المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: ما يلبس المحرم من الثياب - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٩

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: ما يلبس المحرم من الثياب

‌ص: باب: ما يلبس المحرم من الثياب

ش: أي هذا باب في بيان ما يجوز لبسه للمحرم من الثياب وما لا يجوز.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو الوليد وسليمان بن حرب (ح).

وحدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج بن المنهال، قالوا: ثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت جابر بن زيد يقول: سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول: سمعت النبي عليه السلام بعرفة يقول: "من لم يجد إزارًا لبس سراويل، ومن لم يجد نعلين لبس خفين".

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام مثله، ولم يذكر:"عرفة".

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا عمرو بن دينار

فدكر بإسناده مثله.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سعيد، قال: ثنا حماد بن زيد وسفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال: "سمعت النبي عليه السلام وهو يخطب

" فذكر مثله.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس

فذكر مثله، غير أنه لم يقل:"وهو يخطب".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، قال: ثنا ابن عباس: "أنه سمع النبي عليه السلام يخطب .. " فذكر نحوه، قلت: ولم يقل: "يقطعهما؟ قال: لا".

ص: 122

ش: هذه سبع طرق صحاح:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، شيخ البخاري وأبي داود وعن سليمان بن حرب، كلاهما عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد الأزدي أبي الشعثاء الجوفي -بالجيم- ورى له الجماعة.

وأخرجه البخاري (1): ثنا أبو الوليد، نا شعبة، قال: حدثني عمرو بن دينار، قال: سمعت جابر بن زيد، سمعت ابن العباس يقول:"سمعت النبي عليه السلام يخطب بعرفات: من لم يجد نعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل للمحرم".

الثاني: عن محمد بن خزيمة، عن حجاج بن المنهال، عن شعبة .. إلى آخره.

وأخرجه مسلم (2): ثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر.

وحدثني أبو غسان الرازي، قال: نا بهز، قالا جميعًا: نا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد

إلى آخره نحوه.

الثالث: عن علي بن شيبة، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، عن سفيان

إلى آخره.

وأخرجه مسلم (3) أيضًا: ثنا أبو كريب، قال: نا وكيع، عن سفيان، عن عمرو بن دينار

إلى آخره.

الرابع: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سعيد بن منصور، عن هشيم بن بشر

إلى آخره.

وأخرجه مسلم (4) أيضًا: ثنا يحيى بن يحيى، قال أنا هشيم، عن عمرو بن دينار

إلى آخره.

(1)"صحيح البخاري"(2/ 654 رقم 1744).

(2)

"صحيح مسلم"(2/ 835 رقم 1178).

(3)

سبق تخريجه.

(4)

سبق تقديمه.

ص: 123

الخامس: عن إبراهيم بن أبي داود أيضاً، عن سعيد بن منصور أيضًا، عن حماد بن زيد وسفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار

إلى آخره.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: "السراويل لمن لا يجد الإزار، والخف لمن لا يجد النعلين".

وأخرجه ابن ماجه (2): ثنا هشام بن عمار ومحمد بن الصباح، قالا: ثنا سفيان ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد أبي الشعثاء، عن ابن عباس قال: سمعت النبي عليه السلام يخطب -قال هشام: على المنبر- فقال: "من لم يجد إزارًا فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين" قال هشام في حديثه: "فليلبس سراويل إلَاّ أن يفقد".

السادس: عن أبي بكرة بكار، عن إبراهيم بن بشار الرمادي، عن سفيان الثوري

إلى آخره.

وأخرجه العدني في "مسنده": ثنا وكيع، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس قال:"قال رسول الله عليه السلام: إذا لم يجد المحرم الإزار لبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين لبس الخفين".

السابع: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن عبد الملك بن جريج، عن عمرو بن دينار

إلى آخره، وأبو الشعثاء كنية جابر بن زيد.

وأخرجه الدارمي في "سننه"(3): أنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عمرو ابن دينار، عن أبي الشعثاء، قال: أخبرني ابن عباس، أنه سمع النبي عليه السلام قال:

(1)"سنن أبي داود"(2/ 166 رقم 1829).

(2)

"سنن ابن ماجه"(2/ 977 رقم 2931).

