الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وانكحوا إليهم» ويختار البكر لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواهاً، وأنتق أرحاماً وأرضى باليسير» رواه ابن ماجه. ويختار الولود، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم يوم القيامة» رواه سعيد. ويختار ذات العقل، ويجتنب الحمقاء؛ لأنه ربما تعدى ذلك إلى ولدها. وقد قيل: اجتنبوا الحمقاء، فإن ولدها ضياع، وصحبتها بلاء. قال أبو الخطاب: ويختار الأجنبية؛ لأن ولدها أنجب، وقد قيل: إن الغرائب أنجب، وبنات العم أصبر.
[باب ما يحرم من النكاح]
المحرمات في النكاح عشر أشياء:
أحدها: المحرمات بالنسب، وهن سبع ذكرهن الله سبحانه وتعالى بقوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] فالأمهات: كل امرأة انتسبت إليها بولادة، وهي: الأم، والجدات من جهة الأم وجهة الأب وإن علون. والبنات: كل من انتسب إليك بولادة وهي ابنة الصلب وأولادها وأولاد البنين وإن نزلت درجتهن. والأخت: من الجهات الثلاث. والعمات: كل من أدلت بالعمومة من أخوات الأب وأخوات الأجداد وإن علون من جهة الأب والأم. والخالات: كل من أدلى بالخؤولة من أخوات الأم وأخوات الجدات وإن علون من جهة الأب والأم. وبنات الأخ: كل من ينتسب ببنوة الأخ من أولاده وأولاد أولاده الذكور والإناث وإن نزلت درجتهن، وكذلك بنات الأخ؛ لأن الاسم ينطلق على البعيد والقريب، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 26] . و {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 40] . وقال: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه: «ارموا
بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً» .
ولا فرق بين النسب الحاصل بنكاح، أو ملك يمين، أو وطء شبهة أو حرام. فتحرم عليه ابنته في الزنى، لدخولها في عموم اللفظ، ولأنها مخلوقة من مائة فحرمت، كتحريم الزانية على ولدها. وتحرم المنفية باللعان؛ لأنها ربيبته، ولاحتمال أنها ابنته.
فصل:
النوع الثاني: المحرمات بالرضاع، وهن مثل المحرمات بالنسب سواء، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] نص على هاتين، وقسنا عليهما سائر المحرمات بالنسب. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» متفق عليه.
فصل:
النوع الثالث: المحرمات بالمصاهرة، وهن أربع: أمهات النساء، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] . فمتى عقد النكاح على امرأة حرم عليه جميع أمهاتها من النسب والرضاع وإن علون على ما ذكرنا. وسواء دخل بالمرأة أو لم يدخل، لعموم اللفظ فيهن، ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أيما رجل نكح امرأة دخل بها أو لم يدخل فلا يحل له نكاح أمها» رواه ابن ماجه.
الثانية: الربائب، وهن بنات النساء. ولا تحرم ربيبته إلا أن يدخل بأمها، فإن فارق أمها قبل أن يدخل بها حلت له ابنتها، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] .
وإن ماتت قبل دخوله بها لم تحرم ابنتها، للآية. وعنه: تحرم؛ لأن الموت أقيم مقام الدخول في تكميل الصداق والعدة، فكذلك هاهنا. وإن خلا بها ثم طلقها ولم يطأها، فعنه: تحرم ابنتها كذلك. وقال القاضي: وهذا محمول على أنه حصل نظراً لشهوة أو مباشرة، فيخرج كلامه على إحدى الروايتين، فأما مع عدم ذلك فلا تحرم؛ لأن الدخول كناية عن الجماع ولم يوجد والنسب والرضاع في هذا سواء.
الثالثة: حلائل الأبناء، وهن زوجات أبنائه، وأبناء أبنائه وبناته، وإن سفلوا من نسب أو رضاع، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} [النساء: 23] ويحرمن بمجرد العقد، لعموم الآية فيهن.
