الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المخوف، أنه يقطع التتابع؛ لأنه أفطر باختياره، فقطع التتابع، كالفطر لغير عذر. وإن أفطرت الحامل والمرضع خوفاً على أنفسهما، فهما كالمريض، وإن أفطرتا خوفاً على ولديهما، احتمل أن لا ينقطع التتابع؛ لأنه عذر مبيح للفطر، أشبه المرض، واحتمل أن ينقطع؛ لأن الخوف على غيرهما، ولذلك أوجب الكفارة مع قضاء رمضان.
ومن أكل يظن أن الفجر لم يطلع، وقد طلع، أو يظن أن الشمس قد غابت، ولم تغب، أفطر. وفي قطع التتابع، وجهان، بناء على ما تقدم وإن نسي التتابع، أو تركه جاهلاً بوجوبه، انقطع؛ لأنه تتبع واجب، فانقطع بتركه جهلاً أو نسياناً، كالموالاة في الطهارة.
وإن أفطر يوم فطر أو أضحى، أو أيام التشريق، لم ينقطع به التتابع؛ لأنه فطر واجب أشبه الفطر للحيض، ويكمل الشهر الذي أفطر فيه يوم الفطر ثلاثين يوماً؛ لأنه بدأ من أثنائه. وإن صام ذا الحجة، قضى أربعة أيام، وحسب بقدر ما أفطر؛ لأنه بدأ من أوله. وإن قطع صوم الكفارة بصوم رمضان، لم ينقطع التتابع؛ لأنه زمن منع الشرع صومه في الكفارة، أشبه زمن الحيض. وإن صام أثناء الشهرين عن نذر، أو قضاء، أو تطوعاً، انقطع التتابع؛ لأنه قطع صوم الكفارة اختياراً لسبب من جهته، فأشبه ما لو أفطر لغير عذر.
وإن كان عليه نذر في كل يوم خميس، قدم صوم الكفارة عليه، وقضاه بعدها وكفر؛ لأنه لو صام، لم يمكنه التكفير بحال.
فصل:
وإن وطئ التي ظاهر منها في ليالي الصوم، لزمه الاستئناف، لقول الله تعالى:{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4] . أمر بهما خاليين عن التماس، ولم يوجد، وعنه: لا ينقطع التتابع؛ لأنه وطء لا يفطر به. فلم يقطع التتابع، كوطء غيرها، وإن وطئ غيرها ليلاً، لم ينقطع التتابع؛ لأنه غير ممنوع منه، وإن وطئها نهاراً ناسياً أفطر، وانقطع التتابع وعنه: لا يفطر ولا ينقطع التتابع به.
[فصل الإطعام في كفارة الظهار]
فصل:
ومن لم يستطع الصوم لكبر أو مرض غير مرجو الزوال، أو شبق شديد أو نحوه، لزمه إطعام ستين مسكيناً؛ لأن سلمة بن صخر لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشدة شبقه، أمره بالإطعام، وأمر أوس بن الصامت بالإطعام حين قالت امرأته: إنه شيخ كبير ما به من صيام. فإن قدر على ستين مسكيناً لم يجزئه أقل منهم، وعنه: يجزئه ترديد الإطعام على واحد ستين يوماً؛ لأنه في معنى إطعام ستين مسكيناً، لكونه قد دفع في كل يوم حاجة مسكين، وعنه: لا يجزئه إلا إطعام ستين مسكيناً، سواء وجدهم أو لم يجدهم،
لظاهر قوله: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] . والمذهب أن ذلك يجزئ مع تعذر المساكين للحاجة، ولا يجزئ مع وجودهم؛ لأنه أمكن امتثال الأمر بصورته ومعناه.
فصل:
والواجب أن يدفع إلى كل مسكين مد بر أو نصف صاع من تمر أو شعير، لما روى الإمام أحمد: بإسناده عن أبي يزيد المدني قال: «جاءت امرأة من بني بياضة بنصف وسق شعير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمظاهر: أطعم هذا فإن مدي شعير مكان مد بر» وهذا نص، ولأنها كفارة تشتمل على صيام وإطعام، فكان منها لكل فقير من التمر نصف صاع، كفدية الأذى. وأما المد من البر، فيجزئ؛ لأنه قول زيد وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم، ويجب أن يملك كل فقير هذا القدر، فإن دفعه إليهم مشاعاً، فقال: هذا بينكم بالسوية، فقبلوه، أجزأه لأنه دفع إليهم حقهم، فبرئ منه كالدين.
وقال ابن حامد: يجزئه، وإن لم يقل بالسوية؛ لأن قوله: عن كفارتي يقتضي التسوية، وإن غداهم أو عشاهم ستين مداً، ففيه روايتان:
أحدهما: يجزئ لقول الله تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] . وهذا قد أطعمهم، ولأن أنساً فعل ذلك، وظاهر المذهب أنه لا يجزئ؛ لأنه لا يعلم وصول حق كل فقير إليه، ولأنه حق وجب للفقراء شرعاً، فوجب تمليكهم إياه كالزكاة، ولا يجب التتابع في الإطعام لأن الأمر به مطلق لا تقييد فيه.
فصل:
ويجزئه في الإطعام ما يجزئه في الفطرة، سواء كانت قوت بلده أو لم تكن، وإن أخرج غيرها من الحبوب التي هي قوت بلده أجزأه، ذكره أبو الخطاب، لقول الله تعالى:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] ، فإن أخرج غير قوت بلده، خيراً منه، جاز لأنه زاد على الواجب، وإن كان أنقص منه، لم يجزئ وقال القاضي: لا يجزئ إخراج غير ما يجزئ في الفطرة لأنه إطعام للمساكين، فأشبه الفطرة، والأول أجود، لموافقته ظاهر النص، ويجوز إخراج الدقيق إذا بلغ قدر مد من الحنطة، وفي الخبز روايتان:
إحداهما: يجزئه، لقول الله تعالى:{فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] . ومخرج الخبز قد أطعمهم، والأخرى لا يجزئه؛ لأنه قد خرج عن حال الكمال، والادخار، فأشبه
الهريسة، فإذا قلنا: يجزئه، اعتبر أن يكون من مد بر فصاعداً، فإن أخذ مد حنطة فطحنه وخبزه، أجزأه. وقال الخرقي: لكل مسكين رطلا خبز؛ لأن الغالب أنهما لا يكونان إلا من مد فأكثر، وفي السويق وجهان، بناء على الروايتين في الخبز، ولا تجزئ الهريسة والكبولاء؛ لأنه خرج عن الاقتيات المعتاد، ولا القيمة؛ لأنه أحد ما يكفر به، فلم تجزئ القيمة فيه، كالعتق.
فصل:
ولا يجوز صرفها إلا إلى الفقراء، والمساكين؛ لأنهما صنف واحد في غير الزكاة، ولا يجوز دفعها إلى غني، وإن كان من أصناف الزكاة؛ لأن الله تعالى، خص بها المساكين، ولا إلى مكاتب كذلك، وقال الشريف أبو جعفر: يجوز دفعها إليه؛ لأنه يأخذ من الزكاة لحاجته، فأشبه المسكين، والأول أولى؛ لأن الله تعالى خص بها المساكين، والمكاتب صنف آخر، فأشبه المؤلفة. ولا يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع الزكاة إليه، كالعبد والكافر، ومن تلزمه مؤنته لما ذكرنا في الزكاة. وخرج أبو الخطاب وجهاً آخر، في جواز الدفع إلى الكافر، بناء على عتقه، ولا يصح؛ لأنه كافر، فلم يجز الدفع إليه كالمستأمن.
فصل: ولا تجزئ كفارة إلا بالنية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» ولأنه حق يجب على سبيل الطهرة، فافتقر إلى النية كالزكاة، فإن كانت عليه كفارات من جنس، لم يلزمه تعيين سببها، وإن كانت من أجناس، فكذلك؛ لأنها كفارات، فلم يجب تعيين سببها، كما لو كانت من جنس، وقال القاضي: يحتمل أن يلزمه تعيين سببها؛ لأنها عبادات من أجناس، فوجب تعيين النية لها، كأنواع الصيام، فلو كانت عليه كفارة لا يعلم سببها، فأعتق رقبة، أجزأه على الوجه الأول، وعلى الوجه الثاني، ينبغي أن تلزمه كفارات بعدد الأسباب، كما لو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها، ولا يلزم نية التتابع في الصيام؛ لأن العبادة هي الصوم، والتتابع شرط فيه، فلم تجب نيته، كالاستقبال في الصلاة.
فصل:
وإن كان المظاهر كافراً، كفر بالعتق والإطعام؛ لأنه يصح منه من غير الكفارة، فصح منه فيها، ولا يكفر بالصوم؛ لأنه لا يصح منه في غيرها، فكذلك فيها، وإن أسلم
قبل التكفير، كفر بما يكفر به المسلمون.
فصل:
ولا يجوز تقديم الكفارة على سببها؛ لأن الحكم لا يجوز تقديمه على سببه، كتقديم الزكاة قبل الملك، ولو كفر عن الظهار قبل المظاهرة، أو عن اليمين قبلها، أو عن القتل قبل الجرح، لم يجز كذلك، وإن كفر بعد السبب، وقبل الشرط، جاز، فإذا كفر عن الظهار بعده وقبل العود، وعن اليمين بعدها وقبل الحنث، وعن القتل بعد الجرح وقبل الزهوق؛ جاز؛ لأن الله تعالى قال:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها، فكفر عن يمينك، وأت الذي هو خير» ولأنها كفارة فجاز تقديمها على شرطها، ككفارة الظهار، ولأنه حق مالي، فجاز تقديمه قبل شرطه، كالزكاة.