المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب ما يستقر به الصداق وما لا يستقر وحكم التراجع] - الكافي في فقه الإمام أحمد - جـ ٣

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب النكاح]

- ‌[باب شرائط النكاح]

- ‌[باب ما يحرم من النكاح]

- ‌[باب الشروط في النكاح]

- ‌[باب الخيار في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[كتاب الصداق]

- ‌[باب ما يستقر به الصداق وما لا يستقر وحكم التراجع]

- ‌[باب الحكم في المفوضة]

- ‌[باب اختلاف الزوجين في الصداق]

- ‌[باب الوليمة]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[باب القسم بين النساء]

- ‌[باب النشوز]

- ‌[كتاب الخلع]

- ‌[فصل في حكم الخلع]

- ‌[فصل في ألفاظ الخلع]

- ‌[فصل في بيان عوض الخلع]

- ‌[فصل في التوكيل في الخلع]

- ‌[فصل في اختلاف الزوجين في الخلع]

- ‌[كتاب الطلاق]

- ‌[باب صريح الطلاق وكنايته]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[باب ما يختلف به حكم المدخول بها وغيرها]

- ‌[باب الاستثناء في الطلاق]

- ‌[باب الشروط في الطلاق]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[كتاب الرجعة]

- ‌[فصل في ألفاظ الرجعة]

- ‌[كتاب الإيلاء]

- ‌[فصل في شروط صحة الإيلاء]

- ‌[فصل في حكم تعليق الإيلاء على شرط]

- ‌[كتاب الظهار]

- ‌[فصل في حكم تأقيت الظهار]

- ‌[باب كفارة الظهار]

- ‌[فصل في شروط الرقبة في كفارة الظهار]

- ‌[فصل الصيام في كفارة الظهار]

- ‌[فصل الإطعام في كفارة الظهار]

- ‌[كتاب اللعان]

- ‌[فصل في شروط المتلاعنين]

- ‌[باب صفة اللعان]

- ‌[فصل في شروط صحة اللعان]

- ‌[فصل ما يسن في اللعان]

- ‌[باب ما يوجب اللعان من الأحكام]

- ‌[باب ما يلحق من النسب وما لا يلحق]

- ‌[كتاب العدد]

- ‌[باب اجتماع العدتين]

- ‌[باب مكان المعتدات]

- ‌[باب الإحداد]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌[كتاب الرضاع]

- ‌[كتاب النفقات]

- ‌[باب نفقة المعتدة]

- ‌[باب قدر النفقة]

- ‌[باب قطع النفقة]

- ‌[باب نفقة الأقارب]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[باب نفقة المماليك]

- ‌[كتاب الجنايات]

- ‌[باب جنايات العمد الموجبة للقصاص]

- ‌[باب القصاص فيما دون النفس]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

الفصل: ‌[باب ما يستقر به الصداق وما لا يستقر وحكم التراجع]

[باب ما يستقر به الصداق وما لا يستقر وحكم التراجع]

باب ما يستقر به الصداق وما لا يستقر

وحكم التراجع يستقر الصداق بثلاثة أمور:

أحدها: الخلوة بعد العقد، لما روى الإمام أحمد بإسناده عن زرارة بن أوفى، قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون، أن من أغلق بابا، أو أرخى سترا، فقد وجب المهر، ووجبت العدة، وهذه قضايا اشتهرت، فلم تنكر، فكانت إجماعا؛ ولأنها سلمت نفسها التسليم الواجب عليها، فاستقر صداقها، كما لو وطئها. فإن كانت صغيرة لا يمكن وطؤها، أو الزوج صغيرا، أو أعمى لا يعلم دخوله عليها، لم يكمل صداقها؛ لأنه لم يحصل التمكين. وكذلك إن نشزت عليه فمنعته وطأها، لم يكمل صداقها لذلك، ذكره ابن حامد. وإن كان بهما عذر كالإحرام، والصيام الواجب، والمرض. أو بأحدهما، كالحيض والنفاس، والرتق، والجب، والعنة، ففيه ثلاث روايات:

إحداهن: يستقر الصداق؛ لعموم ما ذكرنا؛ ولأن التسليم المستحق قد وجد، والمنع من غير جهتها، فلم يؤثر في المهر، كما لم يؤثر في إسقاط النفقة.

