الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَاجِبَاتِ النِّكَاحِ]
وَمِنْ خَصَائِصِهِ فِي وَاجِبَاتِ النِّكَاحِ
وُجُوبُ تَخْيِيرِ نِسَائِهِ لِلْآيَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا عَلَى أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ: مِنْ أَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ بَيْنَ الْغِنَى وَالْفَقْرِ، فَاخْتَارَ الْفَقْرَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِتَخْيِيرِ نِسَائِهِ لِتَكُونَ مَنْ اخْتَارَتْهُ مِنْهُنَّ مُوَافِقَةً لِاخْتِيَارِهِ، وَهَذَا يُعَكَّرُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي أَنَّ إبْلَاءَهُ مِنْ نِسَائِهِ كَانَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَأَنَّ تَخْيِيرَهُنَّ وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ عُمْرِهِ قَدْ وُسِّعَ لَهُ فِي الْعَيْشِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا كَانَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ:" مَا شَبِعْنَا مِنْ التَّمْرِ حَتَّى فُتِحَتْ خَيْبَرُ ".
ثَانِيهَا: أَنَّهُنَّ تَغَايَرْنَ عَلَيْهِ فَحَلَفَ أَلَّا يُكَلِّمَهُنَّ شَهْرًا، ثُمَّ أُمِرَ بِأَنْ يُخَيِّرَهُنَّ.
حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ.
ثَالِثُهَا: أَنَّهُنَّ طَالَبْنَهُ مِنْ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ فَتَأَذَّى بِذَلِكَ، فَأُمِرَ بِتَخْيِيرِهِنَّ، وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ كَانَ بِسَبَبِ طَلَبِ بَعْضِهِنَّ مِنْهُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَأَعَدَّ لَهَا خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ وَصَفَّرَهُ بِالزَّعْفَرَانِ فَتَسَخَّطَتْ.
رَابِعُهَا: أَنَّ اللَّهَ امْتَحَنَهُنَّ بِالتَّخْيِيرِ لِيَكُونَ لِرَسُولِهِ خِيرَةُ النِّسَاءِ.
خَامِسُهَا: أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا قِصَّةُ مَارِيَةَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، أَوْ قِصَّةُ الْعَسَلِ الَّذِي شَرِبَهُ فِي بَيْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَهَذَا يَقْرُبُ مِنْ الثَّانِي.
1539 -
(1) - قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم آثَرَ لِنَفْسِهِ الْفَقْرَ وَالصَّبْرَ عَلَيْهِ، وَأَعَادَهُ بَعْدُ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْكَفَاءَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ:«إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا، فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا» . وَلِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ: «فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ، فَجَلَسْتُ فَإِذَا عَلَيْهِ إزَارُهُ وَلَيْسَ
عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ: فَنَظَرْتُ فِي جِرَابِهِ وَإِذَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوَ الصَّاعِ، وَمِثْلُهَا قُرْطٌ فِي نَاحِيَةِ الْغَرْفَةِ، فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ» . - الْحَدِيثَ - وَفِيهِ:«أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ، وَلَهُمْ الدُّنْيَا» . وَأَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ وَفِيهِ: «أُولَئِكَ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ» . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ: «كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَدَمٍ، وَحَشْوُهُ لِيفٌ» . وَمِنْ حَدِيثِهَا: «مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعًا حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ طَعَامِ بُرٍّ حَتَّى قُبِضَ» . وَفِيهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا» .
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ اسْتِعَاذَتِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْفَقْرِ كَمَا تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ، فَالْجَوَابُ: أَنَّ الَّذِي اسْتَعَاذَ مِنْهُ وَكَرِهَهُ فَقْرَ الْقَلْبِ، وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ وَارْتَضَاهُ طَرْحَ الْمَالِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الَّذِي اسْتَعَاذَ مِنْهُ هُوَ الَّذِي لَا يُدْرَكُ مَعَهُ الْقُوتُ، وَالْكَفَافُ، وَلَا يَسْتَقِرُّ مَعَهُ فِي النَّفْسِ غِنًى، لِأَنَّ الْغِنَى عِنْدَهُ صلى الله عليه وسلم غِنَى النَّفْسِ، قَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] وَلَمْ يَكُنْ غِنَاهُ أَكْثَرَ مِنْ ادِّخَارِهِ قُوتَ سَنَةٍ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَكَانَ الْغِنَى مَحَلُّهُ فِي قَلْبِهِ ثِقَةً بِرَبِّهِ، وَكَانَ يَسْتَعِيذُ مِنْ فَقْرٍ مُنْسٍ، وَغِنًى مُطْغٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْغِنَى وَالْفَقْرِ طَرَفَيْنِ
مَذْمُومَيْنِ، وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ فِي هَذَا الْمَعْنَى.