(3)

"سنن الدارمي"(2/ 50 رقم 1799).

ص: 124

"من لم يجد إزارًا فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين، قال: قلت -أو قيل-: أيقطعهما؟ قال: لا".

وهذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي أيضًا.

فالترمذي (1): عن أحمد بن عبدة الضبي، عن يزيد بن زريع، عن أيوب، عن عمرو بن دينار

إلى آخره.

والنسائي (2): عن قتيبة، عن حماد، عن عمرو بن دينار

إلى آخره.

قوله: "إزارًا" وهو معروف، يُذَكَّر ويُؤَنَّث، والإزارة مثله، كما قالوا للوساد: وسادة. وموضع الإزار من الحقوين، ويجمع على آزرة في القلة، وأُزر في الكثرة مثل: حمار وأحمرة وحمر.

قوله: "سراويل" هكذا هو بالتنوين لأنها مصروفة في النكرة، قال الجوهري: السراويل معروف يُذَكَّر ويُؤَنَّث والجمع السراويلات.

وقال سيبويه: سراويل واحدة، وهي أعجمية أعربت فأشبهت في كلامهم ما لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، فهي مصروفة في النكرة، قال وإن سميت بها رجلاً لم تصرفها، ومن النحويين من لا يصرفه أيضًا في النكرة، ويزعم أنه جمع سروال وسروالة وينشد:[عليه](3) من اللؤم سراولة.

ويحتج في ترك صرفه بقول ابن الرومي: فتى فارسي في سراويل رامح، والعمل على القول الأول، والثاني أقوى، وسرولته ألبسته السراويل، فتسرول.

ص: حدثنا الحسين بن الحكم الحبري الكوفي، قال: ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، قال: ثنا زهير بن معاوية، قال: ثنا أبو الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: "من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل".

(1)"جامع الترمذي"(3/ 195 رقم 834).

(2)

"المجتبى"(5/ 133 رقم 2672).

(3)

تكررت في "الأصل، ك".

ص: 125

ش: إسناده صحيح، وقد ذكرنا مرة أن الحبري نسبة إلى بيع الحِبَر -بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة- وهو جمع حِبْرة كعنبة وهي البرد اليماني.

وأبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس.

وأخرجه مسلم (1): نا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: ثنا زهير، قال: نا أبو الزبير، عن جابر .. إلى آخره نحوه سواء.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذه الآثار، فقالوا: من لم يجد إزارًا وهو محرم لبس سراويل ولا شيء عليه، ومن لم يجد نعلين لبس خفين ولا شيء عليه.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وداود؛ فإنهم قالوا: من لم يجد إزارًا وهو محرم لبس سراويل ولا فدية عليه، وكذا من لم يجد نعلين لبس خفين ولا شيء عليه، واحتجوا في ذلك بالأحاديث المذكورة عن ابن عباس وجابر ابن عبد الله رضي الله عنهم

وفي "شرح الموطأ": واختلفوا إذا لم يجد إزارًا هل له أن يلبس السراويل؟ فكرهه مالك وأبو حنيفة، وجعلا فيه الفدية إلَاّ أن يشقه ويأتزر به، وأجازه الشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وداود.

واختلفوا إذا لم يجد النعلين هل يلبس الخفين ولا يقطعهما؟ فأجازه أحمد وطائفة من أهل العلم، قال عطاء: في قطعهما فساد والله لا يحب الفساد، ومنع ذلك أكثر أهل العلم حتى يقطعهما أسفل من الكعبين، وبه قال مالك والشافعى وأبو حنيفة والثوري وإسحاق وجماعة من التابعين.

وقال ابن حزم: ومن وجد خفين ولم يجد نعلين فقد قال قوم: يلبسهما كما هما ولا يقطعهما، وقال قوم: يشق السراويل فيأتزر بها، واحتج من أجاز له لباس السراويل والخفين بحديث ابن عباس، وقال بعضهم: قطع الخفين إفساد للمال.

(1)"صحيح مسلم"(2/ 836 رقم 1179).

