المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[كتاب العدد] إذا فارق الرجل زوجته في حياته قبل المسيس والخلوة، - الكافي في فقه الإمام أحمد - جـ ٣

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب النكاح]

- ‌[باب شرائط النكاح]

- ‌[باب ما يحرم من النكاح]

- ‌[باب الشروط في النكاح]

- ‌[باب الخيار في النكاح]

- ‌[باب نكاح الكفار]

- ‌[كتاب الصداق]

- ‌[باب ما يستقر به الصداق وما لا يستقر وحكم التراجع]

- ‌[باب الحكم في المفوضة]

- ‌[باب اختلاف الزوجين في الصداق]

- ‌[باب الوليمة]

- ‌[باب عشرة النساء]

- ‌[باب القسم بين النساء]

- ‌[باب النشوز]

- ‌[كتاب الخلع]

- ‌[فصل في حكم الخلع]

- ‌[فصل في ألفاظ الخلع]

- ‌[فصل في بيان عوض الخلع]

- ‌[فصل في التوكيل في الخلع]

- ‌[فصل في اختلاف الزوجين في الخلع]

- ‌[كتاب الطلاق]

- ‌[باب صريح الطلاق وكنايته]

- ‌[باب ما يختلف به عدد الطلاق]

- ‌[باب ما يختلف به حكم المدخول بها وغيرها]

- ‌[باب الاستثناء في الطلاق]

- ‌[باب الشروط في الطلاق]

- ‌[باب الشك في الطلاق]

- ‌[كتاب الرجعة]

- ‌[فصل في ألفاظ الرجعة]

- ‌[كتاب الإيلاء]

- ‌[فصل في شروط صحة الإيلاء]

- ‌[فصل في حكم تعليق الإيلاء على شرط]

- ‌[كتاب الظهار]

- ‌[فصل في حكم تأقيت الظهار]

- ‌[باب كفارة الظهار]

- ‌[فصل في شروط الرقبة في كفارة الظهار]

- ‌[فصل الصيام في كفارة الظهار]

- ‌[فصل الإطعام في كفارة الظهار]

- ‌[كتاب اللعان]

- ‌[فصل في شروط المتلاعنين]

- ‌[باب صفة اللعان]

- ‌[فصل في شروط صحة اللعان]

- ‌[فصل ما يسن في اللعان]

- ‌[باب ما يوجب اللعان من الأحكام]

- ‌[باب ما يلحق من النسب وما لا يلحق]

- ‌[كتاب العدد]

- ‌[باب اجتماع العدتين]

- ‌[باب مكان المعتدات]

- ‌[باب الإحداد]

- ‌[باب الاستبراء]

- ‌[كتاب الرضاع]

- ‌[كتاب النفقات]

- ‌[باب نفقة المعتدة]

- ‌[باب قدر النفقة]

- ‌[باب قطع النفقة]

- ‌[باب نفقة الأقارب]

- ‌[باب الحضانة]

- ‌[باب نفقة المماليك]

- ‌[كتاب الجنايات]

- ‌[باب جنايات العمد الموجبة للقصاص]

- ‌[باب القصاص فيما دون النفس]

- ‌[باب استيفاء القصاص]

- ‌[باب العفو عن القصاص]

الفصل: ‌ ‌[كتاب العدد] إذا فارق الرجل زوجته في حياته قبل المسيس والخلوة،

[كتاب العدد]

إذا فارق الرجل زوجته في حياته قبل المسيس والخلوة، فلا عدة عليها بالإجماع، لقول الله سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] . ولأن العدة تجب لاستبراء الرحم، وقد علم ذلك بانتفاء سبب الشغل. فإن فارقها بعد الدخول، فعليها العدة بالإجماع، لقول الله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] . ولأنه مظنة لاشتغال الرحم بالحمل، فتجب العدة لاستبرائه. وإن طلقها بعد الخلوة، وجبت العدة، لما روى الإمام أحمد بإسناده عن زرارة بن أبي أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون أن من أرخى سترًا، أو من أغلق بابًا، فقد وجب المهر، ووجبت العدة؛ ولأن التمكين من استيفاء المنفعة، جعل كاستيفائها، ولهذا استقرت الأجرة في الإجارة، فجعل كالاستيفاء في العدة.