1540 -
(2) - حَدِيثُ عَائِشَةَ: «مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ اللَّاتِي حُظِرْنَ عَلَيْهِ» . كَذَا وَقَعَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: اللَّاتِي حُظِرْنَ عَلَيْهِ، مُدْرَجٌ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ» . قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَأَنَّهَا تَعْنِي اللَّاتِي حُظِرْنَ فِي قَوْله تَعَالَى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] الْآيَةَ، وَهَكَذَا سَاقَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ دُونَ الزِّيَادَةِ وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَلِلنَّسَائِيِّ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ:«مَا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ النِّسَاءِ مَا شَاءَ» .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ شَهْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «نُهِيَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ أَصْنَافِ النِّسَاءِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ الْمُهَاجِرَاتِ، فَقَالَ {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] الْآيَةَ» ، فَأَحَلَّ اللَّهُ فَتَيَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ وَحَرَّمَ كُلَّ ذَاتِ دِينٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} [الأحزاب: 50]- إلَى قَوْلِهِ - {خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] وَحَرَّمَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ النِّسَاءِ. قَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
حَدِيثٌ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ بَدَأَ بِعَائِشَةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَخْيِيرِهِ أَزْوَاجَهُ بَدَأَ بِي وَقَالَ: إنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَلَّا تَعْجَلِي» . - الْحَدِيثَ - وَفِيهِ: ثُمَّ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: 28] الْآيَةَ» وَفِيهِ: «فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ» . وَاتَّفَقَا عَلَى طَرِيقِ مَسْرُوقٍ عَنْهَا: «خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَرْنَاهُ، فَلَمْ يَعْدُدْهَا عَلَيْنَا» . وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَمْ يَعُدَّ بَعْدَ ذَلِكَ طَلَاقًا. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ نَحْوُ الْأَوَّلِ، وَزَادَ فِي آخِرِهِ:«وَأَسْأَلُكَ لَا تُخْبِرُ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِاَلَّذِي قُلْتُ. قَالَ: لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إلَّا أَخْبَرْتُهَا» وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّ فِيهِ قَالَ: مَعْمَرٌ وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «لَا تَقُلْ إنِّي أَخْبَرْتُكَ» .
(تَنْبِيهٌ) :
اُحْتُجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ جَوَابَهُنَّ لَيْسَ الْفَوْرَ، وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ صَرَّحَ لِعَائِشَةَ بِالْإِمْهَالِ إلَى مُرَاجَعَةِ الْأَبَوَيْنِ، قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَفِي طَرْدِ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ أَزْوَاجِهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَاصًّا بِعَائِشَةَ، لِمَيْلِهِ إلَيْهَا وَصِغَرِ سِنِّهَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهَا: لَا تُبَادِرِي بِالْجَوَابِ خَشْيَةَ أَنْ تَبْتَدِرَ فَتَخْتَارَ الدُّنْيَا، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا. انْتَهَى.
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.
قَوْلُهُ: وَهَلْ حَرُمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَلَاقُهُنَّ بَعْدَمَا اخْتَرْنَهُ كَمَا لَوْ رَغِبَتْ عَنْهُ امْرَأَةٌ حَرُمَ عَلَيْهِ إمْسَاكُهَا.
قُلْت: وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ.
قَوْلُهُ: الْقِسْمُ الثَّانِي الْمُحَرَّمَاتُ الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَةُ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ.
1542 -
(4) - قَوْلُهُ: مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ الْبَصَلَ، وَالثُّومَ، وَالْكُرَّاثَ، وَهَلْ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ، فِيهِ وَجْهَانِ، أَشْبَهُهُمَا لَا.
