الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيدها، وما أشبهه، وقياس المذهب، أنه إن وجدت قرينة صارفة إلى الظهار، مثل أن يخرجه مخرج اليمين، كقوله: إن خرجت من الدار، فأنت عندي كأمي، وشبهه، فهو ظهار؛ لأن القرينة صارفة إليه، وإلا لم يكن ظهاراً، لتردد الاحتمالات فيه. وإن قال: أنت حرام كأمي، فهو صريح في الظهار؛ لأنه لا يحتمل سوى التحريم.
فصل:
وإن قال: أنت طالق كظهر أمي، طلقت، ولم يكن ظهاراً؛ لأنه أوقع الطلاق صريحاً، فوقع، وبقي قوله: كظهر أمي، غير متعلق بشيء، فلم يقع. فإن نوى به الطلاق والظهار معاً، فهو ظهار وطلاق. وإن نوى بقوله: أنت طالق: الظهار، لم يكن ظهاراً؛ لأنه صريح في موجبه، فلم ينصرف إلى غيره بالنية، كما لو نوى بقوله: أنت علي كظهر أمي، الطلاق.
[فصل في حكم تأقيت الظهار]
فصل:
ويصح الظهار مؤقتاً، كقوله: أنت علي كظهر أمي شهراً، لما روى سلمة بن صخر قال:«ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ شهر رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة، إذ انكشف منها شيء، فلم ألبث أن نزوت عليها، فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته الخبر، فقال: حرر رقبة» رواه أبو داود.
ولأنه يمين مكفرة صح توقيتها، كاليمين بالله تعالى. فإذا مضى الوقت، مضى حكم الظهار. ويجوز تعليقه بشرط، كدخول الدار لذلك، فإذا وجد الشرط، ثبت حكم الظهار، وإن قال: أنت علي كظهر أمي إن شاء الله، لم يصر مظاهراً لما ذكرناه.
فصل:
وإذا قالت المرأة لزوجها: أنت علي كظهر أبي، لم تكن مظاهرة؛ لقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 3] فعلقه على الزوج؛ ولأنه قول يوجب تحريم الزوجة، يملك الزوج رفعه، فاختص الرجل، كالطلاق. وفي وجوب الكفارة ثلاث روايات:
إحداهن: عليها كفارة الظهار، لما روى إبراهيم أن عائشة بنت طلحة قالت: إن تزوجت مصعب بن الزبير، فهو علي كظهر أبي، فسألت أهل المدينة، فرأوا: أن عليها
الكفارة. رواه الأثرم؛ ولأنها أتت بالمنكر من القول والزور بهذا اللفظ، فلزمتها كفارة الظهار، كالرجل.
والثانية: لا شيء عليها؛ لأنه تشبيه غير ظهار، فلم يوجب الكفارة، كقولها: أنت علي كظهر البهيمة.
والثالثة: عليها كفارة يمين، أومأ إليها بقوله: قد ذهب عطاء مذهباً، جعلها بمنزلة من حرم على نفسه شيئاً من الطعام، وهذا أقيس في مذهبه؛ لأنه تحريم لحلال غير الزوجة، فأوجب كفارة يمين، كتحريم الأمة، وعليها التمكين قبل الكفارة؛ لأنه حق عليها، فلا يسقط بيمينها، ولأنه قول غير الظهار، موجب للكفارة، فأشبه اليمين بالله تعالى.
فصل:
وإذا صح الظهار، ووجد العود، وجبت الكفارة؛ لقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] والعود: هو الوطء في ظاهر كلام أحمد والخرقي. قال أحمد: العود: هو الغشيان؛ لأن العود في القول فعل ضد ما قال، كما أن العود في الهبة، هو استرجاع ما وهب، فالمظاهر: منع نفسه غشيانها، فعوده في قوله: غشيانها.
وقال القاضي وأصحابه: العود: العزم على الوطء؛ لأن الله تعالى أمر بالتكفير عقيب العود قبل التَّماس بقوله سبحانه: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وعلى كلا القولين لا يحل له الوطء قبل التكفير؛ لقوله سبحانه: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] فإن وطئ قبله، أثم، واستقرت الكفارة عليه، ولم يجب عليه أكثر منها؛ لحديث سلمة حين وطئ، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من كفارة، وتحريمها باق حتى يكفر، لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسلمة: ما حملك على ما صنعت؟ قال رأيت بياض ساقها في القمر. قال: فاعتزلها حتى تكفر» .
وأما قبل الوطء، فلا كفارة عليه. وإنما أمر بها لكونها شرطاً لحل الوطء، كاستبراء الأمة المشتراة. فإن فات الوطء بموت أحدهما، أو فرقتهما، فلا كفارة عليه لذلك. وإن عاد فتزوجها، لم تحل له، حتى يكفر. وقال أبو الخطاب: إن كانت الفرقة
بعد العزم، فعليه الكفارة. وهذا مقتضى قول من وافقه. وقد صرح أحمد بإنكاره، وكذلك قال القاضي: لا كفارة عليه.
فصل:
وفي التلذذ بالمظاهر منها قبل التكفير بما دون الجماع، كالقبلة، واللمس، روايتان:
إحداهما: يحرم؛ لأن ما حرم الوطء من القول، حرم دواعيه، كالطلاق.
والثانية: لا تحرم؛ لأنه تحريم يتعلق بالوطء، فيه كفارة، فلم يتجاوز الوطء، كتحريم الحيض؛ ولأن المسيس هنا كناية عن الوطء، فيقتصر عليه.
فصل:
وإذا ظاهر من أربع نسوة بأربع كلمات، فعليه لكل واحدة كفارة؛ لأنها أربع أيمان في محالّ مختلفة، فأشبه ما لو وجدت في أربعة أنكحة. قال ابن حامد والقاضي: هذا المذهب رواية واحدة.
وقال أبو بكر: فيه رواية أخرى: يجزئه كفارة واحدة؛ لأن ذلك يروى عن عمر رضي الله عنه؛ ولأن الكفارة حق الله تعالى، فلم تتكرر بتكرر سببها كالحد.
وإن ظاهر منهن بكلمة واحدة، فكفارة واحدة، رواية واحدة، لما روى ابن عباس: أن عمر سئل عن رجل ظاهر من نسوة، فقال: يجزئه كفارة واحدة؛ ولأنها يمين واحدة فلم توجب أكثر من كفارة، كاليمين بالله تعالى.
وإن ظاهر من امرأة مراراً ولم يكفر، فكفارة واحدة في ظاهر المذهب؛ لأن اليمين الثانية لم تؤثر تحريماً في الزوجة، فلم يجب بها كفارة الظهار، كاليمين بالله.
وعن أحمد: ما يدل على أنه إن نوى بالثانية الاستئناف، وجب بها كفارة ثانية؛ لأنه قول يوجب تحريماً في الزوجة، فإذا نوى به الاستئناف، تعلق به حكم، كالطلاق، والمذهب الأول.
فأما إن كفر عن الأولى، فعليه للثانية كفارة واحدة رواية واحدة؛ لأنها أثبتت في المحل تحريماً، أشبهت الأولى. وإن قال: كل امرأة أتزوجها، فهي علي كظهر أمي، ثم تزوج نساء في عقد واحد، فكفارة واحدة.
وإن تزوجهن في عقود، فكذلك في إحدى الروايتين؛ لأنها يمين واحدة. والأخرى: لكل عقد كفارة. فلو تزوج امرأتين في عقد، وأخرى في عقد، لزمته كفارتان؛ لأن لكل عقد حكم نفسه، فتعلق بالثاني كفارة، كالأول.
فصل:
وإن ظاهر من زوجته الأمة، ثم ملكها، فقال الخرقي: لا يطؤها حتى يكفر، يعني: كفارة الظهار؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] .