المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ضجر الشعراء من النحاة، ولهذا قال عمار الكلبي لما عيب - نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة

[محمد الطنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمات:

- ‌مقدمة المحقق:

- ‌أهم مراجع الكتاب:

- ‌مقدمة المؤلف:

- ‌تمهيد:

- ‌وضع النحو وتسميته:

- ‌سبب وضع النحو:

- ‌متى وأين كان وضعه:

- ‌وضعه عربي محض:

- ‌واضعه:

- ‌تسمية النحو:

- ‌تسميته بالنحو بعد أبي الأسود:

- ‌سب التسمية بالنحو

- ‌نشأة النحو وتدرجه

- ‌مدخل

- ‌أطوار النحو الأربعة

- ‌مدخل

- ‌الأول: طور الوضع والتكوين

- ‌الثاني: طور النشوء والنمو:

- ‌الثالث: طور النضوج والكمال

- ‌كلمة في مناظرات الطورين "الثاني والثالث

- ‌مدخل

- ‌من مناظرات الطور الثاني:

- ‌من مناظرات الطور الثالث:

- ‌مشاهير البصريين والكوفيين:

- ‌طبقات البصريين السبع:

- ‌الطبقة الأولى:

- ‌الطبقة الثانية:

- ‌الطبقة الثالثة:

- ‌الطبقة الرابعة:

- ‌الطبقة الخامسة:

- ‌الطبقة السادسة:

- ‌الطبقة السابعة:

- ‌طبقات الكوفيين الخمس:

- ‌الطبقة الأولى:

- ‌الطبقة الثانية:

- ‌الطبقة الثالثة:

- ‌الطبقة الرابعة:

- ‌الطبقة الخامسة:

- ‌الاختلاف بين البصريين والكوفيين:

- ‌أسبابه:

- ‌المذهب البصري:

- ‌المذهب الكوفي:

- ‌حكمة تخصص كل من المذهبين باتجاهه:

- ‌نتائج المخالفة بين المذهبين:

- ‌سرد مسائل الخلاف بين الكوفيين والبصريين:

- ‌موازنة بين المذهبين:

- ‌أثر تلاقي الفريقين ببغداد في تنويع النزعات إلى ثلاث

- ‌مدخل

- ‌من غلبت عليه النزعة البصرية:

- ‌من غلبت عليه النزعة الكوفية:

- ‌من جمع بين النزعتين:

- ‌نحاة مصر الآخذون عن العراقيين:

- ‌نشوء المذهب البغدادي على أيدي الجامعين بين النزعتين:

- ‌الرابع: طور الترجيح "بغدادي

- ‌تشاطر الدول الإسلامية نهضة هذا العلم

- ‌انتهاء المتقدمين وابتداء المتأخرين

- ‌المطلب الأول: علم النحو وعلماؤه في عهد الدول الإسلامية المتعاصرة

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: علم النحو في العراق وما يليه شرقا، وما يقرب منه غربا وعلماؤه

- ‌الفصل الثاني: علم النحو في مصر والشام وعلماؤه

- ‌الفصل الثالث: علم النحو في الأندلس والمغرب وعلماؤه

- ‌المطلب الثاني: علم النحو وعلماؤه بعد سقوط بغداد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: علم النحو في المشرق وعلماؤه

- ‌الفصل الثاني: النحو والنحاة في الأندلس والمغرب

- ‌الفصل الثالث: النحو والنحاة في مصر والشام في العصرين "عصر المماليك وعصر الترك

- ‌مدخل

- ‌النحو والنحاة في عصر المماليك:

- ‌النحو والنحاة في عصر الترك:

- ‌كلمة الختام:

- ‌فهرس الكتاب:

الفصل: ضجر الشعراء من النحاة، ولهذا قال عمار الكلبي لما عيب

ضجر الشعراء من النحاة، ولهذا قال عمار الكلبي لما عيب عليه بيت من شعره:

