الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب الإيلاء]
. وهو الحلف على ترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر، لقول الله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] ويصح من كل زوج مكلف قادر على الوطء، ولا يصح من غير زوج، كالسيد يؤلي من أمته، أو من أجنبية، ثم يتزوجها، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226] ولا يصح من صبي ولا مجنون؛ لأنه لا حكم ليمينهما.
فأما العاجز عن الوطء، فإن كان لسبب يرجى زواله، كالمرض والحبس، صح إيلاؤه؛ لأنه يمنع نفسه الوطء بيمينه، فأشبه القادر، وإن كان لسبب غير مرجو الزوال، كالجب، والشلل، لم يصح إيلاؤه؛ لأنه حلف ترك مستحيل، فلم يصح، كالحلف على ترك الطيران، ولأن الإيلاء، اليمين المانعة من الجماع، وهذا لا تمنعه منه يمينه، ويحتمل أن يصح إيلاؤه، كالعاجز بالمرض. ويصح إيلاء الذمي، لعموم الآية، ولأن من صح طلاقه ويمينه عند الحاكم، صح إيلاؤه كالمسلم.
[فصل في شروط صحة الإيلاء]
فصل:
ويشترط لصحته أربعة شروط:
أحدها: الحلف؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ} [البقرة: 226] والإيلاء: الحلف. فإن حلف بالله تعالى، أو بصفة من صفاته، كان مؤلياً بغير خلاف. وإن حلف بالطلاق، أو العتاق، أو الظهار، أو صدقة المال ونحوه، ففيه روايتان:
إحداهما: لا يكون مؤلياً؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما قال في تفسير الآية: يحلفون بالله. هكذا ذكره الإمام أحمد، ولأنه لم يحلف بالله. فلم يكن مؤلياً، كالحالف بالكعبة.
والثانية: يكون مؤلياً؛ لأنها يمين يلزم بالحنث فيها حق، فيصح الإيلاء بها، كاليمين بالله تعالى. وقال أبو بكر: ما أوجب الكفارة، كالحرام، كان به مؤلياً، وما لا كفارة فيه، كالطلاق والعتاق، لم يكن به مؤلياً، ولا يختلف المذهب أنه لا يكون مؤلياً بما لا يلزمه به حق، كقوله: إن وطئتك، فأنت زانية؛ لأنه لا يصح تعليق القذف بشرط، فلا يلزمها بالوطء حق، فلا يكون مؤلياً. ولو قال: إن وطئتك، فعلي صوم أمس، أو صوم هذا الشهر، لم يصح؛ لأنه يصير عند وجوب الفيئة ماضياً، ولا يصح نذر الماضي.
وإن قال: إن وطئتك، فسالم حر عن ظهاري، صار مؤلياً؛ لأنه يلزمه بالوطء حق، وهو تعيين عتق سالم. وإن قال: إن وطئتك فسالم حر عن ظهاري، إن تظاهرت، لم يكن مؤلياً في الحال؛ لأنه يمكنه الوطء بغير حق يلزمه. وإن تظاهر، صار مؤلياً؛ لأنه لا يمكنه الوطء، إلا بحق يلزمه.
فصل:
الشرط الثاني: أن يحلف على ترك الوطء بالفرج؛ لأنه الذي يحصل الضرر به. وإن حلف على ترك الوطء في الدبر، أو دون الفرج، فليس بمؤل؛ لأنه لا ضرر فيه. وألفاظ الإيلاء تنقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: صريح في الظاهر والباطن، وهي قوله: والله لا آتيك، أو لا أدخل، أو أغيب، أو أولج ذكري، أو حشفتي، أو لا أفتضك، للبكر خاصة، فهذه صريحة ولا يدين فيها؛ لأنها لا تحتمل غير الإيلاء.
والقسم الثاني: صريحة في الحكم، ويدين فيها. وهي عشرة ألفاظ: لا وطئتك، لا جامعتك، لا أصبتك، لا باشرتك، لا مسستك، لا قربتك، لا أتيتك، لا باضعتك، لا باعلتك، لا اغتسلت منك، فهذه صريحة في الحكم؛ لأنها تستعمل في الوطء عرفا، وقد ورد الكتاب والسنة ببعضها، فلا يقبل تفسيرها بما يحيله، كوطء القدم، والإصابة باليد، ويدين فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنه يحتمل ما قاله.
القسم الثالث: كناية وهو: ما عدا هذه الألفاظ، مما يحتمل الجماع وغيره، كقوله: لأسوأنك، ولا دخلت عليك، لا جمع رأسي ورأسك شيء، فهذا لا يكون مؤلياً بها، إلا بالنية؛ لأنها ليست ظاهرة في الجماع، فلم يحمل عليه إلا بالنية، ككنايات الطلاق فيه. فإن قال: والله لا جامعتك إلا جماع سوء، ونوى به الجماع في الدبر، أو دون الفرج،
فهو مؤل. وإن نوى جماعاً ضعيفاً لا يزيد على تغييب الحشفة، فليس بمؤل؛ لأن الضعيف كالقوي في الحكم.
فصل:
الشرط الثالث: أن يكون الحالف زوجاً مكلفاً، قادراً على الوطء في الجملة، وقد ذكرنا ذلك.
الشرط الرابع: أن يحلف على مدة تزيد على أربعة أشهر. فإن حلف على أربعة فما دونها، لم يكن مؤلياً، حراً كان أو عبداً، من حرة أو أمة لقول الله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة: 226] . فدل على أنه لا يكون مؤلياً بما دونها، ولأن المطالبة بالطلاق والفيئة، إنما تكون بعدها، فلا تصح المطالبة من غير إيلاء، فإذا قال: والله لا وطئتك، كان مؤلياً؛ لأنه يقتضي التأبيد. وكذلك إن قال: حتى تموتي أو أموت؛ لأنه للتأبيد. وكذلك إن علقه على مستحيل فقال: حتى تطيري، ويشيب الغراب، ويبيض القار؛ لأن معناه التأبيد. قال الله تعالى:{وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40] . أي: لا يلج الجمل في سم الخياط، أي: لا يدخلونها، أبداً، وإن علقه على فعل يقين، أو يغلب على ظنه، أنه لا يوجد في أربعة أشهر، كقيام الساعة، وخروج الدجال، ونزول عيسى من السماء، أو موت زيد، فهو مؤل؛ لأنه لا يوجد في أربعة أشهر ظاهراً، فأشبه ما لو صرح به. وإن قال: والله لا وطئتك حتى تحبلي، فهو مؤل؛ لأنها لا تحبل من غير وطئه، فهو كالحلف على ترك الوطء دائماً، وقال القاضي: إن كانت ممن يحبل مثلها، لم يكن مؤلياً، ولا أعلم لهذا وجهاً؛ لأنه لا يمكن حملها، من غير وطء.
وإن قال: أردت بـ " حتى " السببية، أي لا أطؤك لتحبلي، قبل منه؛ لأنه يحتمل ما قاله، ولا يكون مؤلياً؛ لأنه يمكن وطؤها لغير ذلك.
وإن علقه على ما يعلم وجوده قبل أربعة أشهر، كجفاف بقل، أو ما يغلب على الطن وجوده قبلها، كنزول الغيث في أوانه، وقدوم الحاج في زمانه، أو ما يحتمل الأمرين على السواء، كقدوم زيد من سفر قريب، لم يكن مؤلياً؛ لأنه لم يغلب على الظن وجود الشرط، فلا يثبت حكمه.
وإن قال: والله ليطولن تركي لجماعك، ونوى مدة الإيلاء، فهو مؤل، وإلا فلا. وإن قال: والله لأسوأنك، ولتطولن غيبتي عنك، ونوى ترك الجماع في مدة الإيلاء، فهو مؤل؛ لأنه عنى بلفظه ما يحتمله، وإلا فلا، وإن قال: والله لا وطئتك طاهراً، أو وطأ مباحاً، فهو مؤل لأنه حلف على ترك الوطء الذي يطالب به في الفيئة، فكان مؤلياً، كما لو قال: والله لا وطئتك إلا في الدبر.