الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَة
2
الْفِقْه الْعلم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية واحترزنا بِالْأَحْكَامِ عَن الْعلم بالذوات كزيد وبالصفات كسواده وبالأفعال كقيامه
وَعبر الْآمِدِيّ بقوله هُوَ الْعلم بجملة غالبة من الْأَحْكَام وَهُوَ تَعْبِير حسن
فَإِن ظَاهر إِطْلَاق الْجمع الْمحلى بأل عُمُوم الْعلم بِكُل فَرد وَذَلِكَ لَا يتَصَوَّر فِي أحد من الْمُجْتَهدين وَلَا غَيرهم
واحترزنا بالشرعية عَن الْعَقْلِيَّة كالحسابيات والهندسة وَعَن اللُّغَوِيَّة كرفع الْفَاعِل وَكَذَلِكَ نِسْبَة الشَّيْء إِلَى غَيره إِيجَابا كقام زيد أَو سلبا نَحْو لم يقم
واحترزنا بالعملية عَن العلمية وَهِي أصُول الدّين فَإِن الْمَقْصُود مِنْهَا هُوَ الْعلم الْمُجَرّد أَي الِاعْتِقَاد الْمسند إِلَى الدَّلِيل
وبالمكتسب عَن علم الله تَعَالَى والمكتسب مَرْفُوع على الصّفة للْعلم
وبقولنا من أدلتها عَن علم الْمَلَائِكَة وَعلم الرَّسُول الْحَاصِل بِالْوَحْي فَإِن ذَلِك كُله لَا يُسمى فقها بل علما
وبقولنا التفصيلية عَن الْعلم الْحَاصِل للمقلد فِي الْمسَائِل الْفِقْهِيَّة فَإِنَّهُ لَا يُسمى فقها بل تقليدا لِأَنَّهُ أَخذه من دَلِيل إجمالي مطرد فِي كل مَسْأَلَة
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذا علم أَن هَذَا الحكم الْمعِين قد أفتى بِهِ الْمُفْتِي وَعلم أَن كل مَا أفتاه بِهِ فَهُوَ حكم الله تَعَالَى فِي حَقه فَيعلم بِالضَّرُورَةِ أَن ذَلِك الْمعِين حكم الله تَعَالَى فِي حَقه وَيفْعل هَكَذَا فِي كل حكم
وَمَا ذَكرْنَاهُ حدا وشرحا هُوَ أقرب إِلَى الصَّوَاب من غَيره وَإِن كَانَ فِيهِ أُمُور ذكرتها فِي الشَّرْح
وَقد أوردوا على هَذَا الْحَد أَن غَالب الْفِقْه مظنون لكَونه مَبْنِيا على العمومات وأخبار الْآحَاد والأقيسة وَغَيرهَا من المظنونات فَكيف يعبرون عَنهُ بِالْعلمِ
وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ لما كَانَ المظنون يجب الْعَمَل بِهِ كَمَا فِي الْمَقْطُوع رَجَعَ إِلَى الْعلم بالتقرير السَّابِق
إِذا علمت ذَلِك فَالَّذِي ذَكرُوهُ فِي ضَابِط الْفِقْه يتَفَرَّع عَلَيْهِ مسَائِل كَثِيرَة كالأوقاف والوصايا والأيمان وَالنُّذُور والتعليقات وَغَيرهَا فَنَقُول مثلا
إِذا وقف على الْفُقَهَاء فَقَالَ القَاضِي حُسَيْن فِي الْوَقْف من إِحْدَى تعليقتيه صرف إِلَى من يعرف من كل علم شَيْئا فَأَما من تفقه شهرا أَو شَهْرَيْن فَلَا وَلَو وقف على المتفقهة صرف إِلَى من تفقه يَوْمًا مثلا لِأَن الِاسْم صَادِق عَلَيْهِ
وَقَالَ فِي التعليقة الْأُخْرَى يعْطى لمن حصل من الْفِقْه شَيْئا يَهْتَدِي بِهِ إِلَى الْبَاقِي قَالَ وَيعرف بِالْعَادَةِ
وَقَالَ فِي التَّهْذِيب فِي الْوَصِيَّة إِنَّه يصرف لمن حصل من كل نوع وَكَأن هَذَا هُوَ مُرَاد القَاضِي بقوله من كل علم
وَقَالَ فِي التَّتِمَّة فِي بَاب الْوَصِيَّة إِنَّه يرجع فِيهِ إِلَى الْعَادة وَعبر فِي كتاب الْوَقْف بقوله إِلَى من حصل طرفا وَإِن لم يكن متبحرا فقد رُوِيَ أَن من حفظ أَرْبَعِينَ حَدِيثا يعد فَقِيها
وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي الْإِحْيَاء يدْخل الْفَاضِل فِي الْفِقْه وَلَا يدْخل الْمُبْتَدِي من شهر وَنَحْوه والمتوسط بَينهمَا دَرَجَات يجْتَهد الْمُفْتِي فِيهَا والورع لهَذَا الْمُتَوَسّط ترك الْأَخْذ انْتهى
وَمَا ذكره الْغَزالِيّ قد نَقله عَنهُ النَّوَوِيّ فِي كتاب البيع من شرح الْمُهَذّب وَأقرهُ وغالب الْكتب المطولة كالحاوي وَالْبَحْر وتعليقة االقاضي أبي الطّيب وَغَيرهَا لَيْسَ فِيهَا تعرض لهَذِهِ الْمَسْأَلَة
إِذا علمت ذَلِك فقد وَقع هُنَا للرافعي شَيْء عَجِيب تبعه عَلَيْهِ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وَنَقله عَنهُ ايضا ابْن الرّفْعَة ساكتا عَلَيْهِ
فَقَالَ فِي بَاب الْوَقْف وَيصِح الْوَقْف على المتفقهة وهم المشتغلون بتحصيل الْفِقْه مبتديهم ومنتهيهم وعَلى الْفُقَهَاء وَيدخل فِيهِ من حصل مِنْهُ شَيْئا وَإِن قل
هَذَا كَلَامه
وَمَا ذكره فِي دُخُول مُحَصل الشَّيْء إِن قل فِي مُسَمّى الْفَقِيه حَتَّى يسْتَحق من حصل الْمَسْأَلَة الْوَاحِدَة مُخَالف لجَمِيع مَا سبق وَلَا أعلم أحدا ذكره وكما أَنه مُخَالف للمنقول فِي الْمَذْهَب فَهُوَ مُخَالف للقاعدة النحوية لِأَن الْفُقَهَاء جمع فَقِيه وفقيه اسْم فَاعل من فقه بِضَم الْقَاف إِذا صَار الْفِقْه لَهُ سجية وَأما الْمَكْسُورَة فَمَعْنَاه فهم والمفتوح مَعْنَاهُ أَنه سبق غَيره إِلَى الْفَهم على قَاعِدَة أَفعَال المغالبة وَقِيَاس اسْم فاعلهما فَاعل وَهُوَ فاقه
وَقد أعَاد الرَّافِعِيّ الْمَسْأَلَة فِي بَاب الْوَصِيَّة وَزَاد شَيْئا آخر رددنا بعضه عَلَيْهِ أَيْضا فِي كتاب الْمُهِمَّات فليطلب مِنْهُ
وَاعْلَم أَن الظَّاهِرِيَّة لَا يسْتَحقُّونَ مِمَّا هُوَ مرصد باسم الْفُقَهَاء
شَيْئا كَذَا نَقله ابْن الصّلاح فِي فَوَائِد رحلته عَن ابْن سُرَيج وَأجَاب بِهِ جمَاعَة من اصحابنا وَقد انْتهى الْكَلَام على هَذِه الْمَسْأَلَة
وَأما وجوب الْعَمَل فِي الْفُرُوع بالمظنون فيتفرع عَلَيْهِ فروع كَثِيرَة بَعْضهَا مُوَافق للقاعدة كظن طَهَارَة المَاء وَالثَّوْب فِي الِاجْتِهَاد وَكَذَا اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَدخُول وَقت الصَّلَاة وَالصَّوْم وَغير ذَلِك
