الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرابع: الحاكم إذا حكم عليه بما يوجب قتله ظلمًا متعمدًا، فقتل، فعليه القصاص لذلك، وكذلك الولي الذي أمر بقتله، إذا أقر أنه علم براءته وأمر بقتله ظلمًا.
[باب القصاص فيما دون النفس]
يجب القصاص فيما دون النفس بالإجماع لقول الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] . وروى أنس أن «الربيع بنت النضر كسرت ثنية جارية، فعرضوا عليهم الأرش، فأبوا إلا القصاص، فجاء أخوها أنس بن النضر فقال: يا رسول الله. تكسر ثنية الربيع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كتاب الله القصاص. فعفا القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره» أخرجه البخاري ومسلم ولأن ما دون النفس، كالنفس في الحاجة إلى الحفظ، فكان، كالنفس في القصاص.
فصل:
ومن لا يقاد بغيره في النفس، لا يقاد به فيما دونها بغير خلاف، ومن يقاد به في النفس يقاد به فيما دونها. وعنه: لا قصاص بين العبيد في الأطراف؛ لأنها أموال. والمذهب: الأول لأن ما دون النفس كالنفس في وجوب القصاص، فكان كالنفس فيما ذكرنا.
فصل:
وإن اشترك جماعة في إبانة عضو دفعة واحدة، مثل أن يتحاملوا على الحديدة تحاملًا واحدًا حتى يبينوا يده، فعلى جميعهم القصاص، لحديث علي رضي الله عنه، ولأنه أحد نوعي القصاص، فيؤخذ فيه الجماعة بالواحد، كالنفس. وإن تفرقت جناياتهم، بأن قطع كل واحد من جانب، أو قطع واحد، وأتمه آخر، أو قطعا بمنشار يمده كل واحد مرة، فلا قصاص؛ لأن فعل كل واحد في بعض العضو، فلم يجز أخذ جميع عضوه، كما لو لم يقطع الآخر. وعنه: لا يؤخذ طرف الجماعة بواحد، كما ذكرنا في النفوس ولأن ذلك مما يجب في النفوس للزجر كي لا يتخذ الاشتراك وسيلة إلى
إسقاط القصاص، ولا يوجد ذلك في الأطراف، لندرة الحالة التي يمكن إيجاب القصاص بها.
فصل:
والقصاص فيما دون النفس نوعان: جروح، وأطراف. فأما الجروح: فيجب القصاص في كل جرح ينتهي إلى عظم. سواء كان موضحة في رأس، أو وجه، أو ساعد، أو عضد، أو فخذ، أو ساق، أو ضلع، أو غيره، لقول الله تعالى:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ولأنه أمكن الاقتصاص من غير حيف، فوجب كما في الطرف. وما لا ينتهي إلى عظم، كالجائفة، وما دون الموضحة من الشجاج، أو كانت الجناية على عظم، ككسر الساعد، والعضد، والهاشمة، والمنقلة، والمأمومة، لم يجب القصاص؛ لأن المماثلة غير ممكنة، ولا يؤمن أن يستوفى أكثر من الحق، فسقط، إلا إذا كانت الشجة فوق الموضحة، فله أن يقتص موضحة؛ لأنها بعض جنايته، وقد أمكن القصاص، فوجب، كما لو كانت جناية في محلين. وفي وجوب الأرش الباقي وجهان:
أحدهما: يجب، وهو قول ابن حامد؛ لأنه تعذر فيه القصاص فوجب الأرش، كما لو تعذر في جميعها.
والثاني: لا يجب. وهو اختيار أبي بكر؛ لأنه جرح واحد، فلا يجمع فيه بين قصاص وأرش. كالشلاء بالصحيحة.
