المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: التلبية كيف هي - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٩

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: التلبية كيف هي

‌ص: باب: التلبية كيف هي

؟

ش: أي هذا باب في بيان كيفية التلبية، وهي إجابة المنادي أي إن إجابتي لك يا رب، أخذت من لبّ بالمكان وألب إذا أقام به، وألبَّ على كذا إذا لم يفارقه، ولم تستعمل إلَاّ على لفظ التثبت في معنى التكرير، أي إجابةً بعد إجابة، والتلبية من لبيك كالتهليل من لا إله إلَاّ الله، ويقال: تثنية لبيك يراد بها التكثير في العدد، والعود مرةً بعد أخرى، وليس لها فعل من لفظها بل من معناها، كأنك قلت: داومت وأقمت، وقولهم: لبى يلبي، مشتق من لفظ لبيك، كما قالوا: حمدل وحوقل.

وذهب يونس إلى أن لبيك مفرد، والياء فيه كالياء في لبيك وعليك وإليك، وأصله لبب فعلل لا فعّل لقلته، فقلبت الياء الثالثة ياء استثقالًا لثلاث باءات، ثم قلبت ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم ياءً لاضافته إلى المضمر، كما في لديك، ورد سيبويه عليه بقول الشاعر:

فلبى يلبي يدي مسورٍ (1)

بالياء مع إضافته إلى الظاهر.

وقد اختلف في معنى لبيك، فقيل: معناه أنا مقيم على طاعتك إقامةً بعد إقامة، من أَلَبَّ بمكان كذا، ولبّ به: إذا أقام به ولزمه.

وقيل معناه: اتجاهي وقصدي إليك، مأخوذ من قولهم داري تلب دارك أي تواجهها.

وقيل: محبتي لك، من قولهم: امرأة لبة إذا كانت محبةً لزوجها، أو عاطفة على ولدها.

(1) كذا في "الأصل، ك"، وفي "لسان العرب" (4/ 388):

دَعَوْتُ لِمَا نَابَنِي مِسْوَرًا

فَلَبَّي فَلَبَّي يَدَي مِسْورِ

ص: 78

وقيل: معناه إخلاصي لك، وهو جواب الداعي وهو الخليل عليه الصلاة والسلام لمَّا دعى الناس إلى الحج على أبي قبيس.

وقيل: على حجر المقام.

وقيل: عند ثنية كذا، وزعم ابن حزم أن التلبية شريعةً أمر الله بها لا علة لها إلَاّ قوله تعالى:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (1).

فإن قيل: ما ناصبه؟

قلت: قال الفراء: نصب على المصدر كقولهم: حمدًا لله وشكرًا. وكان حقه أن يقال: لبًّا لك ولكنه ثُنَّي على معنى التأكيد، أي ألبَابًا بعد ألبَاب.

ويجوز الوجهان في: "إن الحمد والنعمة لك"، ويُروى عن محمد بن الحسن والكسائي: أن المختار هو كسرة همزة "إن".

قال السفاقسي: وكذا هو في البخاري، وهو ابتداء كلام، كأنه لما قال: لبيك.

استأنف كلامًا آخر فقال: إن الحمد والنعمة لك.

ووجه الفتح كأنه يقول: أجبتك لأن الحمد والنعمة لك في كل شيء وفيما دعوت إليه.

قوله: "والنعمة" الأشهر فيها الفتح، ويجوز الرفع على الابتداء، وخبر "إن" محذوف.

وقال الخطابي: الفتح في "إن" رواية العامة.

وقال ثعلب: الاختيار كسر "إن" وهو أجود معنىً من الفتح، ويجوز "والنعمةُ لك" على الابتداء، والخبر محذوف تقديره: إن الحمد لك والنعمة لك.

قال ابن الأنباري: وإن شئت جعلت تخبر "إن" محذوفًا.

وقال القاضي: قال ثعلب: فمن فتح خصّ ومن كسر عمّ.

(1) سورة الملك، آية:[2].

ص: 79

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا المقدمي، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أبان بن تغلب، عن ابن إسحاق، عن عبد الرحمن بن زيد، عن عبد الله رضي الله عنه قال:"كانت تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم [لبيك] (1) لبيك. لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك".

ش: إسناده صحيح على شرط مسلم، والمقدمي هو محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي شيخ البخاري ومسلم.

وأبان بن تغلب الربعي أبو سعد الكوفي، روى له الجماعة إلَاّ البخاري.

وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي.

وعبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، روى له الجماعة.

وأخرجه النسائي (2): أنا أحمد بن عبدة، قال: نا حماد بن زيد، عن أبان بن تغلب

إلى آخره نحوه، غير أن في لفظه:"كان من تلبية النبي عليه السلام".

ص: حدثنا فهد، قال: ثنا الحسن بن الربيع، قال: ثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن عمارة، عن أبي عطية، قال: قالت عائشة رضي الله عنها: "إني لأحفظ كيف كان رسول الله عليه السلام يلبي

" فذكرت ذلك أيضًا.

ش: إسناده صحيح، وأبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي، والأعمش هو سليمان ابن مهران الكوفي.

وعمارة هو ابن عمير التيمي الكوفي.

وأبو عطية اسمه مالك بن أبي حُمرة.

والحديث أخرجه البخاري (3): ثنا محمد بن يوسف، نا سفيان، عن الأعمش،

(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "شرح معاني الَاثار".

(2)

"المجتبى"(5/ 161 رقم 2751).

(3)

"صحيح البخاري"(2/ 561 رقم 1475).

ص: 80

عن عمارة، عن أبي عطية، عن عائشة قالت:"إني لأعلم كيف كان النبي عليه السلام يلبي؛ لبيك اللهم لبيك، [لبيك] (1) لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك".

ص: حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن نافع، عن ابن عمر:"أن تلبية رسول الله عليه السلام كانت كذلك، وزاد: والملك لا شريك لك".

ش: رجاله كلهم رجال الصحيح.

وأخرجه مالك في "موطإه"(2) عن نافع، عن ابن عمر:"أن تلبية رسول الله عليه السلام: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".

قال: وكان عبد الله بن عمر يزيد فيها: "لبيك، لبيك، لبيك وسعديك، والخير بيديك، لبيك والرغباء إليك والعمل".

ص: حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج بن منهال، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا أيوب وعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر مثله.

ش: هذا طريق آخر، وهو أيضاً صحيح.

وأيوب هو السختياني، وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب.

وأخرجه الجماعة بوجوه مختلفة.

وأخرجه الترمذى (3): ثنا أحمد بن منيع، قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر:"أن تلبية رسول الله عليه السلام كانت: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".

(1) ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "صحيح البخاري".

(2)

"موطأ مالك"(1/ 331 رقم 370).

(3)

"جامع الترمذي"(3/ 187 رقم 825).

ص: 81

وأخرجه مسلم (1) عن ابن مثنى، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر

نحوه.

ص: حدثنا ربيع المؤذن قال: ثنا أسدٌ، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل المدني، قال: ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر:"أن رسول الله عليه السلام لبّى في حجته كذلك أيضًا".

ش: إسناده صحيح، وجعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وأبوه أبو جعفر محمد بن علي الباقر.

وأخرجه أبو داود (2) ثنا أحمد بن حنبل، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا جعفر، قال: ثنا أبي، عن جابر رضي الله عنه قال: "أَهَلَّ رسول الله عليه السلام

" فذكر التلبية مثل ابن عمر عن النبي عليه السلام قال: "والناس يزيدون: ذا المعارج ونحوه من الكلام، والنبي عليه السلام يسمع فلا يقول لهم شيئًا".

وأخرجه ابن ماجه (3): ثنا زيد بن أخزم، ثنا مؤمل بن إسماعيل، نا سفيان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر قال:"كانت تلبية رسول الله عليه السلام: لبيك اللهم لبيك [لبيك] (4) لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".

ص: حدثنا أبو أمية، قال: ثنا محمد بن زياد بن زبار، قال: ثنا شرقي بن قطامي، قال: أنا أبو طلق العائذي، قال: سمعت شراحيل بن القعقاع يقول: سمعت عمرو بن معد يكرب يقول: "لقد رأيتنا منذ قريب ونحن إذا حججنا نقول:

لبيك تعظيمًا إليك عذرا

هذه زبيدٌ قد أتتك قسرًا

تغدو مضمرات بنا شزرا

يقطعن خبتًا وجبالًا وعرا

(1)"صحيح مسلم"(2/ 842 رقم 1184).

(2)

"سنن أبي داود"(2/ 162 رقم 1813).

(3)

"سنن ابن ماجه"(2/ 974 رقم 2919).

(4)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "سنن ابن ماجه".

ص: 82

قد خلفوا الأنداد خَلْوًا صِفْرًا

ونحن اليوم نقول كما علمنا رسول الله عليه السلام:

قال: قلت: وكيف علمكم .. " فذكر التلبية على ما في الحديث الذي قبل هذا.

ش: أبو أُميَّة محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، ومحمد بن زياد بن زبَّار -بفتح الزاي المعجمة وتشديد الباء الموحدة- الكلبي، فيه مقال، فقال يحيى: لا شيء، وقال جزرة: إخباري وليس بذاك. وكان شاعرًا مشهوراً.

وشرقي -بفتح الشين المعجمة والراء وكسر القاف- ابن قطامي الكوفي، فيه مقال، فقال الساجي: ضعيف له حديث واحد، ليس بالقائم. وقال الخطيب: كان عالمًا بالنسب وافي الأدب، والشرقي لقب، واسمه الوليد بن حصين، قاله البخاري، وذكره ابن حبان في "الثقات".

وأبو طلق العائذي قال ابن حبان: شيخ مجهول. وحكى البخاري في اسمه اختلافًا كثيرًا، ومال إلى أنه عدي بن حنظلة بن نعيم، وعدي بن حنظلة قال ابن معين: هو مشهور.

وشراحيل بن القعقاع ذكره ابن حبان في "الثقات" من التابعين.

والحديث أخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا علي بن المبارك الصنعاني، نا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أبي، عن عمرو بن شمر، عن أبي طوق شراحيل ابن القعقاع، قال: سمعت عمرو بن معدي كرب يخبر: "الحمد لله، إن كنا منذ قريب إذا حججنا نقول:

لبيك تعظيمًا إليك عذرًا

هذي زُبَيد قد أتتك قسرًا

تقطع خبتًا وجبالاً وعرًا

تغدو بها مضمرات شزرًا

قد تركوا الأوثان خلوا صفرًا

(1)"المعجم الكبير"(17/ 46 رقم 100).

