الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: المواقيت التي لا ينبغي لمن أراد الإحرام أن يجاوزها إلا محرمًا
ش: أي هذا باب في بيان المواقيت التي لا يجوز مجاوزتها إلَّا محرمًا لمن يريد الحج أو العمرة، وهو جمع ميقات، على وزن مفعال، وأصله: موقات، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، من وَقَّت الشيء يَقِتُه إذا بيّن حده، وكذا وَقَّتَهُ يُوَقِّته، ثم اتسع فيه فأطلق على المكان، فقيل للموضع: ميقات.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:"وقتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجُحْفة، ولأهل نجد قرن، ولأهل اليمن يلملم، ولم أسمعه منه، قيل له: فالعراق؟ قال: لم يكن يومئذ عراق".
حدثنا فهد، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا جرير بن عبد الحميد؛ عن صدقة بن يسار، قال: سمعت ابن عمر
…
فذكر مثله.
ش: هذان طريقان صحيحان:
الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي شيخ البخاري
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد (1): ثنا محمَّد بن عبد الله، ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال:"وقت رسول الله عليه السلام لأهل المدينة: ذا الحليفة، ولأهل نجد قرن، ولأهل الشام الجحفة، قال: هؤلاء الثلاث حفظتهن عن رسول الله عليه السلام، وحُدِّثت أن رسول الله عليه السلام قال: ولأهل اليمن يلملم، فقيل له: العراق؟ قال: لم يكن يومئذ عراق".
الثاني: عن فهد بن سليمان، عن علي بن معبد بن شداد
…
إلى آخره.
(1)"مسند أحمد"(2/ 50 رقم 5111).
وأخرجه الطبراني (1): ثنا الحسن بن إسحاق التستري، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جرير، عن صدقة بن يسار، عن ابن عمر قال:"وقت رسول الله عليه السلام لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن، ولأهل اليمن يلملم".
وأخرجه البزار نحوه.
وأخرجه الجماعة أيضًا بأسانيد مختلفة، وألفاظ متباينة.
فقال البخاري (2): ثنا أحمد بن عيسى، ثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، سمعت النبي عليه السلام يقول:"مُهلّ أهل المدينة ذو الحليفة، ومُهلّ أهل الشام مهيعة وهي الجحفة، وأهل نجد قرن. قال ابن عمر: زعموا أن النبي عليه السلام قال -ولم أسمعه-: ومُهل أهل اليمن يلملم".
وقال مسلم (3): نا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر- قال يحيى: أنا. وقال الآخرون: ثنا- إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن دينار، أنه سمع ابن عمر قال:"أمر رسول الله عليه السلام أهل المدينة أن يهلوا من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن، وقال عبد الله بن عمر: وأُخْبرت أنه قال: ويُهل أهل اليمن من يلملم".
وقال أبو داود (4): نا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، وثنا أحمد بن يونس قال: ثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال:"وقت رسول الله عليه السلام لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن، وبلغني أنه وقت لأهل اليمن يلملم".
(1)"المعجم الكبير"(12/ 429 رقم 13575).
(2)
"صحيح البخاري"(2/ 555 رقم 1455).
(3)
"صحيح مسلم"(2/ 840 رقم 1182).
(4)
"سنن أبي داود"(2/ 143 رقم 1737).
وقال الترمذي (1): ثنا أحمد بن منيع، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر:"أن رجلًا قال: من أين نُهلُّ يا رسول الله؟ قال: يُهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن. قال: ويقولون: أهل اليمن من يلملم".
وقال النسائى (2): أنا قتيبة، عن مالك، عن نافع عن عبد الله ابن عمر أخبره، أن رسول الله عليه السلام قال:"يُهلُّ أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن. قال عبد الله: وبلغني أن رسول الله عليه السلام قال: ويهل أهل اليمن من يلملم".
وقال ابن ماجه (3): ثنا أبو مصعب، ثنا مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله عليه السلام قال:"يُهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة وأهل نجد من قرن. قال عبد الله: أما هذه الثلاثة فقد سمعتها من رسول الله عليه السلام وبلغني أن رسول الله عليه السلام قال: ويهل أهل اليمن من يلملم".
قوله: "وقت" من التوقيت، وهو أن يجعل للشيء وقت يختص به، وهو بيان مقدار المدة، وكذلك التأقيت، ثم اتسع فيه فأطلق على المكان، فقيل للموضع: ميقات، وقد ذكرناه.
قوله: "ذا الحليفه" ذو الحليفة: ماء لبني جشم.
قال عياض: على سبعة أميال من المدينة.
وقال ابن قرقول: ستة.
وقال البكري: هي تصغير حلفة، وأما ذو الحليفة التي في حديث رافع بن خديج:"كنا مع النبي عليه السلام بذي الحليفة من تهامة، فأصَبْنا نهب غنم" قال ياقوت: فهو موضع بين حاذة وذات عرق من تهامة، وليس بذي الحليفة التي قرب المدينة.
(1)"جامع الترمذي"(3/ 193 رقم 831).
(2)
"المجتبى"(5/ 122 رقم 2651).
(3)
"سنن ابن ماجه"(2/ 872 رقم 2914).
وقال ابن حزم: لمن جاء من جميع البلاد على طريق المدينة، أو كان من أهل المدينة: ذو الحليفة وهو من المدينة على أربعة أميال، وهو من مكة على مائتي ميل غير ميلين.
وقال الكرماني في "مناسكه": بينها وبين المدينة ميل أو ميلان، والميل ثلث فرسخ، وهو أربعة آلاف ذراع، ومنها إلى مكة عشر مراحل.
وفي موضع آخر: من مدينة رسول الله عليه السلام إلى ذي الحليفة -وهي السمرة ومنها يحرم أهل المدينة- خمسة أميال ونصف، مكتوب على الميل الذي وراءها قريب من ستة أميال من البريد، ومن هذا البريد أهلَّ سيدنا رسول الله عليه السلام، وبذي الحليفة عدة آبار ومَسْجدان لرسول الله عليه السلام، المسجد الكبير الذي يحرم منه الناس، والمسجد الآخر مسجد المعرس.
وقال ابن التين: هي أبعد المواقيت من مكة تعظيمًا لأجر النبي عليه السلام.
قوله: "الجُحْفَة" بضم الجيم وسكون الحاء المهملة قال أبو عُبيد: هي قرية جامعة بها منبر، بينها وبين البحر نحو ستة أميال وغديرخم على ثلاثة أميال منها وهي ميقات المتوجهين من الشام ومصر والمغرب، وهي على ثلاث مراحل من مكة أو أكثر، وعلى ثمانية مراحل من المدينة، سميت بذلك لأن السهول أجَحْفت بما حولها.