الرابعة: زوجات الأب القريب والبعيد من قبل الأب والأم من نسب أو رضاع يحرمن، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 22] وسواء دخل بهن أو لم يدخل لعموم الآية.
فصل:
كل من ذكرنا من المحرمات من النسب والرضاع تحرم ابنتها، وإن نزلت درجتها، إلا بنات العمات والخالات فإنهن محللات، لقول الله تعالى:{وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ} [الأحزاب: 50] وكذلك بنات من نكحهن الآباء، والأبناء فإنهن محللات، فيجوز للرجل نكاح ربيبة أبيه وابنه، لقوله:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] .
فصل:
ومن حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين؛ لأنه إذا حرم النكاح لكونه طريقاً إلى الوطء، فتحريم الوطء أولى. وكل من حرمها النكاح من أمهات النساء وبناتهن، وحلائل الآباء والأبناء، حرمها الوطء في ملك اليمين والشبهة والزنى كذلك، ولأن الوطء آكد في التحريم من العقد، وكذلك تحرم به الربيبة، ولأنه سبب للبعضية، أشبه الوطء في النكاح. ولا فرق بين الوطء في القبل والدبر؛ لأن كل واحد منهما وطء في فرج يجب الحد بجنسه، فاستويا في التحريم به. وإن وطئ صغيرة لا يوطأ مثلها، أو ميتة ففيه وجهان:
أحدهما: ينشر الحرمة؛ لأنه معنى ينشر الحرمة المؤبدة، أشبه الرضاع.
والثاني: لا ينشرها؛ لأنه ليس بسبب للبعضية، أشبه النظر. وفي القبلة واللمس لشهوة، والنظر إلى الفرج لشهوة روايتان:
إحداهما: يحرم؛ لأنها مباشرة لا تباح إلا بملك، فتعلق بها تحريم المصاهرة، كالوطء.
والثانية: لا تحرم، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] . يريد بالدخول الوطء. وإن تلوط بغلام، فاختار أبو الخطاب: أن حكمه في تحريم المصاهرة حكم المباشرة فيما دون الفرج، لكونه وطئا في غير محله. وقال غيره من أصحابنا: حكمه حكم الزنى. فيحرم على الواطئ أم الغلام وابنته، ويحرم على الغلام أم الواطئ وابنته؛ لأنه وطء في فرج آدمي، أشبه الزنا بالمرأة، وإن وطئ أم امرأته وابنتها انفسخ النكاح؛ لأنه طرأ عليها ما يحرمها، أشبه الرضاع.
فصل:
النوع الرابع: تحريم الجمع وهو ضربان: جمع حرم لأجل النسب بين المرأتين، وهو ثابت في أربع. بين الأختين، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] وسواء كانتا من أبوين، أو من أحدهما، أو من نسب أو رضاع، لعموم الآية في الجميع.
والثاني: بين الأم وبنتها؛ لأن تحريم الجمع بين الأختين تنبيه على تحريم الجمع بين الأم وبنتها.
والثالث: الجمع بين المرأة وعمتها.
والرابع: الجمع بينها وبين خالتها، لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها» متفق عليه؛ ولأنهما امرأتان لو كانت إحداهما ذكراً حرمت عليه الأخرى، فحرم الجمع بينهما، كالأختين؛ ولأنه
يفضي إلى قطيعة الرحم المحرم، لما بين الزوجات من التغاير، والتنافر، والقريبة والبعيدة سواء في التحريم، لتناول اللفظ لهما، ولأن المحرمية ثابتة بينهما مع البعد، فكذلك تحريم الجمع. فإن تزوج أختين في عقد واحد بطل فيهما؛ لأن إحداهما ليست أولى بالبطلان من الأخرى فبطل فيهما، كما لو باع درهماً بدرهمين. وإن تزوج امرأة وابنتها في عقد واحد ففيها وجهان:
أحدهما: يبطل فيهما كالأختين.
والثاني: يبطل في الأم وحدها؛ لأنها تحرم بمجرد العقد على ابنتها، والبنت لا تحرم بمجرد العقد، فكانت الأم أولى بالبطلان، فاختصت به، وإن تزوجت امرأة، ثم تزوج عليها من يحرم الجمع بينهما لم يصح نكاح الثانية وحدها؛ لأنها اختصت بالجمع.