وَمِنْهَا إِذا جومعت الْمَرْأَة وأنزلت ثمَّ خرج مِنْهَا مَاء الرجل بعد غسلهَا فَإِن الْغسْل يجب عَلَيْهَا لِأَن الظَّاهِر اخْتِلَاط الماءين فَيخرج مِنْهَا مَاؤُهَا أَيْضا كَذَا ذكره الرَّافِعِيّ حكما وتعليلا
وَمن الْفُرُوع الْمُخَالفَة
مَا إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ألف فِي علمي أَو فِي ظَنِّي لزمَه فِي الأول دون الثَّانِي كَذَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب الاول من ابواب الْإِقْرَار
فَلَو قَالَ فِي رَأْيِي فَجَوَابه يعلم مِمَّا أذكرهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي أول
الِاشْتِرَاك فَرَاجعه
وَمِنْهَا إِذا تَيَقّن الطَّهَارَة وَظن الحَدِيث فَإنَّا لَا نَأْخُذ بِالظَّنِّ الْمَذْكُور بل يستصحب يَقِين الطَّهَارَة بِخِلَاف عَكسه وَهُوَ مَا إِذا تَيَقّن الْحَدث وَظن الطَّهَارَة فَإِنَّهُ يَأْخُذ بِالطَّهَارَةِ المظنونة لرجحانها فَإِن اسْتَوَى الطرفان وَهُوَ الشَّك لم نَأْخُذ بِهِ
كَذَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الْكَبِير وَمَا ذكره فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة قد تبعه عَلَيْهِ صَاحب الْحَاوِي الصَّغِير وَمُقْتَضى كَلَام الْأَصْحَاب أَنه لَا يُؤْخَذ بِالظَّنِّ وَأَنه لَا فرق بَين التَّسَاوِي والرجحان وَبِه صرح النَّوَوِيّ فِي الدقائق وَنَقله فِي الذَّخَائِر عَن الْأَصْحَاب فَقَالَ قَالَ أَصْحَابنَا يُؤْخَذ فِي الطَّرفَيْنِ بِالْيَقِينِ لَا بِالظَّنِّ ثمَّ قَالَ وَيحْتَمل عِنْدِي تخريجهما على الْقَوْلَيْنِ فِي تعَارض الأَصْل وَالظَّاهِر
وَلأَجل ذَلِك قَالَ ابْن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة إِن مَا قَالَه الرَّافِعِيّ لم نره لغيره
وَاعْلَم أَن صَاحب الشَّامِل وَغَيره قد قَالُوا إِنَّمَا قُلْنَا ينْتَقض الْوضُوء بِالنَّوْمِ مُضْطَجعا لِأَن الظَّاهِر خُرُوج الْحَدث وَحِينَئِذٍ يصدق أَن يُقَال رفعنَا يَقِين الطَّهَارَة بطن الْحَدث لَا بِالْعَكْسِ وَهَذَا عكس مَا يَقُول الرَّافِعِيّ
وَسبب الْفرق أَن الصَّلَاة فِي ذمَّته بِيَقِين
فَتَأمل مَا ذكرته نقلا واستدلالا فَإِنَّهُ مُهِمّ
وَذكر أَيْضا نَحوه الْبَغَوِيّ فِي التَّهْذِيب فَقَالَ إِذا تَيَقّن الطَّهَارَة وتيقن أَنه رَأْي رُؤْيا بعْدهَا وَلَا يذكر هَل كَانَ مُضْطَجعا أم لَا فَعَلَيهِ الْوضُوء وَلَا يحمل على النّوم قَاعِدا لِأَنَّهُ خلاف الْمُعْتَاد
هَذَا كَلَامه وَلَا شكّ أَن الرَّافِعِيّ قصد مَا ذكره ابْن الصّباغ وَالْبَغوِيّ فانعكس عَلَيْهِ
وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا مَا سبق نَقله عَن الرَّافِعِيّ فِي خُرُوج مَاء الْمَرْأَة بعد إنزالها واغتسالها وَقد حذف النَّوَوِيّ هَذِه الْمَسْأَلَة من الرَّوْضَة وَكَانَ الصَّوَاب ذكرهَا والتنبيه على مَا فِيهَا