وقال الكلبي: أخرجت العماليق بني عبيل -وهم أخوة عاد- من يثرب فنزلوا الجحفة وكان اسمها مَهْيعة، فجاءهم السَيْل فاجتحفهم فسميت الجحفة.
وفي كتاب "أسماء البلدان": لأن سَيْل الجحاف نزل بها فذهب بكثير من الحاج وبأمتعة الناس ورحالهم، فمن ذلك سميت الجحفة.
وقال أبو عُبيد: وقد سماها رسول الله عليه السلام مَهْيعة، بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء آخر الحروف والعين المهملة.
وقال القرطبي: قال بعضهم: بكسر الهاء.
وقال ابن حزم: الجُحفة: ما بين الغرب والشمال من مكة، ومنها إلى مكة اثنان وثمانون ميلًا.
قوله: "ولأهل نجد قرن" النجد في اللغة ما أشرف من الأرض واستوى، ويجمع على أنجد وأنجاد ونجود ونُجُد بضمتين.
وقال القزاز: سمي نجد لعُلوه.
وقيل: سمي بذلك لصلابة أرضه وكثرة حجارته وصعوبته، من قولهم: رجل نجد: إذا كان قويًّا شديدًا، وقيل: سمي نجدًا لفزع من يدخله من أجل استيحاشه واتصال فزع السالكين له من قولهم: رجل نَجَدٌ. إذا كان فزعًا، ونجدٌ مذكرٌ، قال الشاعر:
ألم تر أن الليل يقصر طوله
…
بنجد وتزداد النطاق به بردًا
ولو أنثه أحد ورده على البلد لجاز له ذلك.
والعرب تقول: نَجدٌ ونُجدٌ -بفتح النون وضمها لغتان- وقال الكلبي في "أسماء البلدان": النجد ما بين الحجاز إلى الشام إلى العُذيب إلى الطائف، فالطائف من نجد، والمدينة من نجد، وأرض اليمامة والبحرين إلى عمان.
وقال أبو عمر: نجد ما بين جُرَش إلى سواد الكوفة، وحَدّه مما يلي الغرب: الحجاز، وعن يسار الكعبة اليمن، ونجد كلها من عمل اليمامة.
وقال ابن الأثير: نجدٌ ما بين العذيب إلى ذات عرق وإلى اليمامة وإلى جبلي طيء وإلى وَجْدَة وإلى اليمن، والمدينة لا تهاميه ولا نجدية، فإنها فوق الغور، ودون نجد.
وقال الحازمي: نجدٌ اسم للأرض العريضة التي أعلاها تهامة واليمن والعراق والشام.
وقال السكري: حد نجدٍ ذات عرق من ناحية الجبال كما تدور الجبال معها إلى جبال المدينة، وما وراء ذلك ذات عرق إلى تهامة.
وقال القتيبي: ثنا الرياشي، عن الأصمعي قال: العرب تقول: إذا علوت نجدًا مصعدًا فقد نجدت ولا تزال منجدًا حتى تنحدر في ثنايا ذات عرق، فإذا فعلت ذلك فقد أَتْهَمْتَ إلى البحر، فإذا عرض لك الحِرارُ وأنت تنجد فتلك الحجاز.
وقال ياقوت: نجد تسعة مواضع، ونجد المشهورة فيها اختلاف كثير، والأكثر أنها اسم للأرض التي أعلاها تهامة وأسفلها العراق والشام.
وقال الخطابي: نجد ناحية المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهلها.
وذكر في "المنتهى": نجدٌ من بلاد العرب وهو خلاف الغور أعلى تهامة، وكل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق فهو نجد.
وقال أبو عُبيد البكري، عن الكلبي: نجدٌ ما بين الحجاز إلى الشام إلى العذيب، والطائف من نجد، والمدينة من نجد.
وقال في أوضع آخر: ونجد كلها من عمل اليمامة.
وقال عمارة بن عقيل: ما سال من ذات عرق مقبلًا فهو نجدٌ، وحذاء نجدٍ أسافل الحجاز.
قال: وسمعت الباهلي يقول: كل ما وراء الخندق -خندق كسرى الذي خندقه على سواد العراق- فهو نجد إلى أن يميل إلى الحرّة، فإذا أملت إلى الحرة فأنت في الحجاز حتى تغور.
وعن الأصمعي: ما ارتفع من بطن الرّمة فهو نجدٌ إلى ثنايا ذات عرق، والشَرفُ كبدُ نجدٍ، وكانت منازل الملوك من بني آكل المرار، وفيه اليوم حِمَى ضرية، وفيه الرَّبذَةُ وما كان منه إلى الشرق فهو نجد.
وأما "قرن" فذكر ابن حزم أن من جاء على طريق نجد من جميع البلاد فميقاته قرن المنازل، وهو شرف مكة شرفها الله، ومنه إلى مكة اثنان وأربعون ميلًا.
وقال ابن قرقول: هو قرن المنازل، وقرن الثعالب، وقرن غير مضاف، وهو على يومٍ وليلة من مكة.
وقال القابسي: من قال قرْن بالإسكان أراد الجبل المشرف على الموضع، ومن قال بالفتح أراد الطريق الذي يفرق منه فإنه موضع فيه طرق مفترقة.
وقال ابن الأثير في "شرح المسند": وكثيرًا ما يجيء في ألفاظ الفقهاء وغيرهم بفتحها وليس صحيح.
وقال الجوهري: قرن موضع وهو ميقات أهل نجد ومنه أُوَيس القرني رضي الله عنه.
والذي يقوله المؤرخون والنَّسابون أن قرنًا بسكون الراء، ونسب أُوَيس بفتح الراء اسم قبيلة لامكان.
قوله: "يلملم" بياء آخر الحروف مفتوحة ولام، وقال عياض: ويقال: الملم وهو الأصل والياء بدل منه، على ميلين من مكة، وهو جبل من جبال تهامة.
وقال ابن حزم: هو جنوب مكة ومنه إلى مكة ثلاثون ميلًا.
وفي "شرح المهذب": يُصرف ولا يصرف.
وفي "المحكم": يَلَمْلم والملمم: جبلٌ.
وقال البكري: أهله كنانة، وتنحدر أوديته إلى البحر، وهو في طريق اليمن إلى مكة، وهو من كبار جبال تهامة.
وقال الزمخشري: هو وادٍ به مسجد رسول الله عليه السلام وبه عسكرت هوازن يوم حنين.
فإن قيل: ما وزنه؟
قلت: فَعَيْعَل كَصَمَحْمَح، وليس هو من لملمت؛ لأن ذوات الأربع لا تلحقها الزيادة في أولها إلَّا في الأسماء الجارية على أفعالها نحو مُدَحرج.
قلت: فعلى هذا الميم الأولى واللام الثانية زائدتان، ولهذا قال الجوهري في باب الميم وفصل الياء: يلم ثم قال: يلملم لغة في الملم، وهو ميقات أهل اليمن.
قوله: "قيل له: فالعراق" اعلم أن العراق في اللغة هو الذي يجعل على ملتقى طرفي الجلد إذا خُرِز في أسفل القربة، وبه سُمي العراق لأنه بين البر والريف، وعن ابن دريد: زعموا أن العراق سميت عراقًا لتواشيح عروق الشجر والنخل فيها، كأنه أراد عرقًا ثم جمع عراقًا، وقال: بل سميت عراقًا لأن العجم سمته إيران شهر ومعناه كثيرة النخل والشجر فقيل: عراق.
وقال الجواليقي: هذا اللفظ بعيد من لفظ العراق.
وعن ابن الأنباري: العراق مذكر.
وعن صاحب "العين": العراق شاطئ البحر على طوله، وبه سميت العراق عرافًا لأنه شاطئ دجلة والفرات حتى يتصل بالبحر.
وعن أبي عمرو عن الخزاعي: عراق البحر، العراق: شاطئ الماء، وخص بعضهم به شاطئ البحر، والجمع أعرقة وعروق، والعراقان: الكوفة والبصرة.
وقال الكلبي: أسفل كل أرض عراقها.
وفي "الجامع": سمي بالعراق لانخفاضه عن البحر، وقيل: هو جمع عرق لضرب من الطير المصطف، وقيل: العراق الواحد منه عرق، وهي مواضع سُمّي هذا المكان بها.
وقال الجوهري: العراق بلاد تُذكَّر وتؤنث، ويقال: هو فارسي معرب.
وفي "البارع" لأبي علي القالي: العراق ما يحيط بالظهر من اللحم، مثل الخثار، يعني: وبه سمي العراق.
وفي "الزاهر" لابن الأنباري عن قطرب: إنما سمي عراقًا لأنه دنى من البحر وفيه سباخ وشجر.
وقال ابن حوقل في كتاب "البلدان": حدُّ العراق من تكريت إلى عبادان، وعرضه من القادسية على الكوفة وبغداد إلى حلوان، وعرضه بنواحي واسط من سواد واسط إلى قرية، الطيب، وبنواحي البصرة من البصرة إلى حدود طيء، والذي يطيف بحدوده من تكريت فيما يلي المشرق حتى يجوز بحدود شهرزور، ثم يمرّ علي حدود حلوان وحدود السيرون والصيمرة، والطيب والسوس حتى ينتهي إلى حدود طيء ثم إلى البحر فيكون في هذا الحد من تكريت إلى البحر تقويس، ويرجع على حد المغرب من وراء البصرة في البادية على سواد البصرة وبطاحها إلى واسط، ثم على سواد الكوفة وبطاحها إلى الكوفة، ثم على ظهر الفرات إلى الأنبار ثم من الأنبار إلى حد تكريت بين دجلة والفرات من هذا الحد من البحر على الأنبار إلى تكريت بتقويسٍ أيضًا فهذا المحيط بحدود عراق، وهو من تكريت إلى البحر ما يلي المشرق على تقويسة نحو شهر، ومن البحر راجعًا في حد المغرب على تقويسة إلى تكريت فنحو شهر أيضًا، وعرضه على بغداد من حلوان إلى القادسية إحدى عشرة مرحلة، وعلى قمئة سُرَّ مَنْ رأَى من دجلة إلى شهرزور، والجبل نحو خمس مراحل، والعرض بواسط إلى، نواحي خورستان نحو أربع مراحل.
وأما ذات عرق فقال القرطبي: ذات عرق: ثنية أو هضبة بينها وبين مكة يومان وبعض يوم.
وقال الكرماني: ذات عرق أول بلاد تهامة ودونها بميلين ونصف مسجد رسول الله عليه السلام فإذا صوت عند الميل الثامن رأيت هناك بيوتا في الجبل خراب وهي للأعراب يمنة عن الطريق، ويقال: إنه هذا الموضع ذات عرق الجاهلية، وأهل ذات عرق يقولون: الجبل كله ذات عرق وبعض أهل العلم كان يقول: يُحْرِم من ذات عرق الجاهلية، وذات عرق لبني هلال بن عامر بن صعصعة، وبها بركة تعرف بقصر الوصيف، وبها من الآبار الكبار ثلاثة آبار، وآبار صغار كثيرة، ومن ذات عرق إلى الغمر تسعة أميال، وعلى ميلين من ذات عرق عين وآبار ونخل، وبقربه قبر أبي رغال، وبالقرب منها بستان منه إلى مكة ثمانية عشر ميلًا.
وقال ياقوت: هو الحد بين نجد وتهامة.
وقال الزمخشري: عرق: جبل مشرف على ذات عرق.
وقال الجوهري: ذات عرق: موضع بالبادية.
وعن يعقوب: ما بين ذات عرق إلى البحر غور وتهامة، وطرق تهامة من قبل الحجاز مدارج العرج، وأولها من قبل نجد مدارج ذات عرق.
فإن قيل: كيف وقّتَ النبي عليه السلام هذه المواقيت وهذه المواضع وما وراءها كانت دار كفر؟
قلت: هذا لا يمشي إلَّا في ذات عرق، فإن الآثار اختلف فيمن وقت لأهل العراق ذات عرق؛ ففي بعضها أن عمر بن الخطاب هو الذي وقَّت ذلك، إذ العراق فتح في زمانه، والصحيح الذي عليه الأثبات: أن النبي عليه السلام هو الذي وقته.
وفي "صحيح البخاري"(1): أن عمر وقَّته، ورجحه بعض أهل العلم بما ذكرناه من أنها فتحت في زمانه وأنها كانت في حياة النبي عليه السلام[دار](2) كفر وهذا الاحتجاج باطل لأن الشام كانت حينئذٍ دار كفر أيضًا بإجماع النقلة، وإنما وقت النبي عليه السلام هذه المواقيت على حسب ما علمه بالوحي من فتح المدائن والأقطار لأمته، وقد قال عليه السلام: "زويت له الأرض فأريت مشارقها ومغاربها
…
" الحديث.
وسيجيء كلام الطحاوي فيه مستقصىً إن شاء الله تعالى.