فصل:
وإن تزوج امرأة، ثم طلقها لم تحل له أختها، ولا عمتها ولا خالتها حتى تنقضي عدتها، رجعية كانت أو بائنة، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين» ولأنها محبوسة على النكاح لحقه، فأشبهت الرجعية. ولو قال: أخبرتني بانقضاء عدتها فكذبته لم يقبل قوله في إسقاط نفقتها وسكناها، ويقبل في سقوط رجعتها؛ لأنه يقر بسقوط حقه. وفي جواز نكاح أختها؛ لأنه حق لله تعالى، وهو مقلد فيه. ولو أسلم زوج المجوسية، أو الوثنية لم يحل له نكاح أختها حتى تنقضي عدتها. وإن أسلمت زوجته دونه فنكح أختها، ثم أسلما في عدة الأولى اختار منهما واحدة، كما لو تزوجهما معاً. وإن أسلما بعد عدة الأولى بانت منه، والثانية زوجته.
فصل:
وإن ملك أختين جاز؛ لأن الملك لا يختص مقصوده بالاستمتاع، ولذلك جاز أن يملك من لا يحل له، كالمجوسية، وأخته من الرضاع. وله وطء إحداهما، أيتهما شاء؛ لأن الأخرى لم تصر فراشاً، فلم يكن جامع بينهما في الفراش، فإذا وطئها حرمت أختها. حتى تحرم الموطوءة بإخراج عن ملكه أو تزويج أو يعلم أنها ليست حاملاً، لئلا يكون جامعاً بينهما في الفراش، أو يكون جامعاً ماءه في رحم أختين. فإن عزلها عن فراشه واستبرأها لم تحل له أختها؛ لأنه لا يؤمن عوده إليها، فيكون جامعاً
بينهما. وإن رهنها، أو ظاهر منها لم تحل أختها؛ لأنه متى شاء فك الرهن وكفر فأحلها. وكذلك إن كاتبها؛ لأنه بسبيل من حلها بما لا يقف على غيرهما، فأشبه ما لو رهنها. وروي عن أحمد: أنه لا يحرم الجمع بين الأختين في الوطء، وإنما يكره لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] . والمذهب الأول، لكونه إذا حرم الجمع في النكاح لكونه طريقاً إلى الوطء ففي الوطء أولى. وإن تزوج امرأة فملك أختها جاز. ولا تحل له الأمة؛ لأن أختها على فراشه. فإن وطئها لم تحل الزوجة حتى يستبرئ الأمة، ويحتمل أن تحرم حتى يخرج الأمة عن ملكه، أو يزوجها؛ لأنها قد صارت فراشاً. وإن وطء أمته ثم تزوج أختها، فقال القاضي: ظاهر كلام أحمد أن النكاح لا يصح؛ لأن النكاح سبب يصير به فراشاً، فلم يجز أن يرد على فراش الأخت كالوطء. قال أبو الخطاب: ظاهر كلام أحمد: أنه يصح؛ لأن النكاح سبب يستباح به الوطء، فجاز أن يرد على وطء الأخت كالشراء. ولا تحل المنكوحة حتى تحرم الأمة بإخراج عن ملكه، أو تزويج لما ذكرنا في التي قبلها. وإن باع الموطوءة أو زوجها، ثم تزوج أختها، ثم عادت الموطوءة إلى ملكه لم تحل له، كما لو اشتراها ابتداء. ولا تحرم الزوجة؛ لأن النكاح أقوى.
