الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْمُبَاحَاتُ لَهُ صلى الله عليه وسلم]
الْقِسْمُ الثَّالِثُ الْمُبَاحَاتُ) :
قَوْلُهُ: فَمِنْهُ الْوِصَالُ.
قُلْت: سَبَقَ حَدِيثُهُ فِي الصِّيَامِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِخُصُوصِيَّتِهِ بِإِبَاحَتِهِ مُطْلَقَ الْوِصَالِ، لِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ:«فَأَيُّكُمْ أَرَادَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ» .
وَلَا يَنْتَهِضُ دَلِيلُ تَحْرِيمِ الْوِصَالِ أَيْضًا وَإِنَّمَا حَرْفُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَقَرَّبَ بِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1555 -
(1) - قَوْلُهُ: وَمِنْهُ اصْطِفَاءُ مَا يَخْتَارُهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مِنْ جَارِيَةٍ وَغَيْرِهَا إلَى أَنْ قَالَ: وَمِنْ صَفَايَاهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، اصْطَفَاهَا وَأَعْتَقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا، وَذُو الْفَقَارِ. انْتَهَى.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا قَالَ: «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَهْمٌ يُدْعَى الصَّفِيَّ إنْ شَاءَ عَبْدًا، وَإِنْ شَاءَ أَمَةً، وَإِنْ شَاءَ فَرَسًا يَخْتَارُهُ قَبْلَ الْخُمُسِ» .
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَوْنٍ «سَأَلْت ابْنَ سِيرِينَ عَنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَهْمِ الصَّفِيِّ، قَالَ: كَانَ يُضْرَبُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِسَهْمٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ، وَالصَّفِيُّ يُؤْخَذُ لَهُ رَأْسٌ مِنْ الْخُمُسِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ» . وَهَذَا مُرْسَلٌ أَيْضًا.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: سَهْمُ الصَّفِيِّ مَشْهُورٌ فِي صَحِيحِ الْآثَارِ، مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ السِّيَرِ فِي أَنَّ صَفِيَّةَ مِنْهُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ، انْتَهَى.
وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لِلْإِمَامِ بَعْدَهُ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ
هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ الصَّفِيِّ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» . وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسٍ فِي قِصَّةٍ قَالَ:«فَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ» . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ:«كَانَتْ صَفِيَّةُ فِي السَّبْيِ فَصَارَتْ إلَى دِحْيَةَ، ثُمَّ صَارَتْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ فِي قِصَّةِ خَيْبَرَ، وَأَخَذَ دِحْيَةُ صَفِيَّةَ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، «فَدَعَاهَا فَقَالَ لِدِحْيَةَ: خُذْ جَارِيَةً مِنْ السَّبْيِ غَيْرَهَا» وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ:«أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ دِحْيَةَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ» .
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ: يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ بَعْدَ مَا صَارَتْ لِدِحْيَةَ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: كَانَتْ صَفِيَّةُ فَيْئًا لِأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ وَكَانُوا صَالَحُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَكْتُمُوهُ عَنَّا، فَإِنْ كَتَمُوهُ فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ، ثُمَّ غِيرَ عَلَيْهِمْ فَاسْتَبَاحَهُمْ وَسَبَاهُمْ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ، قَالَ: وَصْفِيَّةُ مِمَّنْ سُبِيَ مِنْ نِسَائِهِمْ بِلَا شَكٍّ، وَمِمَّنْ دَخَلَ أَوَّلًا فِي صُلْحِهِمْ، فَقَدْ صَارَتْ فَيْئًا لَا
يُخَمَّسُ. وَلِلْإِمَامِ وَضْعُهُ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ.
وَأَمَّا ذُو الْفَقَارِ فَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَنَفَّلَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ» . وَفِي الطَّبَرَانِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ عُكَاظٍ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَا الْفَقَارِ» . إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَاعْتُرِضَ عَلَى الرَّافِعِيِّ هُنَا بِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ غَنِيمَةَ بَدْرٍ كَانَتْ كُلُّهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُهَا بِرَأْيِهِ، فَكَيْفَ يَلْتَئِمُ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّ ذَا الْفَقَارِ كَانَ مِنْ صَفَايَاهُ، وَالْكَلَامُ فِي الصَّفِيِّ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ فَرْضِ الْخُمُسِ، وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ تَنَفَّلَ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَخَّرَهُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا.