ص: قال أبو جعفر: فذهب قوم إلى أن أهل العراق لا وقت لهم كوقت سائر البلدان، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، وقالوا: كذلك سائر الأحاديث الأُخر المروية عن النبي عليه السلام في ذكر مواقيت الإحرام ليس في شيء منها للعراق ذكر.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: طاوس بن كيسان وابن سيرين وجابر بن زيد؛ فإنهم قالوا: أهل العراق لا وقت لهم كوقت سائر البلدان، واستدلوا على ذلك بالحديث
(1)"صحيح البخاري"(2/ 556 رقم 1458).
(2)
في "الأصل، ك": "ذات". وما أثبتناه هو الصواب.
المذكور؛ لأنه لم يذكر ففيه العراق، وقالوا: أهل العراق يُهلُّون من الميقات الذي يأتون عليه من هذه المواقيت المذكورة.
وقال ابن المنذر: أجمع عوام أهل العلم على القول بظاهر حديث ابن عمر، واختلفوا فيما يفعل من مرَّ بذات عرق، فثبت أن عمر رضي الله عنه وقّته لأهل العراق، ولا يثبت فيه عن النبي عليه السلام سنة. انتهى.
قلت: قد بيّنا عن قريب أن الصحيح هو الذي وقّته النبي عليه السلام، كذا ذكره في "مطامح الأفهام".
ثم قال ابن المنذر: اختلفوا في المكان الذي يحرم [منه](1) من أتى من العراق على ذات عرق؛ فقال أنس رضي الله عنه: "يحرم من العقيق" واستحسن ذلك الشافعي، وكان مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي يرون الإحرام من ذات عرق.
قال أبو بكر: الإحرام من ذات عرق تحري، وهو من العقيق أحوط، وقد كان الحسن بن صالح يحرم من الربذة، ورُوي ذلك عن خصيف والقاسم بن عبد الرحمن.
وقال أبو عمر في "التمهيد": اختلفوا في ميقات أهل العراق؛ فقال مالك والشافعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابهم: ميقات أهل العراق وناحية المشرق كلها ذات عرق.
وقال الثوري والشافعي: إن أهلوا من العقيق فهو أحب إلينا.
ص: ثم ذكروا في ذلك ما حدثنا يونس وربيع المؤذن، قالا: ثنا يحيى بن حسان، قال: ثنا وهيب بن خالد وحماد بن زيد، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس:"أن رسول الله عليه السلام وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن، ولأهل اليمن يلملم، ثم قال: فهي لهم ولكل من أتى عليهن من غيرهن، فمن كان أهله دون الميقات فمن حيث ينشئ حتى يأتي ذلك [على] (2) أهل مكة".
(1) ليست في "الأصل، ك"، والسياق يقتضيها.
(2)
تكررت في "الأصل، ك".
حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا كثير بن هشام، قال: ثنا جعفر بن برقان، قال:"سألت عمرو بن دينار عن أمرأةٍ حاجَّةٍ مرت بالمدينة فأتت ذا الحليفة وهي حائض، فقال لها كَرِيُّها: لو تقدمت إلى الجحفة فأحرمت منها فقال عمرو: نعم".
حدثنا طاوس -ولا نحسبن فينا أحدًا أصدق لهجة من طاوس- قال: قال ابن عباس: "وقّت رسول الله عليه السلام
…
" ثم ذكر مثله إلَّا أنه لم يذكر من قوله: "فمن كان أهله
…
" إلى آخر الحديث.
قالوا: فكذلك أهل العراق ما أتوا عليه من هذه المواقيت فهو وقت لهم، وما سواها فليس بوقتٍ لهم.
ش: أي ثم ذكر هؤلاء القوم فيما ذهبوا إليه من أن أهل العراق لا وقت لهم كوقت سائر البلدان بما حدثنا
…
إلى آخره. وأخرجه من طريقين:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى وربيع بن سليمان المؤذن، كلاهما عن يحيى بن حسان .. إلى آخره، وهذا إسناد صحيح.
وأخرجه النسائي (1): أنا ربيع بن سليمان صاحب الشافعي، قال: ثنا يحيى بن حسان
…
إلى آخره نحوه.
وأخرجه مسلم (2): عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن آدم، عن وهيب، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه
…
إلى آخره نحوه.
والبخاري (3): عن معلى بن أسد، عن وهيب، عن عبد الله بن طاوس .. إلى آخره نحوه.
غير أن في لفظهما: "فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة".
(1)"المجتبى"(5/ 124 رقم 2654).
(2)
"صحيح مسلم"(2/ 839 رقم 1181).
(3)
"صحيح البخاري"(2/ 555 رقم 1457).
الثاني: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن كثير بن هشام الكلابي الرقي شيخ أحمد، عن جعفر بن برقان الكلابي الجزري، عن عمرو بن دينار
…
إلى آخره. وهذا أيضًا صحيح.
وأخرجه الطبراني (1) نحوه، عن فضيل الملطي، عن أبي نعيم، ثنا جَعْفر، ثنا عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس رفعه، وفي روايته:"ولأهل الطائف قرنًا" انتهى
وبقول عمرو بن دينار قالت جماعة من المالكية.
قوله: "فهي لهم" أي الأماكن المذكورة مواقيت لأهل المدينة والشام والنجد واليمن حتى إذا جاوزوا هذه الأماكن من غير إحرام يجب عليهم الدم.
وقال أبو عمر: اختلفوا في مَنْ جاوز الميقات وهو يريد الإحرام فأحرم ثم رجع إلى الميقات، فقال مالك: عليه دم ولا ينفعه رجوعه. وهو قول أبي حنيفة وعبد الله ابن المبارك، وقال الشافعي والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد: إن رجع إلى الميقات فقد سقط عنه الدم. لبَّى أو لم يُلب.
ورُوي عن أبي حنيفة أنه إن رجع إلى الميقات فلبى، سقط عنه الدم، وإن لم يُلب لم يسقط عنه الدم، وكلهم يقول: إن لم يرجع وتمادى فعليه دم.
ورُوي عن عطاء والنخعي أنه لا شيء على من ترك الميقات، وعن سعيد بن جبير: إن لم يرجع حتى قضى حجه فلا حج له.
وعن الحسن البصري: إن لم يرجع حتى حج وتم حجه، رجع إلى الميقات فأهل منه بعمرة.
فهذه الأقاويل الثلاثة شذوذ ضعيفة عند فقهاء الأمصار؛ لأنها لا أصل لها في الآثار، ولا تصح في النظر، واتفق مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والثوري
(1)"المعجم الأوسط"(5/ 165 رقم 4960).
وأبو ثور على أن مَنْ مرّ بالميقات لا يريد حجًّا ولا عمرةً ثم بدا له في الحج والعمرة: أنه يحرم من الموضع الذي بدا له منه الحج، ولا يرجع إلى الميقات، ولا شيء عليه.
وقال أحمد وإسحاق: يرجع إلى الميقات ويحرم منه.
وقال أيضًا: واختلف الفقهاء في الرجل المريد للحج والعمرة يجاوز ميقات بلده إلى ميقات آخر.
فتحصيل مذهب مالك: أن من فعل ذلك فعليه دم، واختلف أصحاب مالك في ذلك؛ فمنهم من أوجب الدم فيه، ومنهم من أسقطه، وأصحاب الشافعي على إيجاب الدم في ذلك، وهو قول الثوري والليث.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لو أحرم المدني من ميقاته كان أحبّ إليهم، فإن لم يفعل وأحرم من الجحفة، فلا شيء عليه، وهو قول الأوزاعي وأبي ثور، وكره أحمد وإسحاق مجاوزة ذي الحليفة إلى الجحفة، ولم يوجبا الدم في ذلك.
قوله: "ولكل من أتى عليهن" أي على الأماكن المذكورة، وفي بعض النسخ:"ولكل آتٍ أترل عليهن" كما في رواية غيره.
وقال القرطبي: "هن" ضمير جماعة المؤنث العاقل في الأصل، وقد يُعاد على ما لا يعقل، وأكثر ذلك من العشرة فما دونها، فإذا جاوزها قالوه بهاء المؤنث كما قال تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} (1). ثم قال: {أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (1) أي من الإثنى عشر، ثم قال:{فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} (1) أي في هذه الأربعة.
وقد قيل: في الجميع. وهو ضعيف شاذ.
قوله: "فمن كان أهله دون الميقات" أراد أنه إذا كان وطنه بين الميقات وبين مكة فميقاته للإحرام من حيث ينشئ الإحرام، أي من حيث يبتدئ ويشرع فيه.
(1) سورة التوبة، آية:[36].
قال أبو عمر: أجمعوا كلهم على أن من كان أهله دون المواقيت أن ميقاته من أهله حتى يبلغ مكة.
وفي هذه المسألة أيضًا قولان شاذان:
أحدهما لأبي حنيفة: قال: يحرم من موضعه، فإن لم يفعل فلا يدخل الحرم إلا حرامًا، فإن دخل غير حرام فليخرج من الحرم، وليهل من حيثما شاء من الحل.
والقول الآخر لمجاهد: قال: إذا كان الرجل منزله بين مكة والميقات أهلَّ من مكة.
قوله: "قال لها كَرِيُّها" بفتح الكاف وكسر الراء وتشديد الياء، وهو المكتري.
ص: وذكروا في ذلك أيضًا ما حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله عليه السلام قال:"يُهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن، قال عبد الله: وبلغني أن رسول الله عليه السلام قال: ويُهل أهل اليمن من يلملم".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة.
وحدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا شعبة، عن عبد الله بن دينار، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام.
وقال سفيان: عن عبد الله بن دينار، قال: سمعت ابن عمر يقول: "وقّت رسولُ الله عليه السلام لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن، ولأهل اليمن يلملم".
حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكًا أخبره، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام نحوه.
ش: أي [ذكر](1) هؤلاء القوم أيضًا فيما ذهبوا إليه بحديث ابن عمر أيضًا.
(1) كذا في "الأصل، إلى" ولعل الصواب: احتج، أو استدل.
وأخرجه من أربع طرق صحاح:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك.
وأخرجه البخاري (1)، عن أحمد بن عيسى، عن ابن وهب، عن يونس
…
وقد ذكرناه.
الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب، عن شعبة، عن عبد الله بن دينار.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا يزيد، عن شعبة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر
…
إلى آخره نحوه.
الثالث: عن علي بن شيبة، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن سفيان، عن شعبة
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد (3) أيضًا، عن محمد بن عبد الله، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن نافع، عن ابن عمر
…
نحوه.
الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك بن دينار
…
إلى آخره.
وأخرجه مسلم (1)، عن يحيى بن يحيى وآخرين، عن إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن دينار
…
إلى آخره نحوه، وقد ذكرناه.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل ميقات أهل العراق ذات عرق، وَقَّت في ذلك لهم رسول الله عليه السلام كما وقَّت سائر المواقيت لأهلها، وذكروا في ذلك ما حدثنا محمَّد بن علي بن داود، قال: ثنا خالد بن يزيد، وهشام بن بهرام المدائني، قالا: ثنا المعاني بن عمران، عن أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة:"أن النبي عليه السلام وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل العراق ذات عرق، ولأهل اليمن يلملم".
(1) تقدم تخريجه.
(2)
"مسند أحمد"(2/ 46 رقم 5059).
(3)
"مسند أحمد"(2/ 50 رقم 5111).
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الثوري وأبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور وأصحابهم، وجمهور العلماء من التابعين ومَنْ بعدهم، فإنهم قالوا: ميقات أهل العراق ذات عرق، إلَّا أن الشافعي استحب أن يحرم العراقي من العقيق الذي بحذاء ذات عرق، وقد مر تفسير ذات العرق والعقيق مستقصىً، وذكروا في ذلك حديث عائشة وأخرجه بإسناد صحيح عن محمَّد بن علي بن محرز البغدادي وثقه ابن يونس، عن خالد ابن يزيد ويقال ابن أبي يزيد -وهو الصواب- أبي الهيثم المزرفي القرني القطربلي من قرية بين المَزْرفة وقطربل تسمى القرن، قال يحيى بن معين: ليس به بأس، وروى له ابن ماجه.
وعن هشام بن بَهْرام المدائني أبي محمَّد شيخ أبي داود، وثقه ابن حبان والخطيب، كلاهما [عن] (1) المعاني بن عمران الأزدي أبي مسعود الموصلي قال ابن معين والعجلي وابن سعد: ثقة، زاد ابن سعد: خيّر فاضل صاحب سنة. روى له البخاري وأبو داود.
عن أفلح بن حميد بن نافع الأنصاري النجاري المدني، روى له الجماعة سوى الترمذي، عن القاسم بن محمَّد بن أبي بكر الصديق، روى له الجماعة، عن عائشة الصديقة رضي الله عنها.
وأخرجه أبو داود (2): قال: ثنا هشام بن بَهْرام المدائني، قال ثنا المُعَافى بن عمران
…
إلى آخره نحوه، ولفظه:"وقت لأهل العراق ذات عرق".