ص: 126

وقد نهي عنه، قال عليّ: حديث رسول الله عليه السلام لا يحل خلافه، فيلبس السراويل كما هي ولا شيء في ذلك، وأما الخفان فحديث ابن عمر فيه زيادة القطع -حتى يكونا أسفل من الكعبين- على حديث ابن عباس، فلا يحل خلافه ولا ترك الزيادة. وعن سفيان، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي أنه قال: في المحرم لا يجد نعليه قال: "يلبس الخفين ويقطعهما حتى يكونا مثل النعلين" وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأبي سليمان، وبه نأخذ.

وروينا عن عائشة أم المؤمنين والمسور بن مخرمة إباحة لبس الخفين بلا ضرورة للمحرم من الرجال، وقال أبو حنيفة إن لم يجد إزارًا لبس سراويل، فإن لبسها يومًا إلى الليل فعليه دم، وإن لبسهما أقل من ذلك فعليه صدقة، وإن لبس خفين لعدم النعلين يوما إلى الليل فعليه دم، وإن لبسهما أقل من ذلك فصدقة، وقال مالك: من لم يجد إزارًا لبس سراويل وافتدى، وإن لم يجد النعلين قطع الخفين أسفل من الكعبين ولبسهما ولا شيء عليه، وقال محمد بن الحسن: يشق السراويل ولا شيء عليه.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم الليث بن سعد وأبا حنيفة ومالكًا وأبا يوسف ومحمدًا، فإن عندهم المحرم إذا لم يجد إزارًا يلبس سراويل، وإذا لم يجد نعلين يلبس خفين، ولكن يجب عليه الفدية.

وفي "البدائع": المحرم إذا لم يجد الإزار وأمكنه فتق السراويل والتستر به فتقه فإن لبسه ولم يفتقه فعليه دم في قول أصحابنا، وقال الشافعي: يلبسه ولا شيء عليه، وإن لم يجد رداء وله قميص فلا بأس أن يشق قميصه ويرتدي به لأنه لما شقه صار بمنزلة الرداء، وكذا إذا لم يجد إزارًا فلا بأس أن يفتق سراويله خلا موضع التكة ويأتزر به، لأنه إذا فتقه صار بمنزلة الإزار، وكذا إذا لم يجد النعلن وله خفاف فلا بأس أن يقطعهما أسفل من الكعبين فيلبسهما. انتهى.

ص: 127

وقال أبو عمر بن عبد البر في "التمهيد": وأجمعوا أن المحرم إذا وجد إزارًا لم يجز له لبس السراويل، واختلفوا فيه إذا لم يجد إزارًا هل يلبس السراويل؟ وإن لبسهما على ذلك هل عليه فدية أم لا؟ فكان مالك وأبو حنيفة يريان على من لبس السراويل وهو محرم الفدية، وسواء عند مالك وجد الإزار أو لم يجد، وقال عطاء بن أبي رباح والشافعي وأصحابه والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود: إذا لم يجد المحرم إزارًا لبس السراويل ولا شيء عليه، وروى ابن وهب عن مالك والليث: من لبس خفين مقطوعين أو غير مقطوعين إذا كان واجدًا للنعلين فعليه الفدية، وقال أبو حنيفة: لا فدية عليه إذا لبسهما مقطوعين أو غير مقطوعين وهو واجد للنعلين، واختلف قول الشافعي فيمن لبس الخفين مقطوعين وهو واجد للنعلين، فمرة قال: عليه الفدية، ومرة قال: لا شيء عليه.

ص: فقالوا: أما ما ذكر نحوه من لبس المحرم الخف والسراويل على حال الضرورة فنحن نقول بذلك ونبيح له لبسه للضرورة التي هي به، ولكنا نوجب عليه مع ذلك الكفارة، وليس فيما رويتموه نفي لوجوب الكفارة، ولا فيه ولا في قولنا خلاف لشيء من ذلك، لأنا لم نقل: لا يلبس الخفين إذا لم يجد نعلين ولا السراويل إذا لم يجد إزارًا ولو قلنا ذلك لكنا مخالفين لهذا الحديث، ولكنا قد أبحنا له اللباس كما أباح له النبى عليه السلام، ثم أوجبنا عليه مع ذلك الكفارة بالدلائل القائمة الموجبة لذلك.