فصل:
ويجب في الموضحة، قدرها طولًا وعرضًا، لقول الله تعالى:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] والقصاص: المماثلة. ولا يمكن في الموضحة إلا بالمساحة، فإن كانت في الرأس، حلق موضعها من رأس الجانب، وعلم القدر المستحق بسواد، أو غيره، ثم اقتص. فإن كانت في مقدم الرأس، أو مؤخره، أو وسطه، فأمكن أن يستوفي قدرها من موضعها، لم يجز غيره. وإن زاد قدرها على موضعها من رأس الجاني. استوفي بقدرها وإن جاوز الموضع الذي شجه في مثله؛ لأن الجميع رأس. وإن زاد قدرها على رأس الجاني كله، لم يجز أن ينزل إلى الوجه، ولا القفا؛ لأنه قصاص في غير العضو المجني عليه، فيقتص في رأس الجاني كله. وهل له الأرش لما بقي؟ على وجهين، كما تقدم. وإن كانت الموضحة في الساعد، وزاد قدرها على ساعد الجاني، لم ينزل إلى الكف، ولم يصعد إلى العضد. وإن كانت في الساق، لم ينزل إلى القدم، ولم
يصعد إلى الفخذ، كما ذكرنا في الرأس. وإن أوضح جميع رأسه ورأس الجاني أكبر، فللمجني عليه أن يبتدئ بالقصاص من أي جانب شاء من رأس الجاني؛ لأن الجميع محل الجناية. وله أن يستوفي بعض حقه من مقدم الرأس، وبعضه من مؤخره، إلا أن يكون في ذلك زيادة ضرر أو شين، فيمنع لذلك؛ لأنه لم يجاوز موضع الجناية، ولا قدرها، ويحتمل أن لا يجوز؛ لأنه يأخذ موضحتين بموضحة. وإن أوضحه موضحتين، قدرهما جميع رأس الجاني، فللمجني عليه الخيار، بين أن يوضحه في جميع رأسه موضحة واحدة، وبين أن يوضحه موضحتين يقتص فيهما على قدر الواجب له، ولا أرش له في الباقي وجهًا واحدًا؛ لأنه يترك الاستيفاء مع إمكانه.
فصل:
النوع الثاني: الأطراف. ويجب القصاص فيها، إذا كان القطع ينتهي إلى عظم، فتقلع العين بالعين، لقول الله تعالى:{وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] . ولأنه يمكن القصاص فيها؛ لانتهائها إلى مفصل، فوجب، كالموضحة. وتؤخذ عين الشاب الصحيحة الحسناء بعين الشيخ المريضة الرمصاء، كما يؤخذ الشاب الصحيح الجميل بالشيخ المريض. ولا تؤخذ صحيحة بقائمة؛ لأنه يأخذ أكثر من حقه. ويجوز أن يأخذ القائمة بالصحيحة؛ لأنها دون حقه، كالشلاء بالصحيحة. ولا أرش له معها؛ لأن التفاوت في الصفة. وإن جنى على رأسه بلطمة، فأذهب ضوء عينيه، وجب القصاص؛ لأن الضوء لا يمكن مباشرته بالجناية، فوجب القصاص فيه بالسراية، كالنفس، فإن كانت اللطمة لا تفضي إلى تلف العين غالبًا، فلا قصاص فيه؛ لأنه شبه عمد، أشبه ما لو قتله.
فصل:
وإن قلع الأعور عين مثله عمدًا ففيه القصاص، لتساويهما. وإن قلع عين صحيح، فلا قصاص عليه. وعليه دية كاملة؛ لأن ذلك يروى عن عمر وعثمان رضي الله عنهما ولأنه لم يذهب بجميع بصره، فلم يجز أن يذهب بجميع بصره، كما لو كان ذا عينين. ويجب جميع الدية؛ لأنه لما درئ عنه القصاص لفضيلته، ضوعفت الدية عليه، كالمسلم إذا قتل الذمي عمدًا. وإن قلع عيني صحيح، خير بين قلع عينه، ولا شيء له سواه؛ لأنه أخذ جميع بصره لجميعه، وبين دية عينيه؛ لأن القصاص لم يتعذر. وإن قلع صحيح عين الأعور فله الاقتصاص من مثلها، ويأخذ نصف الدية. نص عليه؛ لأن عينه كعينين، لاشتمالها على جميع البصر، وقيامها مقام العينين.
فصل:
ويؤخذ الجفن بالجفن، لقوله سبحانه:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] . ولأنه ينتهي إلى مفصل، ويؤخذ جفن كل واحد من الضرير والبصير بالآخر؛ لأنهما متساويان في السلامة، والنقص، وعدم البصر نقص في غيره، فلم يمنع جريان القصاص فيه.
