الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأن اللعان بني على التغليظ، للردع والزجر، وفعله في الجماعة أبلغ في ذلك.
والثالث: أن يعظهما الحاكم بعد الرابعة ويخوفهما، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس.
والرابع: أن يضع رجل يده على فيّ الملاعن بعد الرابعة، يمنعه المبادرة إلى الخامسة، إلى أن يعظه الحاكم، ثم يرسلها، وتفعل امرأة بالملاعنة بعد رابعتها كذلك، لما روى ابن عباس في خبر المتلاعنين قال:«فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، ثم أمر به فأمسك على فيه، فوعظه وقال: ويحك كل شيء أهون عليك من لعنة الله، ثم أرسل فقال: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم دعا بها فقرأ عليها، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، ثم أمر بها فأمسك على فيها فوعظها، وقال: ويلك كل شيء أهون عليك من غضب الله» . أخرجه الجوزجاني.
فصل:
ولا يسن التغليظ بزمن ولا مكان؛ لأنه لم يرد به أثر، ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما دل الحديث على أن لعانهما كان في صدر النهار، لقوله في الحديث: فلم يهجه حتى أصبح، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث. والغدو إنما يكون أول النهار. وقال أبو الخطاب: يستحب التغليظ بهما، فيتلاعنان بعد العصر، لقول الله تعالى:{تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [المائدة: 106] يعني: بعد العصر، ويكون في الأماكن الشريفة عند المنابر في الجامع، إلا في مكة بين الركن والمقام، وفي المسجد الأقصى عند الصخرة؛ لأنه أبلغ في الردع والزجر، ولله الحمد والمنة.
[باب ما يوجب اللعان من الأحكام]
. وهي أربعة أحكام:
أحدها: سقوط الحد، أو التعزير الذي أوجبه القذف؛ لأن هلال بن أمية قال: والله لا يعذبني الله عليها، كما لم يجلدني عليها، ولأن شهادته أقيمت مقام بينة مسقطة للحد، كذلك لعانه، ويحصل هذا بمجرد لعانه كذلك. وإن نكل عن اللعان، أو عن
تمامه، فعليه الحد. فإن ضرب بعضه، ثم قال: أنا ألاعن، سمع ذلك منه؛ لأن ما أسقط جميع الحد، أسقط بعضه، كالبينة. ولو نكلت المرأة عن الملاعنة ثم بذلتها، سمعت منها كالرجل. وإن قذف امرأته برجل سماه، سقط حكم قذفه بلعانه، وإن لم يذكره فيه؛ لأن هلال بن أمية قذف زوجته بشريك بن سحماء، ولم يذكره في لعانه، ولم يحده النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عزره له. ولأن اللعان بينة في أحد الطرفين، فكان بينة في الآخر كالشهادة. وقال أبو الخطاب: يلاعن، لإسقاط الحد لها وللمسمى.
فصل:
الحكم الثاني: نفي الولد. وينتفي عنه بلعانه على ما ذكرناه لما ذكرنا من الحديث فيه، ولأنه أحد مقصودي اللعان، فيثبت به كإسقاط الحد.
فصل:
فإن نفى الحمل في لعانه، فقال الخرقي: لا ينتفي حتى ينفيه بعد وضعها له، ويلاعن؛ لأن الحمل غير متيقن، يحتمل أن يكون ريحاً فيصير اللعان مشروطاً بوجوده، ولا يجوز تعليقه على شرط، وظاهر كلام أبي بكر صحة نفيه، لظاهر حديث هلال بن أمية، فإن لاعنها قبل الوضع، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أنظروها فإن جاءت به كذا وكذا» ونفى عنه الولد، ولأن الحمل تثبت أحكامه قبل الوضع من وجوب النفقة والمسكن، ونفي طلاق البدعة، ووجوب الاعتداد به، وغير ذلك، فكان كالمتيقن.
فصل:
فإن ولدت توأمين، فنفى أحدهما واستلحق الآخر لحقاه جميعاً؛ لأنه لا يمكن جعل أحدهما من رجل، والآخر من غيره، والنسب يحتاط لإثباته، لا لنفيه. وإن نفى أحدهما وترك الآخر، ألحقناهما به جميعاً كذلك.
فصل:
وإن أقر بالولد، أو هنأ به فسكت أو أمن على الدعاء، أو دعا لمن هنأه به، لزمه نسبه، ولم يملك نفيه؛ لأن هذا جواب الراضي به، وكذلك إن علم فسكت، لحقه؛ لأنه خيار لدفع ضرر متحقق، فكان على الفور، كخيار الشفعة. وهل يتقدر بالمجلس، أو يكون عقيب الإمكان؟ على وجهين: بناء على خيار الشفعة. وإن أخره
لعذر، كأداء صلاة حضرت، أو أكل لدفع الجوع، وأشباه هذا من أشغاله، أو للجهل بأن له نفيه، أو بوجوب نفيه على الفور، لم يبطل خياره؛ لأن العادة جارية بتقديم هذه الأمور، والجاهل معذور. وإن ادعى الجهل بذلك قبل منه؛ لأن هذا مما يخفى، إلا أن يكون فقيهاً، فلا يقبل منه؛ لأنه في مظنة العلم.