فصل:

والمعتدات ثلاثة أقسام: معتدة بالحمل فتنقضي عدتها بوضعه، سواء كانت حرة أو

ص: 194

أمة، مفارقة في حياة، أو بوفاة؛ لقول الله تعالى:{وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] .

«وروت سبيعة الأسلمية: أنها كانت تحت سعد بن خولة، وتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها، فلما انقلبت من نفاسها، تجملت للخطاب، فدخل عليها ابن السنابل بن بعكك، فقال: لعلك ترجين النكاح، إنك والله ما أنت ناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر. قالت: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني حللت حين وضعت حملي، فأمرني بالتزوج إن بدا لي» . متفق عليه. ولأن براءة الرحم لا تحصل في الحامل إلا بوضعه، فكانت عدتها به، ولا تنقضي إلا بوضع جميع الحمل وانفصاله. فإن كان حملها أكثر من واحد، فحتى تضع آخر حملها وينفصل؛ لأن الشغل لا يزول إلا بذلك. وإن وضعت ما يتبين فيه خلق الإنسان، انقضت به عدتها؛ لأنه ولد. وإن لم يتبين فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية، فكذلك؛ لأنه تبين لهن. وإن شهدن أنه مبتدأ خلق آدمي، فالمنصوص أن العدة لا تنقضي به؛ لأنه لم يصر ولدًا، فأشبه العلقة. وعنه: أن الأمة تصير به أم ولد، فيجب أن تنقضي به العدة؛ لأنه حمل، فيدخل في عموم الآية. وأقل مدة تنقضي فيها العدة بالحمل، أن تضعه بعد ثمانين يومًا، من حين إمكان الوطء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه فيكون نطفة أربعين يومًا ثم يكون مضغة أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك» ولا تنقضي العدة بما دون المضغة، ولا يكون مضغة في أقل من ثمانين.

فصل:

القسم الثاني: معتدة بالقروء: وهي: كل مطلقة أو مفارقة في الحياة وهي حائل ممن تحيض. وهي: نوعان. حرة: فعدتها ثلاثة قروء؛ لقول الله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] وأمة: فعدتها قرآن، لما روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه

ص: 195

قال: «طلاق الأمة طلقتان، وقرؤها حيضتان» رواه أبو داود. وعن عمر وعلي وابن عمر رضي الله عنهم أنهم قالوا: عدة الأمة حيضتان، وفي القروء روايتان:

إحداهما: الحيض، لهذا الخبر، وقول الصحابة رضي الله عنهم؛ ولقوله عليه السلام:«تدع الصلاة أيام أقرائها» رواه أبو داود. وقال لفاطمة بنت أبي حبيش: «فإذا أتى قرؤك فلا تصلي. وإذا مر قرؤك فتطهري، ثم صلي ما بين القرء إلى القرء» رواه النسائي؛ ولأنه معنى يستبرأ به الرحم، فكان بالحيض كاستبراء الأمة؛ ولأن الله تعالى جعل العدة ثلاثة قروء، فالظاهر أنها تكون كاملة؛ ولا تكون العدة ثلاثة قروء كاملة إلا إذا كانت الحيض. ومن جعل القروء الأطهار، لم يوجب ثلاثة كاملة؛ لأنه يعد الطهر الذي طلقها فيه قرءًا.

والثانية: القروء: الأطهار؛ لقول الله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أي في عدتهن، وإنما يطلق في الطهر. فإذا قلنا: هي حيض، لم يحتسب بالحيضة التي طلقها فيها، ولزمها ثلاث حيض مستقبلة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فيتناول الكاملة. وإن قلنا هي الأطهار، احتسب بالطهر الذي طلقها فيه قرءًا، ولو بقي منه لحظة؛ لقوله سبحانه:{فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أي: في عدتهن، وإنما يكون من عدتهن إذا احتسب به؛ ولأن الطلاق إنما جعل في الطهر دون الحيض، كيلا يضر بها، فتطول عدتها، ولو لم يحتسب بقية الطهر قرءًا، لم تقصر عدتها بالطلاق فيه. فإن لم يبق من الطهر بعد الطلاق جزء، بأن وافق آخر لفظه آخر الطهر، أو قال: أنت طالق في آخر طهرك، كان أول قرئها الطهر الذي بعد الحيض؛ لأن العدة لا تكون إلا بعد وقوع الطلاق. ومتى قلنا: القرء: الحيض. فآخر عدتها انقطاع الدم في الحيضة الثالثة؛ لأن ذلك آخر القروء. وعنه: لا تنقضي عدتها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، اختاره الخرقي؛ لأنه يروى عن الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان وعبادة وأبو موسى وأبو الدرداء رضي الله عنهم. وإن قلنا: القروء: الأطهار. فآخر العدة آخر الطهر.

ص: 196

الثالث: إذا رأت الدم بعده، انقضت عدتها، ويحتمل أن لا تنقضي بانقضائها، حتى ترى الدم يومًا وليلة؛ لأن ما دونه لا يحتمل أن يكون حيضًا، وليست اللحظة التي ترى فيها الدم من عدتها، ولا يصح ارتجاعها فيها؛ لأن حسبانها من عدتها يفضي إلى زيادتها على ثلاثة قروء، وإنما اعتبرت، ليتحقق انتفاء الطهر.

فصل:

وأقل ما تنقضي به العدة تسعة وعشرون يومًا، إن قلنا: القرء: الحيض، وأقل الطهر ثلاثة عشر يومًا؛ لأن ثلاث حيضات ثلاثة أيام، وبينها طهران ستة وعشرون يومًا. وإن قلنا: أقل الطهر خمسة عشر يومًا، فأقل العدة ثلاثة وثلاثون يومًا. وإن قلنا: الأقراء: الأطهار، والطهر: ثلاثة عشر يومًا، فأقلها: ثمانية وعشرون يومًا ولحظة. وإن قلنا: أقله خمسة عشر يومًا، فأقلها اثنان وثلاثون يومًا ولحظة. فأما الأمة فعلى الأول: أقل عدتها خمسة عشر يومًا، وعلى الثاني: سبعة عشر، وعلى الثالث: أربعة عشر يومًا ولحظة، وعلى الرابع: ستة عشر يومًا ولحظة.

فصل:

القسم الثالث: المعتدة بالشهور. وهي: ثلاثة أنواع:

إحداهن: الآيسة من المحيض، والصغيرة التي لم تحض، إذا بانت في حياة زوجها بعد دخوله بها، فإن كانت حرة، فعدتها ثلاثة أشهر، لقول الله تعالى:{وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] .

فإن طلقها في أول الهلال، فعدتها ثلاثة أشهر بالأهلة. وإن طلقها في أثناء شهر، اعتدت شهرين بالهلال وشهرًا بالعدد، لما ذكرنا فيما مضى. وإن كانت الأمة، ففيها ثلاث روايات:

إحداهن: عدتها شهران؛ لأن كل شهر مكان قرء، وعدتها بالأقراء قرءان، فتكون عدتها بالشهور شهرين.

والثانية: عدتها شهر ونصف؛ لأن عدتها نصف الحرة، وعدة الحرة: ثلاثة أشهر، فنصفها شهر ونصف. وإنما كملنا الأقراء لتعذر تنصيفها، وتنصيف الأشهر ممكن.

والثالثة: أن عدتها ثلاثة أشهر، لعموم الآية، ولأن اعتبار الشهور لمعرفة براءة الرحم، ولا يحصل بأقل من ثلاثة.

ص: 197

فصل:

واختلف عن أحمد في حد الإياس، فعنه: أقله خمسون سنة؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت: لن ترى المرأة في بطنها ولدًا بعد خمسين سنة. وعنه: إن كانت من نساء العجم فخمسون، وإن كانت من نساء العرب فستون؛ لأنهن أقوى طبيعة. وذكر الزبير في كتاب ((النسب)) : أن هند بنت أبي عبيد بن عبد الله بن زمعة، ولدت موسى بن عبد الله بن حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب، ولها ستون سنة. قال: ويقال: لن تلد بعد الخمسين إلا عربية، ولا بعد الستين إلا قرشية. ويحتمل كلام الخرقي أن يكون حده: ستون سنة في حق الكل، لقوله: وإذا رأته بعد الستين، فقد زال الإشكال، وتيقن أنه ليس بحيض.

فصل:

وإن شرعت الصغيرة في الاعتداد بالشهور فلم تنقض عدتها حتى حاضت، بطل ما مضى من عدتها، واستقبلت العدة بالقروء؛ لأنها قدرت على الأصل فيه، فبطل حكم البدل، كالمتيمم يجد الماء. وإن قلنا: القروء: الحيض، استأنفت ثلاث حيض. وإن قلنا: هي الأطهار، فهل تعتد بالطهر الذي قبل الحيض قرءًا؟ فيه وجهان:

أحدهما: تعتد به؛ لأنه طهر قبل حيض فاعتدت به، كالذي بين الحيضتين.

والثاني: لا تعتد به، كما لو اعتدت قرءين ثم يئست، لم تعتد بالطهر قبل الإياس قرءًا ثالثًا. وإن لم تحض حتى كملت عدتها بالشهور، لم يلتفت إليه؛ لأنه معنى حدث بعد انقضاء العدة فلم يلتفت إليه.

فصل:

النوع الثاني: المتوفى عنها زوجها، إذا لم تكن حاملًا، فعدتها أربعة أشهر وعشرًا، إذا كانت حرة، مدخولًا بها أو غير مدخول بها؛ لقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا» متفق عليه. وإن كانت أمة، اعتدت شهرين وخمس ليال؛ لأن

ص: 198

الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على أن عدة الأمة المطلقة: نصف عدة الحرة، فيجب أن تكون عدة المتوفى عنها نصف عدة الحرة، وهو ما ذكرنا. ومن نصفها حر، فعدتها بالحساب من عدة حرة وعدة أمة، وذلك ثلاثة أشهر وثمان ليال، لأن نصف عدة الحرة شهران وخمس ليال، ونصف عدة الأمة شهر وثلاثة ليال.

فصل:

النوع الثالث: ذات القروء إذا ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه، فعدتها سنة، تسعة أشهر تتربص فيها ليعلم براءتها من الحمل؛ لأنها غالب مدته، ثم تعتد بعد ذلك ثلاثة أشهر. وقال الشافعي رحمه الله: هذا قضاء عمر رضي الله عنه بين المهاجرين والأنصار، لا ينكره منكر علمناه، فصار إجماعًا. فإن حاضت قبل انقضاء السنة ولو بلحظة، لزمها الانتقال إلى القروء؛ لأنها الأصل، فبطل حكم البدل، كالمتيمم إذا رأى الماء. وإن عاد الحيض بعد انقضاء السنة وتزوجها، لم تعد إلى الأقراء؛ لأننا حكمنا بانقضاء عدتها وصحة نكاحها، فلم تبطل، كما لو حاضت الصغيرة بعد اعتدادها وتزوجها. وإن حاضت بعد السنة وقبل تزوجها، ففيه وجهان:

أحدهما: لا عدة عليها كذلك.

والثاني: عليها العدة؛ لأنها من ذوات القروء، وقد قدرت على المبدل قبل تعلق حق الزوج بها، فلزمها العود، كما لو حاضت في السنة. وإن كانت أمة، تربصت تسعة أشهر للحمل؛ لأن مدته للحرة والأمة سواء، وتضم إلى ذلك عدة الأمة على ما ذكرنا من الخلاف فيها. وإن شرعت في الحيض، ثم ارتفع حيضها قبل قضاء عدتها، لم تنقض عدتها إلا بعد سنة من وقت انقطاع الحيض؛ لأنها لا تنبني إحدى العدتين على الأخرى، ولو عرفت ما رفع الحيض من المرض أو الرضاع ونحوه، لم تزل في عدة حتى يعود الحيض فتعتد به؛ لأنها من ذوات القروء، والعارض الذي منع الدم يزول، فانتظر زواله، إلا أن تصير آيسة، فتعتد ثلاثة أشهر من وقت أن تصير في عداد الآيسات.