فصل:
ويؤخذ الأنف بالأنف لقول الله تعالى: {وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ} [المائدة: 45] . ولا يجب القصاص إلا في المارن، وهو ما لان منه؛ لأنه ينتهي إلى مفصل. ويؤخذ الشام بالأخشم، والأخشم بالشام، لتساويهما في السلامة، وعدم الشم نقص في غيره، ويؤخذ البعض بالبعض. فيقدر ما قطعه بالأجزاء، كالنصف والثلث. ثم يقتص من مارن الجاني بمثله، ولا يؤخذ بالمساحة؛ لأنه يفضي إلى أخذ جميع أنف الجاني ببعض أنف المجني عليه، ويؤخذ المنخر بالمنخر، والحاجز بين المنخرين بالحاجز، ولا يؤخذ مارن صحيح، بمارن سقط بعضه أو انخرم؛ لأنه يأخذ أكثر من حقه. ولا يؤخذ صحيح بمستحشف كذلك، ويحتمل أن يؤخذ؛ لأنه يقوم مقام الصحيح، ويؤخذ الذي سقط بعضه بالصحيح، وفي الأرش في الباقي وجهان. ويؤخذ المستحشف بالصحيح من غير أرش؛ لأنه نقص معنى، فهو كالشلل.
فصل:
وتؤخذ الأذن بالأذن، لقوله سبحانه:{وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ} [المائدة: 45] . ولأنها تنتهي إلى حد فاصل. وتؤخذ أذن السميع. بأذن الأصم، وأذن الأصم، بأذن السميع، كما ذكرنا في الأنف، والمثقوبة للزينة كالصحيحة؛ لأن الثقب ليس بنقص، ويؤخذ البعض بالبعض. ولا تؤخذ صحيحة بمخرومة، وتؤخذ المخرومة بالصحيحة. وفي الأرش للباقي وجهان.
وتؤخذ المستحشفة بالصحيحة، وفي أخذ الصحيحة بالمستحشفة وجهان، كما ذكرنا في الأنف. وإن شق أذنه فألصقها صاحبها، فالتصقت، فلا قصاص، لتعذر المماثلة. وإن قطعها فأبانها، فألصقها صاحبها فالتصقت، فقال القاضي: له القصاص؛ لأنه وجب بالقطع، فلم يسقط بالإلصاق. وقال أبو بكر: لا قصاص فيها؛ لأنا لم تبن على الدوام أشبه الشق، وله أرش الجرح. فإن سقطت بعد ذلك، قريبًا أو بعيدًا، رد الأرش، وله القصاص. وإن اقتص من الجاني، فقطع أذنه، فألصقها فالتصقت برئ من حقه؛ لأن الاستيفاء، حصل بالإبانة. وإن لم يبنها قطع بعضها فالتصقت، فله قطع جميعها،
لأنه استحق إبانته ولم يفعل، والحكم في السن، كالحكم في الأذن، فيما ذكرنا.
فصل في السن بالسن: وتؤخذ السن بالسن، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] ولحديث الربيع، ولأنه محدود في نفسه يمكن القصاص فيه، فوجب كالأذن، ولا تؤخذ صحيحة بمكسورة، وتؤخذ المكسورة بالصحيحة. وفي الأرش للباقي وجهان. وإن كسر بعض السن، برد من سن الجاني مثله، يقدر بالأجزاء، إلا أن يتوهم انقلاعها أو سوادها، فيسقط القصاص؛ لأن توهم الزيادة، يسقط القصاص. كقطع اليد من غير مفصل. ولا يقتص الحال، كالشعر، وإن مات قبل اليأس من عودها، فلا قصاص، لعدم تحقق الإتلاف، فلا يجوز استيفاؤه مع الشك. فإن لم تعد، ويئس من عودها، وجب القصاص؛ لأن ذلك حصل بالجناية، وإن يئس من عودها فاقتص، أو اقتص من سن كبير، فنبت له مكانها، فعليه دية سن الجاني؛ لأنه قلع سنًا بغير سن، فإن نبتت سن الجاني أيضًا، أو قلع النابتة للمجني عليه، فلا شيء لواحد منهما. وإن نبتت سن الجاني دون المجني عليه، فله قلعها؛ لأنه أعدم سنه على الدوام، فملك أن يفعل به ذلك، ويحتمل ألا يملكه؛ لأنه قلعت له سن، فلا يملك قلع سنين.
