الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب مكان المعتدات]
وهن ثلاثة:
إحداهن: الرجعية، فتسكن حيث يشاء زوجها من المساكن التي تصلح لمثلها؛ لأنها تجب لحق الزوجية.
الثانية: البائن بفسخ، أو طلاق، تعتد حيث شاءت، لما «روت فاطمة بنت قيس: أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: ليس لك عليه نفقة ولا سكنى وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك. ثم قال: إن تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي في بيت ابن أم مكتوم» متفق عليه.
الثالثة: المتوفى عنها زوجها، عليها أن تعتد في منزلها الذي كانت ساكنة به، حين توفي زوجها، لما روت «فريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته أن زوجها خرج في طلب أعبد له، فقتلوه بطرف القدوم، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يتركني في مسكن أملكه، ولا نفقة، فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشرًا، فلما كان عثمان رضي الله عنه أرسل إلي فسألني عن ذلك، فأخبرته، فاتبعه وقضى به» . رواه أبو داود، والترمذي وقال: حسن صحيح.
فإن خافت هدمًا أو غرقًا أو عدوًا، أو حولها صاحب المنزل، أو لم تتمكن من سكناه إلا بأجرة، فلها الانتقال حيث شاءت؛ لأن الواجب سقط للعذر، ولم يرد الشرع له ببدل فلم يجب، وليس عليها بدل الأجرة، وإن قدرت عليها؛ لأنه إنما يلزمها فعل السكنى، لا تحصيل المسكن.
فصل:
ولا سكنى للمتوفى عنها، إذا كانت حائلًا، رواية واحدة، وإن كانت حاملًا، فعلى روايتين:
إحداهما: لا سكنى لها؛ لأن المال انتقل إلى الورثة، فلم تستحق عليهم السكنى، كما لو كانت حائلًا.
والثانية: لها السكنى، لقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة: 240] . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فريعة بنت مالك، بالاعتداد في المنزل الذي أسكنها فيه زوجها. فإذا قلنا: لا سكنى لها، فتبرع الوارث بإسكانها، أو تبرع غيره بتمكينها من السكنى في منزلها، إما بأداء أجرتها، أو غير ذلك، لزمها السكنى به. وإن لم يوجد ذلك، سكنت حيث شاءت. وإن قلنا: لها السكنى، فهي أحق بمسكنها من الورثة والغرماء، ولا يباع في دينه حتى تنقضي عدتها؛ لأنه حقها تعلق بعينه، فقدمت على سائر الغرماء، كالمرتهن. وإن تعذر ذلك المسكن، أو كان المسكن لغير الميت، استؤجر لها من مال الميت، ويضرب بقدر أجرته مع الغرماء، إن لم يف ماله بدينه، فإن كانت عدتها بالحمل، ضربت بأقل مدته؛ لأنه اليقين. فإن وضعت لأقل من ذلك، ردت الفضل على الغرماء. وإن وضعت لأكثر منه، رجعت عليهم بالنقص، كما ترد عليهم الفضل. ويحتمل أن لا ترجع عليهم بشيء؛ لأننا قدرنا ذلك لها مع تجويز الزيادة، فلم ترد عليه.
فصل:
ولهم إخراجها لطول لسانها، وأذاها لأحمائها بالسب، لقول الله تعالى:{وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: 1] . فسره ابن عباس بما ذكرنا. وإن بذئ عليها أهل زوجها، نقلوا عنها؛ لأن الضرر منهم.
فصل:
وليس لها الخروج من منزلها ليلًا، ولها الخروج نهارًا لحوائجها، لما روى مجاهد قال:«استشهد رجال يوم أحد، فجاء نساؤهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلن: يا رسول الله إنا نستوحش بالليل، أفنبيت عند إحدانا حتى إذا أصبحنا، بادرنا إلى بيوتنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحدثن عند إحداكن ما بدا لكن، فإن أردتن النوم، فلتؤب كل امرأة إلى بيتها» ، ولأن الليل مظنة الفساد، فلم يجز لها الخروج لغير ضرورة.
فصل:
وليس لها الخروج للحج؛ لأنه لا يفوت، والعدة تفوت، فإن خرجت للحج، فمات زوجها وهي قريبة، رجعت؛ لأنها في حكم الإقامة. وإن تباعدت، مضت في سفرها؛ لأن عليها في الرجوع مشقة فلم يلزمها، كما لو كان أكثر من ثلاثة أيام. قال القاضي: حج البعيد: ما تقصر فيه الصلاة؛ لأن ما دونه في حكم الحضر، وإن خافت في الرجوع، مضت في سفرها ولو كانت قريبة؛ لأن عليها ضررًا في الرجوع. وإن أحرمت بحج أو عمرة في حياة زوجها في بلدها، ثم مات وخافت فواته، مضت فيه؛ لأنه أسبق. فإذا استويا في خوف الفوت، كان أحق بالتقديم. وإن لم تخف فوته، مضت في العدة في منزلها؛ لأنه أمكن الجمع بين الواجبين، فلزمها ذلك. وإن أحرمت بعد موته، لزمتها الإقامة؛ لأن العدة أسبق.
فصل:
إذا أذن لها في السفر لغير نقلة، فخرجت، ثم مات، فحكمه حكم الخروج للحج سواء. وإن كان لنقلة فمات بعد مفارقة البنيان، فهي مخيرة بين البلدين؛ لأنه ليس واحد منهما مسكنًا لها، لخروجها منتقلة عن الأول، وعدم وصولها إلى الثاني. ويحتمل أن يلزمها المضي إلى الثاني؛ لأنها مأمورة بالإقامة والسكنى، والأول بخلافه، وهذا ضعيف جدًا؛ لأن فيه إلزامها السفر مع مشقته، ومؤنته، وإبعادها عن أهلها ووطنها، وربما لم يكن لها محرم سوى زوجها الذي مات، وسفرها بغير محرم حرام، ولا يحصل من سفرها فائدة، ولا حكمة؛ لأن حكمة الاعتداد في منزلها، سترها، وصيانتها لزوم منزلها، وسفرها تبذيل لها وإبراز لها، فهو محصل لضد المقصود، سيما إذا لم يكن معها من يحفظها، ومقامها في البلد الذي يسافر إليه عند الغرباء بين غير أهلها في غير مسكنه، أشد لهلكتها، ثم تحتاج إلى الرجوع وكلفته، وهذا فيه من القبح ما يصان الشرع منه، والله أعلم. وإن وجبت العدة بعد وصولها إلى مقصدها وسفرها لنقلة، لزمها الإقامة به، وتعتد؛ لأنه صار كالوطن الذي تجب العدة فيه. وإن كان لقضاء حاجة، فلها الإقامة إلى أن تقضي حاجتها. وإن كان لزيارة، أو نزهة وقد قدر لها مدة الإقامة، أقامت ما قدر لها؛ لأنه مأذون فيه. وإن لم يقدر لها مدة، فلها إقامة ثلاثة أيام؛ لأنه لم يأذن لها في المقام على الدوام. ثم إن علمت أنه لا يمكنها الوصول قبل فراغ عدتها، لم يلزمها