وَقَوْلُهُ: وَالْأَشْبَهُ. إلَى آخِرِهِ يُؤْخَذُ مِمَّا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ نَحْوُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَزَادَ:«إنِّي أَسْتَحِي مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ» . وَلِلْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ «أُرْسِلَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِطَعَامٍ مِنْ خَضِرَةٍ فِيهِ بَصَلٌ أَوْ كُرَّاثٌ، فَلَمْ يَرَ فِيهِ أَثَرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إنِّي أَسْتَحِي مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ» . وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: «لَمْ يَعُدْ أَنْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ وَقَعْنَا فِي تِلْكَ الْبَقْلَةِ الثُّومِ فَأَكَلْنَا أَكْلًا شَدِيدًا، قَالَ: وَنَاسٌ جِيَاعٌ، ثُمَّ قُمْنَا إلَى الْمَسْجِدِ، فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ الرِّيحَ، فَقَالَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ فَلَا يَقْرَبْنَا فِي مَسْجِدِنَا. فَقَالَ النَّاسُ: حُرِّمَتْ حُرِّمَتْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهُ لَيْسَ لِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي أَنْحَاءٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، فَأَكْرَهُ أَنْ يَشُمُّوا رِيحَهَا» . وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ الثُّومِ» مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ حُضُورَ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ زَادَ يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْكُلُهُ إذَا طُبِخَ. وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ أَكْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِحَرَامٍ عَلَيْهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ فِي
أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ آخِرَ طَعَامٍ أَكَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامٌ فِيهِ بَصَلٌ. زَادَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَّهُ كَانَ مَشْوِيًّا فِي قِدْرٍ. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «فَمَنْ كَانَ آكِلَهُمَا وَلَا بُدَّ فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا» . وَلِأَبِي دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيٍّ:«نَهَى عَنْ أَكْلِ الثُّومِ إلَّا مَطْبُوخًا» .
1543 -
(5) - حَدِيثٌ: أَنَّهُ أُتِيَ بِقِدْرٍ فِيهِ بُقُولٌ، فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا فَقَرَّبَهَا إلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ وَقَالَ:«كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
1544 -
(6) - حَدِيثٌ: «كَانَ لَا يَأْكُلُ مُتَّكِئًا» . الْبُخَارِيُّ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا آكُلُ
مُتَّكِئًا» .
1545 -
(7) - حَدِيثٌ: «إنَّمَا آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» . الْبَيْهَقِيّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ مُرْسَلًا، وَهُوَ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى، وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ» . وَقَالَ الْبَزَّارُ، نَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الْآدَمِيُّ، نَا حَفْصُ بْنُ عَمَّارٍ الطَّاحِيُّ، نَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ:«إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ» . وَقَالَ: لَا نَعْلَمُ يُرْوَى بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَاهُ إلَّا ابْنُ عُمَرَ، وَلَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ إلَّا مُبَارَكٌ، وَلَا عَنْ مُبَارَكٍ إلَّا حَفْصٌ وَلَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ.
قُلْت: وَحَفْصٌ فِيهِ مَقَالٌ، وَوَصَلَهُ ابْنُ شَاهِينِ فِي نَاسِخِهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَلِأَبِي الشَّيْخِ فِي كِتَابِ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ نَحْوُهُ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَإِسْنَادُهُمَا ضَعِيفٌ، وَلِابْنِ شَاهِينِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا نَحْوُهُ، وَفِي ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا أَيْضًا قَالَ:«مَا أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ مُتَّكِئًا قَطُّ إلَّا مَرَّةً» . وَقَالَ: «اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُك وَرَسُولُك» . وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَنَا أَبُو النَّضْرِ، أَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ لَوْ شِئْتُ لَسَارَتْ مَعِي جِبَالُ الذَّهَبِ، أَتَانِي مَلَكٌ إنَّ حُجْرَتَهُ لَتُسَاوِي الْكَعْبَةَ، فَقَالَ: إنَّ رَبَّك يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَك: إنْ
شِئْتَ كُنْتَ نَبِيًّا مَلِكًا، وَإِنْ شِئْتَ عَبْدًا، فَأَشَارَ إلَيَّ جِبْرِيلُ: أَنْ ضَعْ نَفْسَك، فَقُلْتُ: نَبِيًّا عَبْدًا، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَأْكُلُ مُتَّكِئًا، وَيَقُولُ: آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» . وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي الشُّعَبِ وَالدَّلَائِلِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةٍ قَالَ فِيهَا:«فَمَا أَكَلَ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ طَعَامًا مُتَّكِئًا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ» . وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ «قَطُّ» بَدَلَ: «حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ» وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ، عَنْ الزُّبَيْدِيِّ، وَقَدْ صَرَّحَ، وَوَافَقَهُ مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا.
