الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طبقات الكوفيين الخمس:
الطبقة الأولى:
1-
الرؤاسي: هو أبو جعفر محمد بن الحسن، مولى محمد بن كعب القرظي، لقب بالرؤاسي لكبر رأسه، نشأ بالكوفة وورد البصرة فأخذ عن "أبي عمرو بن العلاء" وغيره من علماء الطبقة الثانية البصرية، ثم قفل إلى الكوفة، واشتغل فيها بالنحو مع عمه معاذ وغيره، فتكونت الطبقة الأولى الكوفية.
ثم صنف كتابه "الفيصل" في النحو، وقد مر في الكلام على الطور الثاني أن الخليل بعث إلى الرؤاسي يطلبه فأرسله إليه، وأن سيبويه نقل في كتابه عنه كما نقل عن البصريين، فإلى الرؤاسي يرجع بدء النحو في الكوفة دراسة وتأليفا.
فهو رأس الطبقة الأولى الكوفية، وكتابه أول مؤلف في النحو بالكوفة، توفي بالكوفة في عهد الرشيد.
2-
معاذ الهراء: هو أبو مسلم، لقب بالهراء لبيعه الثياب الهروية، وهو عم الرؤاسي ومولى القرظي أيضا، أقام بالكوفة واشتغل مع ابن أخيه في النحو، غير أن ولوعه بالأبنية غلب عليه، حتى عده المؤرخون واضع الصرف، ولم يوقف له على مصنف، عمر طويلا، وتوفي بالكوفة سنة 187هـ.
الطبقة الثانية:
1-
الكسائي: هو أبو الحسن علي بن حمزة: مولى بني أسد، فارسي الأصل، سئل عن تلقيبه بالكسائي فقال:"لأني أحرمت في كساء"، وقيل في السبب غير هذا، نشأ بالكوفة وتعلم النحو على كبر، ذلك لأنه حادث قوما من الهباريين لحنوه فأنف من التخطئة، وقام من فوره وطفق يتعلم النحو، فأخذ عن معاذ الهراء ما عنده ثم توجه تلقاء البصرة فتلقى عن " عيسى
ابن عمر والخليل " وغيرهما، ولما أعجب بالخليل قال له: من أين أخذت علمك هذا؟ قال: من بوادي الحجاز ونجد وتهامة، فجاب هذه البوادي وقضى وطره، ثم انحدر إلى البصرة فألفى الخليل قضى نحبه، وخلفه يونس، فجلس في حلقته ومرت بينهما مسائل اعترف له يونس بها، من ذلك ما قال المبرد "ويروى أن يونس بن حبيب قال لأبي الحسن الكسائي: كيف تنشد بيت الفرزدق فأنشده:
غداة أحلت لابن أصرم طعنة
…
حصين عبيطات السدائف والخمر
فقال الكسائي: لما قال: "غداة أحلت لابن أصرم طعنة حصين عبيطات السدائف" تم الكلام، فحنل الخمر على المعنى، أراد: وحلت له الخمر، فقال له: ما أحسن ما قلت"1.
ثم عاد إلى الكوفة ينشر علمه، والكوفة متعطشة إلى نحو مضارع نحو البصرة وفي الكسائي نشاط في الدراسة والتصنيف فتقوى المذهب الكوفي، وبدأ يناهض البصري على يد الكسائي الذي دوى ذكره حتى وصل مسمع أمير المؤمنين المهدي في بغداد فاستقدمه لحادثة خاصة، ورأى فيه عالما خريتا لقنا2 فاستبقاه في بغداد وضمه إلى حاشية ابنه الرشيد، فاحتضنه الرشيد بعد الخلافة ليؤدب ولديه الأمين والمأمون، ثم صعد به جده وصار من الجلساء المؤانسين، ومن هنا ساد المذهب الكوفي وتكاثرت أتباعه وعز علماؤه، فعز على علماء البصرة شأنهم وجاءوا بغداد يناهضونهم فكانت
1 راجع الكامل مع الرغبة جـ4 ص59 وما بعدها، وعبيطات جمع عبيط: اللحم الطري، والسدائف جمع سديف: شحم السنام، والبيت من شواهد التوضيح في باب الفاعل، ومن قصيدة في مدح أخواله بني ضبة.
"وفي البيت رواية أخرى على القلب أي بنصب طعنة وإن كانت فاعلا. ورفع عبيطات وإن كانت مفعولا على حد قولهم خرق الثوبُ المسمارَ، وكسر الزجاجُ الحجرَ".
2 الخريت: الحاذق الماهر، واللقن: الحسن التلقن.
المناظرات الماضية وكان الكسائي ذا تدره1. الكوفيين في أغلبها.
له مصنفات كثيرة، منها في النحو مختصر.
وعلى يد الكسائي تكاثرت الفوارق بين المذهبين لاختلاف الاتجاهين، وسنعقد مبحثا خاصا نفصل ذلك فيه بمشيئة الله تعالى، وأخباره ذائعة مشهورة.
وبقي الكسائي أثيرا عند الرشيد، صاحبه مع محمد بن الحسن الشيباني في رحلته إلى فارس حتى كانوا في رنبويه "بلد قرب الري" وأحس الكسائي بقرب المنية فتمثل بقول مؤرج السدوسي:
قدر أحلك ذا النجيل وقد أرى
…
وأبى مالك ذو النجيل بدار
إلا كداركم بذي بقر الحمى
…
هيهات ذو بقر من المزدار2
ثم مات هو ومحمد فقال الرشيد: اليوم دفنت الفقه والنحو برنبويه، وذلك سنة 189هـ3.
1 يقال هو ذو تدرههم أي: الدافع عنهم.
2 الشطر الثاني من البيت الأول من شواهد النحاة على رد لام أب عند إضافته لياء المتكلم.
راجع مجالس ثعلب "الجزء العاشر"، وأمالي ابن الشجري "المجلس التاسع والأربعين" والرضي راجع خزانة الأدب الشاهد 327.
3 قال صاحب النجوم الزاهرة:
"وكان الكسائي إماما في فنون عديدة: النحو، والعربية، وأيام الناس وقرأ القرآن على حمزة الزيات أربع مرت، واختار لنفسه قراءة صارت إحدى القراءات السبع".
وذكر الدورقي قال: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد فحضرت العشاء فقدموا الكسائي فارتج عليه في قراءة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فقال اليزيدي: قراءة هذه السورة يرتج فيها على قارئ أهل الكوفة! قال: فحضرت الصلاة فقدموا اليزيدي فارتج عليه في الحمد، فلما سلم قال:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلى
…
إن البلاء موكل بالمنطق