والثانية: لا يستقر؛ لأنه لا يتمكن من تسليمها، فلم يستقر مهرها، كما لو منعت نفسها.

والثالثة: إن كان المانع هو صوم رمضان، لم يكمل الصداق، وفي معناه ما يحرم دواعي الوطء كالإحرام، وما لا يمنع دواعي الوطء، كسائر الموانع لا يمنع استقرار الصداق.

فصل:

والثاني: الوطء يستقر به الصداق وإن كان في غير خلوة؛ لأنه قد وجد استيفاء المقصود، فاستقر العوض، كما لو اشترى طعاما فأكله، وإن استمتع بغير الوطء كقبلة، أو مباشرة دون الفرج، أو نال منها ما لا يحل لغيره، كالنظر إليها عريانة، فقال أحمد: يكمل الصداق به؛ لأنه نوع استمتاع، أشبه الوطء. وقال القاضي: هذا على الرواية التي يثبت بها تحريم المصاهرة، ولا يكمل به الصداق على الرواية الأخرى؛ لأنه لا يحرم المصاهرة، فلم يقرر الصداق، كرؤية الوجه.

فصل:

الثالث: موت أحد الزوجين قبل الدخول يقرر الصداق، سواء مات حتف أنفه، أو قتل نفسه، أو قتل غيره، لما روى معقل بن سنان، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في بروع

ص: 65

بنت واشق، وكان زوجها مات ولم يدخل بها، ولم يفرض لها صداقا، فجعل لها مهر نسائها، لا وكس ولا شطط» . رواه أحمد وأصحاب السنن، وصححه الترمذي؛ ولأنه عقد عمر، فبموت أحدهما ينتهي به فيستقر به العوض، كانتهاء الإجارة.

ومتى استقر الصداق، لم يسقط منه شيء بانفساخ النكاح ولا بغيره.

فصل: وإن افترقا قبل استقراره، لم يخل من أربعة أقسام:

أحدها: أن يكون بسبب من المرأة، كردتها، وإسلامها، وإرضاعها من ينفسخ النكاح بإرضاعه، وفسخها لعيب الزوج، أو إعساره، فيسقط مهرها؛ لأنها أتلفت المعوض قبل التسليم فسقط العوض، كما لو أتلف المبيع قبل تسليمه. وفي معناه فسخ الزوج لعيبها، لما مضى في موضعه.

الثاني: أن يكون بسبب من الزوج، كطلاقه وخلعه وإسلامه وردته، واستمتاعه بأم زوجته أو بنتها، فيسقط نصف المسمى، ويجب نصفه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وقسنا عليه سائر ما استقل به الزوج؛ لأنه في معناه. وعن أحمد: أنه إذا أسلم لا مهر عليه؛ لأنه فعل الواجب عليه، وحصلت الفرقة بامتناعها من موافقته على الواجب، فكان من جهتها. والأول المذهب؛ لأن فسخ النكاح، لاختلاف الدين، وذلك حاصل بإسلامه، وإنما ينصف المهر بالخلع؛ لأن المغلب فيه جانب الزوج، بدليل أنه يصح به دونها، وهو خلعه مع أجنبي، فصار كالمنفرد به.

الثالث: افترقا بسبب من أجنبي، كرضاع أو غيره فيجب نصف المهر؛ لأنه لا جناية منها تسقط مهرها، ويرجع الزوج بما لزمه على الفاعل؛ لأنه قرره عليه.

الرابع: افترقا بسبب منهما، كشرائها لزوجها ولعانهما، ففيه روايتان. وإن اشتراها زوجها ففيه وجهان:

أحدهما: يسقط الصداق؛ لأنها شاركت في الفسخ فسقط مهرها، كالفسخ بعيب.

ص: 66

والثاني: يتنصف؛ لأن للزوج فيه اختيارا، أشبه الخلع.

فصل:

ومتى سقط المهر، أو نصفه بعد تسليمه إليها، فله الرجوع عليها، ولا يخلو، إما أن يكون تالفا، أو غير تالف، فإن كان تالفا، رجع مثله إن كان مثليا، أو بقيمته إن لم يكن مثليا أقل ما كانت من حين العقد، إلى حين القبض، أو التمكين منه؛ لأنه إن زاد بعد العقد، فالزيادة لها، وإن نقص، فالنقص عليه، فلم يرجع بما هو عليه، وإن كان باقيا، لم يخل من خمسة أحوال:

أحدها: أن يكون باقيا بحاله لم يتغير، ولم يتعلق به حق غيرها، فإن الزوج يرجع فيه، ويدخل في ملكه حكما، وإن لم يجز ذلك كالميراث في قياس المذهب؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] . فعلق تنصيفه بالطلاق وحده، فيجب أن يتنصف به، ويحتمل أن لا يملكه إلا باختياره؛ لأن الإنسان لا يملك شيئا بغير اختياره إلا بالميراث، فعلى هذا الوجه إن زاد بعد الطلاق وقبل الاختيار، فهو للزوجة؛ لأن ملكها لم يزل عنه، فنماؤه لها، وعلى الأول نماء نصيب الزوج له؛ لأنه نماء ملكه، فإذا قال: قد رجعت فيه، أو اخترته، ثبت الملك فيه على الوجهين. وإن نقص في يدها بعد ثبوت ملكه عليه، وكانت قد منعته منه، فعليها ضمان نقصه؛ لأن يدها عادية، فتضمن، كالغاصبة. وإن لم تمنعه، ففيه وجهان. أصلهما، الزوج إذا تلف الصداق المعين في يده قبل مطالبتها به، قال الزوج: نقص قبل الطلاق فهو من ضمانك، فأنكرته، فالقول قولها؛ لأن الأصل السلامة.

فصل:

الحال الثاني: أن تجده ناقصا، كعبد مرض أو نسي صناعته، أو كبر كبرا ينقص قيمته، فالزوج بالخيار بين أخذه ناقصا؛ لأنه يرضى بدون حقه وبين تركه، ومطالبتها بقيمته، أو نصفها يوم وقع العقد عليه؛ لأن النقص حدث في ملكها، فكان من ضمانها.

فصل:

الحال الثالث: أن تجده زائدا، فلا تخلو، إما أن تكون الزيادة منفصلة، كالولد والثمرة واللبن والكسب ونحو ذلك، فله نصف الأصل، والزيادة لها؛ لأنها زيادة متميزة حادثة من ملكها، فلم تتبع الأصل في الرد، كما في الرد بالعيب، وإما أن تكون متصلة، كالسمن والكبر والحمل في البطن، والثمرة على الشجرة، وتعلم صناعة، أو كتابة ونحو

ص: 67

ذلك، فالمرأة مخيرة بين دفع النصف زائدا، فيلزمه قبوله؛ لأنه نصف المفروض مع زيادة لا تتميز، وبين دفع قيمة حقه يوم وقع العقد عليه؛ لأن حقه في نصف الفرض، والزائد ليس بمفروض، فوجب أخذ البدل، إلا أن يكون محجورا عليها لسفه أو فلس أو صغر، فليس له إلا نصف القيمة؛ لأن الزيادة لها، وليس لها التبرع بما لا يجب عليها. وإن كانت مفلسة، كان غريما بالقيمة. وإن بذلت له أخذ نصف الشجر دون الثمر، لم يلزمه؛ لأن عليه ضررا في بقاء الثمر عليها، فلم يلزمه. وإن قال الزوج: أنا أرجع في نصف الشجر، وأترك الثمر عليه، أو أترك الرجوع حتى تجذي ثمرتك ثم أرجع، ففيه وجهان:

أحدهما: لا تجبر على قبوله؛ لأن الحق انتقل من العين، فلم يعد إليها إلا بتراضيهما.

والثانية: تجبر عليه؛ لأنه لا ضرر عليها، فلزمها كما لو وجدها ناقصة فرضي بها، وإن أصدقها أرضا فزرعتها، فحكمها حكم الشجر إذا أثمر سواء. في قول القاضي، وقال غيره: يفارق الزرع الثمرة في أنها إذا بذلت نصف الأرض مع نصف الزرع، لم يلزمه قبوله؛ لأن الزرع ينقص الأرض ويضعفها؛ ولأنه ملكها أودعته في الأرض، بخلاف الثمرة. وإن أصدقها أرضا فبنتها، أو ثوبا فصبغته، فحكمها حكم الأرض المزروعة. فإن بذل الزوج لها نصف قيمة البناء والصبغ لتملكه، فقال الخرقي: يلزمها قبوله، ويصير له نصف الجميع؛ لأن الأرض له، وفيها بناء لغيره بني بحق، فكان له تملكه بالقيمة، كالشفيع والمعير. وقال القاضي: لا يملكه؛ لأن بيع البناء معاوضة، فلا تجبر عليها، كما لو بذل نصف قيمة الثمرة ليملك نصف الشجر.

