح وكذا لو أسلم على يد رجل ووالى غيره.
ص: واحتج آخرون في أباحة السفر للمرأة بغير محرم بما رُوي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تسافر بغير محرم.
ش: أي احتج جماعة آخرون ممن يرون جواز سفر المرأة بغير محرم كالزهري والبصري بما رُوي عن عائشة زوج النبي عليه السلام أنها كانت تسافر بغير محرم، ورُوي عن الحسن أن المسلم محرم.
ص: فحدثني بعض أصحابنا، عن محمَّد بن مقاتل الرازي لا أعلمه إلَّا عَنْ حكَّام الرازي، قال:"سألت أبا حنيفة رضي الله عنه: هل تسافر المرأة بغير محرم؟ فقال: لا؛ نهى رسول صلى الله عليه وسلم أن تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أيام فصاعدًا إلَّا ومعها زوجها أو أبوها أو ذو محرم منها".
قال حكَّام: فسألت العَرْزَمِي، فقال: لا بأس بذلك، حدثني عطاء: أن عائشة رضي الله عنها كانت تسافر بلا محرم.
فأتيت أبا حنيفة، فأخبرته بذلك، فقال أبو حنيفة: لم يَدْر العرزمي ما رَوَى، كان الناس لعائشة محرمًا فمع أيهم سافرت فقد سافرت بمحرم، وليس الناس لغيرها من الناس كذلك".
ش: هذا جواب عما احتج به هؤلاء الآخرون بما رُوي عن عائشة، فلله درّ أبي حنيفة ما أحسن جوابه في ذلك، ولقد صدق فيه؛ لأن أزواج النبي عليه السلام كلهن أمهات للمؤمنين، وهم محارم لهن؛ لأن المحرم من لا يجوز له نكاحها على التأبيد، فكذلك أمهات المؤمنين حرام على غير النبي عليه السلام إلى يوم القيامة.
ومحمد بن مقاتل الرازي قاضي الري من أصحاب محمَّد بن الحسن الشيباني من طبقة سليمان بن شعيب الكيساني، قال الذهبي: تُكلم فيه ولم يترك.
وحكَّام -بتشديد الكاف- بن سلم الكناني أبو عبد الرحمن الرازي وثقه يحيى وغيره، روى له الجماعة؛ البخاري مستشهدًا.
والعرزمي هو محمَّد بن عبيد الله بن أبي سليمان الفزاري الكوفي، فيه مقال، فقال النسائي: ليس بثقة. وعن أحمد: ليس بشيء، لا يُكتب حديثه.
ويقال: نزل جبانة عَرْزم بالكوفة فنسب إليها.
وقال ابن دريد: بنو عَرْزم قوم من البصرة، وهو بتقديم الراء المهملة على الزاي.
ص: وكل اللي بينَّا في هذا الباب من منع المرأة من السفر مسيرة ثلاثة إلَّا مع محرم، ومن إباحة ما دون ذلك لها في السفر بغير محرم، ومن أن المرأة لا يجب عليها فرض الحج إلَّا بوجود المحرم مع وجود سائر السبيل الذي يجب بوجودها فرض الحج هو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد- رحمهم الله.
ش: "وكل الذي" كلام إضافي مبتدأ، وخبره:
قوله: "وهو قول أبي حنيفة .. ".
و"بيَّنَّا" من التبين، وفي بعض النسخ:"ثبتنا" من التثبيت.
قوله: "ومن أن المرأة لا يجب عليها فرض الحج .. " إلى آخره. فيه خلاف، فذكر في "مطامح الأفهام": وأما حج المرأة فلازم لها منعقد وجوبه عليها، واختلف العلماء هل من شرط وجوبه عليها الزوج أو ذو المحرم يطاوعها أم لا؟
فقال مالك والشافعي: ليس ذلك شرط في الوجوب، ولها أن تخرج إذا وجدت رفقة مأمونة، وقد وقع لمالك: أنها إذا كانت لا تجد سبيلًا إلَّا في البحر فلا يلزمها، جملة من غير تفصيل، قال: لأنها عورة.
وقال ابن القاسم: إذا لم تجد ما تركبه وقدرت على المشي؛ لم يلزمها الحج إلَّا أن يكون الموضع قريبًا جدّا كأهل مكة ومن في عملهم.
وقد قيل: إن الحج لازم لها إذا قدرت على المشي أو ركوب البحر مع أمان غالب.
وقال طاوس والنخعي والشعبي والحسن البصري والحسن بن حي وأبو حنيفة وأحمد: وجود ذي المحرم ومطاوعته شرط في وجوب الحج عليها، ورأوا أنها لا تحج إلا مع زوج أو ذي محرم.
وقال كثير من أهل العلم: إن كان لها زوج، يُفْرَض عليه أن يحج معها، فإن لم يفعل فهو عاص، وعليها الحج دونه. انتهى.
قلت: وجود الزوج أو المحرم شرط، وليس عليها تحصيل الشرط، فإذا وجد وجب، وإذا عدم لا يجب، ثم نفقة المحرم عليها.
وقال الطحاوي: لا يجب عليها شيء. والله أعلم.