فصل:
وتؤخذ الشفة بالشفة، وهي: ما جاوز حد الذقن والخدين علوًا وسفلًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] . ولأنها تنتهي إلى حد معلوم يمكن القصاص فيه، فوجب كالأنف. ويؤخذ البعض بالبعض، يقدر بالأجزاء، كبعض المارن.
فصل:
ويؤخذ اللسان باللسان، للآية، والمعنى، وبعضه ببعضه، لما ذكرنا. ولا يؤخذ أخرس بناطق؛ لأنه أكثر من حقه. ويؤخذ الأخرس بالناطق؛ لأنه دون حقه، ولا أرش معه؛ لأن التفاوت في المعنى، لا في الأجزاء. ويؤخذ لسان الفصيح بلسان الألثغ، ولسان الصغير، كما يؤخذ الكبير الصحيح بالطفل المريض.
فصل:
وتؤخذ اليد باليد، والرجل بالرجل، وكل إصبع بمثلها، وكل أنملة بمثلها، للآية، والمعنى. فإن قطع يده من الكوع، أو المرفق، فله أن يقتص من موضع القطع. وليس
له أن يقتص من دونه؛ لأنه أمكنه استيفاء حقه من موضعه، فلم يجز أن يستوفي من غيره. وإن قطعت يده من العضد، أو الساعد، لم يجز الاقتصاص من موضع القطع، بغير خلاف؛ لأنه لا يأمن الزيادة. وهل له أن يقتص من مفصل دونه؟ فيه وجهان:
أحدهما: ليس له ذلك، اختاره أبو بكر، لما روى نمران بن جارية عن أبيه:«أن رجلًا ضرب رجلًا على ساعده بالسيف، فقطعها من غير مفصل، فاستدعى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدية، فقال: إني أريد القصاص: قال: خذ الدية بارك الله لك فيها ولم يقض له بالقصاص» . رواه ابن ماجه، ولأنه يقتص من غير محل الجناية، فلم يجز. كما لو أمكن القصاص من محل الجناية.
والثاني: له أن يقتص، اختاره بعض أصحابنا. فإذا قطعت من الساعد، فله أن يقتص من الكوع. وإن قطعت من العضد، فله أن يقتص من المرفق؛ لأنه عجز عن استيفاء حقه، وأمكنه أخذ دونه، فجاز، كما لو جرحه مأمومة، فأراد أن يقتص موضحة. وفي أخذ الحكومة للباقي وجهان. وإذا قطعت يده من العضد، لم يملك أن يقطع من الكوع؛ لأنه أمكنه استيفاء الذراع قصاصًا، فلم يكن له قطع ما دونه، كما لو قطع من المرفق. وإن قطعها من الكتف، فقال أهل الخبرة. يمكن الاقتصاص من غير جائفة، فله ذلك؛ لأنه مفصل، وليس له أن يقتص مما دونه، وإن قالوا: نخاف الجائفة، فلا قصاص منها؛ لأنها يخاف الزيادة. وفي الاقتصاص من المرفق وجهان. وحكم الرجل في القصاص من مفاصلها، من القدم والركبة والورك حكم اليد، سواء على ما بينا.
فصل:
ولا تؤخذ صحيحة بشلاء؛ لأنها فوق حقه، فأما الشلاء بالصحيحة، أو بالشلاء، فإن قال أهل الخبرة: لا يخاف عليه، اقتص؛ لأنه يأخذ حقه، أو دونه ولا أرش بالشلل؛ لأن الشلاء كالصحيحة في الخلقة، وإنما نقصت في الصفة، فأشبه الذمي مع المسلم، وإن قالوا: إن قطعت، خيف ألا تنسد العروق، ويدخل الهواء البدن فيفسد، لم يجز أن يقتص، لخوف الزيادة.