فصل:

الحال الرابع: وجده زائدا من وجه ناقصا من وجه، كعبد تعلم صناعة ومرض، أو خشب شقته دفوفا، أو حلي كسرته ثم صاغته على غير ما كان، أو جارية حملت، فإن الحمل نقص في الآدمية من وجه، وزيادة من وجه، بخلاف حمل البهيمة فإنه زيادة محضة، فهو كسمنها، فإذا تراضيا على أخذ نصفه، جاز؛ لأن الحق لهما، وأيهما امتنع من ذلك، لم يجبر عليه؛ لأن عليه ضررا.

الحال الخامس: أن يتعلق به حق غيرهما، وهو ثلاثة أنواع:

أحدها: ما يزيل ملكها كبيع العين، وهبتها المقبوضة وعتقها ووقفها، فحكم ذلك حكم تلفها، فإن عادت العين إلى ملكها ثم طلقها، فله الرجوع في نصفها؛ لعدم المانع منه، وفي معنى ذلك العقد اللازم المراد لإزالة الملك، كالرهن والكتابة.

ص: 68

النوع الثاني: ما ليس بلازم، كالهبة قبل القبض، والوصية قبل الموت والتدبير، فله الرجوع في نصفها؛ لأنه حق غير لازم فأشبه الشركة.

النوع الثالث: ما لا يزيل الملك، كالنكاح والإجارة، فيخير بين الرجوع في نصفها مع بقاء النكاح والإجارة، وبين الرجوع بنصف القيمة؛ لأنه نقص رضي به، فأشبه نقصها بهزالها.

فصل:

فإن كان الصداق عينا، فوهبتها لزوجها، ثم طلقها قبل الدخول، ففيه روايتان:

إحداهما: يرجع عليها بنصفه؛ لأنه دعا إليه بعقد مستأنف، فلم يمنع استحقاق نصفه بالطلاق، كما لو وهبته أجنبيا، ثم وهبه الأجنبي للزوج.

والثانية: لا يرجع عليها بشيء؛ لأن نصف الصداق تعجل له بالهبة. وإن كان دينا فأبرأته منه ثم طلقها، وقلنا: لا يرجع ثَمَّ، فهاهنا أولى. وإن قلنا: يرجع ثم، خرج هاهنا وجهان:

أحدهما: يرجع؛ لأنه عاد إليه بغير الطلاق، فأشبه العين.

والثاني: لا يرجع؛ لأن الإبراء إسقاط وليس بتمليك. وإن أصدقها عينا، فوهبتها له، أو دينا، فأبرأته منه، ثم ارتدت قبل الدخول، ففي رجوعه به عليها وجهان، بناء على الرجوع في النصف بالطلاق. وإن باع رجلا عبدا، أو أبرأه من ثمنه، فوجد به المشتري عيبا فرده، وطالبه بثمنه، أو أمسكه وأراد أرشه، فهل له ذلك؟ على وجهين، بناء على الروايتين في الصداق. وإن أصدقها عبدا فوهبته نصفه، ثم طلقها قبل الدخول انبنى على الروايتين. فإن قلنا: إذا وهبته الكل لا يرجع بشيء، رجع هاهنا في نصف الباقي من العبد. وإن قلنا: يرجع ثم، رجع في النصف الباقي جميعه.

فصل:

والزوج هو الذي بيده عقد النكاح؛ فإذا طلق قبل الدخول، فأي الزوجين عفا لصاحبه عما وجب له من المهر وهو حائز الأمر في ماله، برئ منه صاحبه، وكمل له الصداق جميعه. وعنه: ما يدل على أن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب، فيصح عفوه عن نصف مهر ابنته البكر التي لم تبلغ إذا طلقت قبل الدخول؛ لأن الذي بيده عقدة النكاح بعد الطلاق هو الولي؛ ولأن الله خاطب الأزواج بخطاب المواجهة، ثم قال تعالى:{أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] وهذا خطاب غائب، فاعتبرنا هذه

ص: 69