وعنه: ما يدل على تحريمها أيضاً حتى يخرج الأمة عن ملكه؛ لأن هذه فراش، والمنكوحة فراش فلا يحل وطء واحدة منهما، كما لو كانتا أمتين. ولو كانت له أمة يطأها، فزوجها أو باعها، ثم تسرى أختها فعادت الأولى إليه لم يبح له واحدة منهما حتى يحرم الأخرى؛ لأن الأولى عادت إلى الفراش فاجتمعتا فيه، فلم يبح له واحدة منهما قبل إخراج الأخرى عن الفراش. فإن ملك أختين فوطئهما فقد أتى محرماً، ولا حد عليه؛ لأنه وطئ مملوكته، فأشبه وطء المظاهر منها، ولا تحل له واحدة منهما حتى يحرم الأخرى، كما يحرم وطء الأولى الثانية.
فصل:
إذا تزوج أختين في عقدين، ثم جهل السابقة منهما حرمتا جميعاً؛ لأن المحللة اشتبهت بالمحرمة فحرمتا جميعاً، كما لو اشتبهت بأجنبية، وعليه فراق كل واحدة منهما بطلقة، لتحل لغيره، ويزول حبسه عنها، إلا أن يريد إمساك إحداهما، فيطلق الأخرى، ويجدد العقد للتي يمسكها. فإن طلقهما معاً قبل الدخول، فعليه نصف المهر لإحداهما؛ لأن نكاحها صحيح، ولا يعلم أيتهما هي، فيقرع بينهما فيه؛ لأنهما سواء فيقرع بينهما، كما لو أراد السفر بإحدى زوجتيه، فمن خرجت له القرعة فلها نصف صداقها. وقال
أبو بكر: يتوجه ألا يلزمه لهما صداق؛ لأنه مجبر على طلاقهما، فلم يلزمه صداقهما، كما لو فسخ نكاحه برضاع أو غيره. قال: وهذا اختياري. وإن كان دخل بهما، فعليه كمال الصداقين لهما، إلا أن لإحداهما المسمى، وفي الأخرى روايتان:
إحداهما: لها المسمى أيضاً.
والثانية: لها مهر المثل؛ لأنه واجب بالإصابة، لا بالعقد. فإن قلنا: يجب مهر المثل أقرعنا بينهما فيه. وإن أراد نكاح إحداهما طلق الأخرى. وعقد النكاح للثانية، إلا أنه إن كان لم يدخل بواحدة منهما، فله أن يعقد النكاح في الحال. وإن كان دخل بها لم يعقده حتى تنقضي عدتها، لئلا يكون نكاحاً لإحداهما في عدة أختها، أو ناكحاً لمعتدة من وطئه لها في غير ملكه.
فصل:
ولا يحرم الجمع بين ابنتي العم، ولا ابنتي الخال، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ولأن إحداهما لو كانت ذكراً حلت له الأخرى، لكن يكره لما روى عيسى بن طلحة قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تزوج المرأة على ذي قرابتها مخافة القطيعة» وهذا محمول على الكراهة لما ذكرناه، ويجوز الجمع بين المرأة وربيبتها للآية. وفعله عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن صفوان بن أمية. ويجوز للرجل أن يتزوج ربيبة ابنه وربيبة أبيه، وربيبة أمه للآية؛ ولأنه لا نسب بينهما ولا سبب محرم.
فصل:
الضرب الثاني: تحريم الجمع، لكثرة العدد. فلا يحل للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات بلا خلاف، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] يعني اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، «ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشر نسوة: أمسك أربعاً وفارق سائرهن» رواه الترمذي.
وليس للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين، لما روي عن الحكم بن عيينة أنه قال: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن العبد لا ينكح إلا اثنتين. وروى الإمام أحمد أن عمر سأل الناس عن ذلك، فقال: عبد الرحمن بن عوف: لا يتزوج إلا اثنتين. وهذا كان بمحضر من الصحابة فلم ينكر، فكان إجماعاً. والحكم فيمن تزوج خمساً، أو نكح خامسة في عدة الرابعة، ونحو ذلك من الفروع، كالحكم في الجامع بين أختين على ما مضى فيه.
