الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: التوازن بين طلب العلم وطلب ترقيق القلب:
وهذا من أهم المهمات، فقد حثّ عليه السلف كثيراً وحذروا من تركه والتفريط فيه؛ لأن الشخص حال انشغاله في طلب العلم قد ينسى هذا الأمر المهم.
فهذا محمد بن عبادة المعافري يحدث أنه وصحبه كانوا عند أبي شريح المعافري (1) رحمه الله ((فكثرت المسائل فقال: قد دَرنت (2) قلوبكم، فقوموا إلى خالد ابن حميد المَهْري (3) استقلُّوا (4) قلوبكم، وتعلموا هذه الرغائب والرقائق فإنّها تجدد العبادة، وتورث الزهادة، وتجرّ الصداقة، وأقلوا المسائل فإنها - في غير ما نزل - تقسي القلب، وتورث العداوة)) (5).
وقال شعبة (6)
((إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة وعن صلة الرحم، فهل أنتم منتهون)) (7).
(1) الإمام القدوة الربانيّ، أبو شريح المعافريّ الإسكندرانيّ. العابد المتأله الزاهد توفي سنة 167 وكان من أبناء السبعين رحمه الله تعالى. انظر ((سير أعلام النبلاء)): 7/ 182 - 184.
(2)
وَسخت.
(3)
الإسكندراني. لا بأس به. توفي سنة 167 رحمه الله تعالى. انظر ((التقريب)): 187.
(4)
استبدلوا.
(5)
((نزهة الفضلاء)): 1/ 579 - 580.
(6)
شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي- بالولاء-، أبو بسطام الواسطي ثم البصري، ثقة حافظ متقن، كان أمير المؤمنين في الحديث، وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة، وكان عابداً، مات سنة 160. انظر ((التقريب)):266.
(7)
((نزهة الفضلاء)): 1/ 581.
يعني أن كثرة طلب الحديث قد تؤدي إلى ما ذكره إذا لم يُجمع بينه وبين قراءة الرقائق والمرغبات والمزهِّدات.
وذُكر معروف الكَرخي عند الإمام أحمد، فقيل: قصير العلم، فقال: أمسك، وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف (1).
وذكر الإمام ابن الجوزيّ رحمه الله أمر الموازنة بين العلم وطلب ترقيق القلب فقال:
((تأملت العلم والميل إليه والتشاغل به فإذا هو يقوي القلب قوة يميل به إلى نوع قساوة، ولولا قوة القلب وطول الأمل لم يقع التشاغل به، فإني أكتب الحديث أرجو أن أرويه، وأبتدىء بالتصنيف أرجو أن أتمه، فإذا تأملت إلى باب المعاملات (2) قلّ الأمل، ورقّ القلب، وجاءت الدموع، وطابت المناجاة، وغشيت السكينة
…
إلا أن العلم
(1)((نزهة الفضلاء)): 2/ 714.
(2)
أي المعاملات القلبية مع الله تبارك وتعالى.