قَوْلُهُ: وَمِنْهُ خُمُسُ الْخُمُسِ، كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الِاسْتِبْدَادُ بِهِ، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ.
قَوْلُهُ: دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ تَقَدَّمَ فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ دُخُولَهَا إذْ ذَاكَ كَانَ لِلْحَرْبِ، فَلَا يَعُدْ ذَلِكَ مِنْ الْخَصَائِصِ، نَعَمْ يُعَدُّ مِنْ خَصَائِصِهِ الْقِتَالُ فِيهَا، كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: فَقُولُوا: «إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ» .
قَوْلُهُ: رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» . تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ وَالْغَنِيمَةِ، وَهَذَا اللَّفْظُ أَيْضًا لِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ، وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ» .
(فَائِدَةٌ) :
نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْهُمْ إبْرَاهِيمُ بْنُ عُلَيَّةَ: أَنَّ
هَذَا مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَتَمَسَّكَ الْمَذْكُورُونَ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى:{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: 16] وَبِقَوْلِهِ حِكَايَةً عَنْ يَعْقُوبَ {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا} [مريم: 5]{يَرِثُنِي} [مريم: 6] وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى وِرَاثَةِ النُّبُوَّةِ، وَالْعِلْمِ، وَالدِّينِ، لَا فِي الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: كَانَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِعِلْمِ نَفْسِهِ، اسْتَدَلَّ لَهُ الْبَيْهَقِيّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ، وَقَوْلُهُ لَهَا:«خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيك» .
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: وَأَنْ يَحْكُمَ لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ، وَأَنْ يَشْهَدَ لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ، اسْتَدَلُّوا لَهُ بِعُمُومِ الْعِصْمَةِ وَيَلْتَحِقُ بِذَلِكَ حُكْمُهُ وَفَتْوَاهُ فِي حَالِ الْغَضَبِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ الْحُكْمُ مِنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ الْآتِي قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقْبَلَ شَهَادَةَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ وَلِوَلَدِهِ، اسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقِصَّةِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَهِيَ شَهِيرَةٌ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ، وَأَعَلَّهَا ابْنُ حَزْمٍ، وَأَغْرَبَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَزَعَمَ أَنَّهَا مَشْهُورَةٌ وَأَنَّهَا فِي الصَّحِيحِ، وَكَأَنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: فَوَجَدْتهَا مَعَ خُزَيْمَةَ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، ذَكَرَهَا فِي تَفْسِيرِ الْأَحْزَابِ.
قَوْلُهُ: وَكَانَ لَهُ أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ، وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ لَا يَحْمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ كَمَا سَبَقَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ قُلْت: أَمَّا حِمَاهُ لِنَفْسِهِ، فَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ.
قَوْلُهُ: وَأَنْ يَأْخُذَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ مِنْ الْمَالِكِ وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِمَا، وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ، وَيَفْدِي بِمُهْجَتِهِ مُهْجَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، قُلْت: لَمْ أَرَ وُقُوعَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ صَرِيحًا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَسْتَأْنِسَ لَهُ بِأَنَّ طَلْحَةَ وَقَاهُ بِنَفْسِهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَبِأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَتَّقِي بِتُرْسِهِ دُونَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ
الْأَحَادِيثِ.
1556 -
(2) - قَوْلُهُ: وَكَانَ لَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا:«إنَّ عَيْنِي تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» . وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم: «نَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» . وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ: وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ.