فصل:
ويباح التسري من الإماء من غير حصر، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] ولأن القسم بينهن غير واجب، فلم ينحصرن في عدد. وللعبد أن يتسرى بإذن سيده، نص عليه أحمد؛ لأن ذلك قول ابن عمر، وابن عباس، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة، ولأن العبد يملك في النكاح، فملك التسري كالحر. وإنما يملك التسري إذا ملكه سيده وأذن له في التسري. قال القاضي: يجب أن يكون تسري العبد مبنياً على الروايتين من ثبوت الملك له بتمليك سيده؛ لأن الوطء لا يباح إلا بنكاح، أو ملك يمين. لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] والمكاتب كالقن سواء؛ لأنه عبد ما بقي عليه درهم. فأما من بعضه حر، فإن ملك بجزئه الحر جارية فملكه تام، وله الوطء بغير إذن السيد، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] ولأن ملكه عليها تام. فأما تزويجه، فإنه يلزمه حقوق تتعلق بجميعه، فاعتبر رضى السيد به، ليكون راضياً بتعلق الحق بملكه. وإن تسرى العبد بإذن سيده ثم رجع لم يكن له الرجوع نص عليه؛ لأنه يملك به البضع فلم يملك فسخه، كالنكاح. وقال القاضي: ويحتمل أنه أراد التزويج. وله الرجوع في التسري؛ لأنه رجوع فيما ملكه لعبده، فأشبه سائر المال.
فصل:
النوع الخامس: المحرمات لاختلاف الدين، فلا يحل لمسلم نكاح كافرة غير كتابية، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] وقوله: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10] . ولا يحل نكاح مرتدة وإن تدينت بدين أهل الكتاب؛ لأنها لا تقر على دينها، ولا مجوسية. لأنه لم يثبت لهم كتاب، ولا كتابية، أحد أبويها غير كتابي،
لأنها لم تتمحض كتابية، أشبهت المجوسية، ولا من يتمسك بصحف إبراهيم وزبور داود، أو كتاب غير التوراة والإنجيل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] ؛ ولأن تلك الكتب ليست بشرائع، إنما هي مواعظ وأمثال. ويباح نكاح حرائر الكتابيات، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] وهم اليهود والنصارى ومن وافقهم من أصل دينهم ودان بالتوراة والإنجيل، كالسامرة وفرق النصارى، وفي نصارى بني تغلب روايتان:
إحداهما: إباحة نسائهم؛ لأنهن كتابيات فيدخلن في عموم الآية.
والثانية: تحريمهن؛ لأنه لا يعلم دخولهن في دينهم قبل تبديل كتابهم. ولا يحل لمسلمة نكاح كافر بحال، كتابياً كان أو غير كتابي، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] وقوله: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10] . وكل من تحل حرائرهم بالنكاح حل وطء إمائهم بملك اليمين. ومن حرم نكاح حرائرهم، حرم وطء إمائهم بملك اليمين بالقياس على المحرمات بالرضاع.
فصل:
النوع السادس: التحريم لأجل الرق وهو ضربان:
أحدهما: تحريم الإماء، وهن نوعان: كتابيات، فلا يحل لمسلم نكاحهن ولو كان عبداً. وعنه: يجوز، والأول: المذهب، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] . فشرط في إباحتهن إيمانهن، ولأنهن ناقصات من وجهين، أشبه المشركات.
والثاني: الأمة المسلمة، فللعبد نكاحها؛ لأنها تساويه، ولا تحل لحر نكاحها إلا بشرطين: عدم الطول، وهو: العجز عن نكاح حرة، أو شراء أمة.
والثاني: خشية العنت: وهو الزنى، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] . إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] فإن أمكنه نكاح حرة كتابية لم تحل له
الأمة المسلمة؛ لأنه لا يخشى العنت، ولأنه أمكنه صيانة ولده عن الرق فحرم عليه إرقاقه، كما لو قدر على نكاح مؤمنة. وإن تزوج أمة تحل له، ثم وجد الطول ففيه وجهان:
أحدهما: نكاحه باق، اختاره الخرقي؛ لأن زوال الشرط بعد العقد لا يبطله، كما لو أمن العنت.