(فَائِدَةٌ) :
لَمْ يَثْبُتْ دَلِيلُ الْخُصُوصِيَّةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ أَدَبٌ مِنْ الْآدَابِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ ابْنُ شَاهِينِ فِي نَاسِخِهِ.
(تَنْبِيهٌ) :
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُتَّكِئُ هُوَ الْجَالِسُ مُعْتَمِدًا عَلَى وِطَاءٍ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الْمُرَادُ بِالِاتِّكَاءِ عَلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ.
1546 -
(8) - قَوْلُهُ: وَمِمَّا عُدَّ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْخَطُّ وَالشِّعْرُ، وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ الْقَوْلُ بِتَحْرِيمِهِمَا مِمَّنْ يَقُولُ: إنَّهُ كَانَ يُحْسِنُهُمَا ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت: 48] وَبِقَوْلِهِ: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ الْأُولَى عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ، وَاسْتَدَلَّ غَيْرُهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحِ بِلَفْظِ:«إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ» .
- الْحَدِيثَ - وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيبِ: قِيلَ: كَانَ يُحْسِنُ الْخَطَّ وَلَا يَكْتُبُ، وَيُحْسِنُ الشِّعْرَ وَلَا يَقُولُهُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَانَ لَا يُحْسِنُهُمَا، وَلَكِنْ كَانَ يُمَيِّزُ بَيْنَ جَيِّدِ الشِّعْرِ وَرَدِيئِهِ. انْتَهَى.
وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ صَارَ يَعْلَمُ الْكِتَابَةَ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يَعْلَمُهَا، وَأَنَّ عَدَمَ مَعْرِفَتِهِ
كَانَ بِسَبَبِ الْمُعْجِزَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48] فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَاشْتَهَرَ الْإِسْلَامُ، وَكَثُرَ الْمُسْلِمُونَ، وَظَهَرَتْ الْمُعْجِزَةُ، وَأُمِنَ الِارْتِيَابُ فِي ذَلِكَ، عَرَفَ حِينَئِذٍ الْكِتَابَةَ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:" مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَتَبَ وَقَرَأَ ". قَالَ مُجَالِدٌ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلشَّعْبِيِّ فَقَالَ: صَدَقَ، قَدْ سَمِعْت أَقْوَامًا يَذْكُرُونَ ذَلِكَ. انْتَهَى قَالَ: وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يُنَافِي ذَلِكَ.
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَيْت لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشْرَ» .
قَالَ: وَالْقُدْرَةُ عَلَى قِرَاءَةِ الْمَكْتُوبِ فَرْعُ مَعْرِفَةِ الْكِتَابَةِ، وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَقْدَارِ اللَّهِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ تَقَدُّمَةِ مَعْرِفَةِ الْكِتَابَةِ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْمُعْجِزَةِ، وَبِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حُذِفَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَالتَّقْدِيرُ فَسَأَلْتُ عَنْ الْمَكْتُوبِ فَقِيلَ لِي: هُوَ كَذَا، وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَمَرَ مُعَاوِيَةَ أَنْ يَكْتُبَ لِلْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، قَالَ عُيَيْنَةُ: أَتَرَانِي أَذْهَبُ إلَى قَوْمِي بِصَحِيفَةٍ كَصَحِيفَةِ الْمُلْتَمِسِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّحِيفَةَ فَنَظَرَ فِيهَا، فَقَالَ: قَدْ كَتَبَ لَك بِمَا أُمِرَ فِيهَا» . قَالَ يُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَحَدُ رُوَاتِهِ: فَيَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ. وَمِنْ الْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ ظَاهِرُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي قِصَّةِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ: «فَأَخَذَ الْكِتَابَ فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» - الْحَدِيثَ - وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ دِحْيَةَ: صَارَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -
كَتَبَ، مِنْهُمْ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ، وَأَبُو الْفَتْحِ النَّيْسَابُورِيُّ، وَأَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ، وَصَنَّفَ فِيهِ كِتَابًا، قَالَ: وَسَبَقَ إلَى ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ الْكِتَابِ لَهُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ:«كَتَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ» .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي سِرَاجِهِ: لَمَّا قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ ذَلِكَ طَعَنُوا عَلَيْهِ وَرَمَوْهُ بِالزَّنْدَقَةِ، وَكَانَ الْأَمِيرُ مُتَثَبِّتًا فَأَحْضَرَهُمْ لِلْمُنَاظَرَةِ، فَاسْتَظْهَرَ الْبَاجِيُّ بِبَعْضِ الْحُجَّةِ، وَطَعَنَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ، وَنَسَبَهُمْ إلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْأُصُولِ، وَقَالَ: اُكْتُبْ إلَى الْعُلَمَاءِ بِالْآفَاقِ فَكَتَبَ إلَى إفْرِيقِيَّةَ، وَصِقِلِّيَةَ وَغَيْرِهِمَا، فَجَاءَتْ الْأَجْوِبَةُ بِمُوَافَقَةِ الْبَاجِيِّ، وَمُحَصَّلُ مَا تَوَارَدُوا عَلَيْهِ أَنَّ مَعْرِفَتَهُ الْكِتَابَةَ بَعْدَ أُمِّيَّتِهِ لَا يُنَافِي الْمُعْجِزَةَ، بَلْ تَكُونُ مُعْجِزَةً أُخْرَى، لِأَنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ تَحَقَّقُوا أُمِّيَّتَهُ وَعَرَفُوا مُعْجِزَتَهُ بِذَلِكَ، وَعَلَيْهِ تُنَزَّلُ الْآيَةُ السَّابِقَةُ، صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْلَمُ الْكِتَابَةَ بِغَيْرِ تَقَدُّمِ تَعْلِيمٍ، فَكَانَتْ مُعْجِزَةً أُخْرَى، وَعَلَيْهِ يُنَزَّلُ حَدِيثُ الْبَرَاءِ. انْتَهَى.
وَقَدْ رَدَّ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ مُعْوَرٍ عَلَى أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ، وَبَيَّنَ خَطَأَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي تَصْنِيفٍ مُفْرَدٍ، وَوَقَعَ لِأَبِي مُحَمَّدٍ الْهَوَّارِيِّ مَعَهُ قِصَّةٌ فِي مَنَامٍ رَآهُ، مُلَخَّصُهُ: أَنَّهُ كَانَ يَرَى مِمَّا قَالَ الْبَاجِيُّ، فَرَأَى فِي النَّوْمِ قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَنْشَقُّ وَيَمِيدُ وَلَا يَسْتَقِرُّ، فَانْدَهَشَ لِذَلِكَ، وَقَالَ فِي نَفْسِهِ: لَعَلَّ هَذَا بِسَبَبِ اعْتِقَادِي، ثُمَّ عَقَدْت التَّوْبَةَ مَعَ نَفْسِي فَسَكَنَ وَاسْتَقَرَّ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَصَّ الرُّؤْيَا عَلَى ابْنِ مُعْوَرٍ فَعَبَّرَهَا لَهُ كَذَلِكَ، وَاسْتَظْهَرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: 90] الْآيَاتِ، وَمُحَصَّلُ مَا أَجَابَ بِهِ الْبَاجِيُّ عَنْ ظَاهِرِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ، وَالْكَاتِبَ فِيهَا كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَيْضًا بِلَفْظِ:«لَمَّا صَالَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ، كَتَبَ عَلِيٌّ بَيْنَهُمْ كِتَابًا، فَكَتَبَ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» .
فَتُحْمَلُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَكَتَبَ، أَيْ فَأَمَرَ الْكَاتِبَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْمِسْوَرِ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، فَفِيهَا:«وَاَللَّهِ وَإِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اُكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» .
وَقَدْ وَرَدَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي
الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ إطْلَاقُ لَفْظِ كَتَبَ بِمَعْنَى أَمَرَ.
مِنْهَا: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى قَيْصَرَ» .
وَحَدِيثُهُ: «كَتَبَ إلَى النَّجَاشِيِّ» .
وَحَدِيثُهُ: «كَتَبَ إلَى كَسْرَى» .
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ كَتَبَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ.
وَغَيْرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ الْكَاتِبَ، وَيُشْعِرُ بِذَلِكَ هُنَا قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ لَمَّا «امْتَنَعَ الْكَاتِبُ أَنْ يَمْحُوَ لَفْظَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَرِنِي فَمَحَاهُ» .
فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ لَمَا احْتَاجَ إلَى قَوْلِهِ: «أَرِنِي» فَكَأَنَّهُ أَرَاهُ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَبَى أَنْ يَمْحُوَهُ، فَمَحَاهُ هُوَ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ، ثُمَّ نَاوَلَهُ لِعَلِيٍّ فَكَتَبَ بِأَمْرِهِ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، بَدَلَ: رَسُولُ اللَّهِ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَلَى تَقْدِيرِ حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ، أَنَّهُ كَتَبَ ذَلِكَ الْيَوْمَ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْكِتَابَةِ، وَلَا بِتَمْيِيزِ حُرُوفِهَا، لَكِنَّهُ أَخَذَ الْقَلَمَ بِيَدِهِ فَخَطَّ بِهِ، فَإِذَا هُوَ كِتَابَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى حَسْبِ الْمُرَادِ، وَذَهَبَ إلَى هَذَا الْقَاضِي أَبُو جَعْفَرٍ السَّمْنَانِيُّ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ظَاهِرِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهَذَا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكْتُبَهُ الْأُمِّيُّ كَمَا يَكْتُبُ الْمُلُوكُ عَلَامَتَهُمْ وَهُمْ أُمِّيُّونَ.
1547 -
(9) -[فَصْلٌ] وَأَمَّا الشِّعْرُ فَكَانَ نَظْمُهُ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ بِاتِّفَاقٍ، لَكِنْ فَرَّقَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بَيْنَ الرَّجَزِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْبُحُورِ، فَقَالَ: يَجُوزُ لَهُ الرَّجَزُ دُونَ غَيْرِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّ الرَّجَزَ ضَرْبٌ مِنْ الشِّعْرِ، وَإِنَّمَا ادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشِعْرٍ الْأَخْفَشُ، وَأَنْكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا جَرَى الْبَيْهَقِيُّ لِذَلِكَ ثُبُوتُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ:«أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ» .
فَإِنَّهُ مِنْ بُحُورِ الرَّجَزِ، وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَمَثَّلَ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّ غَيْرَهُ: لَا يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ، وَيُزِيلُ عَنْهُ الْإِشْكَالَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الشِّعْرَ فَخَرَجَ مَوْزُونًا، وَقَدْ ادَّعَى ابْنُ الْقَطَّانِ وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ شَرْطَ تَسْمِيَةِ الْكَلَامِ شِعْرًا أَنْ يَقْصِدَ لَهُ قَائِلُهُ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ الْأَوَّلُ قَالَ: أَنْتَ النَّبِيُّ لَا كَذِبَ، فَلَمَّا تَمَثَّلَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَيَّرَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى هَذَا كُلِّهِ فِي إنْشَائِهِ، وَيَتَأَيَّدُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ؛ قَالَ: لَمْ يَقُلْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِنْ الشِّعْرِ قِيلَ قَبْلَهُ، أَوْ يُرْوَى عَنْ غَيْرِهِ، إلَّا هَذَا، وَهَذَا يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ الزُّهْرِيِّ
أَيْضًا: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ، زَادَ ابْنُ عَائِذٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ الزُّهْرِيِّ إلَّا الْأَبْيَاتُ الَّتِي كَانَ يَرْتَجِزُ بِهِنَّ وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ لِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا إنْشَادُهُ مُتَمَثِّلًا فَجَائِزٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَا أُبَالِي شَرِبْت تِرْيَاقًا، أَوْ تَعَلَّقْت بِتَمِيمَةٍ، أَوْ قُلْت الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، فَقَوْلُهُ:«مِنْ قِبَلِ نَفْسِي» احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا أَنْشَدَهُ مُتَمَثِّلًا، وَقَدْ وَقَعَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ قَوْلُ لَبِيدٍ،
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثِ عَائِشَةَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ» .
وَحَدِيثُهَا: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اسْتَرَابَ الْخَبَرَ يَتَمَثَّلُ بِقَوْلِ طَرَفَةَ: وَيَأْتِيك بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدْ» . صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَذَا الْبَيْتِ:
كَفَى بِالْإِسْلَامِ وَالشَّيْبِ نَاهِيًا
، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: كَفَى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا، فَأَعَادَهَا كَالْأَوَّلِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّك رَسُولُ اللَّهِ، وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ» . فَهُوَ مَعَ إرْسَالِهِ فِيهِ ضَعْفٌ، وَهُوَ رَاوِيهِ عَنْ الْحَسَنِ: عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ: أَنْتَ الْقَائِلُ:
أَتَجْعَلُ نَهْبِي وَنَهْبَ الْعَبِيدِ بَيْنَ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ
، فَقَالَ:
إنَّمَا هُوَ بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ، فَقَالَ: هُمَا سَوَاءٌ» .
فَإِنَّ السُّهَيْلِيَّ قَالَ فِي الرَّوْضِ: إنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ الْأَقْرَعَ، عَلَى عُيَيْنَةَ، لِأَنَّ عُيَيْنَةَ وَقَعَ لَهُ أَنَّهُ ارْتَدَّ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ لِلْأَقْرَعِ.
وَرَوَى الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ النَّحْوِيِّ مُؤَدِّبِ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ شِعْرٍ قَطُّ إلَّا بَيْتًا وَاحِدًا:
تَفَاءَلْ بِمَا تَهْوَى يَكُنْ
…
فَلَقَلَّ مَا يُقَالُ لِشَيْءٍ كَانَ إلَّا تَحَقَّقُ
قَالَتْ عَائِشَةُ: لَمْ يَقُلْ تَحَقَّقَا، لِئَلَّا يُعْرِبَهُ فَيَصِيرَ شِعْرًا» ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ أَكْتُبْ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَفِيهِ مَنْ يُجْهَلُ حَالُهُ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: غَرِيبٌ جِدًّا.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1548 -
(10) - قَوْلُهُ: «كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ، أَنْ يَنْزِعَهَا حَتَّى يَلْقَى الْعَدُوَّ» . عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا، وَوَصَلَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ:«أَنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ» .
وَفِيهِ قِصَّةٌ، وَأَخْرَجَهَا أَصْحَابُ الْمَغَازِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، وَابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ شُيُوخِهِ، وَأَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، وَفِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ:«لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إذَا أَخَذَ لَأْمَةَ الْحَرْبِ، وَاكْتَفَى النَّاسُ بِالْخُرُوجِ إلَى الْعَدُوِّ، أَنْ يَرْجِعَ حَتَّى يُقَاتِلَ» . وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِمِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
(فَائِدَةٌ) :
اللَّأْمَةُ مَهْمُوزَةٌ سَاكِنَةٌ الدِّرْعُ وَالْجَمْعُ لَأْمٌ كَتَمْرَةٍ وَتَمْرٍ.
حَدِيثٌ: «مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» . أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي قِصَّةِ الَّذِينَ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِمْ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَفِيهِ:«أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ مِنْهُمْ، وَأَنَّ عُثْمَانَ اسْتَأْمَنَ لَهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَبَى أَنْ يُبَايِعَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ بَايَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إلَى هَذَا، حَيْثُ رَآنِي كَفَفْت يَدَيَّ عَنْهُ فَيَقْتُلُهُ. قَالُوا: وَمَا يُدْرِينَا مَا فِي نَفْسِك يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَّا أَوْمَأْت إلَيْنَا بِعَيْنِك، قَالَ: إنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ» . إسْنَادُهُ صَالِحٌ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَمَلَ عَلَيْنَا الْمُشْرِكُونَ حَتَّى رَأَيْنَا خَيْلَنَا وَرَاءَ ظُهُورِنَا، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ يَحْمِلُ عَلَيْنَا فَيَدُقُّنَا وَيَحْطِمُنَا، فَهَزَمَهُمْ اللَّهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إنَّ عَلَيَّ نَذْرًا إنْ جَاءَ اللَّهُ بِالرَّجُلِ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ ثَانِيًا، فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ لَا يُبَايِعُهُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي حَلَفَ يَتَصَدَّى لَهُ وَيَهَابُهُ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلَ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا بَايَعَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: نَذْرِي: فَقَالَ: إنِّي لَمْ أُمْسِكْ عَنْهُ مُنْذُ الْيَوْمِ إلَّا لِتُوفِيَ بِنَذْرِك، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا أَوْمَضْت إلَيَّ، فَقَالَ: إنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِضَ»
وَرَوَى ابْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ:«أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ ابْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَابْنِ الزِّبَعْرِي، وَابْنِ خَطَلٍ» . فَذَكَرَ الْقِصَّةَ قَالَ: «وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ نَذَرَ إنْ رَأَى ابْنَ أَبِي سَرْحٍ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَذَكَرَ قِصَّةَ اسْتِيمَانِ عُثْمَانَ لَهُ، وَكَانَ أَخَاهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْأَنْصَارِيِّ: هَلَّا وَفَّيْت بِنَذْرِك؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَنْظَرْتُك فَلَمْ تُومِضْ لِي، فَقَالَ: الْإِيمَاءُ خِيَانَةٌ، وَلَيْسَ لِنَبِيٍّ أَنْ يُومِئَ» .