فصل:

إذا أتى على الجارية سن تحيض فيه النساء غالبًا، كخمسة عشر، فلم تحض، فعدتها ثلاثة أشهر في إحدى الروايتين، لظاهر قول الله تعالى:{وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] . والأخرى عدتها سنة؛ لأنه أتى عليها زمن الحيض، فلم تحض، فأشبهت

ص: 199

من ارتفع حيضها، ولم تدر ما رفعه. ولو ولدت ولم تر دمًا قبل الولادة، ولا بعدها، ففيه الوجهان، بناء على ما تقدم. فأما المستحاضة، فإن كان لها حيض محكوم به بعادة أو تمييز، فمتى مرت لها ثلاثة قروء، انقضت عدتها؛ لأنه حيض محكوم به، أشبه غير المستحاضة. وإن كانت ممن لا عادة لها ولا تمييز، إما مبتدأة، وإما ناسية متحيرة، ففيها روايتان:

إحداهما: عدتها ثلاثة أشهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حمنة ابنة جحش: أن تجلس من كل شهر ستة أيام أو سبعة، فجعل لها حيضة في كل شهر؛ لأننا نحكم لها بحيضة في كل شهر تترك فيها الصلاة والصوم، فيجب أن تنقضي العدة به.

والثانية: تعتد سنة؛ لأنها لم تتيقن بها حيضًا مع أنها من ذوات الأقراء، فأشبهت التي ارتفع حيضها، والأول أولى.

فصل:

فإذا عتقت الأمة بعد قضاء عدتها، لم يلزمها زيادة عليها؛ لأن عدتها انقضت، فأشبهت الصغيرة إذا حاضت بعد انقضاء عدتها بالأشهر، وإن عتقت في عدتها وكانت رجعية، أتمت عدتها عدة حرة؛ لأن الرجعية زوجة وقد عتقت في الزوجية، فلزمتها عدة حرة، كما لو عتقت قبل الشروع فيها. وإن كانت بائنًا، أتمت عدة الأمة؛ لأنها عتقت بعد البينونة، أشبهت المعتقة بعد عدتها.

فصل:

وإن مات زوج المعتدة الرجعية، فعليها عدة الوفاة تستأنفها من حين الموت، وتنقطع عدة الطلاق؛ لأنها زوجة متوفى عنها، فتدخل في عموم قَوْله تَعَالَى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] . وإن كانت بائنًا غير وارثة لكونها مطلقة في صحته، بنت على عدة الطلاق؛ لأنها أجنبية من نكاحه وميراثه، فلم يلزمها، الاعتداد من وفاته، كما لو انقضت عدتها قبل موته، وعلى قياس هذا: المطلقة في المرض التي لا ترث، كالذمية والأمة والمختلعة، وزوجة العبد؛ لأنها غير وارثة. وإن كانت وارثة كالحرة المسلمة، يطلقها زوجها الحر في مرض موته، فعليها أطول الأجلين من ثلاثة قروء، أو أربعة أشهر وعشر؛ لأنها مطلقة بائن، فتدخل

ص: 200

في الآية. ومعتدة ترث بالزوجية، فلزمتها عدة الوفاة كالرجعية. فإن كان طلاقه قبل الدخول، أو موته بعد قضاء عدتها، فلا عدة عليها، وعنه: عليهما العدة من الوفاة؛ لأنهما يرثانه بالزوجية. والأول أصح، لقول الله سبحانه وتعالى:{فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] ، ولأن الأجنبية تحل للأزواج، فلم تلزمها العدة منه، كما لو تزوجت غيره.

فصل:

وإذا وطئت المرأة بشبهة، أو زنا، لزمتها العدة؛ لأن العدة تجب، لاستبراء الرحم، وحفظًا عن اختلاط المياه واشتباه الأنساب، ولو لم تجب العدة، لاختلط ماء الواطئ بماء الزوج، ولم يعلم لمن الولد منهما، فيحصل الاشتباه، وعدتها كعدة المطلقة؛ لأنه استبراء لحرة، أشبه عدة المطلقة. وعنه: أن الزانية تستبرأ بحيضة؛ لأن النسب لا يلحق الزاني، وإنما المقصود معرفة براءة رحمها، فكان بحيضة كاستبراء أم الولد إذا مات سيدها.

فصل:

وإذا طلق أحد نسائه ثلاثًا وأنسيها، ثم مات قبل أن يبين المطلقة، فعلى الجميع الاعتداد بأطول الأجلين من عدة الطلاق والوفاة، ليسقط الفرض بيقين، كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها؛ لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون المطلقة، فيلزمها ثلاثة قروء، ويحتمل أن تكون غيرها، فتلزمها عدة الوفاة، فلا يحصل حلها يقينًا إلا بهما، والمنصوص أنه يقرع بينهن، فتعتد واحدة منهن عدة الطلاق، وسائرهن عدة الوفاة، فأما إن طلق واحدة لا بعينها، فإنه يقرع بينهن، فتخرج بالقرعة المطلقة منهن، فتعتد عدة الطلاق، ويعتد سائرهن عدة الوفاة؛ لأن الطلاق لم يقع في واحدة بعينها، وإنما عينته القرعة، بخلاف التي قبلها.

فصل:

إذا ارتابت المعتدة لرؤيتها أمارات الحمل من حركة أو نحوها، لم تزل في عدة حتى تزول الريبة، فإن تزوجت قبل زوالها، لم يصح نكاحها؛ لأنها تزوجت قبل العلم بقضاء عدتها. وإن حدثت الريبة بعد انقضاء عدتها ونكاحها، فالنكاح صحيح؛ لأننا حكمنا بصحة ذلك بدليله، فلا يزول عنه بالشك، لكن لا يحل وطؤها حتى تزول الريبة؛ لأنا شككنا في حل الوطء. وإن حدثت بعد العدة وقبل النكاح، ففيه وجهان:

ص: 201

أحدهما: لا يحل لها أن تنكح؛ لأنها شاكة في انقضاء عدتها.

والثاني: يحل لها؛ لأننا حكمنا بانقضاء عدتها فلا يتغير الحكم بالشك.

فصل:

إذا فقدت المرأة زوجها، وانقطع خبره عنها، لم يخل من حالين:

أحدهما: أن يكون ظاهر غيبته السلامة، كالتاجر وطالب العلم من غير مهلكة، فلا تزول الزوجية ما لم يتيقن موته؛ لأنها كانت ثابتة بيقين، فلا تزول بالشك. وعنه: إذا مضى له تسعون سنة، قسم ماله. وإذا أباح قسمة ماله، أباح لزوجته أن تتزوج. قال أصحابنا: يعني تسعين سنة من حين ولد؛ لأن الظاهر أنه لا يعيش أكثر من ذلك. فإذا اقترن به انقطاع خبره، حكم بموته. والأول أصح؛ لأن هذا تقدير لا يصار إليه بغير توقيف.

الثاني: أن يكون ظاهرها الهلاك، كالذي يفقد من بين أهله، أو في مفازة هلك فيها بعض رفقته، أو بين الصفين، أو ينكسر مركبًا فيهلك بعض رفقته، وأشباه ذلك، فمذهب أحمد أنها تتربص أربع سنين أكثر مدة الحمل، ثم تعتد للوفاة، ثم تتزوج. قال بعض أصحابنا: لا يختلف قول أحمد في هذا. وقال أحمد: من ترك هذا القول، أي شيء يقول؟ هو عن خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال القاضي: عندي أن فيها رواية أخرى:

أن حكمه حكم من ظاهر غيبته السلامة، والمذهب الأول. قال أحمد: يروى عن عمر من، ثمانية وجوه، ومن أحسنها ما روى عبيد بن عمير قال: فقد رجل في عهد عمر، فجاءت امرأته إلى عمر، فذكرت ذلك له، فقال: انطلقي فتربصي أربع سنين، ففعلت، ثم أتته، فقال: انطلقي فاعتدي أربعة أشهر وعشرًا، ففعلت ثم أتته، فقال: أين ولي هذا الرجل؟ فجاء وليه، فقال له: طلقها، ففعل. فقال عمر: انطلقي فتزوجي من شئت، ثم جاء زوجها الأول، فقال عمر: أين كنت؟ قال: استهوتني الشياطين، فخيره عمر: إن شاء امرأته، وإن شاء الصداق، فاختار الصداق. وقضى بذلك عثمان وعلي وابن الزبير، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهم. وهذه قضايا انتشرت فلم تنكر، فكانت إجماعًا. وهل يعتبر ابتداء المدة من حين ضربها الحاكم، أو

ص: 202

من حين ينقطع خبره؟ على وجهين:

أحدهما: من حين ضربها الحاكم؛ لأنها مدة ثبتت بالاجتهاد فافتقرت إلى حكم الحاكم، كمدة العنة.

والثاني: من حين انقطع خبره؛ لأن ذلك ظاهر في موته، فأشبه ما لو قامت به بينة. وهل يفتقر بعد انقضاء العدة إلى أن يطلقها وليه؟ فيه وجهان:

أحدهما: يعتبر؛ لأن ذلك يروى عن عمر وعلي.

والثاني: لا يفتقر؛ لأن الحكم بتقدير المدة حكم بالموت بعد انقضائها، ولهذا اعتدت عدة الوفاة، وقول عمر فقد خالفه قول ابن عباس وابن عمر.

فصل:

فإن قدم المفقود قبل تزوجها، فهي زوجته؛ لأننا تبينا حياته، فأشبه ما لو شهد بموته شاهدان، وتبين أنه حي. وإن قدم بعد تزوجها، وقبل دخوله بها، فكذلك لما ذكرناه وقيل عنه: إن حكمها حكم المدخول بها، والصحيح الأول. وإن قدم بعد دخول الثاني بها، خير بينها وبين صداقها، لإجماع الصحابة عليه. فإن اختارها، فهي زوجته بالعقد الأول، ولم يحتج الثاني إلى طلاق؛ لأننا بينا بطلان عقده. وإن اختار صداقها، فله ذلك، ويأخذ من الثاني صداقها الذي ساق إليها الأول. اختاره أبو بكر؛ لأن عليًا وعثمان رضي الله عنهما قالا: يخير بينها وبين صداقها الذي ساق. ولأن الثاني أتلف المعوض، فرجع عليه بالعوض، كشهود الطلاق إذا رجعوا عنه. وعنه: يرجع بالصداق الآخر؛ لأنه بذل عوضًا عما هو مستحق للأول، فكان أولى به. وهل يرجع الثاني على المرأة ما غرمه للأول؟ على روايتين. وتكون زوجة الثاني من غير تجديد عقد؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لم ينقل عنهم أمر بتجديد العقد، والقياس أن يلزمه تجديد العقد؛ لأننا تبينا بطلان ما مضى من عقده بحياة صاحبه، ولذلك ملك أخذها منه، فعلى هذا الوجه، الأول يؤمر بطلاقها، ثم يعقد عليها الثاني عقدًا. وإن رجع الأول بعد موت الثاني، ورثت، واعتدت، ورجعت إلى الأول، قضى بذلك عمر وعثمان رضي الله عنهما. رواه الجوزجاني في ((المترجم)) . وقال أبو الخطاب: قياس المذهب أنا إن حكمنا بوقوع الفرقة ظاهرًا وباطنًا، فهي زوجة الثاني، ولا خيار للأول، ولا ينفذ طلاقه لها، ولا يتوارثان إذا مات أحدهما. فإن لم يحكم بوقوعها باطنًا، فهي زوجة الأول بكل حال، ووطء الثاني لها وطء بشبهة.

فصل:

فإن اختارت امرأة المفقود الصبر حتى يتبين أمره، فلها النفقة والمسكن أبدًا، سواء

ص: 203