الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأحفاده من بعده، ولم يلبث أن وصله يزيد بالرشيد فاختصه بأدب المأمون كما كان الكسائي يؤدب الأمين، وصار اليزيدي يدرس في مساجد بغداد كما يدرس الكسائي، فتولدت بين الشيخين المنافسة، وتطلع كل منهما لغلب الآخر، فحدثت المناظرات بينهما، وكان اليزيدي مظفرا في أغلبها، وقد أسلفنا القول على إحداهما، ولما مات الكسائي قبله لم يقصر في رثائه، كان اليزيدي مع علمه أديبا شاعرا له مجموعة شعرية فيها شعر كثير في مدح النحاة البصريين وهجاء الكوفيين، وسنذكر بعضا منها في الكلام على المذهب الكوفي بمشيئة الله تعالى، وله مؤلفات متنوع العلوم، منها مختصر في النحو وقد بورك له في نسله فكان العلم والأدب والفضل في أبنائه وحفدته، توفي رحمه الله بمرو سنة 202هـ1.
1 ترجمته في المعاجم، وخزانة الأدب شاهد 897.
الطبقة الخامسة:
1-
الأخفش الأوسط: هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة مولى بني مجاشع بن دارم "بطن من تميم" أوسط الأخافشة الثلاثة المشهورين، فقبله أبو الخطاب الأخفش الأكبر شيخ سيبويه الذي سلفت ترجمته، وبعده أبو الحسن الأخفش الأصغر تلميذ المبرد وثعلب وستأتي ترجمته، وأشهرهم ذكرا في النحو فلذا ينصرف إليه الحديث عن ذكر الأخفش مجردا من الوصف في كتب النحو، فإن قصد غيره وجب ضم الأكبر أو الأصغر إليه على وفاق المطلوب، ولد ببلخ وأقام بالبصرة لطلب العلم وتلقى مع سيبوبه عن جل شيوخه سوى الخليل، ثم أخذ عنه بعد المشاركة مع كبر سنه عنه فكان أنحى تلاميذه، وكان ضنينا بكتاب سيبويه لنفاسته حتى ظن به ادعاؤه لنفسه لأن سيبويه لم يقرأه على أحد ولا قرأه عليه أحد ما عداه، قال: ما وضع سيبويه في كتابه شيئا إلا عرضه علي وكان يرى أنه أعلم به مني وأنا اليوم أعلم به منه، فتشاور تلميذا الأخفش:"الجرمي والمازني" على الحيلولة بينه وبين ما
ظن فيه بترغيبه في المال إذ كان الجرمي مثريا فقرآه عليه وظهر الكتاب، فليس للكتاب طريق إلا الأخفش، فإليه يرجع الفضل في استبقائه كما يرجع للكتاب الفضل في إقبال العلماء على الأخفش.
لما قفل سيبويه من بغداد بعد خذلانه في المناظرة الماضية استشخص تلميذه الأخفش في طريقه إلى الأهواز لما سبق أنه ولى وجهه عن البصرة خزيا وشكا إليه بثه وحزنه مما هاضه، فتحرش الأخفش بالكسائي ووصل بغداد في الغلس1 وصلى خلف الكسائي الغداة في مسجد، ثم سأله أمام تلامذته "الفراء والأحمر" وغيرهما وخطأه في إجابته حتى هم التلامذة بالوثوب عليه فمنعهم الكسائي وقال له: بالله أما أنت أبو الحسن بن سعيد بن مسعدة؟ فقال: بلى، فقام إليه وعانقه وأجلسه بجنبه وأكرم مثواه، فاستحال تحرشه محبة له وأقام عنده ينعم بالحياة السعيدة الجديدة، وبقي في جواره ببغداد بقية حياته، وصار مؤدب أولاده وقرأ له كتاب سيبويه سرا، وقد تغيرت لذلك عصيبة الأخفش حتى وافق الكوفيين كثيرا في آرائهم فكان أكثر البصريين موافقة للكوفيين، وكتب النحو ملأى بالمسائل التي وافقهم فيها، وإني ذاكر لك بعضا منها على سبيل التمثيل.
من المسائل التي وافق فيها الأخفش الكوفيين:
1-
إعراب فعل الأمر وجزمه بلام الأمر المقدرة على أنه مقتطع من المضارع المجزوم بها، قال ابن هشام:"وزعم الكوفيون وأبو الحسن أن لام الطلب حذفت حذفا مستمرا في نحو قم واقعد، وأن الأصل. لتقم ولتقعد، فحذفت اللام للتخفيف وتبعها حرف المضارعة"2.
2-
جواز رفع الوصف فاعلا ظاهرا من غير اعتماد للوصف وكذا
1 الغلس بفتحتين ظلمة آخر الليل.
2 راجع المغني الباب الأول مبحث اللام، واللام العاملة للجزم.
الظرف قال الرضي"والأخفش والكوفيون جوزوا رفع الصفة للظاهر على أنه فاعل لها من غير اعتماد على الاستفهام أو النفي نحو: قائم الزيدان كما يجيزون في نحو: "في الدار زيد" أن يعمل الظرف بلا اعتماد"1.
3-
جواز زيادة "من" في غير الإيجاب مع المعرفة قال الرضي "وغير الأخفش والكوفيين شرط فيها شرطين كونها في غير الموجب ودخولها في النكرات، والكوفيون والأخفش لا يشترطون ذلك استدلالا بقوله تعالى: {يَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} "2.
كما تغيرت نزعته البصرية "نزعة السماع" إلى النزعة الكوفية "نزعة القياس" بل أسرف فيها، فعول على قياسه النظري في كثير من المسائل التي لم يأبه فيها بالفريقين، وهاك بعضا منها:
من المسائل التي انفرد فيها الأخفش بالقياس:
1-
جواز وقوع "أن" بعد "لعل" قياسا على "ليت" قال الزمخشري: "وقد أجاز الأخفش "لعل أن زيدا قائم" قاسها على ليت"3.
2-
تجويزه رفع المضارع بعد حتى المسبوقة بالنفي قياسا على الإيجاب واعتبار النفي داخلا على الكلام برمته، قال ابن هشام:"وأجاز الأخفش الرفع بعد النفي على أن يكون أصل الكلام إيجابا ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسره لا على ما قبل حتى خاصة إلخ"4، قال الدماميني:"فكأنه إنما أجاز بالقياس لا بالسماع" وقد سبق إلى هذا النقل الرضي.
3-
جواز منع الصرف لأفعل الصفة مع قبوله التاء نحو أرمل قياسا
1 شرحه على الكافية باب المبتدأ والخبر، تقسيم المبتدأ.
2 شرحه على الكافية حرف الجر: من.
3 متن المفصل القسم الثالث: الحروف لعل.
4 راجع المغني الباب الأول: حتى الجارة.
على أحمر1، قال الأشموني:"وأجاز الأخفش منعه لجريه مجرى أحمر لأنه صفة وعلى وزنه"2.
4-
قياسه مجيء اسم فعل الأمر من الرباعي على فِعلال، قال الرضي:"وعند الأخفش فعلال أمرا من الرباعي قياس"3.
5-
تصغيره اللاتي واللائي على لفظهما، قال الرضي:"وقد صغرهما على لفظهما قياسا لا سماعا، وكان لا يبالي بالقياس في غير المسموع إلخ"4 فيقال اللويتا واللويئا.
وبعد فالمخالفات التي خرج فيها عن الفريقين معتمدا على قياسه النظري غير متقيد فيها بقانون السماع كثيرة جدا، ولهذا يقول الرضي:"وأجاز الأخفش الكسر أيضا في "الم الله" قياسا لا سماعا كما هو عادته في التجرد بقياساته على كلام العرب الذي أكثره مبني على السماع"5.
على أنه كان لتحلله من التقليد أثره في آرائه، فكثر ما كان له في المسألة الواحدة رأيان فصاعدا، قال ابن جني:"وقد كان أبو الحسن ركابا لهذا الثبج6 آخذا به غير محتشم منه، وأكثر كلامه في عامة كتبه عليه، وكنت إذا ألزمت عند أبي علي رحمه الله أن أقول لأبي الحسن شيئا لا بد للنظر من إلزامه إياه، يقول لي: مذاهب أبي الحسن كثيرة إلخ"7.
وله مؤلفات كثيرة منها في النحو: المقاييس، والأوسط، توفي ببغداد سنة 215هـ.
1 وذلك للشبه الصوري في الصيغة.
2 شرحه على الألفية لقول الناظم "ووصف أصلي ووزن أفعلا إلخ".
3 شرح الكافية: أسماء الأفعال 2/ 76.
4 شرح الشافية: التصغير 1/ 288.
5 شرح الشافية: التقاء الساكنين والأصل في تحريك أول الساكنين الكسر 2/ 235.
6 الثبج محركة ما بين الكاهل إلى الظهر ووسط الشيء ومعظمه.
7 الخصائص باب "في اللفظين عن المعنى الواحد يردان عن العامل متضادين".