ص: 83

فنحن اليوم نقول كما علمنا رسول الله عليه السلام:

لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

وكنا نمنع الناس يقفوا بعرفات في الجاهلية، فَأَمَرَنَا رسول الله عليه السلام أن نحول بينهم وبين بطن عرفة، فإنما كان موقفهم ببطن محسر عَشية عرفة فَرقًا أن يتخطفهم الجن، وقال لنا رسول الله عليه السلام: إنما هم إخوانكم إذا أسلموا".

(1)

قال: ثنا شعيب بن الليث، قال ثنا الليث، عن نافع، عن أسلم، عن عمر مثله.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن

أبيه قال: "كنت مع عثمان رضي الله عنه بذي الحليفة، فرأى رجلاً يريد أن يحرم وقد ادهن رأسه، فأمر به فغسل رأسه بالطين".

ش: أي قال هؤلاء القوم: قد شدّ ما ذهبنا إليه ما روي عن عمر بن الخطاب وعثمان ابن عفان رضي الله عنهما وأخرج ما روي عن عمر من أربع طرق صحاح:

الأول: عن نصر بن مرزوق، عن الخصيب بن ناصح الحارثي، عن وهيب بن خالد، عن أيوب السختياني، عن نافع مولى ابن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن عمر بن الخطاب.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2) ثنا ابن علية، عن أيوب، عن نافع

إلى آخره.

الثانى: عن محمد بن خزيمة، عن الحجاج بن المنهال الأنماطي، شيخ البخاري، عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر.

(1) سقط من "الأصل، ك".

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 207 رقم 13500).

ص: 84

وأخرجه البزار في "مسنده"(1) من طريق محمد بن عباد بن جعفر، عن ابن عمر قال:"أقبلنا مع عمر بن الخطاب، حتى إذا كنا بذي الحليفة أهل وأهللنا، فمر بنا ركب ينفح منه ريح الطيب، فقال عمر: من هذا؟ قالوا: معاوية، قال: ما هذا يا معاوية؟! قال: مررت بأم حبيبة بنت أبي سفيان ففعلت بي هذا، قال: ارجع فاغسله عنك؛ فإني سمعت رسول الله عليه السلام يقول: الحاج الشعث التفِل".

الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن نافع، عن أسلم مولى عمر بن الخطاب

مثله.

وأخرجه مالك في "موطأه"(2): عن نافع، عن أسلم مولى عمر بن الخطاب:"أن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة، فقال ممن ريح هذا الطيب؟ فقال معاوية بن أبي سفيان: مني يا أمير المؤمنين، فقال: منك لعمرو الله؟! فقال معاوية: إن أم حبيبة طيبتني يا أمير المؤمنين، فقال عمر رضي الله عنه: عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه".

الرابع: عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن شعيب بن الليث، عن الليث بن سعد، عن نافع، عن أسلم، أن عمر .. إلى آخره.

وأخرجه البيهقي في "سننة"(3): من حديث شعيب، عن الزهري قال: كان ابن عمر يحدث عن عمر: "أنه وجد من معاوية ريح طيب وهو بذي الحليفة وهم حجاج، فقال عمر: ممن ريح هذا الطيب؟ قال: شيء طيبتني أم حبيبة، فقال: لعمري، أقسم الله لترجعن إليها حتى تغسله، فوالله، لأن أجد من المحرم ريح القطران أحب إليّ من أجد منه ريح الطيب".

(1)"مسند البزار"(1/ 286 رقم 182).

(2)

"موطأ مالك"(1/ 329 رقم 721).

(3)

"السنن الكبرى"(5/ 35 رقم 8750).

ص: 85

وأخرجه ابن حزم (1) من طريق الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال:"وجد عمر ريح طيب بالشجرة، فقال: ممن هذا؟ فقال: معاوية مني، طيبتني أم حبيبة، فتغيظ عمر عليه، وقال: منك لعمري، أقسمت عليك لترجعن إلى أم حبيبة فلتغسله عنك كما طيبتك، وأنه قال: إنما الحاج الأشعث الأذفر الأشعر".

قوله: "لعمري منك" في مقام الإِنكار عليه، فلهذا قال معاوية: لا تعجل عليّ يا أمير المؤمنين.

قوله: "إن أم حبيية" هي أخت معاوية، زوجة النبي عليه السلام واسمها رملة.

قوله: "ينفح" أي يفوح.

قوله: "بالشجرة" قال في "شرح الموطأ": الشجرة موضع يقرب من الميقات.

وأخرج ما روي عن عثمان بإسناد صحيح أيضًا، عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير

إلى آخره.

وأخرجه ابن حزم (1) من طريق شعبة، عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن أبيه:"أن عثمان رضي الله عنه أقول رجلاً قد تطيب عند الإِحرام، فأمر أن يغسل رأسه بطين".

وأخرج ابن في شيبة في "مصنفه"(2): ثنا وكيع، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه:"أن [إبراهيم] (3) رأى رجلاً قد تطيب عند الإِحرام، فأمره أن يغسل رأسه بطين".

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فلم يروا بالتطيب عند الإِحرام باسًا.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: محمد بن الحنفية وعمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير والأسود بن يزيد وخارجة بن زيد والقاسم

(1)"المحلى"(7/ 83).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبه"(3/ 208 رقم 13502).

(3)

كذا في "الأصل، ك"، و"المصنف" ولعل الصواب:"عثمان"، والله أعلم.

ص: 86

ابن محمد وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف وزفر بن الهذيل والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا سليمان ومحمد بن الحسن -في رواية-: فإنهم قالوا: لا بأس بالتطيب عند الإِحرام، وهو مذهب الظاهرية أيضًا.

وقال ابن حزم: ويستحب للمرأة والرجل أن يتطيبا عند الإِحرام بأطيب ما يجدانه من الغالية، والبخور بالعنبر وغيره، ثم لا يزيلانه من أنفسهما ما بقي عليهما، ثم قال: إن هذا هو مذهب جمهور الصحابة كسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن جعفر والحسين بن علي وأبي ذر وأبي سعيد والبراء بن عازب وأنس بن مالك ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس وعائشة وأم حبيبة رضي الله عنهم

ص: فقالوا: أما حديث يعلى فلا حجة فيه لمن خالفنا، وذلك أن ذلك الطيب الذي كان على ذلك الرجل إنما كان صفرة وهو خَلوق فذلك مكروه للرجل لا للإِحرام، ولكنه لأنه مكروه في نفسه في حال الإِحلال وفي حال الإِحرام وإنما أُبيح من الطيب عند الإِحرام ما هو حلال في حال الإِحلال، وقد روي عن يعلى ما بيّن أن ذلك الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل بغسله كان خلوقًا.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمد بن المنهال، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن مطر الوراق، عن عطاء، عن يعلى بن منية:"أن رسول الله عليه السلام رأى رجلاً لبى بعمرة وعليه جبة وشي من خلوق، فأمره أن ينزع الجبة ويمسح خلوقه ويصنع في عمرته ما يصنع في حجته".

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: ثنا الليث، [أن](1) عطاء بن أبي رباح حدثه، عن ابن يعلى بن منية، عن أبيه، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا حسان بن هلال، قال: ثنا همام، قال: ثنا عطاء، عن صفوان بن يعلى بن أمية، عن أبيه، عن النبي عليه السلام نحوه، غير أنه قال:"واغسل عنك أثر الخلوق والصفرة".

(1) في "الأصل، ك": "عن"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

ص: 87

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا عبد الملك ومنصور وابن أبي ليلى، عن عطاء، عن يعلى بن أمية:"أن رجلاً جاء إلى رسول الله عليه السلام فقال: يا رسول الله، إني أحرمت وعليّ جبتي هذه وعلى جبته ردوع من خلوق، والناس يسخرون مني فأطرق عنه ساعة ثم قال: اخلع عنك هذه الجبة، واغسل عنك هذا الزعفران واصنع في عمرتك ما كنت صانعًا في حجتك".

فبينت لنا هذه الآثار أن ذلك الطيب الذي أمره النبي عليه السلام بغسله كان خلوقًا، وذلك منهي عنه في حال الإِحلال وحال الإِحرام، فيجوز أن يكون النبي عليه السلام أراد بأمره إياه بغسله لما كان من نهيه أن يتزعفر الرجل، لا لأنه طيب تطيب به قبل الإِحرام ثم حرمه عليه الإِحرام.

ش: أي قال الآخرون في الجواب عما احتجت به أهل المقالة الأول من حديث يعلى: بيانه أن يقال: إن حديث يعلى لا حجة لكم فيه؛ لأن ذلك الطيب الذي كان على ذلك الرجل وأمره عليه السلام بغسله إنما كان صفرة وهو خلوق، والخلوق مكروه للرجل في كل الأحوال سواء كان في حالة الإِحرام أو في حالة الإِحلال ولا يباح من الطيب عند الإِحرام إلَاّ ما هو حلال في حالة الإِحلال، والدليل على ذلك: أن حديث يعلى بن أمية الذي روي بطرق مختلفة قد بين ذلك وأوضح أن ذلك الطيب الذي أمره عليه السلام بغسله كان خلوقًا، وهو منهي عنه في كل الأحوال.

وقال ابن حزم في "المحلى" لا حجة لهم في هذا الخبر لأنه كان في الجعرانة كما ذكر في الحديث، وعمرة الجعرانة كانت إثر فتح مكة متصلة به في ذي القعدة، لأن فتح مكة كان في شهر رمضان، وكانت حينئذ متصلة به، ثم عمرة الجعرانة منصرفه عليه السلام من حنين ثم حج تلك السنة عتاب بن أسيد ثم كان عام قابل فحج بالناس أبو بكر، ثم كانت حجة الوداع في العام الثالث، وكان تطيب النبي عليه السلام وأزواجه معه في حجة الوداع بعد حديث هذا الرجل بأزيد من عامين، فممن أعجب؟ ممن يعارض آخر فعله عليه السلام بأول فعله -هذا يوضح أن حديث يعلى بن أمية فيه نهي

ص: 88

عن الطيب للمحرم- وهذا لا يصح لهم لأن هذا الخبر رواه من هو أحفظ من ابن جريج وأجل منه، فبين أن ذلك الطيب إنما كان خلوقًا، ثم روى الحديث المذكور بطرقه، كما رواه الطحاوي، ثم قال: فاتفق عمرو بن دينار وهمام بن يحيى وقيس بن سعد كلهم، عن عطاء في هذه القصة نفسها، عن صفوان ابن يعلى، عن أبيه أنه كان متضمخًا بخلوق وهو الصفرة نفسها، وهو الزعفران بلا خلاف، وهو مُحَرَّمٌ على الرجال عامة في كل حال، وعلى المُحْرِم أيضًا بخلاف سائر الطيب، ثم قال: فبطل تشغيبهم بهذا الخبر جملة؛ لأنه إنما فيه نهي عن الصفرة لا عن سائر الطيب، ولأنه لو كان فيه نهي عن الطيب -وليس ذلك فيه- لكان منسوخًا بآخر فعله عليه السلام في حجة الوداع. انتهى.

