الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: الرجل يحرم وعليه قميص كيف ينبغي أن [يخلعه]
(1)
ش: أي هذا باب في بيان من أحرم والحال أن عليه قميص، كيف ينبغي أن [يخلعه](1) أينزعه نزعًا أم يشقه؟.
ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن عطاء بن أبي لبيبة، عن عبد الملك بن جابر، عن جابر بن عبد الله قال:"كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فقدّ قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه، فنظر القوم إلى رسول الله عليه السلام فقال: إني أمرت بِبُدْني التي بعثت بها أن تُقَلَّد اليوم، وتشعر على مكان كذا وكذا، فلبست قميصي ونسيت، فلم كن لأُخرج قميصي من رأسي، وكان بعث ببدنه وأقام بالمدينة".
ش: رجاله ثقات، وحاتم بن إسماعيل المدني روى له جماعة، وعبد الرحمن بن عطاء وثقه ابن سعد، وقال أبو حاتم: شيخ، روى له أبو داود والترمذي.
وأبو لبيبة بفتح اللام وكسر الباء الموحدة، وفي "التكميل": عبد الرحمن بن عطاء القرشي مولاهم أبو محمد ابن بنت أبي لبيبة الزارع المديني صاحب الشارع، وهي أرض عند المدينة بطرف منه.
وعبد الملك بن جابر بن عتيك الأنصاري المدني، قال أبو زرعة: ثقة. روى له أبو داود والترمذي.
وأخرجه عبد الرزاق: عن داود بن قيس، عن عبد الرحمن بن عطاء، أنه سمع ابني جابر يحدثان، عن أبيهما قال:"بينما النبي عليه السلام جالس مع أصحابه، شق قميصه حتى خرج منه، فقيل له فقال: واعدتهم يقلدون هديا اليوم، فنسيت".
وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): عن عبد الرزاق نحوه.
(1) في "الأصل، ك": "يجعله"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".
(2)
"مسند أحمد"(3/ 294). رقم (14161).
قلت: أراد يا بني جابر عبد الرحمن ومحمد ابني جابر بن عبد الله.
قوله: "قدّ قميصه" أي قطعه وشقه والقدّ القطع طولًا كالشق.
وقوله: "من جيبه" أي زيقه وطوقه.
وقوله: "ببُدْني" البُدْن بضم الباء وسكون الدال جمع بدنة وهي من الإِبل والبقر، وأراد بها الإِبل.
قوله: "أن تقلد اليوم وتشعر" التقليد هو أن يجعل في عنق الهدي قلادة من نعل أو قطعة مزادة. والإِشعار أن يطعن في شق سنامه الأيمن بالشفرة وسيجيء الكلام فيها.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذا فقالوا: لا ينبغي للمحرم أن يخلعه كما يخلع الحلال قميصه؛ لأنه إذا فعل الحلال ذلك غطى رأسه وذلك عليه حرام، فأمر بشقه لذلك.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الحسن البصري، ومغيرة بن مقسم، وحصن بن عبد الرحمن، وإبراهيم النخعي، وعامر الشعبيّ، ويونس بن عُبيد، وأبا قلابة عبد الله بن زيد، ومسروق بن الأجدع؛ فإنهم قالوا: من أحرم وعليه قميص، فإنه يشقه، ولا ينزعه كما ينزع الحلال، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وأبي قتادة رضي الله عنهما
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل ينزعه نزعًا.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: طاوسًا، وعطاء بن أبي رباح، وابن جريج، وسعيد بن المسيب، والثوري، وأبا حنيفة، ومالكًا، والشافعي، وأبا يوسف، ومحمدًا وأحمد، فإنهم قالوا: بل ينزع القميص الذي عليه نزعًا ولا يشقه.
ص: واحتجوا في ذلك بحديث يعلى بن أمية في الذي أحرم وعليه جبّة فأتى رسول الله عليه السلام فأمره أن ينزعها نزعًا، وقد ذكرنا ذلك في باب التطيب عند
الإِحرام، فقد خالف ذلك حديث جابر رضي الله عنه الذي ذكرنا، وإسناده أحسن من إسناده، فإن كانت هذه الأشياء تثبت بصحة الإِسناد فإن حديث يعلى معه من صحة الإِسناد ما ليس في حديث جابر -رضى الله عنه-.
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث يعلى بن أمية وهو الذي يقال له: يعلى بن منية أيضًا الذي مضى ذكره في صدر باب التطيب عند الإِحرام، وهو الذي أخرجه من حديث عطاء، عن صفوان بن يعلى بن منية، عن أبيه:"أن رجلاً أتى النبي عليه السلام بالجعرانة وعليه جبة وهو مُصَفّر لحيته ورأسه، فقال: يا رسول اللهَ، إني قد أحرمت وأنا كما ترى، فقال: انزع عنك الجبة واغسل عنك الصفرة".
وجه الاستدلال: أنه عليه السلام أمر الرجل بنزع الجبة ولم يأمره بشقها، فكذلك القميص.
فهذا وإن كان يعارضه حديث جابر المذكور ظاهرًا، ولكن لا يعتبر بتلك المعارضة لأن من شرطها مساواة الحديثين في الصحة وعدمها، وحديث جابر لا يعادل حديث يعلى؛ لأن حديث يعلى أصح إسنادًا، ورجاله رجال الصحيحين والأربعة: وأخرجه الجماعة أيضًا كما قد بينا في باب التطيب عند الإِحرام، وحديث جابر في سنده عبد الرحمن بن عطاء فهو وإن كان وثقه ابن سعد فقد ضعفه غيره، وقال البخاري: فيه نظر، وأدخله في "الضعفاء" وعبد الملك بن جابر لم يخرج له الشيخان شيئًا، والحديث ذكره عبد الحق الإِشبيلي في "أحكامه" وقال: عبد الرحمن ابن عطاء ضعيف.
ص: وأما وجه ذلك من طريق النظر: فإنا رأينا الذين كرهوا نزع القميص إنما كرهوا ذلك لأنه يغطي رأسه إذا نزع قميصه، فأردنا أن ننظر هل تكون تغطية الرأس في الإِحرام على كل الجهات منهيًا عنها أم لا؟ فرأينا المحرم نُهي عن لبس القلانس والعمامة والبرانس، فنهي أن يُلبِس رأسه شيئًا، كما نُهي أن يُلبس
بدنه القميص، ورأينا المحرم لو حمل على رأسه ثيابًا وغيرها لم يكن بذلك بأس، ولم يدخل ذلك فيما قد نهي عن تغطية الرأس بالقلانس وما أشبهها؛ لأنه غير لابس، فكان النهي إنما وقع في ذلك على تغطية ما يلبسه الرأس لا غير ذلك مما غطي به، وكذلك الأبدان نُهي عن إلباسها القميص ولم ينه عن تجليلها بالأُزر، فلما كان ما وقع عليه النهي من هذا في الرأس إنما هو الإِلباس لا التغطية التي ليست بإلباس، وكان إذا نزع القميص فلاقى ذلك رأسه فليس ذلك بإلباس منه لرأسه شيئًا، إنما ذلك تغطية منه لرأسه، وقد ثبت مما ذكرنا أن النهي عن لبس القلانس لم يقع على تغطية الرأس، وإنما وقع على إلباس الرأس في حال الإِحرام ما يلبس في حال الإِحلال، فلما خرج بذلك ما أصاب الرأس من القميص المنزوع من حال تغطية الرأس المنهي عنها ثبت أنه لا بأس بذلك؛ قياسًا ونظرًا عل ما ذكرنا، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: أي وأما وجه الحكم المذكور من طريق النظر والقياس: فإنا رأينا .. إلى آخره وجد ذلك ظاهر.
قوله: "ولم يُنه عن تجليلها بالأزر" التجليل بالجيم من جللت الفرس إذا ألبسته الجُلَّ، وتجلله إذا علاه.
"والأزُر" بضم الهمزة وسكون الزاي: جمع إزار.
ص: وقد اختلف المتقدمون في ذلك، حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا يونس عن الحسن.
وأخبرنا مغيرة، عن إبراهيم والشعبي، أنهم قالوا:"إذا أحرم الرجل وعليه قميص فليخرقه حتى يخرج منه".
حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير .. مثله.
حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن [بن](1) زياد قال: ثنا شعبة، عن المغيرة وحماد، عن إبراهيم قال:"إذا أحرم الرجل وعليه قميص قال أحدهما: يشقه، وقال الآخر: ينزعه من قبل رجليه".
حدثنا سليمان، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن عطاء ابن أبي رباح:"أن رجلاً يقال له: يعلى بن أمية أحرم وعليه جبة، فأمره النبي عليه السلام أن ينزعها، قال قتادة: قلت لعطاء: إنما كنا نرى أن يشقها، فقال عطاء: إن الله لا يحب الفساد".
حدثنا سليمان، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن أبي مسلمة الأزدي، قال:"سمعت عكرمة وسئل عمن أحرم [وعليه] (2) قباء قال: يخلعه".
فهذا عطاء وعكرمة قد خالفا إبراهيم والشعبي وسعيد بن جبير، وذهبا إلى ما ذهبنا إليه من حديث يعلى رضي الله عنه.
ش: أي وقد اختلف السلف من التابعين فيمن أحرم وعليه قميص، هل يخرقه أو ينزعه؟ فروي عن الحسن وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي وسعيد بن جبير رضي الله عنه: أنه يخرقه ليخرج منه.
وروي عن عطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس: أنه ينزعه.
وقد خالفنا هؤلاء الأربعة وذهبنا إلى ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية من حديث يعلى بن أُميَّة.
أما أثر الحسن وإبراهيم والشعبي فأخرجه بإسناد صحيح: عن صالح بن عبد الرحمن، عن سعيد بن منصور، عن هشيم بن بشير، عن يونس بن عُبيد، عن الحسن البصري.
(1) سقط من "الأصل، ك".
(2)
تكررت في "الأصل، ك".
وعن هشيم، عن مغيرة بن مقسم، عن إبراهيم النخعي وعامر الشعبي
…
إلى آخره.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم ويونس، عن الحسن، ومغيرة وحصين، عن الشعبي:"قالوا: يخرقه".
وأما أثر سعيد بن جبير فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح: عن روح بن الفرج، عن يوسف بن عدي، عن شريك بن عبد الله، عن سالم بن أبي أمية القرشي المدني.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد، وعن سعيد بن مسروق عن أبي صالح قال:"إذا أحرم وعليه قميص فليشقه".
وأخرج لإبراهيم من طريق آخر: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن عبد الرحمن بن زياد الرصاصي الثقفي، عن شعبة، عن المغيرة وحماد بن أبي سليمان، كلاهما عن إبراهيم النخعي.
قوله: "قال أحدهما" أراد به المغيرة أو حمادًا.
وأما أثر عطاء فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح: عن سليمان بن شعيب، عن عبد الرحمن بن زياد الرصاصي، عن شعبة، عن قتادة، عن عطاء بن أبي رباح .. إلى آخره.
وأخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده"(3): عن شعبة، عن قتادة، عن عطاء، عن يعلى مرفوعًا:"أن [النبي صلى الله عليه وسلم رأى] (4) رجلاً عليه جبة عليها أثر خلوق أو صفرة، فقال: اخلعها عنك واجعل في عمرتك ما تجعل في حجك، قال قتادة: فقلت لعطاء: كنا نسمع أنه قال: شقها، قال: هذا فساد، والله لا يحب الفساد".
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 295 رقم 14355).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(3/ 295 رقم 14356).
(3)
"مسند الطيالسي"(1/ 188 رقم 1323).
(4)
ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "مسند الطيالسي" و"سنن البيهقي".
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث الطيالسي.
وأما أثر عكرمة فأخرجه أيضًا بإسناد صحيح: عن سليمان بن شعيب، عن عبد الرحمن بن زياد الرصاصي، عن شعبة، عن أبي مسلمة الأزدي واسمه سعيد بن زيد البصري من رجال الصحيحين وغيرهما.
قوله: "وسئل" الواو فيه للحال.
…
(1)"السنن الكبرى"(5/ 57 رقم 8883).