(فَائِدَةٌ) :
حَكَى سِبْطُ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مِرْآةِ الزَّمَانِ، أَنَّ الْأَنْصَارِيَّ عَبَّادُ بْنَ بِشْرٍ.
قَوْلُهُ: وَقِيلَ بِنَاءً عَلَيْهِ: إنَّهُ كَانَ لَا يَبْتَدِي مُتَطَوِّعًا إلَّا لَزِمَهُ إتْمَامُهُ، قُلْت: لَمْ أَرَ لِهَذَا دَلِيلًا إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَدِيثِ صَلَاتِهِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقَوْلُ عَائِشَةَ:«كَانَ إذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ» وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ نَظَرٌ.
1550 -
(12) - حَدِيثٌ: «كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا وَرَّى بِغَيْرِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ.
1551 -
(13) - قَوْلُهُ: عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ: إنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْدَعَ فِي الْحَرْبِ، مَرْدُودٌ بِمَا اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْحَرْبُ خُدْعَةٌ» .
1552 -
(14) - قَوْلُهُ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُطْلَقًا أَوْ مَعَ وُجُودِ الضَّامِنِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي زِيَادَاتِهِ: الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِجَوَازِهِ مَعَ الضَّامِنِ، ثُمَّ نُسِخَ
التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا، إلَى أَنْ قَالَ: وَالْأَحَادِيثُ مُصَرِّحَةٌ بِذَلِكَ، انْتَهَى.
وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: «كَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ» ثُمَّ نُسِخَ، وَاحْتَجَّ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتَى بِالْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَسْأَلُ هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ قَضَاءٍ؟ فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً، صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَامَ، فَقَالَ أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ وَفَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» .
وَفِي الْبَابِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَأَسْمَاءَ فِي الْكَبِيرِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي النَّاسِخِ لِلْحَازِمِيِّ. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ.
وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ أَنَّ الضَّامِنَ كَانَ قَتَادَةَ. وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ الضَّامِنَ كَانَ عَلِيًّا وَيُحْمَلُ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ، فَقِيلَ: كَانَ تَأْدِيبًا لِلْأَحْيَاءِ لِئَلَّا يَسْتَأْكِلُوا أَمْوَالَ النَّاسِ. وَقِيلَ: لِأَنَّ صَلَاتَهُ تَطْهِيرٌ لِلْمَيِّتِ، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ ثَابِتٌ فَلَا تَطْهِيرَ مِنْهُ، فَيَتَنَافَيَانِ وَقِيلَ: كَانَتْ عُقُوبَةً فِي أَمْرِ الدَّيْنِ أَصْلُهَا
الْمَالُ، ثُمَّ نُسِخَ التَّأْدِيبُ بِالْمَالِ وَمَا تَفَرَّعَ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: ذَاكَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، يَعْنِي تَحْرِيمَ الْمَنِّ لِيَسْتَكْثِرَ، قُلْت: هُوَ قَوْلُ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ، عَنْهُ قَالَ: هِيَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً، وَلِلنَّاسِ مُوَسَّعٌ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ، وَأَبِي الْأَحْوَصِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالسُّدِّيِّ، وَمَطَرٍ، وَالضَّحَّاكِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُهْدِي الْهَدِيَّةَ فَيَنْتَظِرَ بِمِثْلِهَا، ثُمَّ سَاقَ عَنْ غَيْرِهِمْ أَقْوَالًا مُخْتَلِفَةً فِي الْمُرَادِ بِذَلِكَ.