والثاني: يبطل؛ لأنه أبيح للضرورة فزال بزوالها، كأكل الميتة. وإن تزوج حرة على أمة فهل يبطل نكاح الأمة؟ على روايتين كذلك، فإن تزوج حرة تعفه وأمة في عقد واحد فسد نكاح الأمة، لعدم شرطه، وهو عدم طول الحرة. وفي نكاح الحرة روايتان.
أصلهما تفريق الصفقة. وكذلك الحكم في كل عقد جمع فيه بين محللة ومحرمة، كأجنبية وأخته من الرضاع. فإن كانت الحرة لا تعفه، ولم يتمكن من نكاحها حرة تعفه ففي نكاح الأمة روايتان:
إحداهما: لا يصح؛ لأنه واجد الطول حرة.
والثانية: يصح؛ لأنه خائف العنت، عادم لطول حرة تعفه، فحلت له الأمة، كالعاجز عن نكاح حرة. فعلى هذا يصح العقد فيهما جميعاً، وكذلك الحكم إن كانت تحته حرة لا تعفه، فيتزوج عليها أمة، أو كان تحته أمة لا تعفه فيتزوج عليها ثانية، ففيها روايتان.
قال الخرقي: وله أن ينكح من الإماء أربعاً إذا كان الشرطان فيه قائمين. ووجه الروايتين ما تقدم. وإن تزوج أمتين في عقد وإحداهما تعفه بطل فيهما؛ لأن إحداهما ليست بأولى من الأخرى، فبطل فيهما، كما لو جمع بين أختين.
فصل:
الضرب الثاني: أنه لا يحل للعبد نكاح سيدته؛ لأن أحكام الملك والنكاح تتناقض، إذا ملكها إياه يقتضي وجوب نفقته عليها، وسفره بسفرها، وطاعته إياها. ونكاحه إياها يوجب عكس ذلك، فيتنافيان. ولا يصح أن يتزوج الحر أمته؛ لأن النكاح يوجب للمرأة حقوقاً يمنعها ملك اليمين من القسم والمبيت فبطل. فإن ملكت المرأة زوجها، أو جزءاً منه، أو ملك الرجل زوجته أو جزءاً منها انفسخ النكاح، لما ذكرنا، ويحرم على الأب نكاح جارية ابنه؛ لأن له فيها شبهة يسقط الحد بوطئها، فلم يحل له نكاحها، كالمشتركة بينه وبين غيره. وللابن أن يتزوج أمة أبيه، لعدم ذلك فيه. وإن تزوج جارية ثم ملكها ابنه، ففيه وجهان:
أحدهما: يبطل النكاح؛ لأن ملك الابن كملكه في إسقاط الحد وحرمة الاستيلاد، فكان كملكه في إبطال النكاح.
والثاني: لا يبطل؛ لأنه يملكها بملك الابن، فلم يبطل نكاحها، كما لو ملكها أجنبي.
فصل:
النوع السابع: منكوحة غيره، والمعتدة منه، والمستبرأة منه، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] . ولقوله: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] ؛ ولأن تزويجها يفضي إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب، وسواء في ذلك المعتدة من وطء مباح، أو محرم، أو من غير وطء؛ لأنه لا يؤمن أن تكون حاملاً، فلو جوزنا تزويجها لاختلاط نسب المتزوج بنسب الواطئ الأول. ولا يجوز نكاح المزني بها بالحمل إلا أن تضع. فإن وطئت امرأة الرجل بشبهة أو زنا لم ينفسخ نكاحه؛ لأن النكاح سابق فكان أولى. ولا يحل له وطؤها حتى تنقضي عدتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين:«لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر يسقي ماءه زرع غيره» رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وأبو داود، وزاد يعني: إتيان الحبالى؛ ولأنها ربما يأتي بولد من الزنا فينسب إليه. قال أحمد: وإذا علم الرجل من جاريته الفجور فلا يطؤها لعلها تلحق به ولداً ليس منه.
فصل:
ولا يحل التعريض بخطبة الرجعية؛ لأنها زوجته، فأشبهت ما قبل الطلاق، ويجوز التعريض بخطبة المعتدة من الوفاة، والطلاق الثلاث، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] . وروت «فاطمة بنت قيس: أن أبا عمر بن حفص ابن المغيرة طلقها آخر ثلاث تطليقات، فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبقيني بنفسك» .
ويحرم التصريح؛ لأن تخصيص التعريض بالإباحة دليل على تحريم التصريح، ولأن التصريح لا يحتمل غير النكاح، فلا يأمن أن يحملها الحرص عليه على الإخبار بانقضاء عدتها قبل انقضائها، بخلاف التعريض. فأما البائن بخلع، فلزوجها التصريح بخطبتها والتعريض؛ لأنه يحل له نكاحها في عدتها، إذ لا يصان ماؤه عن مائه، ولا يخشى اختلاط نسبه بنسب غيره. وهل يحل لغيره التعريض بخطبتها؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يحل؛ لأن الزوج يملك استباحتها في عدتها فأشبهت الرجعية.
والثاني: يحل؛ لأنها بائن أشبهت المطلقة ثلاثاً. والمرأة كالرجل فيما يحل لها من الجواب ويحرم. والتصريح أن يقول: زوجيني نفسك إذا انقضت عدتك ونحوه، والتعريض أن يقول: إني في مثلك لراغب، ولا تسبقيني بنفسك، وما أحوجني إلى مثلك ونحوه. وتجيبه: ما يرغب عنك. وإن قضي شيء كان ونحوه.
فصل:
ومن خطب امرأة فأجيب حرم على غيره خطبتها إلا أن يأذن، أو يترك، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك» متفق عليه. وفي حديث: «أو يأذن له فيخطب» ولأن في ذلك إفساداً على أخيه، وإيقاعاً للعداوة بينهما فحرم، كبيعه على بيعه. وإن لم يسكن إليه، فلغيره خطبتها، لما روت «فاطمة بنت قيس أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت: أن معاوية وأبا جهم خطباها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، أنكحي أسامة» متفق عليه. فخطبها بعد خطبتها. وإن لم يعلم هل أجابت أم لا؟ ففيه وجهان:
أحدهما: التحريم، لعموم النهي.
والثاني: الإباحة؛ لأن الأصل عدم الإجابة المحرمة. والتعويل في الإجابة والرد عليها إن كانت غير مجبرة، وعلى وليها إن كانت مجبرة.
فصل:
النوع الثامن: الملاعنة. تحرم على الملاعن وتذكر في بابه.
النوع التاسع: الزانية، يحرم نكاحها حتى تتوب، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النور: 3] ؛ ولأنه لا يؤمن أن تلحق به ولداً من غيره، فحرم نكاحها كالمعتدة. ويحرم نكاحها في عدتها على الزاني وغيره؛ لأن ولدها لا يلحق نسبه بأحد، فيؤدي تزويجها إلى اشتباه النسب. فأما الموطوءة بشبهة، أو في نكاح فاسد، فهل يحرم؟ فظاهر كلام الخرقي تحريمها على الواطئ، لقوله في الذي تزوج امرأة في عدتها: له أن ينكحها بعد انقضاء العدتين، وذلك أنه وطء من غير ملك. أشبه الوطء المحرم. ويحتمل أن لا تحرم على الواطئ؛ لأن نسب ولدها لاحق به، فأشبهت المعتدة من النكاح.
فصل:
واختلف أصحابنا في الخنثى، المشكل. فقال أبو بكر: لا يصح نكاحه. ونص عليه أحمد رضي الله عنه في رواية الميموني؛ لأنه مشكوك في حله للرجال والنساء فلم يحل، كما لو اشتبهت الأجنبية بالأخت. وقال الخرقي: يرجع إلى قوله. فإن قال: إني رجل حل له النساء وإن قال: أنا امرأة لم ينكح إلا رجلاً؛ لأنه معنى لا يعرف إلا من جهته. وليس فيه إيجاب حق على غيره فوجب أن يقبل منه، كما يقبل