فصل:
ولا تؤخذ كاملة بناقصة. فلا تؤخذ ذات أظفار بما لا أظفار لها. ولا ذات خمس أصابع، بذات أربع. ولا بذات خمس بعضها أشل؛ لأنه أكثر من حقه. وهل له أن يقطع
من أصابع الجاني بقدر أصابعه؟ على الوجهين. فإن قلنا: له قطعها. فهل يدخل أرش ما تحت الأصابع من الكف في القصاص؟ فيه وجهان:
أحدهما: تدخل، كما تدخل في ديتها.
والثاني: لا تدخل؛ لأنه جزء يستحق إتلافه، تعذر عليه أخذه فوجب أرشه، كالمنفرد. فإن كانت الزائدة من أصابع الجاني زائدة في الخلقة، لم تمنع القصاص عند ابن حامد؛ لأنها عيب ونقص في المعنى، فلم يمنع وجودها أخذها بالكاملة، كالسلعة فيها. واختار القاضي: أنها تمنع؛ لأنها زيادة في الأصابع، أشبهت الأصلية. فإن قطع ناقص الأصابع يدًا كاملة، وجب القصاص؛ لأنه يأخذ دون حقه. وفي وجوب الدية للأصابع الزائدة وجهان.
فصل:
وإن قطع ذو يد كاملة، كفًا فيها أربع أصابع أصلية، وإصبع زائدة، لم يجب القصاص؛ لأنه يأخذ أكثر من حقه، وفي جواز الاقتصاص من أصابعه الأصلية وجهان. فإن اقتص منها. فهل له حكومة في الزيادة؟ على وجهين لما تقدم. وإن قطع من له أربع أصابع أصلية، وإصبع زائدة، كفًا كاملة الأصابع، ملك القصاص، ولا أرش له، لنقصان الزائدة؛ لأنها كالأصلية في الخلقة، وإنما هي ناقصة في المعنى. وإن كان في يد كل واحد منهما إصبع زائدة، أخذت إحداهما بالأخرى، لتساويهما، وإذا قطع إصبعًا فتآكلت إلى جانبها أخرى، وسقطت من مفصل، أو تآكل الكف، وسقط من الكوع، وجب القصاص في الجميع؛ لأنه تلف بسراية قطع مضمون بالقصاص، فوجب فيه القصاص، كالنفس، وإن شلت إلى جانبها أخرى، لم يجب القصاص في الشلاء؛ لأنها لو شلت بجنايته مباشرة، لم يجب القصاص، فهاهنا أولى.
فصل:
وتؤخذ الأليتان بالأليتين، لقوله سبحانه:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] ولأنهما ينتهيان إلى حد فاصل، فوجب فيهما القصاص، كالشفتين.
فصل:
وتؤخذ الذكر بالذكر كذلك، ويؤخذ بعضه ببعضه، لما ذكرنا في الأنف، ويؤخذ كل واحد من الأقلف والمختون بمثله؛ لأن زيادة أحدهما على الآخر بجلدة تستحق
إزالتها. ولا يؤخذ صحيح بأشل؛ لأن الأشل ناقص، فلم يؤخذ به كامل، كاليد. ولا يؤخذ ذكر الفحل، بذكر الخصي؛ لأنه ناقص، لعدم الإنزال، والإيلاد، ولا بذكر خنثى؛ لأنه لا يعلم أنه ذكر. وفي أخذ الصحيح بذكر العنين. وجهان:
أحدهما: لا يؤخذ به، لنقصه.
والثاني: يؤخذ به؛ لأنه غير مأيوس منه، أشبه المريض.
فصل:
وتؤخذ الأنثيين بالأنثيين، للآية والمعنى. فإن قطع إحداهما، وقال أهل الخبرة: يمكن أخذها من غير تلف الأخرى، اقتص منه. وإن قالوا: يخاف تلف الأخرى، لم يقتص منه، لتوهم الزيادة.
فصل:
ولا قصاص في شفري المرأة عند القاضي؛ لأنه لحم لا مفصل له ينتهي إليه، فلم يقتص منه، كلحم الفخذ. وقال أبو الخطاب: فيهما القصاص؛ لأنه يعرف انتهاؤهما، فجرى فيهما القصاص، كالشفتين، وأجفان العينين.