ماذا لقيت من المستعربين ومن

قياس نحوهم هذا الذي ابتدعوا1

ومرجع هذه النزعة إلى عيسى بن عمر وشيخه ابن أبي إسحاق من متقدمي البصريين، دون غيرهما من معاصريهما، فإن يونس وشيخه أبا عمرو كانا يتحرزان عن تخطئة العربي ويعتمدان قوله وإن خالف القياس، وقد غلبت النزعة الأولى الثانية على البصريين بعد سيبوبه وصارت لهم منهاجا، وانتقلت الثانية إلى الكوفيين، ثم اتخذوها إحدى دعائم القواعد كما ترى.

1 مطلع قصيدة في الخصائص باب "في أن العرب قد أرادت من العلل والأغراض إلخ" والإمتاع والمؤانسة "الليلة الخامسة والعشرون" وأنباه الرواة ترجمة الأخفش، وفي معجم الأدبا ترجمة ابن جني مع ذكر البيت المعيب.

ص: 110

‌المذهب الكوفي:

لقد عرفت أن الكوفيين تأخروا عن البصريين في هذا العلم حقبة طويلة، وذلك لانصرافهم أولا عن التلقي عنهم ربا بأنفسهم عن الأخذ منهم، وما لبثوا أن شغلهم الشعر ورواياته والأدب وطرائفه، فاستأثروا بهذا وتنفلوا به على البصريين مدة طويلة لم يشاركوا فيها البصريين النظر إلى علم النحو.

تنبه الكوفيون بعدئذ وصحوا من سباتهم وأرادوا مساهمة البصريين فيه بعد أن عرفوه منهم وشق عليهم أن تنماع شخصيتهم في البصريين إن لم يكن لهم نحو خاص وبينهما ما بينهما من دواغل وإحن، دعاهم ذلك إلى تنظيم نحوهم على نمط خاص لا ينتحون فيه اتجاه البصريين، ولديهم في معتقدهم من الوسائل ما يهيئ لهم نيل مأمولهم، فاستمعوا من الأعراب الثاوين بالكوفة، وقد كانوا أقل عددا وأضعف فصاحة ممن كانوا بالبصرة وإن كان منهم لفيف من بني أسد وغيرهم إلا أن أغلبهم اليمانون، وأهل اليمن في عين أهل التمحيص ممن لا يستند إليهم، لخلاطهم الحبشة والهند والتجار

ص: 110

الذين يفدون إليهم من مختلف الأمصار، ولم تقم سوق "الكناسة" بالكوفة التي كانوا يرتفقون منها حاجتهم مقام "المريد" بالبصرة مهبط الشعراء والخطباء من العرب المياسير، والأعراب العقف1 المنتجعين للأرزاق.

هذا مع قصوهم عن جزيرة العرب ينبوع معين هذا العلم، وحيلولة صحراء السماوة بينهم وبينها، فلم تكن لهم فيها إلا رحلات قليلة لبعد الشقة وثقل المؤونة كرحلة الكسائي المعروفة، وهو زعيم طبقتهم الثانية التي تحاذي الرابعة البصرية، أما طبقتهم الأولى فلم تكن لها رحلات، على حين أن الطبقة الثالثة البصرية التي تقابلها أبلت في الرحلات بلاء حسنا عاد على اللغة العربية بالأثر الذي لا يبلى.

على أنه لم يقف ذلك دون رواج الشعر فيما بينهم، والشعر على كل حال ذو النصيب الأوفى في تدوين القواعد بعد كتاب الله تعالى وسنة رسوله لتماسكه ومصايرته لأحداث الزمان بل قد فاقوا البصريين في علمه بفضل الأوراق المطمورة من عهد النعمان بن المنذر، نقل ابن جني في حماد الراوية الكوفي "قال: أمر النعمان فنسخت له أشعار العرب في الطنوج2 "الكراريس" ثم دفنها في قصره الأبيض فلما كان المختار بن أبي عبيد الثقفي قيل له: إن تحت القصر كنزا فاحتقره، فأخرج تلك الأشعار، فمن ثم أهل الكوفة أعلم بالشعر من أهل البصرة"3.

ولقد كانوا قبل العثور على هذه الأوراق مسوقين إلى الشعر عن رغبة ملحة وغريزة فيهم متأصلة منذ حل العرب الكوفة، يؤيد ذلك أن عليا كرم الله وجهه لما رجع بهم من قتال الخوارج، على أن يستعدوا لقتال أهل الشام

1 جمع أعقف، وهو العربي الجافي.

2 ولا واحد لها.

3 الخصائص باب "في ما يرد عن العرب مخالفا لما عليه الجمهور"، ومن خبر المختار أنه وثب بالكوفة سنة 66هـ في عهد عبد الله بن الزبير طلبا لثأر البيت العلوي فوجه إليه أخاه مصعبا فقتله سنة 67هـ وهو من رءوس الفتن في الإسلام.

ص: 111

ثم تخاذلوا عنه، لم ير أبلغ في ذمهم من صفة التشاغل بالشعر، فقال في خطبته حين خطبهم:"إذا تركتكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين تضربون الأمثال وتناشدون الأشعار تربت أيديكم وقد نسيتم الحرب واستعدادها وأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها وشغلتموها بالأباطيل والأضاليل".

إن العثور على الأوراق السالفة الذكر صادف هوى من نفوسهم فازدادوا بها إقبالا على الشعر، وزخر بحره عندهم وقذف فيه بالملح والطرف إلا أن النحل والافتعال طغيا عليه، حتى التبس الأمر على الناس، وأسند القول إلى غير قائله، قال أبو الطيب:"الشعر بالكوفة أكثر وأجمع منه بالبصرة، ولكن أكثره مصنوع ومنسوب إلى من لم يقله، وذلك بين في دواوينهم"1.

حقا لقد كان ذلك، إذ كان من رواتهم حماد المذكور الذي جر عليهم التلبيس في المرويات والازدياد عليها مختلقاته، وقد كان ضليعا في الشعر وآداب العرب إلا أنه رقيق الأمانة، قال فيه المفضل الكوفي:"قد سلط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبدا، فقيل له وكيف ذلك أيخطئ في روايته أم يلحن؟ ولكنه رجل عالم بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر يشبه مذهب رجل ويدخله في شعره ويحمل عنه ذلك في الآفاق فتختلط أشعار القدماء ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد وأين ذلك؟ "2.

بل إن خلفا الأحمر البصري زاد ذلك ضغثا على إبالة3 فقد كان كذلك مضرب المثل في محاكاته من ينسب إليهم الشعر، روى عنه الكوفيون كثيرا

1 مراتب النحويين ص119 ونقل في المزهر النوع الرابع والأربعين.

2 هذه الكلمة في الأغاني ترجمة حماد، وفي معجم الأدباء في كل من ترجمة حماد وترجمة المفضل، وفي خزانة الأدب شاهد 774.

3 الإبالة: الحزمة من الحطب، والضغث: قبضة من حشيش مختلطة الرطب باليابس -وهو المثل رقم 2202- في مجمع الأمثال ومعناه: بلية على أخرى.

ص: 112

من الشعر "وكانوا يقصدونه لما مات حماد الراوية لأنه قد أكثر الأخذ عنه وبلغ مبلغا لم يقاربه حماد، فلما نسك خرج إلى أهل الكوفة فعرفهم الأشعار التي قد أدخلها في أشعار الناس، فقالوا له أنت كنت عندنا في ذلك الوقت أوثق منك الساعة فبقي ذلك في دواوينهم إلى اليوم"1.

ومع أنه بصري فلم يعرف عنه أنه لبس على البصريين وروى لهم شعرا منحولا وربما كان منشأ ذلك العصبية البلدية التي تملي على المتأثر بها ارتكاب ما لا يجمل في المسائل العلمية، وقيل: إنه فعل ذلك انتقاما لنفسه إذ ذهب إلى الكوفيين أولا للتلقي عنهم فبخلوا عليه بشعرهم قال أبو زيد: "حدثني خلف الأحمر قال: أتيت الكوفة لأكتب عنهم الشعر فبخلوا علي به، فكنت أعطيهم المنحول وآخذ عنهم الصحيح، ثم مرضت فقلت لهم: ويلكم أنا تائب إلى الله. هذا الشعر لي، فلم يقبلوا مني، فبقي منسوبا إلى العرب لهذا السبب"2.

إن المصادفة التي جمعت بين هذين الوضاعين لكفيلة بتوريث الكوفيين توهينا لمذهبهم فليس في الرواة جميعا على كثرتهم ومحاولة بعضهم الصنع من يداني حمادا وخلفا، فهما طبقة في التاريخ كله يعرف ذلك من له إلمام بالأدب.

أبصر ذلك البصريون فصدفوا عن شواهد الكوفيين واطرحوها ظهريا ولم يسمع عنهم إلا ما وقع من أبي زيد البصري الذي نقل عن المفضل الضبي الكوفي لأنه غير متأثر بالعصبية البلدية وقر عنده صدقه، قال السيرافي: "ولا نعلم أحدا من علماء البصريين بالنحو واللغة أخذ عن أهل الكوفة شيئا من علم العرب إلا أبا زيد فإنه روى عن المفضل الضبي. قال أبو زيد في أول كتاب النوادر أنشدني المفضل لضمرة بن ضمرة النهشلي، جاهلي:

1 المزهر النوع الرابع والأربعين.

2 هذه الكلمة في وفيات الأعيان "ترجمة أبي زيد".

ص: 113

بكرت تلومك بعد وهن في الندى

بسل عليك ملامتي وعتابي

الأبيات

وعامة كتاب النوادر لأبي زيد عن المفضل"1 بينما الكوفيون يتلقون بالقبول رواياتهم ويعتمدون على شواهدهم.

على أنه ما كان الكسائي وهو ناشر المذهب الكوفي وصاحب الفضل فيه يبن2 ببغداد حتى استمع إلى الأعراب الذين فيها وحولها وهم أوشاب من مختلف القبائل غير العريقة في العروبة، ومنهم أعراب الحليمات الذين قدموا بغداد وضربوا خيامهم في "قطربل""قرية من متنزهات بغداد اشتهرت باللهو والخمر" فاعتد بكلامهم واستشهد به وهم من زعانف العرب الذين اختبل لسانهم، فازداد مذهبه ضعفا على ضعف قال أبو زيد:"قدم علينا الكسائي البصرة فلقي عيسى والخليل وغيرهما وأخذ منهم نحوا كثيرا، ثم سار إلى بغداد فلقي أعراب الحليمات فأخذ عنهم الفساد من الخطأ واللحن، فأفسد بذلك ما كان أخذه بالبصرة كله"3.

ولولاهم ما فاز الكسائي وانخذل سيبويه في المناظرة البغيضة، فإن الكسائي إنما اعتمد على لغتهم واحتج بكلامهم وكانوا له مظاهرين، ولذلك قال اليزيدي:

كنا نقيس النحو فيما مضى

على لسان العرب الأول

فجاء أقوام يقيسونه

على لغى أشياخ قطربل

فكلهم يعمل في نقض ما

به يصاب الحق لا يأتلي

إن الكسائي وأصحابه

يرقون في النحو إلى أسفل4

1 أخبار النحويين البصريين ترجمة أبي زيد.

2 بن يبن: أقام كأبن.

3 راجع أخبار النحويين البصريين ترجمة أبي زيد، والتصحيف والتحريف ما وهم فيه الكسائي، ومعجم الأدباء ترجمة الكسائي.

4 راجع شعر اليزيدي في ترجمته في أخبار النحويين البصريين، ومعجم الأدباء، وفي التصحيف والتحريف "ما وهم فيه الكسائي".

ص: 114

وقد اقتفى الكوفيون طريق الكسائي، فعولوا على شعر الأعراب بعد أن امتزجوا وتأشبوا "اختلطوا" بالمحتضرين ولان جفاؤهم، ومن أجل هذا كان البصريون يغتمزون الكوفيين فيقول الرياشي البصري "نحن نأخذ اللغة عن حرشة الضباب وأكلة اليرابيع، وهؤلاء أخذوا اللغة عن أهل السواد أصحاب الكواميخ وأكلة الشواريز"1.

من ذلك كله ترى أنه لم تتهيأ لهم بيئة تصلح أن تكون منبعا لنمير هذا الفن كبيئة البصريين بمن فيها وفي أرباضها2 وما دنا منها من العرب الخلص، يضاف إلى هذا ما استفزهم للعمل حثيثا في إبراز فن لهم يضارع الفن البصري غيرة منهم وحنقا على البصريين، فأصاخوا إلى كل مسموع لهم وقاسوا عليه فعثرت بهم عجلة الرأي، ولم يدققوا تدقيق البصريين بل تدرجوا مطاوعة لمناديهم إلى الاكتفاء بالشاهد الواحد ولو خالف الأصل المعروف المتفق عليه بين الفريقين، قال الأندلسي:"الكوفيون لو سمعوا بيتا واحدا فيه جواز شيء مخالف للأصول جعلوه أصلا وبوبوا عليه بخلاف البصريين"3.

وقد يتساهلون مع هذا في التثبت من معرفة القائل، وربما استشهدوا بشطر بيت لا يعرف شطره الآخر ولا يعلم قائله كدليلهم على جواز دخول اللام في خبر "لكن" يقول المجهول:

................................

ولكنني من حبها لعميد4

وأول من سن لهم طريقة التسامح إلى أبعد مدى شيخهم الكسائي "وذلك أن الكسائي كان يسمع الشاذ الذي لا يجوز من الخطأ واللحن وشعر

1 حرشة جمع حارش صائد الضب، الكواميخ جمع كامخ نوع من الأدم، والشواريز جمع شيراز اللبن الثخين، راجع ترجمة الرياشي.

2 جمع ربض بالتحريك والمراد به هنا الناحية.

3 الاقتراح ص100.

4 باب إن وأخواتها من شواهد الزمخشري في المفصل، والرضي في شرح الكافية راجع الخزانة 865، والمغني مبحث "لكن".

ص: 115

أهل الفصاحة والضرورات فيجعل ذلك أصلا ويقيس عليه حتى أفسد النحو"1.

وسترى عند حكمة تخصص كل من المذهبين إشادة الكسائي بالقياس وكثر ما انحدر الكوفيون فناطوا القاعدة بالقياس دون ورود لمطلق شاهد، فمن ذلك:

أمثلة للقياس الكوفي:

1-

تجويزهم مجيء العدد للتكرار على وزني فعال ومفعل ممنوعا من الصرف للوصيفة والعدل من خمسة إلى تسعة مع أن المسموع عن العرب في ذلك من واحد لأربعة، لكنهم قاسوا في الباقى عليها قال الرضي:"والمبرد والكوفيون يقيسون عليها إلى تسعة نحو خماس ومخمس وسداس ومسدس، والسماع مفقود"2.

2-

تجويزهم تثنية أجمع وجمعاء وتوابعهما قياسا على جمعها، قال الرضي:"وقد أجاز الكوفيون والأخفش لمثنى المذكر أجمعان أكتعان أبصعان أبتعان، ولمثنى المؤنث جمعاوان كتعاوان بصعاوان بتعاوان، وهو غير مسموع"3.

3-

تجويزهم الجزم بكيف مطلقا قال الرضي: "والكوفيون يجوزون جزم الشرط والجزاء بكيف وكيفما قياسا، ولا يجوزه البصريون إلا شذوذا"4.

4-

تجويزهم النصب بأن مضمرة في غير المسائل المعدودة قياسا

1 معجم الأدباء ترجمة الكسائي.

2 شرح الكافية غير المنصرف "حكى بعض النحويين كأبي حيان أن البناء من "مفعل وفعال" سمعا من واحد إلى عشرة".

3 شرح الكافية التأكيد.

4 شرح الكافية باب الظروف "كيف".

ص: 116

قال الرضي: "وقد تنصب مضمرة شذوذا، والكوفيون يجوزون النصب في مثله قياسا"1.

5-

ومثل ما تقدم تجويزهم عطف المفرد بلكن بعد الإيجاب نظير بل بعده قال الرضي: "أجاز الكوفيون مجيء العاطفة للمفرد بعد الموجب أيضا نحو: جاءني زيد لكن عمرو حملا على بل، وليس لهم به شاهد"2.

6-

ومثل ذلك تجويز إضافة "كذا" إلى مفرد أو جمع قياسا على العدد الصريح، قال ابن هشام "خلافا للكوفيين أجازوا في غير تكرار ولا عطف أن يقال كذا ثوب كذا أثواب قياسا على العدد الصريح"3.

إن الكوفيين بعملهم هذا قد فتحوا بابا واسع الفوهة على أنفسهم، فهم إذ أقاموا كل مسموع وزنا، والمسموع في اختلافه لا يقف عند نهاية، واعتمدوا بعد هذا على القياس النظري عند انعدام الشاهد انعداما كليا، قد اضطروا إزاء هذا أن وضعوا قواعد كثيرة خالفوا فيها البصريين، بل قد وضعوا جريا على سنتهم للشيء الواحد متى ورد على صور متغايرة قواعد بقدر صوره، فكثر عندهم التجويز للصور المتخالفة كما قل عندهم ما كثر عند البصريين من التأويل والشذوذ والاضطرار والاستنكار، وعلى سبيل الإيضاح نوجه نظرك إلى ما ذكرنا من الشواهد السبعة التي عقبنا بها اعتراضا على المذهب البصري وقد رأيت كيف تخلص منها البصري، أما الكوفي فقد اعتمدها وضم ما يستفاد منها إلى قواعد مذهبه وجعلها دعائم أقيسة أخرى تضاف إلى أقيسته، ولا جناح في تعدد الأقيسة وإن اعترت نوعا خاصا في المعنى فما ذلك عنده إلا ذريعة من ذرائع التنويع في التعابير وبقدرها تكون الأقيسة، وفي ذلك من السرف والإرهاق لطالب النحو ما فيه؛ لكنا بعد ذا لا

1 شرح الكافية آخر نواصب المضارع.

2 شرح الكافية حروف عطف النسق.

3 المغني الباب الأول "كذا".

ص: 117

نقصد رمي هذا المذهب بالضعف في كل قواعده وإلا كان تجنيا عليه، فقد ظهر عند الموازنة بين المذهبين فيما اختلفا فيه تفضيله في بعض مسائل ذات بال، والحق أحق أن يتبع ولترى ذلك مجلوا نسوق إليك أربع قواعد لهم على سبيل الإرشاد إلى صحة ما نقول:

1-

عدم لزوم إبراز الضمير مع الوصف الجاري خبرا على غير ما هو له حالا أو أصلا مع أمن البس، والشواهد على ذلك كثيرة قال الأعشى:

وإن امرأ أسرى إليك ودونه

من الأرض موماة وبيداء سملق

لمحقوقة أن تستجيبي لصوته

وأن تعلمي أن المعان موفق1

وقد حاول البصريون إجابات كلها لا تقوم كلها على قدم، منها أن المصدر المنسبك من أن والفعل نائب فاعل لمحقوقة وتأنيثها حينئد جائز لأن نائب الفاعل الاستجابة فلا ضمير في الوصف، وغير ذلك، ولهذا قال ابن مالك في كافيته:

وإن تلا غير الذي تعلقا

به فأبرز الضمير مطلقا

في المذهب الكوفي شرط ذاك أن

لا يؤمن اللبس ورأيهم حسن

2-

صحة الفصل بين المتضايفين في السعة بمنصوب المضاف مفعولا به أو ظرفا أو بالقسم ولا شك في ورود ما يصحح هذه القاعدة فقد وردت الشواهد في النثر للثلاثة، ولنكتف بشاهد على الفصل بالمفعول به، قرأ ابن عامر أحد السبعة قوله تعالى:{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} 2 وقد ردها الزمخشري الذي وافق البصريين قال الصبان: "ولا عبرة برده مع ثبوتها بالتواتر" فالحق مع الكوفيين ولذا يقول ابن مالك:

1 استشهد بهما الرضي في الكافية لمذهب الكوفيين راجع الخزانة شاهد 387 وهما من قصيدة في مدح المحلق الكلابي شرح بعضهم في الخزانة للشاهد المذكور وشاهد 204 و521، وكلها في رغبة الأمل على الكامل جـ1 ص40 وما بعدها.

2 سورة الأنعام، الآية:137.

ص: 118

فصل مضاف شبه فعل ما نصب

مفعولا أو ظرفا أجز ولم يعب

فصل يمين............................

.......................................

3-

عمل اسم المصدر عمل فعله، وشواهده أكثر من أن تحصى، قال صلى الله عليه وسلم:"من قبلة الرجل امرأته الوضوء"، وقال القطامي:

أكفرا بعد رد الموت عني

وبعد عطائك المائة الرتاعا1

ليس أمام البصريين إلا الاستنكار لرواية الحديث، والضرورة للنظم، والتمسح بهذين مجلبة إلى الإعنات والتضييق، ولقد أجاد ابن مالك إذ قال:

..................................

............ ولاسم مصدر عمل

4-

جواز العطف على الضمير المخفوض بدون عود الخافض في السعة قرأ حمزة وغيره قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} 2 بجر الأرحام، لقد ضاق الخناق على البصريين، والرضي بعد الترديد لما عساه أن يدافع به البصريون لم ير بدا من أن يقول:"والظاهر أن حمزة جوز ذلك بناء على مذهب الكوفيين لأنه كوفي ولا نسلم تواتر القراءات السبع"3.

وفي هذا الدفاع شطط، ومن ذلك جنح ابن مالك إلى رأي الكوفيين فقال:

وعود خافض لدى عطف على

ضمير خفض لازما قد جعلا

وليس عندي لازما إذ قد أتى

في النظم والنثر الصحيح مثبتا

حتى في تعبيره بخافض بدل جار كما هو معروف، ولولا خوف الإطالة لوافيناك بشواهد كثيرة تفضي إلى الاطمئنان لهذه القواعد كوضح النهار ومعها دفاع البصريين الذي لم يضرها، والواقع أن البصريين كانت

1 البيت من شواهد الرضي راجع الخزانة شاهد 599 وهو من قصيدة طويلة في مدح زفر الكلابي.

2 سورة النساء، الآية:1.

3 شرحه على الكافية عطف النسق.

ص: 119

محاولاتهم في نقضها غير مجدية ومجردة عن النصفة فقد تعسفوا غاية التعسف بما لا ترضاه العدالة، ولا يستقيم في المنطق "وما كل مرة تسلم الجرة".

من هذا البيان يتضح لك معرفة طريقة كل من المذهبين الخاصة به، وبقي أننا نجيب على ما قد يدور بخلد الناظرين من السؤال عن الحكمة في تخصص كل باتجاهه، ولم لم يعكس الأمر؟ فنقول:

ص: 120