ش: أي فقال هؤلاء الآخرون، وهذا جواب عما احتج به أهل المقالة الأولى من حديث ابن عباس وجابر، بيانه أن يقال: إن حديثهما ليس بحجة علينا ولا نحن خالفناه، ولا تركنا العمل به، فإنا أيضًا نقول به، ونجوز لبسه للضرورة كما جوزتم أنتم، ولكنا نحن نقيد الجواز بالكفارة، فإذا لبس وجب عليه الكفارة، لأنه ليس في الحديث ما يدل على نفي وجوب الكفارة، غاية ما في الباب الذي يدل عليه الحديث جواز لبس الخفين عند عدم النعلين وجواز لبس السراويل عند عدم الإزار، ولو نفينا هذا لكان منا خلاف للحديث، ولم ننف ذلك، بل قد جوزناه، كما جوزه النبي عليه السلام ثم أوجبنا الكفارة لدلائل أخرى دلت عليه.

ص: 128

ص: وقد يحتمل أيضًا قوله عليه السلام من لم يجد نعلين فليلبس خفين على أن يقطعهما من تحت الكعبين، فيلبسهما كما يلبس النعلين، وقوله: "ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل على أن يشق السراويل فيلبسه كما يلبس الإِزار، فإن كان هذا الحديث أريد به هذا المعنى فلسنا نخالف شيئًا من ذلك، ونحن نقول بذلك ونثبته، وإنما وقع الخلاف بيننا وبينكم في التأويل لا في نفس الحديث، لأنا قد صرفنا الحديث إلى وجه يحتمله، فاعرفوا موضع خلاف التأويل من موضع خلاف الحديث فإنهما مختلفان، ولا توجبوا على من خالف تأويلكم الحديث خلافًا لذلك الحديث.

ش: هذا جواب آخر، بيانه أن يقال: إن معنى قوله: "من لم يجد نعلين فليلبس خفين بعد قعطهما من تحت الكعبين، ومعنى قوله: "ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل بعد شقها، فإن كان معنى الحديث هذا فليس فيه خلاف منا أصلًا بل نحن نقول به ونثبته، فحينئذ يكون الخلاف بيننا وبينكم في إثبات هذا الحديث، ولا يقال: صرف الحديث إلى هذا المعنى بعيد، لأنا نقول إنما صرفناه إلى وجه يحتمله، لأن المحرم ممنوع عن لبس المخيط على أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما روى حديثًا يبين هذا ويدل على أن معناه هو المعنى الذي صرفنا الحديث إليه على ما يأتي الآن -إن شاء الله تعالى- ولما لم يميز الخصم موضع خلاف التأويل من موضع خلاف الحديث نبه عليه بقوله فاعرفوا موضع خلاف التأويل

إلى آخره.

ص: وقد بين عبد الله بن عمر عن النبي عليه السلام بعض ذلك.

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر:"أن رجلاً سأل النبي عليه السلام ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا؟ فقال: لا تلبس السراويلات ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف إلَاّ أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس خفين أسفل من الكعبين".

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أسباط بن محمد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي عليه السلام مثله.

ص: 129

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي، قال: ثنا سفيان -هو ابن عيينة- عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبى عليه السلام مثله.

حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا الحجاج، قال: ثنا عبد العزيز بن مسلم (ح).

وحدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، قالا جميعًا: عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر مثله.

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا عبد الله بن دينار، أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: عن النبي عليه السلام أنه قال: "من لم يجد نعلين فليلبس خفين، وليشقهما من عند الكعبين".

فهذا ابن عمر رضي الله عنهما يخبر عن النبي عليه السلام بلبس الخفين الذي أباحه للمحرم كيف هو، وأنه بخلاف ما يلبس الحلال، ولم يبين ابن عباس في حديثه من ذلك شيئًا، فحديث ابن عمر أولاهما وإذا كان ما أباح للمحرم من لبس الخفين هو بخلاف ما يلبس الحلال فكذلك ما أباح له من لبس السراويل هو خلاف ما يلبس الحلال، فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار.