وأخرجه النسائي (3): أنا عمرو بن منصور، قال: ثنا هشام بن بهرام، قال: ثنا المعافي
…
إلى آخره نحو رواية الطحاوي، وفيه نصَّ على أن النبي عليه السلام وقت لأهل العراق ذات عرق.
(1) تكررت "بالأصل، ك".
(2)
"سنن أبي داود"(2/ 143 رقم 1739).
(3)
"المجتبى"(5/ 123 - 124 رقم 2653).
وقال أبو عمر: وقّت رسول الله عليه السلام لأهل العراق ذات عرق كما وقّت لأهل الشام الجحفة، والشام يومئذ كلها دار كفر كما كانت العراق كذلك وغيرهما من البلدان.
وقال عياض: وفي حديث جابر: قال أبو الزبير: أحسبُه رفع إلى النبي عليه السلام
…
وذكر الحديث، وفيه:"مُهلّ أهل العراق ذات عرق".
وقال الدارقطني: وفي حديث أبي الزبير: "ومُهلّ أهل العراق" نظر، ولم يخرجه البخاري رحمه الله: يعني هذا الحديث، ولم يكن العراق يومئذ يعني زمن النبي عليه السلام.
قال القاضي: هذا مما لا يعل به الحديث؛ فقد أخبر النبي عليه السلام عما لم يكن في زمانه مما كان وهذا يعد من معجزاته عليه السلام فإنه أخبر أنه سيكون لهم مُهَلّ ويسلمون ويحجون.
ص: حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا عثمان بن الهيثم، قال: ثنا ابن جريج، قال: وأخبرني أبو الزبير، عن جابر، أنه سمعه يُسأل عن المهل، فقال: سمعت -ثم انتهى أراه يريد- النبى عليه السلام: "يُهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة، والطريق الآخر من الجحفة، ويهل أهل العراق من ذات عرق، ويهل أهل نجد من قرن، ويهل أهل اليمن من يلملم".
ش: إسناده صحيح، وعثمان بن الهيثم بن يهم أبو عمرو البصري شيخ البخاري، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي روى له الجماعة، وأبو الزبير محمَّد بن مسلم بن تدرس، روى له الجماعة البخاري مقرونًا بغيره.
وأخرجه مسلم (1): حدثني محمَّد بن حاتم وعبد بن حميد، كلاهما عن محمَّد بن بكر -قال عبدٌ: أنا محمَّد- قال: أنا ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يُسأل عن المهل، فقال: أحسبه رفع إلى النبي عليه السلام فقال: "مهل
(1)"صحيح مسلم"(2/ 841 رقم 1183).
أهل المدينة من ذي الحليفة، والطريق الآخر الجحفة، ومهل أهل العراق من ذات عرق، ومهل أهل نجد من قرن، ومهل أهل اليمن من يلملم".
وأخرجه ابن ماجه (1) من غير شك، قال: ثنا علي بن محمَّد، ثنا وكيع، ثنا إبراهيم بن يزيد، عن أبي الزبير، عن جابر قال:"خطبنا رسول الله عليه السلام فقال: مُهل أهل المدينة من ذي الحليفة، ومهل أهل الشام من الجحفة، ومهل أهل اليمن من يلملم، ومهل أهل نجد من قرن، ومهل أهل المشرق من ذات عرق، ثم أقبل بوجهه للأفق ثم قال: اللهم أقبل بقلوبهم".
قلت: إبراهيم بن يزيد الخوزي فيه كلام.
وأخرجه عبد الله بن وهب في "مسنده": عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عنه قال: سمعت النبي عليه السلام يقول
…
الحديث.
ص: حدثنا فهد، قال: ثنا محمَّد بن سعيد، قال ثنا حفص -هو ابن غياث- عن الحجاج، عن عطاء، عن جابر قال:"وقّت رسول الله عليه السلام لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل العراق ذات عرق".
ش: هذا طريق آخر وهو أيضًا صحيح، عن فهد، عن محمَّد بن سعيد بن الأصبهاني شيخ البخاري، عن حفص بن غياث، عن الحجاج بن أرطاة، عن عطاء بن أبي رباح .. إلى آخره.
وأخرجه الدارقطني (2): ثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا أبو هشام، ثنا حفص، ونا يوسف بن يَعْقوب الأزرق، نا حميد بن الربيع، نا حفص بن غياث، عن الحجاج، عن عطاء، عن جابر قال:"وقّت رسول الله عليه السلام لأهل العراق ذات عرق".
ص: حدثنا (3) يحيى بن عثمان وعلي بن عبد الرحمن، قالا: ثنا سعيد بن
(1)"سنن ابن ماجه"(2/ 972 رقم 2915).
(2)
"سنن الدارقطني"(2/ 235 رقم 1).
(3)
ليست في "الأصل، إلى"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
أبي مريم، قال: أخبرني إبراهيم بن سُويد، قال: حدثني هلال بن زيد، قال: أخبرني أنس بن مالك: "أنه سمع رسول الله عليه السلام وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل البصرة ذات العرق، ولأهل المدائن العقيق".
ش: يحيى بن عثمان بن صالح أبو زكرياء المصري شيخ ابن ماجه والطبراني.
وسعيد بن أبي مريم المصري شيخ البخاري، وإبراهيم بن سويد بن الحيان المديني روى له البخاري وأبو داود.
وهلال بن زيد بن يسار بن بولا البصري أبو عقال مولى النبي عليه السلام، ويقال: مولى أنس بن مالك، قال البخاري: في حديثه مناكير، وقال النسائي: ليس بثقة، روى له ابن ماجه.
والحديث أخرجه الطبراني في "الكبير"(1) ثنا يحيى بن أيوب العلاف المصري، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا إبراهيم بن سُويَد، حدثني هلال بن زيد بن يسار، نا أنس بن مالك:"أنه سمع رسول الله عليه السلام وقت لأهل المدائن العقيق، ولأهل البصرة ذات عرق، ولأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة".
قوله: "ولأهل المدائن (2) العقيق" المدائن على دجلة من شرقيها تحت بغداد على مرحلة منها، وهي في الأصل جمع مدينة، وكان اسمها بالفارسية طَيْسَفُون، وفيها إيوان كسرى، كانت وَسَعتُها من ركن إلى ركن خمسة وتسعون ذراعًا، والمراد بالعقيق: الذي بحذاء ذات عرق، وقد استقصَيْنا الكلام فيه في باب: الرجل يصبح في شهر رمضان جنبًا هل يصوم أم لا؟
ص: فقد ثبت عن رسول الله عليه السلام بهذه الآثار مَنْ وَقَّتَ أهل العراق كما ثبت من وَقَّت مَنْ سواهم بالآثار التي قبلها.
(1)"المعجم الكبير"(1/ 250 رقم 721)
(2)
في "الأصل، ك": "مدائن" بدون ألف ولام في أوله، والكلمة في المتن معرفة بلألف واللام.
ش: أشار بهذه الآثار إلى ما رواه عن عائشة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك.
ص: وهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقد روى عن النبى عليه السلام من توقيت ما قد ذكرناه عنه في الفصل الذي قبل هذا، ثم قال عبد الله بن عمر من بَعْد النبي عليه السلام في ذلك ما حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر:"أن النبي عليه السلام وَقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الطائف قرن".
قال ابن عمر: وقال الناس: لأهل المشرق ذات عرق".
فهذا ابن عمر رضي الله عنهما يخبر أن الناس قد قالوا ذلك، ولا يُريد ابن عمر من الناس إلَّا أهل الحجة والعلم بالسنة، ومحالٌ أن يكونوا قد قالوا ذلك بآرائهم؛ لأن هذا ليس مما يقال من جهة الرأي، ولكنهم قالوا بما وقفهم عليه رسول الله عليه السلام.
ش: ذكر هذا تأييدًا للآثار المذكورة، وذلك لأن ابن عمر قد روى عن النبي عليه السلام أنه وقت لأهل المدينة، ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن، ولأهل اليمن يلملم، قال: ولم أسمعه منه.
قيل له: فالعراق. قال: لم يكن يومئذ عراق، ثم قال: بعد وفاة النبي عليه السلام، قال الناس: لأهل المشرق ذات عرق، وأخبر أن الناس قد قالوا بذلك، وما الناس عنده إلَّا أهل الحجة وأهل العلم بسنة النبي عليه السلام، ومن المستحيل أن يقولوا هذا القول بآرائهم؛ لأن هذا الباب لا يدخله الرأي ولا للعقل فيه مدخل، وإنما قالوا ذلك بالتوقيف من جهة النبي عليه السلام.
ثم إنه أخرجه عن أحمد بن داود المكي، عن يعقوب بن حميد بن كاسب المدني نزيل مكة، شيخ البخاري في أفعال العباد، وابن ماجه، عن يحيى: ثقة، وعن أبي حاتم: ضعيف الحديث، وقال أبو زرعة: كان صدوقًا في الحديث، وقال البخاري: لم نر إلَّا خيرًا وهو في الأصل صدوق، وهو يروي عن وكيع.
عن جعفر بن برقان ثقة.
عن ميمون بن مهران الأسدي الجزري، روى له مسلم والأربعة.
وأخرجه الطبراني في "الأوسط"(1): عن فضل الملطي، ثنا أبو نعيم، نا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر
…
إلى آخره نحوه.
واعلم أنه أخرج في كون الميقات لأهل العراق ذات عرق حديث عائشة وجابر وأنس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم في الباب عن ابن عباس والحارث بن عمرو السهمي، وعمرو بن العاص.
أما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي (2): ثنا أبو كريب، نا وكيع، عن سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن محمَّد بن علي، عن ابن عباس:"أن النبي عليه السلام وقّت لأهل المشرق العقيق" وقال: هذا حديث حسن.
وأخرجه البيهقي (3) وقال: تفرد به يزيد بن أبي زياد.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(4) وفي روايته: "ولأهل العراق ذات عرق".
وأخرجه الحارث بن أبي أسامة أيضًا في "مسنده" عن يزيد بن هارون، عن حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عنه فذكر الطائف والعراق.
وأما حديث الحارث بن عمرو فأخرجه أبو داود (5)، ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا عتبة بن عبد الملك، قال: حدثني زرارة بن كريم، أن الحارث بن عمرو السهمي حدَّثه، قال:"أتيتُ النبي عليه السلام وهو بمنى -أو بعرفات- وقد أطاف به الناس، قال: فتجيء الأعراب، فإذا رأوا وجهه قالوا: هذا وجه مبارك، قال: ووقت ذات عرق لأهل العراق".
(1)"المعجم الأوسط"(5/ 165 رقم 4958).
(2)
"جامع الترمذي"(3/ 193 رقم 832).
(3)
"السنن الكبرى"(5/ 28 رقم 8700).
(4)
"مسند أحمد"(1/ 344 رقم 3205).
(5)
"سنن أبي داود"(2/ 144 رقم 1742).
وأما حديث عمرو بن العاص فأخرجه الدارقطني في "سننه"(1): ثنا الحسين ابن إسماعيل، ثنا يوسف بن موسى، ثنا عبد الله بن نمير، عن الحجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي عليه السلام:"أنه وقّت لأهل العراق ذات عرق".
وأخرجه الطبراني أيضًا (2).
ص: فقال قائل: وكيف يجوز أن يكون النبي عليه السلام وقت لأهل العراق يومئذٍ ما وقت، والعراق إنما كانت بعده عليه السلام؟!
قيل له: كما وقّت لأهل الشام ما وقت والشام إنما افتتحت بعده عليه السلام، فإن كان يريد بما وقت لأهل الشام مَنْ كان في الناحية التي افتتحت حينئذٍ من قبل الشام، فكذلك يريد بما وقت لأهل العراق من كان في الناحية التي افتتحت حينئذٍ من قبل العراق مثل جبلي طيء ونواحيها، وإن كان ما وقّت لأهل الشام إنما هو لما علم بالوحي أن الشام ستكون دار إسلام، فكذلك ما وقّت لأهل العراق إنما هو لما علم بالوحي أن العراق ستكون دار إسلام، فإنه قد كان صلى الله عليه وسلم ذكر ما سيفعله أهل العراق في زكاتهم مع ذكره ما سيفعله أهل الشام في زكاتهم.
حدثنا علي بن عبد العزيز البغدادي، قال: ثنا أحمد بن يونس.
وحدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوحاظى.
وحدثنا فهدٌ قال: ثنا أبو غسان، قالوا: ثنا زهير بن معاوية، عن سهيل ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، (3): "منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مُدَّيها ودينارها، ومنعت مصر
(1)"سنن الدارقطني"(2/ 236 رقم 3).
(2)
وأخرجه أيضًا الإِمام أحمد في "مسنده"(2/ 181 رقم 6697)، والبيهقي في "سننه الكبرى"(5/ 28 رقم 8668).
(3)
في "الأصل، ك": "صلى الله عليه السلام".
أردبها ودينارها، (وعدتم كما بدأتم، وعدتم كما بدأتم)(1) شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه".
يريد بعضهم على بعض في قصة الحديث، فهذا رسول الله عليه السلام قد ذكر ما سيفعله أهل العراق من منع الزكاة قبل أن يكون عراق، وذكر مثل ذلك في الشام وأهل مصر قبل أن يكون الشام ومصر، لما أعلمه الله تعالى من كونهما بعده، فكذلك ما ذكره من التوقيت لأهل العراق مع ذكره التوقيت لغيرهم المذكورين، هو لما أخبره الله أنه سيكون من بعده، وهذا الذي ذكرناه من تثبيت هذه المواقيت التي وصفنا لأهل العراق ولمَنْ ذكرنا معهم هو قول أبي حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: هذا السؤال وجوابه ظاهران، وقد ذكرنا نبذة عنه في هذا الباب.
قوله: "والشام إنما افتتحت" الواو فيه للحال، وفتحت الشام في سنة اثنتي عشرة من الهجرة.
قوله: "فإن كان يريد" أي هذا القائل.
قوله: "مثل جبلي طئ" أحد الجبلين سُمّي أَجَأَ على وزن فَعَلَ بالتحريك، والآخر يُسمى سلمى، وأما طيء فقد قال الجوهري: هو أبو قبيلة من اليمن، وهو طيء بن أدد بن كهلان بن سبأ بن حمير، والنسبة إليه طائي على غير قياس، وأصله طيئي مثال طبيعي، فقلبوا الياء ألِفًا وحذفوا الثانية، وقال: الطاءة مثل الطاعة: الإبعاد في المرعى، يقال: فرس بعيد الطاءة، قالوا: ومنه أخذ طَئِّ مثال سيد.
وقال الرشاطي في الأنساب": الطائي في كهلان ينسب إلى طيء واسمه جلهمة ابن أدد، وحكى ابن دريد عن الخليل بن أحمد قال: أصل طيء من طاوي وواو وياء، فقلبوا الواو ياء فصارت ياء ثقيلة، وكان ابن الكلبي يقول: سُمي طيئًا لأنه أول من طوى المناهل، وقال قطرب: هو فيعل بهمزة لاجتماع الياءان.
(1) كذا في "الأصل، ك" تكررت مرتين فقط وفي "شرح معاني الآثار" ومصادر تخريج الحديث، تكررت ثلاث مرات.
وقال السيرافي: ذكر بعض النحويين أن طيئًا من الطاءة وهو الذهاب في الأرض وفي المرعى، وإلى هذا القول ذهب أبو الحسن بن سيده، وقال: ليس هذا القول بشيء لأن طوى طيًّا لا أصل له من الهمزة.
ثم إنه أخرج حديث أبي هريرة من ثلاث طرق صحاح:
الأول: عن علي بن عبد العزيز البغدادي، عن أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ البخاري، عن زهير بن معاوية، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه أبي صالح ذكوان الزيات، عن أبي هريرة.
وأخرجه مسلم (1): ثنا عبيد بن يعيش، وإسحاق بن إبراهيم -واللفظ لعبيد- ثنا يحيى بن آدم بن سليمان مولى خالد بن خلاد، قال: ثنا زهير، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله عليه السلام: "منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر أردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه".
الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن يحيى بن صالح الوحاظي شيخ البخاري، عن زهير بن معاوية .. إلى آخره.
الثالث: عن فهد بن سليمان، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النَهْدي شيخ البخاري، عن زهير بن معاوية .... إلى آخره.
قوله: "منعت العراق درهمها وقفيزها" قيل: معناه أنهم يُسلمون فيسقط عنهم الخراج، وقيل: معناه أنهم يرجعون عن الطاعة ولا يؤدون الخراج المضروب عليهم، ولهذا قال:"وعدتم من حيث بدأتم" أي ورجعتم إلى ما كنتم عليه قبل ذلك.
(1)"صحيح مسلم"(4/ 2220 رقم 2896).
كما ثبت في "صحيح مسلم"(1): "إن الإِسلام بدأ غريبا وسيعود غريبًا، فطوبي للغرباء".
ورجح البيهقي المعنى الأول.
وقيل: معناه أنه إخبار عن حالها حينئذ؛ لأن خراجها ومنافعها لم تصل إليه.
وقيل: إن أهلها اقتصروا على أنفسهم ومنعوا الميرة.
و"القفيز" مكيال يتواضع الناس عليه، وهو عند أهل العراق ثمانية مكاكيك، والمكوك المد، وقيل: الصالح، ويقال: المكوك اسم للمكيال، ويختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلد.
و"المد" ربع الصاع، وهو رطل وثلث بالعراقي عند الشافعي وأهل الحجاز، وهو رطلان عند أبي حنيفة وأهل العراق، وقد مرّ الكلام فيه في باب: صدقة الفطر.
و"الأردب" مكيال لأهل مصر يسع أربعةً وعشرين صاعًا، والهمزة فيه زائدة، قاله ابن الأثير.
وقال الجوهري: الأردب مكيال ضخم لأهل مصر، وذكره صاحب "دستور اللغة" في باب الهمزة المكسورة، وذكر غيره أيضًا أن الأردب بكسر الهمزة، وفي لسان العامة بفتحها، وهي ست وقيات، والوقية ست عشر قدحًا، فتكون الجملة ستة وتسعين قدحًا، والقدح مكيال معروف عند أهل مصر.
وفيه من دلائل النبوة حيث أخبر عما ضربه عمر رضي الله عنه على أرض العراق من الدراهم والقفزان، وعما ضرب من الخراج بالشام ومصر قبل وجود ذلك، فإن هذه البلاد لم تفتح إلَّا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أما العراق فإن أبا بكر رضي الله عنه بعث خالد بن الوليد في سنة ثنتي عشرة من الهجرة إلى العراق، ففتح الأبلة ثم الأنبار، ثم ولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين آلت إليه الخلافة
(1)"صحيح مسلم"(1/ 130 رقم 125) من حديث أبي هرير رضي الله عنه.
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أميرًا على العراق، ففتح المدائن وغيرها في سنة ست عشرة، وفتحت مصر في سنة عشرين.
قاله ابن إسحاق والواقدي.
وقال الواقدي: وكذا فتحت إسكندرية في سنة عشرين.
وقال أبو معشر: فتحت مصر في سنة عشرين، وإسكندرية في سنة خمس وعشرين.
وقال سيف: فتحت مصر وإسكندرية في سنة ست عشرة في ربيع الأول منها.