فصل:
وإن قطع ذكر خنثى مشكل، وأنثييه وشفريه، فلا قصاص له حتى يتبين؛ لأننا لا نعلم أن المقطوع فرج أصلي. وإن طلب الدية، وكان يرجى انكشاف حاله، أعطي اليقين، وهو دية شفري امرأة، وحكومة في الذكر والأنثيين. وإن كان مأيوسًا من كشف حاله، أعطي نصف دية ذلك كله، وحكومة في نصفه الباقي، وعلى قول ابن حامد: لا حكومة فيه؛ لأنه نقص.
فصل:
وإن اختلف العضوان في صغر، أو كبر، أو طول، أو قصر، أو صحة، أو مرض، لم يمنع القصاص؛ لأن اعتبار التساوي في هذه المعاني، يسقط القصاص، فيسقط اعتبارها، كما في النفس.
فصل:
وما انقسم إلى يمين ويسار، كالعينين والأذنين، والمنخرين، واليدين، والرجلين، أو إلى أعلى وأسفل، كالجفنين، والشفتين، لم يؤخذ شيء منها بما يخالفه في ذلك. ولا تؤخذ سن بسن غيرها، ولا إصبع بإصبع تخالفها، ولا أنملة بأنملة لا تماثلها في
موضعها واسمها؛ لأنها جوارح مختلفة المنافع والأماكن، فلم يؤخذ بعضها ببعض، كالعين والأنف. ولا يؤخذ أصلية من الأصابع والأسنان بزائدة، ولا زائدة بأصلية، لعدم التماثل بينهما. وتؤخذ الزائدة بالزائدة، إذا اتفق محلاهما، لتماثلهما، وإن اختلف محلاهما، لم تؤخذ إحداهما بالأخرى؛ لأنهما مختلفتان في أصل الخلقة، أشبه الوسطى بالسبابة، وإن تراضى الجاني والمجني عليه، بأخذ ما لا يجب القصاص فيه، لم يجز؛ لأن الدماء لا تستباح بالإباحة.
فصل:
وإن جرحه جرحًا فيه القصاص، فاندمل، ثم قتله، وجب القصاص فيهما؛ لأنهما جنايتان، يجب القصاص في كل واحدة منهما منفردة، فوجب عند الاجتماع، كاليدين. وإن قتله قبل اندمال الجرح، ففيه روايتان.
إحداهما: يجب القصاص أيضًا. لما ذكرناه.
والثانية: يقتل ولا قصاص في الجرح؛ لأن القصاص في النفس، أحد بدلي النفس، فدخل الطرف في حكم الجملة كالدية.
فصل:
وإن قتل واحد جماعة، أو قطع عضوًا من جماعة، لم تتداخل حقوقهم؛ لأنها حقوق مقصودة لآدميين، فلم تتداخل، كالديون، لكن إن رضي الكل باستيفاء القصاص منه جاز؛ لأن الحق لهم، فجاز أن يرضى الجماعة بالواحد، كما لو قتل عبدًا عبيدًا خطأً فرضوا بأخذه. وإن طلب واحد القصاص، والباقون الدية، فلهم ذلك، وإن طلب كل واحد استيفاء القصاص مستقلًا، قدم الأول؛ لأن له مزية السبق، فإن أسقط حقه قدم الثاني، ثم الثالث، ويصير حق الباقين في الدية؛ لأن القود فاتهم، فانتقل حقهم إلى الدية، كما لو مات، وإذا قتلهم دفعة واحدة، أو أشكل السابق، قدم من تقع له القرعة؛ لأن حقوقهم تساوت، فوجب المصير إلى القرعة، كالسفر بإحدى النساء، فإن عفا من له القرعة، أعيدت للباقين، لتساويهم. ومتى ثبت القصاص لأحدهم بالسبق، أو بالقرعة، فبادر غيره فقتله، كان مستوفيًا لحقه، ووجب للآخر الدية، كما لو قتل مرتدًا، كان مستوفيًا لقتل الردة. وإن أساء في الافتئات على الإمام. وإن كان الأول غائبًا، أو صغيرًا، انتظر؛ لأن الحق له. وإن كان القتل في المحاربة، فهو كالقتل في غيرها؛ لأنه قتل موجب للقصاص، فأشبه غيره.
فصل: