الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا رأي يحيى بن معين في ذلك الزمان؟ فكيف في هذا العصر الذي قلّ فيه من ينشر العلم ويدعو بصدق وحكمة.
ثانياً: وجوب الاستعداد للجهاد:
من كان الجهاد مفضولاً في حقّه فليس معنى هذا أنه ينسى الاستعداد له نفسيّاً وعقلياً وبدنياً، بل ينبغي له أن يكثر من ذكره ويتمنّى الشهادة ويرغب فيها، بل يجعلها أسمى أمانيه، ويتحسّر على الجهاد إذا فاته، فهذا يونس بن عبيد (1) الإمام التابعيّ ((نظر إلى قدميه عند الموت وبكى، فقيل: ما يبكيك أبا عبد الله؟ قال: قدماي لم تغبرَّ في سبيل الله)) (2).
ولقد كان الكثير من السلف مستعدين للجهاد،
(1) الإمام القدوة الحجة، من صغار التابعين وفضلائهم، العبدي - بالولاء - ثقة، ورع. توفي سنة 140 رحمه الله تعالى. انظر ((سير أعلام النبلاء)): 6/ 288 - 296.
(2)
((نزهة الفضلاء)): 2/ 903.
فهذا الإمام البخاري (1) رحمه الله تعالى كان يركب إلى الرمي كثيراً، وكان لا يُسبق في إصابته الهدف (2).
وهذا السلطان الصالح نور الدين محمود الشهيد (3)
((كان يكثر اللعب بالكرة فأنكر عليه فقير (4) فكتب إليه: والله ما أقصد اللعب، وإنما نحن في ثغر فربّما وقع الصوت (5) فتكون الخيل قد أدمنت على الانعطاف والكرِّ والفرّ)) (6).
وهذا سلطان الموحِّدين يوسف بن عبد المؤمن (7)((أمر العلماء أن يجمعوا أحاديث في الجهاد تُملى على الجند، وكان هو يملي بنفسه وكبار الموحِّدين يكتبون في ألواحهم)) (8).
(1) الإمام الحافظ العلم محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي - بالولاء - توفي سنة 256 بقرية خَرْتَنْك، رحمه الله تعالى. انظر ((سير أعلام النبلاء)): 12/ 391 - 471.
(2)
((نزهة الفضلاء)): 2/ 904.
(3)
صاحب الشام، الملك العادل، ليث الإسلام، أبو القاسم محمود بن زنكي. ولد سنة 511. كان حامل رايتي العدل والجهاد، قلّ أن ترى العيون مثله. وكان بطلاً شجاعاً، وافر الهيبة، حسن الرمي، ذا تعبد وخوف وورع، وكان يتعرض للشهادة في غزوات كثيرة غزاها مع الإفرنج. توفي رحمه الله تعالى سنة 569. انظر ((سير أعلام النبلاء)): 20/ 531 - 539.
(4)
أي صوفي.
(5)
أي جاء العدوّ.
(6)
((نزهة الفضلاء)): 3/ 1454.
(7)
صاحب المغرب. كان حلو الكلام فصيحاً، حلو المفاكهة، عارفاً باللغة والأخبار والفقه، متفنناً، جواداً، شجاعاً، استشهد بالأندلس الذي دخلها للدفاع عنها سنة 580 رحمه الله تعالى. انظر ((سير أعلام النبلاء)): 21/ 98 - 103.
(8)
((نزهة الفضلاء)): 3/ 1473.
وهذا العالم الصالح حَيْوة بن شُريح (1) إمام المصريين قد قال مرّة لبعض نواب مصر:
((يا هذا، لا تخليَنّ بلادنا من السلاح، فنحن بين قبط لا ندري متى ينقضّ، وبين حبشي لا ندري متى يغشانا، وبين رومي لا ندري متى يحلّ بساحتنا، وبربري لا ندري متى يثور)) (2).
وأمّا سؤال الله الشهادة فقد كان الصالحون يكثرون منه، فهذا عتبة الغلام بات عند رياح القيسيّ (3) فسمعه يقول في سجوده:
((اللهم احشر عتبة من حواصل الطير وبطون السِّباع)) (4).
أي أن يستشهد في معركة ويُترك حتى تأكل الطير والسباع من لحمه.
وقد غفل كثير من الصالحين عن الاستعداد للجهاد، فهم إذ نادى مناديه لا أدري كيف سيستجيبون ولسان حالهم الناطق بالعجز أفصح من مقالهم.
(1) الإمام الرباني، أبو زرعة، التجيبي المصري، من البكائين، وكان ضيق الحال جداً، وصاحب كرامات. توفي رحمه الله تعالى سنة 158. انظر ((سير أعلام النبلاء)): 6/ 404 - 406.
(2)
((نزهة الفضلاء)): 1/ 553.
(3)
رياح بن عمرو القيسي العابد، أبو المهاصر، بصري زاهد، متألِّه، كبير القدر، وهو قليل الحديث، كثير الخشية والمراقبة.
انظر ترجمته في ((سير أعلام النبلاء)): 8/ 174 - 175.
(4)
((نزهة الفضلاء)): 1/ 564.