وإذا أخره لعذر مدة يسيرة، لم يحتج أن يشهد على نفسه، وإن طالت، أشهد على نفسه بنفيه، كالطلب بالشفعة. وإن قال: لم أصدق المخبر وكان الخبر مستفيضاً، أو المخبر مشهور العدالة، لم يقبل قوله.
وإن لم يكن كذلك، قبل. وإن أخر نفي الحمل، لم يسقط نفيه؛ لأنه غير مستحق، وإن استلحقه، لم يلحقه كذلك، إلا على قول أبي بكر. وإن ادعى أنه لم يعلم بالولادة، وأمكن صدقه، فالقول قوله، وإلا فلا. وإن أخر نفيه رجاء موته، ليكفى أمر اللعان، سقط حقه من النفي.
فصل:
الحكم الثالث: الفرقة، وفيها روايتان:
إحداهما: لا تحصل حتى يفرق الحاكم بينهما، لقول ابن عباس في حديثه: ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما. وفي حديث عويمر: «أنه قذف زوجته، فتلاعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم» . متفق عليه. فدل على أن الفرقة لم تحصل بمجرد اللعان. فعلى هذا، إن طلقها قبل التفريق، لحقها طلاقه، وللحاكم أن يفرق بينهما من غير طلب ذلك منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما من غير استئذانهما، وعليه أن يفرق بينهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما.
والثانية: تحصل الفرقة بمجرد لعانهما؛ لأنه معنى يقتضي التحريم المؤبد، فلم يقف على تفريق الحاكم، كالرضاع. ولأن الفرقة لو وقفت على تفريق الحاكم، لساغ ترك التفريق إذا لم يرضيا به، كالتفريق للعيب، والإعسار، وتفريق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما بمعنى: أنه أعلمهما بحصول الفرقة باللعان. وعلى كلتا الروايتين، ففرقة اللعان فسخ؛ لأنها فرقة توجب تحريما مؤبداً، فكانت فسخاً، كفرقة الرضاع.
فصل:
الحكم الرابع: التحريم المؤبد يثبت، لما روى سهل بن سعد قال: «مضت السنة
في المتلاعنين، أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبداً» . رواه الجوزجاني. ولأنه تحريم لا يرتفع قبل الجلد والتكذيب، فلم يرتفع بهما، كتحريم الرضاع. وقد روى عنه حنبل: أنه إذا أكذب نفسه عاد فراشه كما كان وهذه الرواية شذ بها عن سائر أصحابه.
قال أبو بكر: والعمل على الأول. وإن لاعنها في نكاح فاسد، أو بعد البينونة لنفي نسب، ثبت التحريم المؤبد؛ لأنه لعان صحيح، فأثبت التحريم، كاللعان في النكاح الصحيح. ويحتمل أنه لا يثبت التحريم؛ لأنه لم يرفع فراشاً، فلم يثبت تحريماً، كغير اللعان.
ولو لاعنها في نكاح صحيح وهي أمة، ثم اشتراها، لم تحل له؛ لأنه وجد ما يحرمها على التأبيد، فلم يرتفع بالشراء، كالرضاع.
فصل:
ولا تثبت هذه الأحكام إلا بكمال اللعان، إلا سقوط الحد وما قام مقامه، فإنه يسقط بمجرد لعانه. فإن مات أحدهما قبل كماله منهما، فقد مات على الزوجية؛ لأن الفرقة لم تحصل بكمال اللعان، ويرثه صاحبه كذلك، ويثبت النسب؛ لأنه لم يوجد ما يسقطه.
فإن كان الميت الزوج، فلا شيء على المرأة. وإن ماتت المرأة قبل لعان الزوج، وطلبها بالحد، فلا لعان؛ لأن الحد لا يورث. وإن ماتت بعد طلبها، قام وارثها مقامها في المطالبة، وله اللعان لإسقاط الحد.
فصل:
وإن أكذب نفسه بعد كمال اللعان، لزمه الحد إن كانت محصنة، والتعزير إن كانت غير محصنة، ويلحقه النسب؛ لأنهما حق عليه، فيلزمانه بإقراره بهما، ولا يعود الفراش، ولا يرتفع التحريم المؤبد؛ لأنهما حق له، فلا يعودان بتكذيبه.
فصل:
فإن لاعن الزوج ونكلت المرأة عن اللعان، فلا حد عليها؛ لأن زناها لم يثبت، فإنه لو ثبت زناها بلعان الزوج، لم يسمع لعانها، كما لو قامت به البينة، ولا يثبت بنكولها؛ لأن الحد لا يقضى فيه بالنكول؛ لأنه يدرأ بالشبهات، والشبهة متمكنة منه، ولكن تحبس حتى تلتعن، أو تقر.
قال أحمد: أجبرها على اللعان، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور: 8] فإن لم تشهد، وجب أن لا يدرأ عنها العذاب وعنه: يخلى سبيلها، وهو اختيار أبي بكر؛ لأنه لم يثبت عليها ما يوجب الحد، فيخلى سبيلها، كما لو لم تكمل البينة. وإن صدقته فيما قذفها به، لم يلزمها الحد حتى تقر أربع مرات؛ لأن الحد لا يثبت بدون إقرار أربع، على ما