الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفضل، وأقوى حجة، وأعلى مرتبة، وإن حدث منه ما شكوت منه (1) ، والمعاملة- وإن كثرت الفوائد التي أشرت إليها منها- فإنها قريبة إلى أحوال الجبان الكسلان الذي قد اقتنع بصلاح نفسه عن هداية غيره، وانفراد بعزلته عن اجتذاب الخلق إلى ربهم، فالصواب العكوف على العلم مع تلذيع (2) النفس بأسباب المرقِّقات تلذيعاً لا يقدح في كمال التشاغل بالعلم)) (3).
وقول الإمام ابن الجوزيّ: ((فالصواب العكوف على العلم مع تلذيع النفس بأسباب المرققات
…
)) يُعد من القواعد الجامعة المُثلى في هذا الباب.
والناظر اليوم لحال طلبة العلم يعرف أن أكثرهم قد قست قلوبهم وجمدت عيونهم، وانصرفوا عن الرقائق وطلب بعضهم الدنيا بعلمه؛ وذلك لأن القلب ليس متوجهاً إلى الله ولا اللسان بمخلص في دعواه، وهذا من عوامل تأخر النصر، وقلة التوفيق، وندرة البركة في الأعمار والأوقات، والله المستعان.
ثالثاً: التوازن بين طلب العلم وحقوق الأهل والأولاد:
إذ أن حب العلم للعلم أعظم من حب الناس للمال والنساء، وطالب العلم إن لم يوازن
(1) أي نوع من قسوة القلب.
(2)
اللذع: الإيلام والإحراق: ((ترتيب القاموس المحيط)): (ل د ع).
(3)
((صيد الخاطر)): 141.
بين الحقوق المختلفة يضعف عن إكمال مسيرته.
وقد يقول قائل: إن السلف كانوا يطلبون العلم ولا يفكرون في غيره من الأمور المذكورة، وأقول لمن يقول ذلك: هات نساء كنساء السلف، وهات معيشة كمعيشتهم، ثمّ يصح لك بعد ذلك قياسك.
وهاك أمثلةً توضح مدى انشغال طالب العلم به، فقد قال سفيان بن عيينة (1) رحمه الله تعالى:
((لا تدخل هذه المحابر بيت رجل إلا أشقى أهله وولده)) (2).
أي أشقاهم بكثرة انشغاله عنهم، وانشغاله عن طلب الرزق.
وسأل رحمه الله رجلاً: ((ما حرفتك))؟
قال: طلب الحديث.
فقال له: ((بشِّر أهلك بالإفلاس)) (3)
أي أنه لأجل حرفته هذه لن يطلب عملاً دنيوياً يُغني به أهله.
وقالت بنت أخت الزبير بن بكار (4) لزوجه:
((خالي خير رجل لأهل لا يتخذ ضَرَّة ولا سُرِّية (5)، فقالت المرأة: والله
(1) الإمام سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي، أبو محمد الكوفي ثم المكي، ثقة حافظ، فقيه إمام حجة، توفي سنة 198 وله 91 سنة، انظر ((التقريب)):245.
(2)
((نزهة الفضلاء)): 2/ 671.
(3)
((نزهة الفضلاء)): 2/ 671.
(4)
العلامة الحافظ، النسابة، قاضي مكة وعالمها، أبو عبد الله بكار بن عبد الله القرشي الأسدي الزبيدي. ولد سنة 172. وتوفي بمكة سنة 256 رحمه الله تعالى. انظر ((سير أعلام النبلاء)): 12/ 311 - 315.
(5)
أي الجارية المتخذة للتسري وهو الجماع.