ثم إنه أخرج حديث يعلى بن أمية من أربع طرق صحاح:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن محمد بن المنهال

إلى آخره.

وأخرجه الييهقي في "سننه"(1) من حديث شعبة، عن قتادة، عن عطاء، عن يعلى بن منية:"أن النبي عليه السلام رأى رجلاً عليه جبة عليها أثر خلوق أو صفرة، فقال: اخلعها عنك واجعل في عمرتك ما تجعل في حجك".

قوله: "عن يعلى بن منية" وفي بعض الروايات "عن يعلى بن أميَّة" وكلاهما صحيح لأن منية أمه وأمية أبوه، فتارة يذكر يعلى بانتسابه إلى أمه، وتارة بانتسابه إلى أبيه.

قوله: "جبة وشي من خلوق" قال الجوهري: الوشي من الثياب معروف، والخلوق -بفتح الخاء- طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنوع الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصفرة، وقال الجوهري:"الخلوق" ضرب من الطيب، وقد خلقته أي طيبته بالخلوق فتخلق به، وفي "المطالع": الخلوق: طيب يخلط بالزعفران.

(1)"السنن الكبرى"(5/ 57 رقم 8883).

ص: 89

الثانى: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن الليث بن سعد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن يعلى بن منية، عن أبيه، عن النبي عليه السلام، هكذا هو في غالب النسخ عن عطاء عن ابن يعلى بن منية عن أبيه، وفي بعضها عن عطاء عن يعلى بن منية عن النبي عليه السلام، ورأيت في بعض المواضع: قال الطحاوي: كذا يقول الليث: عن يعلى بن منية عن أبيه، وإنما هو ابن يعلى بن منية عن أبيه.

قلت: وكذا في رواية أبي داود (1): عن يزيد بن خالد، عن الليث، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن يعلى بن منية، عن أبيه، بهذا الخبر، قال فيه:"وأمره رسول الله عليه السلام أن ينزعها، ويغتسل مرتين أو ثلاثًا".

وفي "التكميل": قال ابن كثير: ابن يعلى بن أمية قال شيخنا: إن لم يكن صفوان بن يعلى بن أمية فلا أدري من هو.

الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن حبان -بفتح الحاء- بن هلال الباهلي، عن همام بن يحيى، عن عطاء بن أبي رباح، عن صفوان بن يعلى بن أميَّة، عن أبيه.

وأخرجه مسلم (2): عن شيبان بن فروخ، عن همام، عن عطاء، عن صفوان بن يعلى بن منية، عن أبيه قال:"جاء رجل إلى النبي عليه السلام وهو بالجعرانة عليه جبة وعليها خلوق -أو قال: أثر صفرة- فقال: وكيف تأمرني أن أصنع في عمرتي .. إلى أن قال: أين السائل عن العمرة؟ اغسل عنك أثر الصفرة -أو قال أثر الخلوق- واخلع عنك جبتك، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجتك".

وأخرجه أبو داود (3): عن محمد بن كثير، عن همام، عن عطاء .. إلى آخره نحوه.

وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" عن شيبان بن فروخ نحو مسلم.

(1)"سنن أبي داود"(2/ 164 رقم 1821).

(2)

"صحيح مسلم"(2/ 836 رقم 1180).

(3)

"سنن أبي داود"(2/ 164 رقم 1819).

ص: 90

الرابع: عن صالح بن عبد الرحمن عن سعيد بن منصور الخراساني شيخ مسلم وأبي داود عن هشيم بن بشير عن عبد الملك بن جريج ومنصور بن زادان ومحمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى ثلاثتهم عن عطاء بن أبي رباح عن يعلى بن منية إلى آخره.

وأخرجه أبو يعلى في "مسنده"(1): ثنا زكريا بن يحيى الواسطي، نا هشيم، عن منصور، عن عطاء، عن يعلى بن أمية قال:"جاء رجل أعرابي إلى رسول الله عليه السلام وعليه جبة عليها ردع من خلوق، فقال: يا رسول الله، إني أحرمت فيما ترى، وإن الناس يسخرون مني، فأطرق عنه هنيهة، ثم قال: اغسل عنك أثر الزعفران، واخلع جبتك واصنع في عمرتك ما كنت صانعًا في حجتك".

وأخرجه أبو علي الطوسي نحوه.

قوله: "وعلى جبته ردوع من خلوق" الردوع جمع ردع -بفتح الراء وسكون الدال وبالعين المهملات- وهو الشيء اليسير من الخلوق، يقال: ثوب به ردع من الزعفران أي لطخ لم يعمه كله وفي "الموعب": الردْع أثر الخلوق والطيب في الجسد، وعن أبي عمرو: هو اللطخ، وقد ردعته وارتدع هو، وقال ابن سيده بالثوب ردع من زعفران أي شيء يسير في مواضع شتى، وقميص رادِع ومردُوع ومُرَدعَّ: فيه أثر الطيب.

وفي بعض النسخ: "ردع" بالإِفراد، وهذه هي الأصح والله أعلم.

قوله: "فيجوز أن يكون النبي عليه السلام أراد بأمره

إلى آخره" جواب ثان عن الحديث المذكور، بيانه أن يقال: يجوز أن يكون المراد من قوله: "واغسل عنك الصفرة" في حديث يعلى المذكور في أول الباب أمرًا لما كان من نهيه أن يتزعفر الرجل، وليس لأجل أنه طيب تطيب به قبل الإِحرام، ثم حرم عليه بسبب الإِحرام، ثم شرع في بيان النهي عن تزعفر الرجل بقوله:

(1) وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(22/ 259 رقم 669) من طريق زكرياء بن يحيى به.

ص: 91

ص: فأما ما روي عن النبي عليه السلام في نهيه الرجل عن التزعفر: فإن ابن أبي داود حدثنا، قال: ثنا أبو معمر، ثنا: عبد الوارث، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال:"نهى رسول الله عليه السلام أن يتزعفر الرجل".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن التزعفر للرجال".

حدثنا محمّد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، عن إسماعيل بن علية، قال: أراه عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال:"نهى رسول الله عليه السلام الرجل أن يتزعفر".

حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن التزعفر".

حدثنا ابن أبي عمران وابن أبي داود، قال: ثنا علي بن الجعد، قال: أنا شعبة، قال: حدثني إسماعيل بن إبراهيم، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن التزعفر" قال عليّ فيما ذكر ابن أبي عمران خاصة: ثم لقيت إسماعيل فسألته عن ذلك، فأخبرته أن شعبة حدثنا به عنه، فقال لي: ليس هكذا حدثته، إنما حدثته:"أن رسول الله عليه السلام نهى أن يتزعفر الرجل" قال ابن أبي عمران: أراد بذلك أن النهي الذي كان من النبي عليه السلام في ذلك وقع على الرجال خاصة دون النساء.

ش: أخرجه عن أنس من خمس طرق صحاح:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري المقعد شيخ البخاري وأبي داود، عن عبد الوارث بن سعيد

إلى آخره.

ص: 92

وأخرجه البخاري (1) ثنا مسدد، نا عبد الوارث، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك قال:"نهى رسول الله عليه السلام أن يتزعفر الرجل".

وأخرجه مسلم (2) أيضًا.

و"التزعفر" هو أن يتخلق بالزعفران، وإنما نهي عنه لأنه من طيب النساء، وهن أكثر استعمالًا له منهم، وقد ورد الحديث أيضًا بإباحته، ولكن النهي أكثر، قال ابن الأثير: والظاهر أن أحاديث النهي ناسخة.

الثاني: عن أبي بكرة بكَّار

إلى آخره

وأخرجه النسائي (3): أنا قتيبة، قال: ثنا حماد، عن عبد العزيز، عن أنس:"أن رسول الله عليه السلام نهى عن التزعفر، قال حماد: يعني للرجال".

الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن إسماعيل بن علية وهو إسماعيل بن إبراهيم البصري، وعُلية أمه وقد عرف بها، روى له الجماعة.

وأخرجه البزار في "مسنده" عن مؤمل بن همام عن إسماعيل بن علية، عن عبد العزيز

إلى آخره نحوه.

الرابع: عن صالح بن عبد الرحمن إلى آخره.

وأخرجه أحمد (4) نحوه.

الخامس: عن أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي، وإبراهيم بن أبي داود كلاهما، عن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري شيخ البخاري واحد أصحاب أبي يوسف، عن شعبة، عن إسماعيل بن إبراهيم وهو إسماعيل بن أُميَّة المذكور.

(1)"صحيح البخاري"(5/ 2198 رقم 5508).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1663 رقم 2101).

(3)

"المجتبى": (5/ 142 رقم 2708).

(4)

"مسند أحمد"(3/ 101 رقم 11997).

ص: 93

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا حماد بن معمر، نا محمد بن عباد الهنائي، نا شعبة، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس:"أن النبي عليه السلام نهى عن التزعفر".

قال أبو بكر: وإنما نهى أن يتزعفر الرجل، فأخطأ فيه شعبة، وهذا الحديث لا يعلم رواه إلَاّ إسماعيل بن إبراهيم.

وإلى هذا المعنى أشار الطحاوي بقوله: "قال عليّ فيما ذكر ابن أبي عمران" أي: قال علي بن الجعد -فيما ذكر أحمد بن أبي عمران خاصة-: ثم لقيت إسماعيل وهو ابن علية فسألته عن ذلك، أي عن قوله:"نهى عن التزعفر" فأخبرته أن شعبة حدثنا به عنه أي حدثنا بالحديث عن عبد العزيز، فقال له: إن إسماعيل بن علية ليس هكذا حدثه، يعني بلفظ "نهى عن التزعفر". إنما حدثته بلفظ:"نهى رسول الله أن يتزعفر الرجل". فدل ذلك أن شعبة أخطأ ولذلك قال البزار: أخطأ شعبة. لأن رواية شعبة هكذا تعم الرجال والنساء، وليس كذلك بل النهي مخصوص في حق الرجال دون النساء، فإذا قيد بالرجل يستقيم الأمر، وعن هذا قال ابن أبي عمران: أراد بذلك

إلى آخره.

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا المقدمي، قال: ثنا خالد بن الحارث، عن شعبة، عن عطاء بن السائب، قال: سمعت أبا حفص بن عمرو يحدث، عن يعلى:"أنه مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو متخلق، فقال: ألك امرأة؟ فقال: لا. فقال له: اذهب فاغسله".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عامر (ح).

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا روح، قالا: ثنا شعبة، عن عطاء بن السائب، عن رجل من ثقيف، عن يعلى عن النبي عليه السلام مثله، هكذا قال أبو بكرة في حديثه، وقال علي في حديثه: عن عطاء بن السائب، قال: سمعت أبا حفص بن عمرو -أو أبا عمرو بن حفص- الثقفي.

ص: 94

ش: هذه ثلاث طرق:

الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي المصري شيخ الشيخين، عن خالد بن الحارث بن عبيد بن عثمان البصري روى له الجماعة، عن شعبة، عن عطاء بن السائب بن مالك الثقفي وثقه أحمد وعنه: من سمع منه قديمًا صحيح ومن سمع منه حديثًا لم يكن بشيء، وسمع منه قديمًا شعبة وسفيان، روى له البخاري متابعة والأربعة، عن أبي حفص عمرو، وقيل: أبو حفص بن عمر، وقيل: أبو عمر بن حفص، وقيل: عبد الله بن حفص، وقيل: حفص بن عبد الله، عن يعلى بن مرة وقيل: عن رجل، عن يعلى بن مرة.

وذكره الطبراني في "الكبير"(1): وقال عبد الله بن حفص بن أبي عقيل، عن يعلى ابن مرة، وذكره ابن حبان في الثقات، ويعلى هذا هو أبي مرة بن وهب الثقفي، وهو غير يعلى بن أميَّة المذكور فيما مضى.

وأخرجه الطبراني (2): ثنا محمد بن البراء، ثنا المعافى بن سليمان، نا موسى بن أعين، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن حفص، عن يعلى بن مرة قال:"مررت على رسول الله عليه السلام وأنا متخلق بزعفران، فقال: يا يعلى، هل لك امرأة، فقلت: لا، قال: اذهب فاغسله، ثم اغسله، ثم اغسله، ثم لا تعد، قال فذهبت فغسلته، ثم غسلته، ثم غسلته، ثم لم أعد".

وأخرجه النسائي (3) أيضًا نحوه.

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو، عن شعبة، عن عطاء بن السائب، عن رجل من ثقيف، عن يعلى بن مرة.

(1)"المعجم الكبير"(22/ 267 رقم 687).

(2)

"المعجم الكبير"(22/ 268 رقم 688).

(3)

"المجتبى"(8/ 153 رقم 5125).

ص: 95

والرجل المجهول هو أبو حفص بن عمرو الثقفي.

الثالث: عن علي بن شيبة، عن روح بن عبادة، عن شعبة، عن عطاء بن السائب، عن أبي حفص بن عمرو -أو أبي عمرو بن حفص- عن يعلى بن مرة.

وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(1): ثنا شعبة، عن عطاء بن السائب، عن أبي حفص بن عمرو، عن ابن مرة قال:"إن رسول الله عليه السلام أبصر رجلاً متخلقًا فقال اذهب فاغلسه، ثم اغسله، ثم لا تعد".

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عياش الرقام، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة -أو مطر- عن الحسن، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه السلام: "ألا وطيب الرجال ريح لا لون، ألا وطيب النساء لون لا ريح".

ش: إسناده صحيح، وعياش-بتشديد الياء آخر الحروف والشين المعجمة- بن الوليد الرقام القطان البصري شيخ البخاري وأبي داود، وعبد الأعلى ابن عبد الأعلى بن محمد البصري روى له الجماعة، وسعيد هو ابن أبي عروبة روى له الجماعة، ومطر بن طهمان الوراق روى له الجماعة البخاري في غير الصحيح، والحسن هو البصري.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(2): ثنا معاذ بن المثنى، نا علي بن المديني، ثنا روح بن عبادة.

وثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان، ثنا هشام بن عمار، ثنا شعيب بن إسحاق قالا: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين، قال: قال رسول الله عليه السلام: "طيب الرجال ريح لا لون له، وطيب النساء لون لا ريح له".

(1) وأخرجه الترمذي في "جامعه"(5/ 121 رقم 2816) عن محمود بن غيلان، عن أبي داود الطيالسي به.

(2)

"المعجم الكبير"(18/ 147 رقم 314).

ص: 96

وأخرج الترمذي (1): عن عمران بن الحصين، ولفظه:"إن خير طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه، ونهى عن المثيرة والأرجوان".

قوله: "ألا" كلمة تنبيه تنبه السامع على ما يأتي، وإنما كان خير طيب النساء هو اللون دون الريح لأن اللون يجعل الزينة لهن وأما الريح فإنه إذا فاح منهن يتأتى منه فساد، ويخاف عليهن من الفتنة، بخلاف الرجال فإنه لا تنبغي لهم الزينة فلذلك مُتِعُوا عن طيب يكون له لون، فافهم.

ص: حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي، قال: ثنا صاعد بن عُييد، قال: ثنا زهير بن معاوية، قال: ثنا حميد، عن أنس بن مالك، عن النبي عليه السلام نحوه.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا حماد، عن سلم العلوي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"جاء رجل إلى النبي عليه السلام عليه صفرة، فلما قام قال النبي عليه السلام: لو أمرتم هذا يدع هذه الصفرة، قال: وكان النبي عليه السلام لا يواجه الرجل بشيء في وجهه".

ش: هذان وجهان عن أنس:

الأول: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

والثاني: فيه سلم العلوي وهو سلم بن قيس البصري، وليس من ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيه مقال، فعن يحيى: ضعيف. وقال البخاري: تكلم فيه شعبة.

وقال النسائي: ليس بالقوي. روى له أبو داود.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): نا حسين، نا حماد -يعني ابن زيد- عن سلم العلوي، أنه سمع أنس بن مالك يقول: "دخل على النبي عليه السلام رجل وعليه صفرة فكرهها، فلما قام الرجل، قال النبي عليه السلام لبعض أصحابه: لو أمرتم هذا أن يدع

(1)"جامع الترمذي"(5/ 107 رقم 2788).

(2)

"مسند أحمد"(3/ 154 رقم 12595).

ص: 97

هذه الصفرة -قالها مرتين أو ثلاثة- قال أنس: وكان النبي عليه السلام قَلَّ ما يواجه رجلاً بشيء في وجهه".

وأخرجه أبو داود (1): عن عبيد الله بن عمر، عن حماد بن زيد، عن سلم العلوي

إلى آخره نحوه.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن جديه، قالا: سمعنا أبا موسى يقول: قال رسول الله عليه السلام: "لا تقبل صلاة رجل في جسده شيء من خلوق".

ش: أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الزبيري الكوفي روى له الجماعة. وأبو جعفر الرازي اسمه عيسى بن أبي عيسى، واسم أبي عيسى ماهان، وقيل: عيسى بن عبد الله وعن يحيى: ثقة، وعن أحمد: ليس بقوي في الحديث. وقال أبو حاتم: ثقة صدوق. روى له الأربعة.

والربيع بن أنس البصري البكري قال العجلي: بصري صدوق، وقال النسائي: ليس به بأس، وروى له الأربعة، وهو يروي عن جديه زياد وزيد، عن أبي موسى الأشعري وأسمه عبد الله بن قيس.

وأخرجه أبو داود (2): ثنا زهير بن حرب، قال: ثنا محمد بن عبد الله الأسدي، قال: نا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن جديه زيد وزياد، قالا: سمعنا أبا موسى يقول: [قال](3) رسول الله عليه السلام: "لا تقبل صلاة رجل في جسده شيء من خلوق".

وأخرجه الييهقي (4) من حديث عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر الرازي

إلى آخره، والحديث محمول على الزجر والتهديد.

(1)"سنن أبي داود"(4/ 250 رقم 4789).

(2)

"سنن أبي داود"(4/ 80 رقم 4178).

(3)

تكررت في "الأصل، ك"، وليست في "سنن أبي داود".

(4)

"السنن الكبرى"(5/ 36 رقم 8753).

ص: 98

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا سعيد بن عامر، قال: ثنا شعبة، عن إسحاق بن سويد، عن أم حبيية، عن الرجل الذي كان أتى النبي عليه السلام قال:"أتيت رسول الله عليه السلام في حاجة وأنا متخلق، فقال: اذهب فاغتسل، فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال: اذهب فاغتسل، فذهبت فأخذت شيئًا اتبع به وضره".

ش: إسناده صحيح ورجاله ثقات، وإسحاق بن سويد بن هبيرة العدوي البصري.

قوله: "وضره" بفتح الواو والضاد المعجمة أراد أثر الخلوق الذي كان عليه، وقال ابن الأثير: والوضر من الصفرة هو اللطخ من الخلوق أو الطيب له لون، وذلك من فعل العروس إذا دخل على زوجته، والوضر (من أثر) (1) غير الطيب أيضًا وفي الحديث:"فجعل يأكل ويتتبع باللقمة وضر الصحفة" أي دسمها وأثر الطعام فيها.

ص: فنهى رسول الله عليه السلام الرجال في هذه الآثار كلها عن التزعفر [وإنما](2) أمر الرجل الذي أمره بغسل طيبه الذي كان عليه في حديث يعلى لأنه لم يكن من طيب الرجال، وليس في ذلك دليل على حكم من أراد الإِحرام هل له أن يتطيب بطيب يبقى عليه بعد الإِحرام أم لا.

ش: أراد بهذه الآثار: الأحاديث التي رواها عن أنس ويعلى بن مرة وعمران بن حصين وأبي موسى الأشعري وأم حبيبة عن الرجل.

قوله: "عن التزعفر" أي التطيب بالزعفران، وأراد بحديث يعلى هو الذي مرّ ذكره في هذا الباب وهو حديث يعلى بن أُميَّة.

ص: وأما ما رووه عن عمر وعثمان رضي الله عنهما في ذلك فإنه قد خالفهما في ذلك عبد الله بن عباس:

(1) كذا في "الأصل، ك"، وفي "النهاية" (5/ 195):"الأثر من".

(2)

في "الأصل، ك"، و"شرح معاني الآثار":"فإنما".

