الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلّمه البيان، ودلّه على طريق الخير والرشاد بالإيمان، وأنشأ فيه نوازع كثيرة للخير والطغيان، فأما من هذّب هذه النوازع فهو الفائز الجذلان، وأمّا من أتبع نفسه هواها فهو الخاسر الحيران.
وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة شهادة تنقذني يوم العرض، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي لم يخلد إلى الأرض، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وبعد:
إن المسلم - اليوم - مطالب بإرجاع أمته إلى سابق مجدها وقديم عزِّها، وسبيله إلى ذلك هو إصلاح نفسه، ثم دعوة غيره.
وإصلاح النفس هدف يرجوه كل مسلم ولكن دونه عقبات عظيمة لا سيما في هذا العصر، وأعظم هذه العقبات هي ما كان من داخل الشخص نفسه؛ إذ أن هناك عقبات حسيّة ومعنويّة، ولكن أعظم العقبات قاطبة هو ما يصادم الشخص داخل نفسه، فالنفس أمّارة بالسوء، وفيها كَبْر وحسد وحقد وغلّ وبغضاء ورياء وشقاق ونفاق إلى غير ذلك من المهلكات، فمن وفقه الله للنجاة من هذه الآفات وأمثالها فهو في خير عظيم، وقد تكفّلة كتب كثيرة بشرح سبل السلام من هذه المهلكات شرحاً وافياً كافياً.
ثم إن المسلم إذا خلّص دواخله من كل هذا فجأتْه مجموعة من المطالبات النفسية الداخلية - وهي ما يمكن أن يسمى ((النوازع)) - أقلقته وعصفت به، ويمكن في كثير من الأحوال أن يقوده عدم تحقيقها إلى اليأس والإحباط إن لم تدركه رحمة مولاه وفضله.
وأعني
بهذه النوازع - وسيأتي للكلمة وضوابطها شرح مفصَّل، إن شاء الله تعالى - هو ما تنزع إليه النفس وترغبه وتشتهيه:
فالمسلم الملتزم بدينه يحب أن يكون داعية إلى الله تعالى.
وكذلك يرغب أن يكون قويّ الإيمان، راسخ اليقين.
وهو يحب أن يكون من العابدين الزاهدين. وكذلك يستهويه المال الصالح.
وتدفعه نفسه إلى أن يكون من رجال الشهرة المعروفين المتصدرين.
وكذلك يحنّ المسلم إلى أن يكون ممن رزقه الله تعالى العلم الشرعي فأصبح من علماء الأمّة العاملين.
وهو من الراغبين في الثقافة الفكرية والواقعية، حتى يكون مرشداً ومفيتاً من مُفْتي الشباب والصحوة.
وهو ممّن تَتُوقُ نفسه إلى الجهاد والذَّودْ عن أعراض
المسلمين، ويكاد يتمزق شوقاً عندما تلامس أذنَه نداءاتُ الجهاد وأخبار البطولات.
وهو ممن لا يُحب أن يُرى مقصِّراً في حقوق الأهل والأرحام والأحباب.
وهو - ولابد - ممن يرغب أن يرى أولاده وبناته من عباد الله الصالحين الداعين المجاهدين، فيربيهم تربية إسلامية حسنة.
فهذه عشرة نوازع في نفس الإنسان المسلم يرغب كل عاقل لبيب أن يجمعها، ولكن هيهات أن تجتمع له إلا بتوفيق عظيم.
قال الإمام ابن الجوزي (1) رحمه الله تعالى:
((ويندر من الخلق من يلهمه الكمال وطلب الآفضل، والجمع بين العلوم والأعمال ومعاملات القلوب، وتتفاوت أرباب هذا الحال)) (2).
(1) الشيخ الإمام العلامة الحافظ المفسر أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، ينتهي نسبه إلى القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولد سنة 510 ببغداد، وسمع من مشايخ كثيرين، كان رأساً في التذكير والوعظ بلا مدافعة، صنف مصنفات كثيرة، له حكم وأقوال كثيرة، توفي ببغداد سنة 597، انظر ((سير أعلام النبلاء)): 21/ 365 - 384.
(2)
((صيد الخاطر)): 262.
ولشرح هذه النوازع والتوفيق بين بعضها البعض والتوازن والترجيح بينها جاء هذا البحث، الذي أحسبه جديداً يضيف شيئاً إلى المكتبة الإسلامية، ويشرح أموراً يجدها كل مسلم ملتزم بهذا الدين داعية - على وجه الخصوص - في نفسه حال سيره في دروب هذه الحياة.