الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسس والضوابط اللازم توفرها في الشخص:
أولاً: الإعداد المبكر والعناية الإلهية:
اهتمام الشخص منذ الصغر ببعض الجوانب المذكورة في المباحث السابقة أمر مهم، فلا يعقل أن يبلغ الشخص مبلغ الرجال ثم يفكر في تحقيق هذه الأمور، فقد كان أئمتنا منذ حداثة أسنانهم يطلبون الكمال في كثير من الجوانب الشرعية وغيرها، قد أعدّهم الله للتصدر والرفعة والإمامة منذ صغرهم.
ذكر الإمام السخاوي (1) أن الإمام النووي (2) ((نشأ في
…
ستر وخير، ولما بلغ من العمر سبع سنين كان نائماً ليلة السابع والعشرين من رمضان بجانب والده .. فانتبه نحو نصف الليل
…
وقال: يا أبتي ما هذا الضوء الذي قد ملأ الدار؟ فاستيقظ أهله جميعاً فلم نر كلنا شيئاً، قال والده: فعرفت أنها ليلة القدر (3).
(1) الشيخ الإمام، العلامة، الرُحَلة، الحافظ محمد بن عبد الرحمن القاهري الشافعي، أبو عبد الله. ولد سنة 831، وحفظ القرآن وهو صغير وحفظ عدة متون. وأخذ عن أكثر من 400 شيخ واختص بشيخ الإسلام الحافظ ابن حجر. وله مصنفات كثيرة. توفي بالمدنية سنة 902 بعد مجاورته فيها زماناً رحمه الله تعالى. انظر ((النور السافر)): 16 - 21.
(2)
مفتي الأمة، شيخ الإسلام يحيى بن شرف بن مُرِّي، محيي الدين أبو زكريا النووي، الحافظ الفقيه الشافعي الزاهد، ولد سنة 631 بـ (نوى) إحدى قوى حوران ببلاد الشام. وقدم إلى دمشق واجتهد في طلب العلم والتعبد، وألف مصنفات نفع الله تعالى بها المسلمين، توفي بـ (نوى) نسة 676، رحمه الله تعالى. انظر ((الوافي بالوفيات)): 4/ 264 - 268.
(3)
هذا يدل على عناية الله به، منذ صغره.
وذكر ولي الله الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي قال: رأيت الشيخ وهو ابن عشر سنين بـ (نَوَى) والصبيان يُكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم، ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، قال: فوقع في قلبي محبته، وكان قد جعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال: فأتيت معلمه فوصيته به، وقلت له: إنه يُرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم وينتفع الناس به، فقال لي: أمنجمٌ أنت؟ فقلت: لا، وإنّما أنطقني الله بذلك. قال: فذكر المعلم ذلك لوالده فحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الحلم)) (1).
وهذا الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى يحكي عن نفسه قائلاً:
((أذكر نفسي ولي همّة عالية وأنا في المكتب ابن ست
(1)((المنهل العذب الرويّ)):36 - 37.
سنين وأنا قرين الصبيان الكبار، قد رزقت عقلاً وافراً في الصغر يزيد على عقل الشيوخ، فما أذكر أني لعبت في طريق مع الصبيان قط، ولا ضحكت ضحكاً خارجاً، حتى أني كنت ولي سبع سنين أو نحوها أحضر رحبة الجامع، فلا أتخير حلقة مشعبذ، بل أطلب المحدث فيتحدث بالسير فأحفظ جميع ما أسمعه، وأذهب إلى البيت وأكتبه، ولقد رفق بي شيخنا أبو الفضل ابن ناصر (1) رحمه الله وكان يحملني إلى الشيوخ، فأسمعني المسند وغيره من الكتب الكبار، وأنا لا أعلم ما يراد مني (2)
…
ولقد كان الصبيان ينزلون إلى دجلة ويفترجون على الجسر وأنا في زمن الصغر آخذ جزءاً وأقعد حُجزة (3) من الناس إلى جانب الرِّقة فأتشاغل بالعلم، ثم ألهمت الزهد فسردت الصوم
(1) الإمام المحدث الحافظ، مفيد العراق، أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد السَلاميّ البغدادي، ولد سنة 467، وقرأ ما لا يوصف كثرة، وحصل الأصول، وجمع وألّف، وبَعُد صيته، وكان فصيحاً مليح القراءة، قوي العربية، جم الفضائل، توفي سنة 550، رحمه الله تعالى. انظر ((سير أعلام النبلاء)): 20/ 265 - 271.
(2)
أي لصغره.
(3)
أي بعيداً عن الناس.
وتشاغلت بالتقليل من الطعام، وألزمت نفسي الصبر
…
وعالجت السهر، ولم أقنع بفنٍّ من العلوم، بل كنت أسمع الفقه والوعظ والحديث وأتبع الزهّاد)) (1).
وقال - أيضاً - رحمه الله تعالى:
((كمنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج إلى طلب الحديث، وأقع على نهر عيسى (2)، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها وعين همتي لا ترى إلا لذّة تحصيل العلم)) (3).
وهذا الإمام الكبير سفيان بن عيينة يحدث عن أبيه أنه قال له عندما بلغ سنه خمسة عشرة سنة:
((إنه قد انقضت عنك شرائع الصّبا فاتبع الخير تكن من أهله، فجعلت وصية أبي قبلةً أميل إليها ولا أميل عنها)) (4).
(1)((لفتة الكبد إلى نصيحة الولد)): 61 - 67 بتصرف.
(2)
قال المحقق: في ضواحي بغداد.
(3)
((صدي الخاطر)): 213.
(4)
المصدر السابق: 160.