ص: 99

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه: أنه قال: "انطلقت حاجًّا، فرافقني عثمان بن أبي العاص، فلما كان عند الإِحرام قال: اغسلوا رءوسكم بهذا الخطمي الأبيض، ولا يمس أحد منكم غيره، فوقع في نفسي من ذلك شيء، فقدمت مكة فسألت ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم فأما ابن عمر فقال: ما أحبه، وأما ابن عباس فقال: أما أنا فَأُضَمِّخ به رأسي ثم أحب بقاءه".

فهذا ابن عباس [قد](1) خالف عمر وعثمان وابن عمر وعثمان بن أبي العاص رضي الله عنهم في ذلك.

ش: هذا جواب عما احتج به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه بما روي عن عمر وعثمان المذكور فيما مضى، وهو أن ما روي عنهما مُعَارَضٌ بما روي عن ابن عباس؛ فلا يتم به الاحتجاج.

وقال ابن حزم (2): وأما عمر رضي الله عنه فقد روينا عن وكيع، عن محمد بن قيس، عن بشير بن يسار الأنصاري:"أن عمر رضي الله عنه وجد ريحَ طيبٍ، فقال: ممن هذا الريح؟ فقال البراء بن عازب: مني يا أمير المؤمنين، قال: قد علمنا أن امرأتك عَطِرَة أو عَطَّارَة، إنما الحاج الأذفر الأغبر".

فإنه لم ينهه عنه.

وأما عثمان فإنه صح عنه أنه أجاز تغطية المحرم وجهه، فخالفوه، فسبحان من جعل قوله حيث لم تبلغه السنة حجة، ولم يجعل فعله حيث لا خلاف فيه للسنن حجة! إن هذا لعجب.

ثم إسناد أثر ابن عباس صحيح، وعُيينة بن عبد الرحمن بن جوشن الغطفاني البصري، قال أحمد: ثقة، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه.

(1) في "الأصل، ك": "فقد"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".

(2)

" المحلى"(7/ 83).

ص: 100

وأبوه عبد الرحمن بن جوشن قال أبو زرعة: ثقة، وروى له الأربعة.

وعثمان بن أبي العاص الثقفي الطائفي الصحابي رضي الله عنه.

وأخرجه الييهقي (1) مختصرًا من حديث عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن عباس عن الطيب في الإِحرام، فقال:"أما أنا فأسغسغه في رأسي ثم أحب بقاءه".

وأخرج ابن أبي شيبة (2) عن وكيع، عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه قال:"حججت مرة فرافقت عبد الرحمن بن عمرو بن العاص، فلما كان عند الإِحرام أصبنا شيئاً من الطيب، فقال له عبد الرحمن: وددت أنك لم تفعل؛ إني حججت مرة مع عثمان بن أبي العاص، فأحرم من المتحشانية وهي قريبة من البصرة وقال: عليكم بهذا الطيب الأبيض فاغسلوا به رءوسكم عند الإِحرام".

قوله: "فأضمخ به رأسي" من التضميخ وهو التلطيخ بالطيب وغيره والإِكثار منه.

قوله: "فأسغسغه" من السغسغة، قال الأصمعي: هي التروية، وقال الجوهري: سغسغت رأسي إذا وضعت عليه الدهن بكفك وعصرته ليتشرب، وأصله سغّغته بثلاث غينات إلا أنهم أبدلوا من الغين الوسطى سينًا فرقًا بن فَعْلَلَ وفَعَّلَ، وإنما زادوا السين دون سائر الحروف لأن في الحرف سينًا، وكذلك القول في جميع ما أشبهه مثل: لَقْلَقَ وعَثْعَثَ وكَعْكَعَ.

ص: وقد روي في ذلك عن النبي عليه السلام ما يدل على إباحته:

حدثنا ابن مرزوق -يعنى إبراهيم- قال: ثنا بشر بن عمرو، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت:"كأني انظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله عليه السلام وهو محرم".

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: ثنا شعبة

فذكر بإسناده مثله.

(1)"السنن الكبرى"(5/ 35 رقم 8748).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 123 رقم 12671) باختصار.

ص: 101

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود وأبو عامر العقدي، قالا: ثنا هشام بن أبي عبد الله، عن حماد، عن إبراهيم

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا ابن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن حماد وعطاء بن السائب، عن إبراهيم

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا الفريابي، قال: ثنا مالك بن مغول، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة:"أنها كانت تطيب النبي عليه السلام بأطيب ما تجد من الطيب، قالت: حتى إني لأرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته".

حدثنا ابن خزيمة، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: أنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة:"أنها كانت تطيب النبي عليه السلام بأطيب ما تجد من الطيب، قالت: حتى إني لأرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته".

حدثنا ابن خزيمة، قال: ثنا أبو [زيد](1) عبد الرحمن بن أبي الغمر، قال: ثنا يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، عن عائشة قالت:"كنت أطيب رسول الله عليه السلام بالغالية الجيدة عند إحرامه".

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصيب بن ناصح، قال: ثنا وهيب، عن هشام بن عروة، عن أخيه عثمان بن عروة، عن أبيه عروة، عن عائشة قالت:"طيبت رسول الله عليه السلام بأطيب ما أجد".

حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا شجاع بن الوليد، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، قال: ثنا القاسم، عن عائشة قالت:"طيبت رسول الله عليه السلام بيدي لإِحرامه قبل أن يحرم".

(1) في "الأصل، ك": "يزيد"، وهو تحريف، والمثبت من "شرح معاني الآثار" وانظر ترجمته في "تهذيب التهذيب"(6/ 325).

ص: 102

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني أسامة بن زيد، أن القاسم حدثه، عن عائشة قالت:"طيبت رسول الله عليه السلام لحرمه حين أحرم".

قال أسامة بن زيد: وحدثني أبو بكر بن حزم، عن عمرة، عن عائشة، عن رسول الله عليه السلام بذلك.

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا أفلح -هو ابن حميد، عن القاسم- عن عائشة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن القاسم، عن عائشة قالت:"طيبت رسول الله عليه السلام لحرمه وحله".

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عثمان بن عروة، عن أبيه قال: "سألت عائشة، بأي شيء طيبت رسول الله عليه السلام؟

قالت: بأطيب الطيب، عند إحلاله وقبل أن يحرم".

حدثنا نصر، قال: ثنا الخصيب، قال: ثنا وهيب، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عائشة قالت:"طيبت رسول الله عليه السلام لحرمه ولحله".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن عطاء، قال قالت عائشة:"طيبت رسول الله عليه السلام للحل والإِحرام".

ص: 103

ش: هذه ثمانية عشر طريقًا كلها صحاح:

الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن بشر بن عمر بن الحكم الزهراني، عن شعبة، عن الحكم بن عُتَيْبة، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد.

وأخرجه مسلم (1) ثنا محمد بن المثنى وابن بشار، قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت إبراهيم يحدث، عن الأسود، عن عائشة أنها قالت:"كأنما انظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله عليه السلام وهو محرم".

وأخرجه بقية الجماعة (2).

قوله: "وبيص الطيب" أي بريقه، من وبص الشيء يبص وبيصًا، قال الجوهري: وبص البرق وغيره يَبِصُ وبيصًا أي: برق ولمع.

قوله: "في مفرق رسول الله عليه السلام بفتح الميم وسكون الفاء وفتح الراء وكسرها وهو وسط الرأس، وهو الذي يفرق فيه الشعر، ويجمع على مفارق.

الثاني: عن محمد بن خزيمة

إلى آخره.

وأخرجه النسائي (3): أنا حميد بن مسعدة، قال: أنا بشر -يعني ابن المفضل- قال: نا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت:"كأني انظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله عليه السلام وهو محرم".

الثالث: عن أبي بكرة بكَّار، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، وأبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، كلاهما عن هشام الدستوائي، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة.

(1)"صحيح مسلم"(2/ 848 رقم 1190).

(2)

البخاري (1/ 105 رقم 268)، وأبو داود (2/ 145 رقم 1746)، والنسائي (5/ 139 رقم 2695)، وابن ماجه (2/ 977 رقم 2928).

(3)

"المجتبى"(5/ 139 رقم 2697).

ص: 104

وأخرجه الطيالسي في "مسنده"(1) عن هشام

إلى آخره.

الرابع: عن محمد بن خزيمة، عن حجاج بن منهال شيخ البخاري، عن حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة، وعطاء بن السائب، كلاهما عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة.

وأخرجه الحميدي في "مسنده"(2): عن سفيان بن عيينة، عن عطاء بن السائب، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود، عن عائشة قالت:"رأيت الطيب في مفرق رسول الله عليه السلام بعد ثالثه وهو محرم".

وأخرجه ابن حزم في "المحلى"(3): عن أحمد بن قاسم، عن أبيه، عن جده قاسم بن أصبغ، عن محمد بن إسماعيل الترمذي، عن الحميدي.

الخامس: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن محمد بن يوسف الفريابي شيخ البخاري، عن مالك بن مغول البجلي الكوفي

إلى آخره.

وأخرجه مسلم (4): عن ابن نمير، عن مالك بن مغول، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة قالت:"إني كنت لأنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله عليه السلام وهو محرم".

السادس: عن محمد بن خزيمة، عن عبد الله بن رجاء، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة.

وأخرجه النسائي (5): أنا عبدة بن [عبد](6) الله، قال: أنا يحيى بن آدم، عن

(1)"مسند الطيالسي"(1/ 23 رقم 1431).

(2)

"مسند الحميدي"(1/ 106 رقم 215).

(3)

"المحلى"(7/ 86).

(4)

"صحيح مسلم"(2/ 848 رقم 1190).

(5)

"المجتبى"(5/ 140 رقم 2701).

(6)

في "الأصل، ك": "عبيد" وهو تحريف، والمثبت عن المجتبى ومصادر ترجمته.

ص: 105

إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة قالت:"كنت أُطَيِّب رسول الله عليه السلام بأطيب ما كنت أجد من الطيب، حتى أرى وبيص الطيب في رأسه ولحيته قبل أن يحرم".

السابع: عن محمد بن خزيمة، عن أبي [زيد](1) عبد الرحمن بن أبي الغمر -بالغين المعجمة- المصري شيخ أبي زرعة الرازي، عن يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد الزهري المدني نزيل الإسكندرية روى له الجماعة سوى ابن ماجه، عن موسى بن عقبة بن أبي عياش المدني روى له الجماعة، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، عن عائشة.

وأخرجه الييهقي في "سننه"(2): من حديث عبد الرحمن بن أبي الغمر، عن يعقوب بن عبد الرحمن

إلى آخره نحوه.

قوله: "الغالية" بالغين المعجمة، وهو نوع من الطيب يركب من مسك وعنبر وعود ودهن، قاله ابن الأثير، قال الجوهري: الغالية من الطيب، يقال: أول من سماها بذلك سليمان بن عبد الملك، تقول منه تَغَلَّيْتُ بالغالية.

الثامن: عن نصر بن مرزوق، عن الخصيب بن ناصح الحارثي، عن وهيب بن خالد

إلى آخره.

وأخرجه النسائي (3): أنا أحمد بن يحيى، قال: أنا شعيب بن الليث، عن أبيه، عن هشام بن عروة، عن عثمان بن عروة، عن عروة، عن عائشة قالت:"كنت أطيب رسول الله عليه السلام عند إحرامه بأطيب ما أجد".

التاسع: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن شجاع بن الوليد بن قيس

(1) في "الأصل، ك": "يزيد"، وهو تحريف، وقد تقدم التنبيه عليه، وانظر ترجمته في "تهذيب الكمال" وغيره.

(2)

"السنن الكبرى"(5/ 35 رقم 8745).

(3)

"المجتبى"(5/ 138 رقم 2690).

ص: 106

السكوني، روى له الجماعة، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن عائشة رضي الله عنهم.

وأخرجه مسلم (1): نا ابن نمير، قال: ثنا أبي، قال: نا عبيد الله بن عمر، قال: سمعت القاسم، عن عائشة قالت:"طيبت رسول الله عليه السلام لحله ولحرمه".

العاشر: عن يونس بن عبد الأعلى، عبد الله بن وهب .. إلى آخره، وهؤلاء كلهم رجال الصحيح، وأبو بكر بن حزم هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي المدني يقال: اسمه كنيته، ويقال: اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمد.

الحادي عشر: عن يونس بن عبد الأعلى

إلى آخره، وهؤلاء كلهم رجال الصحيح.

وأخرجه مسلم (2) ثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت:"كنت أطيب رسول الله عليه السلام لإِحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت".

الثاني عشر: عن إبراهيم بن مرزوق، عن بشر بن عمر الزهراني البصري شيخ الدارمي، عن شعبة بن الحجاج، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، عن عائشة.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(3).

الثالث عشر: عن إبراهيم بن مرزوق أيضًا، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، عن أفلح بن حميد بن نافع المدني، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، عن عائشة، عن رسول الله عليه السلام.

(1)"صحيح مسلم"(2/ 846 رقم 1189).

(2)

سبق ذكره.

(3)

"مسند أحمد"(6/ 39 رقم 24157).

ص: 107

وأخرجه العدني في "مسنده": ثنا وكيع، عن أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة قالت:"طيبت رسول الله عليه السلام بيديَّ هاتين عند الإِحرام".

وأخرجه مسلم (1) أيضاً نحوه.

الرابع عشر: عن فهد بن سليمان، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري، عن سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن عائشة.

وأخرجه العدني أيضًا في "مسنده": ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنه سمعها تقول وبسطت يديها:"أنا طيبت رسول الله عليه السلام بيديَّ هاتين لحرمه حين أحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت".

الخامس عشر: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن مسدد شيخ البخاري وأبي داود، عن حماد بن زيد، عن أيوب السختياني .. إلى آخره.

وأخرجه العدني أيضًا، ثنا الثقفي، عن أيوب، عن القاسم عن عائشة قالت:"كنت أطيب رسول الله عليه السلام لحله وحرمه".

السادس عشر: عن فهد بن سليمان، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن سفيان بن عيينة

إلى آخره.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2).

وأخرجه مسلم (3) عن أبي بكر بن أبي شيبة.

السابع عشر: عن نصر بن مرزوق، عن الخصيب بن ناصح الحارثي، عن وهيب بن خالد، عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة.

(1)"صحيح مسلم"(2/ 846 رقم 1189).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 205 رقم 13478).

(3)

"صحيح مسلم"(2/ 847 رقم 1189).

ص: 108

وأخرجه العدني في "مسنده": ثنا وكيع، ثنا طلحة، عن عطاء، عن عائشة قالت:"طيبت رسول الله لإِحرامه حين أحرم، ولإِحلاله قبل أن يزور".

الثامن عشر: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد، عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء بن أبي رباح .. إلى آخره.

وأخرجه عبد الرزاق، عن ابن جريج نحوه.

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فقد تواترت هذه الآثار عن رسول الله عليه السلام بإباحته الطيب عند الإِحرام، وأنه قد كان يبقى في مفارقه بعد الإِحرام.

ش: أبي بعد [أن](1) تكاثرت هذه الأحاديث المروية عن عائشة رضي الله عنها بإباحة استعمال الطيب عند الإِحرام، وقال ابن حزم: فلما اختلف العلماء من الصحابة والتابعين في الطيب عند الإِحرام؛ وجب الرجوع إلى ما افترض الله من الرجوع إليه من بيان رسول الله عليه السلام، ثم روى الحديث المذكور عن عائشة من طريق البخاري وغيره، ثم قال: فهذه آثار متواترة متظاهرة فلا يحل لأحد أن يخرج عنها، رواه عن أم المؤمنين أيضاً عروة والقاسم وسالم بن عبد الله وعبد الله بن عمر ومسروق وعلقمة والأسود، ورواه عن هؤلاء الناس الأعلام.

ص: وقد روي ذلك عن ابن عباس فيما تقدم مما روينا في هذا الباب.

ش: أي قد روي أيضًا ما ذكرنا في إباحة الطيب عند الإِحرام عن عبد الله بن عباس، وقد ذكره فيما مضى من قوله:"فأما أنا فأضمخ به رأسي".

ص: وقد روي في ذلك أيضاً عن أصحاب رسول الله عليه السلام:

حدثنا محمد بن عمرو بن تمام أبو الكروس، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: ثنا ميمون بن يحيى بن مسلم بن الأشج، عن ابن بكير، عن أبيه قال: سمعت أسامة بن زيد يقول: سمعت عائشة بنت سعد تقول: "كنت أُشْبع رأس سعد بن أبي وقاص لحرمه بالطيب".

(1) ليست في "الأصل، ك".

ص: 109

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا حبان بن هلال، قال: ثنا حماد بن زيد، قال: ثنا زيد بن أسلم، قال: حدثتني ذرة قالت: "كنت أغلف رأس عائشة رضي الله عنها بالمسك والعنبر عند إحرامها".

حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا حجاج بن محمد (ح).

وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، قال: أخبرتني حكيمة -قال أبو عاصم: ابنة أبي حكيم- عن أمها ابنة أبي النجار: "أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يجعلن عصائب فيهن الورس والزعفران فيعصبن بها أسافل شعورهن على جباههن قبل أن يحرمن، ثم يحرمن كذلك". يزيد أحدهما على صاحبه في قصة الحديث.

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصيب بن ناصح، قال: ثنا وهيب، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير:"أنه كان يتطيب بالغالية الجيدة عند الإِحرام".

ش: أي وقد روي أيضًا فيما ذكرنا من إباحة استعمال الطيب عن أصحاب رسول الله عليه السلام، وأخرج في ذلك عن أربعة من الصحابة، وهم: سعد بن أبي وقاص وعائشة وأميمة وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم

أما أثر سعد فأخرجه عن محمد بن عمرو بن تمام يكنى بأبي الكروس -بفتح الكاف والراء وتشديد الواو في آخره سين مهملة قاله ابن ماكولا- وهو في اللغة: عظيم الرأس، عن يحيى بن عبد الله بن بكير البصري شيخ البخاري.

عن ميمون بن يحيى بن مسلم بن الأشج مولى بني زهرة يكنى أبا أمية، ذكره ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" وسكت عنه.

عن مخرمة بن بكير عن عبد الله بن الأشج المدني قال أحمد: هو ثقة لم يسمع من أبيه شيئًا، إنما يروي عن كتاب أبيه. وعن يحيى: ضعيف. وروى له مسلم وأبو داود والنسائي.

ص: 110

عن أبيه بكير بن عبد الله روى له الجماعة.

عن أسامة بن زيد الليثي روى له الجماعة؛ البخاري مستشهدًا.

عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص الزهرية المدنية روى لها البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1) ثنا [أبو](2) أسامة، عن هشام بن هاشم.

عن عائشة بنت سعد قال: "كان سعد يتطيب عند الإِحرام بالذريرة".

وأخرج ابن حزم (3) من طريق سفيان، عن أيوب السختياني، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، قالت:"طيبت أبي بالمسك والذريرة لحرمه حين أحرم، ولحله قبل أن يزور أو يطوف". انتهى.

قلت: الذريرة نوع من الطيب مجموع من أخلاط.

وأما أثر عائشة رضي الله عنها فأخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن حَبَّان -بالفتح- بن هلال

إلى آخره، وإسناده صحيح، وذرة -بالذال المعجمة- غير منسوبة، امرأة من الصحابيات، وذكرها ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" وقال: ذرة روت عن عائشة، روى عنها زيد بن أسلم، سمعت أبي يقول ذلك. ولم يتعرض لها هل هي صحابية أم لا، ولم يذكر ابن ماكولا في باب درة بالدال المهملة المضمومة وذرة بالذال المعجمة المفتوحة إلَاّ أم ذرة بالمعجمة، وقال أم ذرة مولاة عائشة تروي عن عائشة وأم سلمة، وروى عنها محمد بن المنكدر وأبو اليمان كثير بن جريج.

والأثر أخرجه ابن حزم (4) من طريق حماد بن سلمة، عن زيد بن أسلم، قال: حدثتني ذرة: "أنهما كانت تغلف رأس عائشة أم المؤمنين بالمسك والعنبر عند الإِحرام".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 206 رقم 13482).

(2)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "المصنف".

(3)

" المحلى"(7/ 83).

(4)

"المحلى"(7/ 84).

ص: 111

قوله: "أغلف" أي ألطخ رأس عائشة بالمسك، وأكثره يقال: غلّف بها لحيته غَلَفًا وغلفها تغليفًا.

وأما أثر أميمة فأخرجه من طريقين:

الأول: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن حجاج بن محمد المصيصي الأعور، روى له الجماعة.

عن عبد الملك بن جريج المكي.

عن حكيمة بنت أبي حكيم -ويقال: بنت حكيم- ذكرها ابن حبان في "الثقات". عن أمها ابنة أبي النجار -بالنون المفتوحة وتشديد الجيم وفي آخره راء مهملة- هكذا هو في نسخ الطحاوي، واسمها أميمة وكذا قال ابن ماكولا في كتابه "الإِكمال": وأميمة بنت أبي النجار، قالت: "كن أزواج رسول الله عليه السلام يتخذن العصائب

" الحديث. روى ابن جريج عن حكيمة بنت أبي حكيم عنها.

وفي "التكميل": أميمة بنت رقيقة التميمية، ورقيقة أمها، وهي رقيقة بنت عبد -ويقال: عبد الله- بن بجاد بن عمير بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، لها صحبة، ويقال: أميمة بنت أبي النجار، ويقال: إنهما اثنتان، وأمهما رقيقة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى أخت خديجة بنت خويلد زوج النبي عليه السلام، ويقال: رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف أم مخرمة بنت نوفل صاحبة الرؤيا التي فيها استسقاء عبد المطلب مع النبي عليه السلام، روت عن النبي عليه السلام وعن أزواجه، روى عنها محمد بن المنكدر، وابنتها حكيمة بنت أميمة .. انتهى.

وقد عرفت من هذا أن اسم أم حكيمة بنت أبي حكيم: أميمة، بلا خلاف ولكن الخلاف في اسم أب أميمة، منهم من قال: أميمة بنت أبي النجار كما في كتاب الطحاوي، ومنهم من قال: أميمة بنت بجاد -بكسر الباء الموحدة وبالجيم المخففة وفي آخره دال مهملة- وقال في "الإِكمال" لابن ماكولا -في ما فيه اختلاف-: أميمة

ص: 112

بنت بجاد بن عمير بن الحارث، وأمها رقيقة بنت خويلد بن أسد، وقيل: أميمة بنت أبي النجار، روت عنها ابنتها حكيمة انتهي.

وقيل: الصواب أميمة بنت عبد بن بجاد، قاله الزبير في نسب قريش ولم يذكر خلافًا.

أخرجه الطبراني في "الكبر"(1): ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرتني حكيمة عن أمها أميمة: "أن أزواج النبي عليه السلام كن يجعلن عصائب فيهن الورس والزعفران فيعصبن بها أسفل شعورهن من جباههن قبل أن يحرمن، ثم يحرمن كذلك".

الطريق الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن عبد الملك بن جريج المكي

إلى آخره.

قوله: "عصائب" جمع عصابة، وهي كل ما عصبت به المرأة رأسها من مناديل أو خرقه.

و"الورس" نَبْتٌ أصفر يصبغ به، وقد أورس المكان فهو وارس، والقياس مورس، وفي "المطالع" الورس: صبغ أصفر معروف.

وأما أثر عبد الله بن الزبير فأخرجه بإسناد صحيح، عن نصر بن مرزوق، وقد تكرر رجاله.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا عبدة بن سليمان؛ عن هشام بن عروة: "أن ابن الزبير رضي الله عنهما كان يدهن عند إحرامه بالغالية الجيدة".

ص: فهذا قد جاء في ذلك عمن ذكرناه في هذه الآثار من أصحاب رسول الله عليه السلام ما يوافق ما قد روته عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه السلام من تطيبه عند الإِحرام، وبهذا كان يقول أبو حنيفة وأبو يوسف -رحمهما الله-.

(1)"المعجم الكبير"(24/ 189 رقم 478).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 206 رقم 13489).

ص: 113

ش: أي فهذا الحكم الذي ذكرناه، وهو جواز استعمال الطيب عند الإِحرام قد جاء فيه عمن ذكرناه في هذه الآثار من أصحاب رسول الله عليه السلام-وهم الصحابة الأربع الذين ذكرناهم عن قريب- ما يوافق ما قد روته عائشة عن النبي عليه السلام، وهو الذي أخرجه من ثمانية عشر طريقًا، وكفى بذلك حجة، وروي في ذلك أيضاً عن عبد الله بن جعفر وأنس بن مالك والحسن بن علي وأبي ذرٍّ رضي الله عنهم.

وقال ابن حزم في "المحلى"(1): وروينا من طريق محمد بن قيس، عن الشعبي قال:"كان عبد الله بن جعفر يتطيب بالمسك عند إحرامه".

ومن طريق ابن أبي شيبة، عن مروان بن معاوية الفزاري، عن صالح بن حيان قال:"رأيت أنس بن مالك أصاب ثوبه من خلوق الكعبة وهو محرم فلم يغسله".

ومن طريق وكيع، عن سفيان، عن عمار الدهني، عن مسلم البطين:"أن الحسن بن علي رضي الله عنهما أمر لأصحابه بالطيب عند الإِحرام".

ومن طريق شعبة، عن الأشعث بن سليم، عن مرة بن خالد الشيباني قال:"سألنا أبا ذر بالربذة، بأي شيء يدهن المحرم؟ قال: بالدهن".

ص: وأما محمد بن الحسن رحمه الله: فإنه كان يذهب في ذلك إلى ما روي عن عمر وعثمان بن أبي العاص وابن عمر رضي الله عنهم من كراهته، وكان من الحجة له في ذلك: أن ما ذكر في حديث عائشة رضي الله عنها من تطيب رسول الله عليه السلام عند الإِحرام إنما فيه أنها كانت تطيبه إذا أراد أن يحرم، فقد يجوز أن يكون كانت تفعل به هذا ثم يغتسل إذا أراد أن يحرم فيذهب بغسله عنه ما كان على بدنه من طيب ويبقي فيه ريحه.

ش: لما كان مذهب محمد بن الحسن كراهة التطيب عند الإِحرام لما روي عن هؤلاء الصحابة وذكر فيما مضى، وكان هذا اختياره على ما يقول في آخر الباب وبه يأخذ، ذكره ليجيب عن ما روي عن عائشة الذي احتجت به أهل المقالة الثانية الذين أبو حنيفة وأبو يوسف منهم نصرة لما قاله محمد الذي هو مختاره، وهو الذي

(1)"المحلى"(7/ 83 - 84).

ص: 114

أشار إليه بقوله: "وكان من الحجة له" أي لمحمد رحمه الله: "في ذلك" أي فيما ذهب إليه، وهو ظاهر.

وقد أجاب بعضهم نصرة له بأن هذا كان مخصوصًا بالنبي عليه السلام، وفيه نظر؛ لأنه قد روى ابن حزم (1): من طريق حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن سالم بن عبد الله، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:"طيبته عليه السلام بيدي" وروي أنهن كن يضمخن جباههن بالمسك ثم يحرمن ثم يعرقن، فيسيل على وجوههن، فيرى ذلك رسول الله عليه السلام فلا ينكره.

ص: فإن قال قائل: فقد قالت عائشة رضي الله عنها في حديثها: "كنت أرى وبيص الطيب في مفارقه بعد ما أحرم" قيل له: قد يجوز أن يكون ذلك وقد غسله كما ذكرنا، وهكذا الطيب ربما غسله الرجل عن وجهه أو عن بدنه فيذهب، ويبقى وبيصه، فلما احتمل ما روي عن عائشة رضي الله عنها من ذلك ما ذكرنا؛ نظرنا هل فيما روي عنها شيء يدل على ذلك؟ فإذا فهد قد حدثنا قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا أبو عوانة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه قال:"سألت ابن عمر عن الطيب عند الإِحرام، فقال: ما أحب أن أصبح محرمًا ينضخ مني ريح الطيب، فأرسل ابن عمر بعض بنيه إلى عائشة رضي الله عنها ليسمع أباه ما قالت، قال: فقالت عائشة: أنا طيبت رسول الله عليه السلام ثم طاف في نسائه فأصبح محرمًا، فسكت ابن عمر".

قال أبو جعفر رحمه الله: فدل هذا الحديث على أنه قد كان بين إحرامه وبين تطييبها إياه غسل؛ لأنه لا يطوف عليهن إلَاّ اغتسل، فكأنها إنما أرادت بهذه الأحاديث الاحتجاج على من كره أن يوجد من المحرم بعد إحرامه ريح الطيب، كما كره ذلك ابن عمر رضي الله عنهما فأما بقاء نفس الطيب على بدن المحرم بعد ما أحرم وإن كان تطيب قبل الإِحرام فلا، فَتَفَهَّم هذا الحديث فإن معناه معنى لطيف.

(1)"المحلى"(7/ 87).

ص: 115

ش: هذا السؤال وارد على قوله: "فقد يجوز أن يكون كانت تفعل به

" إلى، آخره، تقريره أن يقال: كيف يجوز ما ذكرت من التأويل وقد قالت عائشة في حديثها: "كنت أرى وبيص الطيب -أي بريقه ولمعانه- في مفارقه بعد ما أحرم" وهذا ينافي ما ذكرتم من التأويل؟

فأجاب عنه بقوله: "قيل له: تقريره أن يقال: يجوز أن يكون بريقه موجودَّا وقد كان غسله، وهكذا شأن الطيب ربما يغسله الرجل عن بدنه أو عن وجهه أو عن عضو من أعضائه، فيذهب بالغسل ويبقى بريقه ولمعانه.

قوله: "فلما احتمل ما روي عن عائشة

" إلى آخره. هذا يمكن أن يكون جوابًا عما يقال: هل تجد دليل من الحديث يدل على صحة ما ذكرتم من التأويل؟ فقال: نعم، وهو ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "أنا طيبت رسول الله عليه السلام ثم طاف في نسائه، فأصبح محرمًا" فهذا يدل على أنه قد كان بين إحرامه عليه السلام وبين تطييب عائشة رضي الله عنها إياه غسل، لأنه عليه السلام ما كان يطوف على نسائه إلَاّ وقد اغتسل، فدل أن الغسل كان متخللًا بين التطييب والإِحرام، ثم لا شك أن الطيب كان يزول بالغسل غير أنه قد كان يبقى ريحه ووبيصه، وفهم من هذا أن مراد عائشة بهذه الأحاديث التي روى عنها بطرق مختلفة الإِنكار على من قد كان كره أن يوجد من المحرم بعد إحرامه ريح الطيب، لا أنها قصدت بذلك إباحة الطيب عند الإِحرام، وهو معنى قوله: "فأمَّا بقاء نفس الطيب على بدن المحرم

" إلى آخره.

وقد اعترض ابن حزم (1) على الطحاوي في هذا المقام، فقال: كل من الرواة عن عائشة ممن لا يعدل محمد بن المنتشر بأحد منهم لو انفرد، فكيف إذا اجتمعوا من أنها قالت: إنها طيبته عليه السلام عند إحرامه ولإِحلاله قبل أن يطوف بالبيت، وما رواه من رواه منهم من أنها رأت الطيب في مفارقه عليه السلام بعد ثالثة من إحرامه أيضًا، فقد صح بيقين لا خلاف فيه أنه عليه السلام إنما أحرم في تلك الحجة إثر صلاة الظهر، فصح أن

(1)"المحلى"(7/ 87).

ص: 116

الطيب الذي روى ابن المنتشر هو طيب آخر كان قبل ذلك بليلة طاف فيها عليه السلام على نسائه ثم أصبح كما في حديث ابن المنتشر.

قلت: محمد بن المنتشر ممن روى له الجماعة، فإذن لا اعتبار لقوله:"ممن لا يعدل محمد بن المنتشر بأحد منهم" وقد قيل: إن الطيب الذي طيبت به عائشة رسول الله عليه السلام كان من الذي لا يبقى له ريح، وقال القاضي: أو نقول: إنه أذهبه غسل الإِحرام. ويعضد هذا التأويل ما ذكر مسلم في الحديث: "طيبت رسول الله عليه السلام عند إحرامه، ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرمًا، فقد ظهرت علة تطييبه أنها إنما كانت لمباشرة نسائه، وأن غسله بعد ذلك منهن وغسله للإِحرام أذهبه، لا سيما وقد ذكر عنه أنه كان يتطهر من كل واحدة قبل مواقعة الأخرى، فأي طيب يبقى بعد أغسال كثيرة؟! ثم قال: وقد ثبت أن الطيب الذي طيبته به ذريرة، وهي مما يذهبها الغسل ولا يبقى ريحها بعده.

وقال البيهقي في كتاب "المعرفة"(1) وغيره: واحتج الطحاوي في وجوب غسله قبل الإِحرام حتى يذهب أثره بحديث محمد بن المنتشر، وليس في هذا الحديث أنه أصابهن حتى وجب عليه الغسل، وقد كان يطوف عليهن من غير أن يصيبهن، قالت عائشة رضي الله عنها:"قلّ يوم -أو ما كان يوم- إلَاّ ورسول الله عليه السلام يطوف علينا جميعًا، فيقبل ويلمس ما دون الوقاع، فإذا جاء [الذي هو] (2) يومها يبت عندها" ثم إن كان في هذا الحديث دلالة على أنه اغتسل بعد ما تطيب أو اغتسل للإِحرام كما روي في بعض الأخبار؛ ففي حديث إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أنها قالت:"كأني انظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله عليه السلام وهو محرم" وفي حديث عطاء بن السائب، عن إبراهيم بعد ثلاث، وفي هذا دلالة على بقاء عينه وأثره عليه بعد الإِحرام؛ لأن وبيص المسك: بريقه ولمعانه ولا يكون لرائحة الطيب بريق إنما البريق لعينه الباقية عليه.

(1)"معرفة السنن والآثار"(3/ 548).

(2)

في "الأصل، ك": "هو الذي"، والمثبت من "المعرفة".

ص: 117

قلت: قول عائشة رضي الله عنها في حديث محمد بن المنتشر: "فأصبح محرمًا" قرينة على أن المراد من قولها: "فطاف في نسائه" هو الوقاع على سبيل الكفاية لا التقبيل ولا اللمس، وهذا ظاهر لا يدفع؛ لأن المحرم ممنوع من الجماع، وربما يمكث الرجل في إحرامه مدة طويلة من الزمن، فلا يطوف من يريد الإِحرام على نسائه إلَاّ لأجل الوقاع، بخلاف قولها:"قل يوم -أو ما كان يوم- إلَاّ ورسول الله عليه السلام يطوف علينا" فإن هذا لا يشابه ما نحن فيه، فافهم.

وقوله: "وفي هذا دلالة على بقاء عينه

إلى آخره" قد ذكرنا أن الثابت عن الطيب الذي طيبته به عائشة رضي الله عنها هو الذريرة وأن ذلك مما يذهبها الغسل فيحتمل أن يذهب ذلك عن بدنه ويبقى وبيضها، وكذلك المسك يحتمل أن يكون مخلوطًا بشيء آخر بحيث أنه قد تلبس بالبدن، فذهب عينه بالغسل وبقي وبيصه، وهذا يعرف بالمس لأن الوبيص يكون من دهنه وقد بين ذلك في حديث آخر: "ثم أرى وبيص الدهن في رأسه ولحيته بعد ذلك".

ثم إسناد حديث ابن المنتشر صحيح، وأخرجه عن فهد بن سليمان، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري روى له الجماعة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر وثقه ابن حبان، عن أبيه محمد بن المنتشر روى له الجماعة، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وأخرجه مسلم (1): ثنا سعيد بن منصور وأبو كامل جميعًا، عن أبي عوانة -قال سعيد: أنا أبو عوانة- عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه قال:"سألت عبد الله بن عمر عن الرجل يتطيب ثم يصبح محرمًا، فقال: ما أحب أن أصبح محرمًا أنضح طيبًا، لأَن أُطْلَى بقطران أحب إليّ من أن أفعل ذلك، فدخلت على عائشة، فأخبرتها أن ابن عمر قال: ما أحب أن أصبح محرمًا أنضح طيبًا، لأن أطلي بقطران أحب إليَّ من أن أفعل ذلك، فقالت عائشة: أنا طيبت رسول الله عليه السلام عند إحرامه، ثم طاف في نسائه، ثم أصبح محرمًا".

(1)"صحيح مسلم"(2/ 849 رقم 1192).

ص: 118

وأخرجه البخاري (1) والنسائي (2) أيضًا.

قوله: "ينضخ مني" أي يفور ومنه {عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} (3) وقال ابن الأثير: النضخ بالخاء المعجمة قريب من النضح بالمهملة، وقد اختلف فيهما أيهما أكثر، والأكثر أنه بالمعجمة أقل من المهملة، وقيل: هو بالمعجمة الأثر يبقى في الثوب والجسد، وبالمهملة الفعل نفسه، وقيل: هو بالمعجمة ما فعل تعمُدًا، وبالمهملة من غير تعمد، وقال: في حديث الإِحرام: "ثم أصبح محرمًا ينضح طيبًا" أي يفوح، فذكره في الحاء المهملة، ثم قال: والنَّضوح -بالفتح- ضرب من الطيب تفوح رائحته، وأصل النضح الرشح فشبه كثرة ما يفوح من طيبه بالرشح، وفي "المطالع" النضخ بالخاء المعجمة كاللطخ يبقى له أثر، قال ابن قتيبة: وهو أكثر من النضح بالمهملة، ولا يقال فيه: نضحت، وقد يكون معنى الحديث على هذا: يقطر ويسيل منه الطيب كما جاء في حديث محمد بن عروة: "وقد لطخ بالغالية، وجعل أبوه يقول: قطرت قطرت" وقيل: بالمعجمة فيما ثخن كالطيب، وبالمهملة فيما رق كالماء، وقيل: كلاهما سواء.

قوله: "ثم طاف في نسائه" أي على نسائه وكلمة "في" تجيء بمعنى "علي" كما في قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (4) أي على جذوع النخل.

ص: فقد بينا وجوه هذه الآثار، فاحتجنا بعد ذلك أن نعلم كيف وجه ما نحن فيه من الاختلاف من طريق النظر، فاعتبرنا ذلك، فرأينا الإِحرام يمنع من لبس القميص والسراويلات والخفاف والعمائم، ويمنع من الطيب وقتل الصيد وإمساكه، ثم رأينا الرجل إذا لبس قميصًا أو سراويل قبل أن يحرم ثم أحرم وهو عليه أن يؤمر بنزعه، وإن لم ينزعه وتركه عليه كان كمن لبسه بعد الإِحرام لبسًا

(1)"صحيح البخاري"(1/ 105 رقم 267).

(2)

"المجتبى"(1/ 203 رقم 417).

(3)

سورة الرحمن، آية:[66].

(4)

سورة طه، آية:[71].

ص: 119

مستقلًا، فيجب عليه في ذلك ما يجب عليه فيه لو استأنف لبسه بعد إحرامه، وكذلك لو صاد صيدًا في الحل وهو حلال فأمسكه في يده أمر بتخليته، وإن لم يخله كان إمساكه له بعد ما أحرم بصيده إياه المتقدم إلى كإمساكه إياه بعد إحرامه بصيد كان منه بعد إحرامه، فلما كان ما ذكرنا كذلك، وكان الطيب محرمًا على المحرم بعد إحرامه كحرمة هذه الأشياء، كان ثبوت الطيب عليه بعد إحرامه وإن كان قد تطيب به قبل إحرامه كتطيبه به بعد إحرامه؛ قياسًا ونظرًا على ما بينا، فهذا هو النظر في هذا الباب، وبه نأخذ، وهو قول محمد بن الحسن رحمه الله.

ش: لما بين وجوه الأحاديث الواردة في هذا الباب، ورجح ما ذهب إليه محمد بن الحسن واختاره؛ أشار إلى أن وجه النظر والقياس أيضًا يقتضي ما ذهب إليه محمد بن الحسن رحمه الله.

بيانه: أن الإِحرام يمنع المحرم من لبس المخيط وتغطية الرأس واستعمال الطيب وقتل الصيد وإمساكه، حتى لو أحرم وهو متلبس بشيء من هذه الأشياء يؤمر بخلعه، فإن لم يطع واستمر عليه كان حكمه كحكم من أنشأ ذلك في إحرامه في وجوب الجزاء، فإذا كان الأمر كذلك، وكان الطيب محرمًا عليه بعد إحرامه، كان بقاؤه عليه بعد إحرامه وإن كان قد استعمله وهو حلال كاستعماله وهو محرم؛ قياسًا على ذلك ونظرًا عليه، والجامع: الارتفاق وهو محرم.

فإن قيل: بقاؤه ليس كابتدائه، والذي عليه أثر الطيب الذي تطيب به قبل الإِحرام لا يسمى متطيبًا، ولأن النهي [عن](1) التطيب بعد الإِحرام، ولم يوجد.

قلت: قد ورد في الآثار: "أن الحاج هو الأذفر الأغبر" رواه ابن أبي شيبة (2) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبقاء الطيب عليه ينافي ذلك، وأيضًا يكون مرتفقًا به، والمحرم ممنوع عن ذلك، فاستوت فيه الحالتان.

(1) ليست في "الأصل، ك".

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 208 رقم 13512).

ص: 120

ثم المحرم إذا دام عليه الطيب الذي قد كان تطيب به قبل الإِحرام هل تجب عليه الفدية؟ فعلى الخلاف المذكور، وقد قال عطاء والثوري: لا فدية على المحرم المتضمخ، ولا على اللائس، وإليه ذهب الشافعي وإسحاق وداود وأحمد في رواية، وقال أبو حنيفة والمزني في رواية عنه: عليه الفدية، وعن مالك: تلزمه الفدية إذا انتفع بذلك أو طال لبثه عليه. والله أعلم.

***

ص: 121