1557 -
(3) - قَوْلُهُ: وَفِي انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ بِاللَّمْسِ وَجْهَانِ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي زِيَادَاتِهِ: الْمَذْهَبُ الْجَزْمُ بِانْتِقَاضِهِ، قُلْت: أَجَابَ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِمْ الْحَنَفِيَّةُ فِي أَنَّ اللَّمْسَ لَا يُنْقِضُ مُطْلَقًا، بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ، لِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ احْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ مِنْهَا فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: عَنْ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:«إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيُصَلِّي، وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ الْجِنَازَةِ، حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ» .
وَفِي الْبَزَّارِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ: عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَتَوَضَّأُ» . وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ
نَعَمْ احْتَجَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ وُضُوءَ الْمَلْمُوسِ لَا يُنْقَضُ، وَهُوَ قَوْلٌ قَوِيٌّ فِي الْمَذْهَبِ.
قَوْلُهُ: وَفِيمَا حَكَى صَاحِبُ التَّلْخِيصِ أَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ جُنُبًا، قَالَ: وَلَمْ يُسَلِّمْهُ الْقَفَّالُ، وَقَالَ لَا أَخَالُهُ صَحِيحًا. انْتَهَى.
اسْتَدَلَّ لَهُ النَّوَوِيُّ بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَلِيٍّ: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُجْنِبُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرِك» .
وَحَكَى عَنْ ضِرَارِ بْنِ صُرَدٍ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَطْرِقُهُ جُنُبًا غَيْرِي وَغَيْرُك.
وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ فِيهِ اخْتِصَاصٌ، فَإِنَّ الْأُمَّةَ كَذَلِكَ بِنَصِّ الْكِتَابِ، قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِمَسْجِدِهِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَطْرِقَهُ جُنُبًا وَلَا حَائِضًا؛ إلَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ عَلِيٌّ؛ لِأَنَّ بَيْتَهُ كَانَ مَعَ بُيُوتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحِ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ: اُنْظُرْ إلَى بَيْتِهِ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ قَالَ: وَكَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَهُوَ جُنُبٌ، وَهُوَ طَرِيقُهُ لَيْسَ لَهُ طَرِيقٌ غَيْرُهُ، وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ بِأَنَّ رَاوِيَهُ عَنْهُ عَطِيَّةُ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَفِيهِ سَالِمُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَقْوَى بِشَوَاهِدِهِ، فَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ مَا يَشْهَدُ لَهُ، وَفِي ابْنِ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا:«إنَّ هَذَا الْمَسْجِدَ لَا يَحِلُّ لِجُنُبٍ وَلَا حَائِضٍ» .
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ: «إنَّ مَسْجِدِي حَرَامٌ عَلَى كُلِّ حَائِضٍ مِنْ النِّسَاءِ، وَجُنُبٍ مِنْ الرِّجَالِ إلَّا عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ» .
قَوْلُهُ: كَانَ يَجُوزُ لَهُ الْقَتْلُ بَعْدَ الْأَمَانِ، قُلْت: لَمْ أَرَ لِذَلِكَ دَلِيلًا.
1559 -
(5) - حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: «اللَّهُمَّ إنِّي اتَّخَذْت عِنْدَك عَهْدًا لَنْ تَخْلُفَنِيهِ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْته أَوْ شَتَمْته أَوْ لَعَنْته، فَاجْعَلْهَا صَلَاةً،
وَصَدَقَةً، وَزَكَاةً، وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إلَيْك يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْهُ؛ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ:«اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْته فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِي الْبَابِ. عَنْ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنِّي اشْتَرَطْت عَلَى رَبِّي أَيُّ عَبْدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْته أَوْ شَتَمْته أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا» . وَفِي رِوَايَةٍ: «وَرَحْمَةً» بَدَلَ: «وَأَجْرًا» وَعَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.
1560 -
(6) - قَوْلُهُ: وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ جَعْلِ الْحُدُودِ كَفَّارَاتٍ لِأَهْلِهَا، فِيهِ حَدِيثُ عُبَادَةَ:«فَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» . مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا أَدْرِي الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا» .
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ لَا يَعْلَمُهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَرْسَلَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ عُبَادَةَ مُتَأَخِّرًا، وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ.