المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: لبس الثوب الذي قد مسه ورس أو زعفران فى الإحرام - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٩

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: لبس الثوب الذي قد مسه ورس أو زعفران فى الإحرام

‌ص: باب: لبس الثوب الذي قد مسه ورس أو زعفران فى الإِحرام

ش: أي هذا باب في بيان لبس الثوب المصبوغ بالورس أو الزعفران للمحرم في حالة الإِحرام كيف يكون حكمه وما يجب عليه؟

و"الوَرْسُ" بفتح الواو وسكون الراء وفي آخره سين مهملة.

قال أبو حنيفة الدينوري: الورس يزرع باليمن زرعًا ولا يكون بغير اليمن، ولا يكون منه شيء بريًّا، ونباته مثل حب السمسم، فإذا جف عند إدراكه تفتق، فينفض منه الورس، ويزرع سنة فيجلس عشر سنين، أي يقيم في الأرض ينبت ويثمر، ومنه جنس يسمى الحَبَشي، وفيه سواد، وهو أكبر الورس، وللعرعر ورس، وللريث ورس، وقال أبو حنيفة: لست أعرفه بغير أرض العرب، ولا في أرض العرب بغير بلاد اليمن.

وقال الأصمعي: ثلاثة أشياء لا تكون إلَاّ باليمن وقد ملأت الأرض: الورس، واللبان، والعصب. وأخبرني ابن بنت عبد الرزاق قال: الورس عندنا باليمن، بحفاش، وملحان، وطمام، وسحبان والوقعة، وجرار وهوزن وجبال ابن أبي جعفر كلها. ويقال له: الحُصُّ.

وقال الجوهري: الورس نبت أصفر يكون باليمن، تتخذ منه الغُمرة للوجه.

تقول منه: أورس المكان، ووَرَّست الثوب توريسًا: صبغته بالورس، وملحفة وريسة، صبغت بالورس.

وقال ابن البيطار في "جامعه": يؤتي بالورس من الصين واليمن والهند، وليس بنبات يزرع كما زعم من زعم، وهو يشبه زهر العصفر، ومنه شيء يشبه نشارة البابونج، ومنه شيء يشبه البنفسج، ويقال: إن الكركم عروقه.

و"الزعفران": اسم أعجمي، وقد صرفته العرب؛ فقالوا: ثوبٌ مزعفرٌ. وقد زعفر ثوبه يزعفره زعفرةً. ويُجمع على زعافر.

ص: 139

قال الجوهري: كترجمان وتراجم.

وقال أبو حنيفة: لا أعلمه ينبت بشيء من أرض العرب، وقد أكثر مجيئه في كلامهم وأشعارهم.

وفي كتاب "الطيب" للمفضل بن سلمة، يقال: إن الكركم عروق الزعفران.

وقال مؤرج: يقال لورق الزعفران: الفَيْد. ومنه سمي أبا فَيْد.

ص: حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا أبو داود وأبو صالح كاتب الليث، قالا: ثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا تلبسوا ثوبًا مسه ورس أو زعفران" يعني في الإِحرام.

حدثنا عليُّ بن شيبة، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه الصلاة والسلام نحوه.

حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي عليه السلام مثله.

ش: هذه أربع طرق صحاح:

الأول: عن يزيد بن سنان القزاز، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، وأبي صالح عبد الله بن صالح وراق الليث بن سعد وشيخ البخاري، كلاهما عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد، عن محمد بن مسلم الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب.

وأخرجه البخارى (1) مطولاً:

(1)"صحيح البخاري"(2/ 654 رقم 1745).

ص: 140

ثنا أحمد بن يونس، نا إبراهيم بن سعد، نا ابن شهاب، عن سالم، عن عبد الله:"سئل رسول الله عليه السلام ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال: لا يلبس المحرم القميص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرنس ولا ثوبًا مسه زعفران ولا ورسٌ، وإن لم يجد نعليه فليلبس خفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل الكعبين".

الثاني: عن علي بن شيبة بن الصلت، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر.

وأخرجه العدني في "مسنده": ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: "نهى رسول الله عليه السلام أن يلبس المحرم ثوبًا مسّه ورسٌ أو زعفران.

الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى .. إلى آخره، بعينه قد ذكر في الباب السابق.

الرابع: عن محمد بن خزيمة، عن حجاج بن المنهال، عن حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني، عن نافع، عن ابن عمر، وهذا أيضًا بعينه قد ذكر في الباب السابق.

ص: قال أبو حنيفة رحمه الله: فذهب قوم إلى هذه الآثار، فقالوا: كل ثوب مسه ورس أو زعفران فلا يحل لبسه في الإِحرام، وإن غُسل؛ لأن النبي عليه السلام لم يبين في هذه الآثار ما غُسل من ذلك مما لم يغسل، فنهيه على ذلك كله.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: مجاهدًا، وهشام بن عروة، وعروة بن الزبير، ومالكًا في رواية ابن القاسم عنه؛ فإنهم قالوا: كل ثوب مسه ورس أو زعفران لا يجوز لبسه للمحرم، سواء كان مغسولًا أو لم يكن؛ لإِطلاق الأحاديث المذكورة.

وإليه ذهب ابن حزم، وقال في "المحلى": الثوب المصبوغ بالورس أو الزعفران إذا غُسل حتى لا يبقى منه أثر يجوز لبسه عند قوم، ورووا فيه أثرًا، فإن صح وجب الوقوف عنده، ولا نعلمه صحيحًا، ولا يجوز لباسه أصلاً؛ لأنه قد مسَّه الورس والزعفران. انتهى.

قلت: أراد بالأثر ما يجيء ذكره في آخر الحديث المذكور: "إلَاّ أن يكون غسيلًا" وعن قريب يجيء بيانه إن شاء الله تعالى.

ص: 141

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ما غسل من ذلك حتى صار لا ينفض فلا بأس بلبسه في الإِحرام، لأن الثوب الذي صبغ إنما نهي عن لبسه في الإِحرام؛ لما كان قد دخله مما هو حرام على المحرم، فإذا غسل فخرج ذلك منه ذهب المعنى الذي له كان النهي، وعاد الثوب إلى أصله الأول قبل أن يُصيبه ذلك الذي غسل منه، وقالوا هذا في الثوب الطاهر تصيبه النجاسة فينجس بذلك، فلا تجوز الصلاة فيه، فإذا غُسل حتى تخرج منه النجاسة طهر، وحلت الصلاة فيه.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وطاوسًا وقتادة وإبراهيم النخعيّ وسفيان الثوري وأبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحق وأبا يوسف ومحمدًا وأبا ثور؛ فإنهم أجازوا للمحرم لبس الثوب المصبوغ بالورس والزعفران إذا كان غسيلًا لا ينفض.

وقوله: "لا ينفض" له تفسيران منقولان عن محمد بن الحسن:

أحدهما: لا يتناثر صبغه.

والآخر: لا يفوح ريحه.

والتعويل على زوال الرائحة حتى لو كان لا يتناثر صبغه ولكن يفوح ريحه يمنع من ذلك؛ لأن ذلك دليل بقاء الطيب، إذ الطيب ما له رائحة طيبة.

وقال أبو يوسف في "الإِملاء": لا ينبغي للمحرم أن يتوسد ثوبًا مصبوغًا بالزعفران ولا الورس ولا ينام عليه؛ لأنه يصير مستعمِلًا للطيب فكان كاللبس.

قوله "هذا" أي قال الآخرون: هذا الثوب المصبوغ الذي لا ينفض .. إلى آخره هذا قياس صحيح، والجامع زوال [عين](1) مما أصاب، فافهم.

ص: وقد روي عن النبي عليه السلام في ذلك أنه استثنى مما حرمه على المحرم من ذلك فقال: "إلَاّ أن يكون غسيلًا".

(1) تكررت في "الأصل، ك".

ص: 142

حدثنا بذلك فهد، قال: ثنا يحيى بن عبد الحميد، قال: نا أبو معاوية (ح).

وحدثنا ابن أبي عمران، قال: ثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي، قال: ثنا أبو معاوية، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام .. مثل الحديث الذي ذكرناه في أول الباب، وزاد:"إلَاّ أن يكون غسيلًا".

قال ابن أبي عمران: رأيت يحيى بن معين وهو يتعجب من الحِمَّاني إذ يحدث بهذا الحديث، فقال له عبد الرحمن: هذا عندي، ثم وثب من فَوْره فجاء بأصله فأخرج منه هذا الحديث عن أبي معاوية كما ذكره يحيى الحماني، فكتب عنه يحيى ابن معين.

فقد ثبت مما ذكرنا اسثثناء رسول الله عليه السلام الغسيل مما قد مَسَّه ورس أو زعفران، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أي قد روي عن النبي عليه السلام في لبس المحرم الثوب المصبوغ بورس أو زعفران أنه استثنى من ذلك ما كان منه غسيلاً، فقال:"إلَاّ أن يكون غسيلًا" حدث بذلك نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام فثبت بذلك أن الغسيل مستثنى من ذلك، فلا يحرم لبسه على المحرم.

وأخرجه من طريقين:

الأول: عن فهد بن سليمان، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن أبي معاوية الضرير محمد بن خازم -بالمعجمتين- عن عبيد الله بن عمر بن حفص عاصم ابن عمر بن الخطاب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام.

وأخرج أبو عمر (1): من حديث يحيى بن عبد الحميد، عن أبي معاوية، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام هذا الحديث، فقال فيه: "لا تلبسوا ثوبًا مسه ورس أو [زعفران](2) إلَاّ أن يكون غسيلًا.

(1)"التمهيد"(15/ 122).

(2)

في "الأصل، ك": "ورس"، وهو سبق قلم، والمثبت من "التمهيد".

ص: 143

الثاني: عن أحمد بن أبي عمران موسى الفقيه البغدادي، عن عبد الرحمن بن صالح الأزدي الكوفي شيخ أبي زرعة وقال صدوق، عن أبي معاوية

إلى آخره.

فإن قيل: ما حكم هذا الحديث بهذه الزيادة؟ قلت: صحيح؛ لأن رجاله ثقات. وروى هذه الزيادة -أعني "إلَاّ أن يكون غسيلًا"- أبو معاوية الضرير وهو ثقة ثبت.

فإن قيل: قال ابن حزم: ولا نعلمه صحيحًا. وقال أحمد بن حنبل: أبو معاوية مضطرب الحديث في أحاديث عبيد الله، ولم يجئ بهذا أحد غيره:"إلَاّ أن يكون غسيلًا".

قلت: هذا يحيى بن معين كان أولاً ينكر على يحيى بن عبد الحميد الحماني ويقول: كيف تحدث بهذا الحديث؟! ثم لما قال له عبد الرحمن بن صالح الأزدي: هذا الحديث عندي وأخرج أصله عن أبي معاوية كما ذكره الحماني بهذه الزيادة، كتب عنه يحيى بن معين، وكفى لصحة هذا الحديث شهادة عبد الرحمن، وكتابة يحيى ابن معين، ورواية أبي معاوية.

وأما قول ابن حزم: ولا نعلمه صحيحًا. فهو نفي لعلمه بصحته، فهذا لا يستلزم نفي صحة الحديث في علم غيره (1).

ص: وقد روي ذلك عن نفر من المتقدمين.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد ابن المسيب:"أنه أتاه رجل فقال له: إني أريد أحرم وليس له إلَاّ هذا الثوب، ثوب مصبوغ زعفران، فقال: الله ما تجد غيره؟ فحلف، فقال: اغسله وأحرم فيه".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، عن سفيان، عن ليث، عن طاوس قال:"إذا كان في الثوب زعفران أو ورس، يغسل ولا بأس أن يحرم فيه".

(1) ونقل ابن أبي حاتم في "علله"(1/ 271 رقم 798) عن أبي زرعة أنه قال: أخطأ أبو معاوية في هذه اللفظة: "إلَاّ أن يكون غسيلًا".

ص: 144

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، عن سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم:"في الثوب يكون فيه ورس أو زعفران فغسل: أنه لم ير بأسًا أن يحرم فيه".

ش: أي قد روي ما ذكرنا من جواز لبس المحرم الثوب المصبوغ بورس أو زعفران إذا كان غسيلًا لا ينفض، عن جماعة من التابعين، وهم سعيد بن المسيب وطاوس وإبراهيم النخعي.

أما أثر سعيد فأخرجه بإسناد صحيح عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن شعبة، عن أبي بشر جعفر بن أبي إياس اليشكري، عن سعيد بن المسيب.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا هشيم، عن أبي بشر قال:"كنت عند سعيد بن المسيب، فقال له رجل: إني أريد أن أحرم ومعي ثوب مصبوغ بالزعفران فغسلته حتى ذهب لونه، فقال له سعيد: أمعك ثوب غيره؟ قال: لا، قال: فأحرم فيه".

وأما أثر طاوس فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، عن سفيان الثوري، عن ليث بن أبي سليم، عن طاوس.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن ليث، عن طاوس، قال:"إذا غُسل الثوب المصبوغ فذهب ريحه، قال: لا بأس أن يحرم فيه".

وأما أثر إبراهيم النخعي فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح: عن ابن مرزوق .. إلى آخره، ومغيرة هو ابن مقسم الضبيّ.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 168 رقم 13119).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 169 رقم 13129).

ص: 145

وأخرجه ابن أبي شيبة (1): ثنا وكيع، عن عبدة بن سليمان، عن سعيد، عن أبي معشر، عن إبراهيم:"في الثوب المصبوغ بالورس والزعفران، قال: إذا غُسِلَ [فذهب] (2) ذلك منه، لم يره شيئًا أن يلبسه المحرم".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 168 رقم 13124).

(2)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من المصدر السابق.

ص: 146