ش: أي وقد بين عبد الله بن عمر فيما رواه عن النبي عليه السلام بعض ذلك، وأشار به إلى ما ذكره من التأويل في قوله: "وقد يحتمل أيضًا قوله عليه السلام

إلى آخره" بيانه أن عبد الله بن عمر أخبر عن النبي عليه السلام بكيفية لبس المحرم الخفين، كيف يكون حيث قال: فليلبس خفين أسفل من الكعبين، وقال: وليشقها من عند الكعبين، ولم يبين

ص: 130

كذلك ابن عباس في حديثه، فيكون حديث ابن عمر أولى بالعمل؛ لأن فيه زيادة على ذلك.

وقال ابن حزم: حديث ابن عمر فيه زيادة لا يحل خلافها.

وقال أبو عمر: قال الشافعي: ابن عمر رضي الله عنهما قد زاد على ابن عباس شيئًا نقص ابن عباس وحفظه ابن عمر، وذلك قوله:"وليقطعهما أسفل من الكعبين" والمصير إلى رواية ابن عمر أولى، ويقال: حديث ابن عباس مطلق وليس فيه القطع، وحديث ابن عمر مقيد فيحمل ذلك المطلق على المقيد لأن الزيادة من الثقة مقبولة.

فإن قيل: قد ذكر أن قوله: "فليقطعهما" من كلام نافع.

وكذا في أمالي أبي القاسم بن [بشران](1) بسند صحيح: أن نافعًا قال بعد روايته للحديث: "وليقطع الخفين أسفل الكعبين" وذكر ابن العربي وابن التين: أن جعفر بن برقان قال في روايته: قال نافع: "ويقطع الخفاف أسفل من الكعبين"، وقال ابن قدامة: ويحتمل أن يكون الأمر بقطعهما قد نسخ، قال عمرو بن دينار روى الحديثين جميعًا وقال: انظروا أيهما كان قبل، وقال الدراقطني: قال أبو بكر النيسابوري: حديث ابن عمر قبل، لأنه قد جاء في بعض الروايات:"نادى رجل رسول الله عليه السلام في المسجد" يعني في المدينة، فكأنه كان قبل الإِحرام، وحديث ابن عباس يقول:"سمعته يخطب بعرفات" الحديث، فيدل على تأخره عن حديث ابن عمر رضي الله عنهما فيكون ناسخًا له؛ لأنه لو كان واجبًا لبينه للناس، إذْ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه.

وقال ابن الجوزي: روى حديث ابن عمر مالك وعبيد الله وأيوب في آخرين فوقفوه على ابن عمر، وحديث ابن عباس سالمٌ من الوقف مع ما عضده من حديث جابر رضي الله عنه وقد أخذ بحديثنا عمر وعلي وسعد وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم ثم إنا نحمل قوله:"وليقطعهما" على الجواز من غير كراهة لأجل الإِحرام ونهى عن ذلك

(1) في "الأصل، ك": "بشر"، وهو تحريف، والصواب ما أثبتناه.

ص: 131

في غير الإِحرام لما فيه من الفساد، فأما إذا لبس الخف المقطوع من أسفل الكعب مع وجود النعل، فعندنا أنه لا يجوز، ويجب عليه الفداء خلافًا لأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي.

قلت: قال أبو عمر: قد اتفق الحفاظ من أصحاب مالك على لفظة: "وليقطعهما" أنها من لفظ الحديث، وأما جعفر بن برقان فوهم فيه في موضعين:

الأول: جعله هذا من قول نافع أنه قال فيه: "من لم يجد إزارًا فليلبس السراويل" وليس هذا حديث ابن عمر.

الثاني: جعله هذا موقوف، وقد روى أحمد بن حنبل حديث ابن عمر مرفوعًا وفيه ذكر القطع، وقال: ليس نجد أحدًا يرفعه غير زهير، قال: وكان زهير من معادن الصدق، ذكره عنه الميموني.

وفي بعض نسخ "المجتبى"(1): لأبي عبد الرحمن النسائي في حديث ابن عباس من رواية عمرو بن دينار زيادة: "وليقطعهما أسفل من الكعبين" كحديث ابن عمر، لكن يعكر عليه ما ذكره أحمد في "مسنده" عن عمرو، أن أبا الشعثاء أخبره، عن ابن عباس بالحديث، وفيه قال:"فقلت له: ولم يقل: ليقطعهما؟ قال لا".

وكذا أخرجه الدارمي في "سننه"(2) والطحاوي في هذا الباب وقد ذكرناه، وأما قولهم:"حديث ابن عباس بعرفات، وحديث ابن عمر بالمدينة، وأن المتأخر ينسخ المتقدم".

فيفسده ما ذكره ابن خزيمة في "صحيحه"(3): عن ابن عباس سمعت رسول الله عليه السلام وهو يخطب ويقول: "السراويل لمن لم يجد الإزار".

(1) تقدم.

(2)

"صحيح ابن خزيمة"(4/ 199 رقم 2681).

(3)

"صحيح ابن خزيمة"(4/ 200 رقم 2682).

ص: 132

ونا أحمد بن المقدام، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: "أن رجلاً سأل النبي عليه السلام وهو بذاك المكان، فقال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم؟

" الحديث كأنه يشير بذاك المكان إلى عرفات، فإذا كان كذلك فليس فيه دلالة على ما ذكروه وادعوه من النسخ، والله أعلم.

ثم إنه أخرج حديث ابن عمر من تسع طرق صحاح:

الأول: عن يزيد بن سنان القزاز

إلى آخره، والكل رجال الصحيح ما خلا يزيد بن سنان.

وأخرجه النسائي (1): أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم وعمرو بن علي، قالا: ثنا يزيد -وهو ابن هارون- قال: أنا يحيى -وهو ابن سعيد الأنصاري- عن عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر:"أن رجلاً سأل رسول الله عليه السلام ما نلبس من الثياب إذا أحرمنا؟ قال: لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس ولا الخفاف إلَاّ أن يكون أحد ليس له نعلان فليلبس الخفين أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسه ورس ولا زعفران".

الثاني: عن محمد بن عمرو بن يونس التغلبي، عن أسباط بن محمد بن عبد الرحمن الكوفي روى له الجماعة، عن سعيد بن أبي عروبة مهران البصري، روى له الجماعة، عن أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام.

وأخرجه البيهقى في "سننه"(2): من حديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال:"نادى رجل، يا رسول الله، وهو يخطب وهو بذلك المكان -وأشار نافع إلى مقدم المسجد- فقال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال: لا يلبس السراويل ولا القميص ولا العمامة ولا الخفين إلَاّ أحد لا يجد نعلين فليقطعهما فليلبسهما أسفل من الكعبين، ولا شيئًا من الثياب مسه ورس وزعفران ولا البرنس".

(1)"المجتبى"(5/ 134 رقم 2675).

(2)

"السنن الكبرى"(5/ 49 رقم 8843).

ص: 133

وأخرجه البخاري مختصرًا (1).

الثالث: عن محمد بن خزيمة، عن الحجاج بن منهال شيخ البخاري، عن حماد ابن سلمة، عن أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر.

وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"(2): من حديث حماد، عن أيوب، عن نافع

إلى آخره.

الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب

إلى آخره، وهؤلاء كلهم رجال الصحيح.

وأخرجه مسلم (3): ثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن نافع، عن ابن عمر:"أن رجلاً سأل النبي عليه السلام ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله عليه السلام: لا يلبس القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلَاّ أحد لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا يلبس من الثياب شيئًا مسه الزعفران ولا الورس".

وأخرجه أبو داود (4): عن عبد الله بن مسلمة، عن مالك نحوه.

وابن ماجه (5): عن أبي مصعب، عن مالك نحوه.

الخامس: عن عيسى بن إبراهيم بن عيسى الغافقي المصري شيخ أبي داود والنسائي أيضاً، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن مسلم الزهري

إلى آخره.

وأخرجه أبو داود (6): نا أحمد بن حنبل ومسدد، قالا: ثنا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: "سأل رجل رسول الله عليه السلام ما يترك المحرم من الثياب؟ فقال:

(1)"صحيح البخاري"(5/ 2184 رقم 5458).

(2)

"صحيح ابن خزيمة"(4/ 200 رقم 2682).

(3)

"صحيح مسلم"(2/ 835 رقم 1177).

(4)

"سنن أبي داود"(2/ 165 رقم 1824).

(5)

"سنن ابن ماجه"(2/ 977 رقم 2929).

(6)

"سنن أبي داود"(2/ 165 رقم 1823).

ص: 134

لا يلبس القميص ولا البرنس ولا السراويل ولا العمامة ولا ثوبًا مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين إلَاّ أن لا يجد النعلين، فمن لم يجد النعلين فليلبس خفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين".

السادس: عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن خالد بن عبد الرحمن الخراساني المروذي، عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئب المدني، عن محمد بن مسلم الزهري، عن سالم

إلى آخره.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1) نحوه.

السابع: عن محمد بن خزيمة بن راشد، عن حجاج بن منهال، عن عبد العزيز ابن مسلم القسملي المروذي ثم البصري، عن عبد الله بن دينار، أنه سمع عبد الله بن عمر

إلى آخره.

وأخرجه أحمد (2) أيضًا: ثنا عفان، نا عبد العزيز بن مسلم، نا عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله عليه السلام:"نهى أن يلبس المحرم ثوبًا صبغ بورس أو زعفران، وقال رسول الله عليه السلام: من لم يكن له نعلان فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين".

الثامن: عن يونس بن عبد الأعلى المصري عن عبد الله بن وهب

إلى آخره.

وأخرجه مالك في "موطأه"(3): عن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر أنه قال:"نهى رسول الله عليه السلام أن يلبس المحرم ثوبا مصبوغًا بزعفران أو ورس، وقال: من لم يجد نعلين فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين".

التاسع: عن محمد بن خزيمة

إلى آخره.

(1)"مسند أحمد"(2/ 8 رقم 4538).

(2)

"مسند أحمد"(2/ 73 رقم 5427).

(3)

"موطأ مالك"(1/ 325 رقم 709).

ص: 135

وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(1): ثنا شعبة، عن عبد الله بن دينار سمع ابن عمر يقول:"إن رسول الله عليه السلام قال: من لم يجد إزارًا فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين، قلت: للمحرم، قال: للمحرم".

قوله: "السراويلات" جمع سراويل، وقد مر الكلام فيه عن قريب.

و"العمائم" جمع عمامة، يقال: اعتم بالعمامة، وتعمم بها.

و"البرانس" جمع برنس، وهو كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دُرَّاعة، أو جبةٍ، أو مِمْطَرٍ أو غيره.

وقال الجوهري: هي قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإِسلام، وهو من البِرْس -بكسر الباء- وهو القطن، والنون زائدة، وقيل: إنه غير عربي.

وقال ابن حزم: كل ماجُبَّ فيه موضع لإِخراج الرأس منه فهو جبة في لغة العرب، وكل ما خيط أو نسج في طرفيه ليتمسك على اللابس فهو برنس كالغفارة ونحوها.

قوله: "أسفل من الكعبين" والكعب هو العظم الناتئ عند مفصل الساق والقدم عند الجنب، ولكن هذا المعنى هذا المراد في باب الوضوء، والكعب الذي في باب الحج هو المفصل الذي في وسط القدم عند معقد الشراك.

فإن قيل: هذا الحديث فيه نوع إشكال؛ لأن فيه: أن رجلاً سأل النبي عليه السلام: ما يلبس من الثياب؟ فهذا سؤال عما يلبس المحرم، فأجاب عليه السلام عنه بشيء آخر لم يسأل عنه حيث قال: "لا تلبسوا السراويلات

" إلى آخره، فهذا عدول عن محل السؤال، أو يوجب أن يكون إثبات الحكم في المذكور دليلاً على أن الحكم في غيره بخلافه وهذا خلاف المذهب.

(1)"مسند الطيالسي"(1/ 256 رقم 1883).

ص: 136

قلت: قد قيل: إنه يحتمل أن يكون السؤال عما لا يلبسه، وأضمر كلمة "لا" في محل السؤال، لأن كلمة "لا" قد تراد في الكلام وقد تحذف منه، كما في قوله تعالى:{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} (1) أي أن لا تضلوا، فحينئذ يكون الجواب مطابقًا للسؤال.

وقيل: يحتمل أن عليه السلام علم غرض السائل ومراده أنه طلب منه بيان ما لا يلبسه المحرم بعد إحرامه، إما بقرينة جالية أو بدليل آخر أو بالوحي، فأجاب عما في ضميره وغرضه ومقصوده.

ويقال: إنه لما خص المخيط بأنه لا يلبس المحرم بعد تقدم السؤال عما يلبسه دل أن الحكم في غير المخيط بخلافه والتنصيص على حكم في مذكور، إنما يدل على تخصيص ذلك الحكم به بشرائط ثلاثة:

أحدهما: أن لا يكون فيه حَيْدٌ عن الجواب لمن لا يجوز عليه الحيد، فأما إذا كان؛ فإنه يدل عليه صيانة لمنصب النبي عليه السلام عن الحيد عن الجواب عن السؤال.

والثاني: من المحتمل أن يكون حكم غير المذكور خلاف حكم المذكور، وهنا لا يحتمل؛ لأنه يقتضي أن لا يلبس المحرم أصلاً، وفيه تعريضه للهلاك بالحر أو بالبرد والعقل يمنع من ذلك، فكان المنع من أحد النوعين في مثله إطلاقًا للنوع الآخر.

والثالث: أن يكون ذلك في غير الأمر والنهي، فأما في الأمر والنهي فيدل عليه، قد صح من مذهب أصحابنا أن الأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي عن الشيء أمر بضده، والتنصيص ها هنا في محل النهي فكان ذلك دليلًا على أن الحكم في غير المخيط بخلافه والله أعلم.

ص: وأمَّا النظر في ذلك فإنا قد رأيناهم لم يختلفوا فيمن وجد إزارًا أن لبس السراويل له غير مباح لأن الإِحرام قد منعه من ذلك، وكذلك من وجد نعلين فحرام عليه لبس الخفين من غير ضرورة.

(1) سورة النساء، آية:[176].

ص: 137

فأردنا أن ننظر في لبس ذلك من طريق الضرورة كيف هو؟ وهل يوجب كفارة أو لا يوجبها؟

فاعتبرنا ذلك، فرأينا الإِحرام ينهى عن أشياء قد كانت مباحة قبله، منها لبس القميص والعمائم والخفاف والسراويلات والبرانس، وكان من اضطر فوجد الحرَّ فغطى رأسه، أو وجد البرد فلبس ثيابه أنه قد فعل ما هو مباح له فعله، وعليه الكفارة مع ذلك، وحرم عليه الإِحرام أيضًا حلق الرأس إلا من ضرورة، وكان من حلق رأسه من ضرورة فقد فعل ما هو مباح له والكفارة عليه واجبة، فكان حلق الرأس للمحرم في غير حال الضرورة إذا أبيح لم تكن إباحته تسقط الكفارة، بل الكفارة في ذلك كله واجبة في حال الضرورة كهي في غير حال الضرورة، وكذلك لبس القميص الذي حرم عليه في غير حال الضرورة، فإذا كانت الضرورة فأبيح ذلك له لم يسقط بذلك الضمان، فكانت الكفارة واجبة عليه في ذلك كله فلم تكن الضرورة في شيء مما ذكرنا تسقط كفارة كانت تجب في شيء في غير حال الضرورة، وإنما تسقط الأثام خاصة، فكذلك الضرورات في لبس الخفاف والسراويلات لا توجب سقوط الكفارات التي كانت تجب لو لم تكن تلك الضرورات، ولكنها ترفع الأثام خاصة.

فهذا هو النظر في هذا [الباب أيضًا](1) وهو قول أبي حنيفة، وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أي وأما وجه النظر والقياس في الحكم المذكور المختلف فيه، فإنَّا رأيناهم، أي الأخصام كلهم

إلى آخره. وهو ظاهر غني عن زيادة بيان.

قوله: "وكان من اضطر" أي الذي اضطر إلى اللبس.

قوله: "لم يسقط بذلك الضمان" وفي كثير من النسخ الكفارة، وهو الأقرب.

قوله: "فهذا هو النظر" أي فهذا الذي ذكرنا هو وجه النظر والقياس في هذا الباب.

(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 138