الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَرْضُ:
يَجُوزُ قَرْضُ مَا يَثْبُتُ سَلَماً إِلا الْجَوَارِيَ، وَقُيِّدَ لِغَيْرِ مُحْرِمٍ وَالنِّسَاءِ، وَالصَّغِيرِ يَقْتَرِضُ لَهُ وَلِيُّهُ، وَالصَّغِيرَةِ الَّتِى لا تُشْتَهَى ....
القرض في اللغه هو القطع، ومنه قوله: قرض الفار الثوب.
وحقيقة القرض معلومة للعامة فضلا عن الفقهاء، وكذلك كونه مندوبا، وصح أنه عليه السلام اقترض.
وذكر أنه يجوز قرض كل ما يصح السلم فيه كالعروض والحيوان، ويفهم أن كل ما لا يصح سلمه لا يصح قرضه؛ فلا يجوز قرض الأرضين والأشجار وتراب المعادن والجواهر النفيسة، ثم استثنى من هذا القاعدة الجوارى، فإنه يجوز السلم فيهن، ولا يجوز قرضهن؛ لأن المستقرض لما كان متمكنا من رد المثل والعين صار في معنى إعارة الفرج وهو ممنوع، وأجاز ابن عبد الحكم في الحمديسية قرضهن؛ إذ شرط عليه ألا يرد عينها وإنما مثلها، ونقل بعضهم هذا القول فقال: وقال ابن عبد الحكم: يجوز قرض الجوارى، وعليه رد المثل، ولا يرد ما استقرض.
ابن عبد السلام: وهذا هو خلاف. وعلى الأول-وهو نقل الموثوق بهم-لا يبعد موافقته للمشهور، والظاهر أن الكلية التى ذكرها المصنف هنا مطردة منعكسة، فأعطى كلامه أن كل ما يصح أن يسلم فيه إلا الجوارىيصح أن يقرض، وكل ما يصح أن يقرض يصح أن يسلم فيه، غير أن هذا العكس لا يحتاج معه إلا استثناء شيء. ومن قال بعدم (506/ب) عكس هذه الكلية زعم أن جلد الميتة المدبوغ يصح قرضه، ولا يصح أن يسلم فيه غير صحيح بكل اعتبا، والله أعلم.
واعترض بعضهم قول ابن عبد الحكم بأن الشرط لا ينفع؛ لأنها على مثل الدين صفة ومقدارا، ومن أتى بذلك جبر ربه على قبوله، لجواز استثناء هذه الصورة لئلا يؤدى إلى عارية الفروج.
وقوله: (وقيد) وقع في بعض النسخ بالدال فيكون تقيدا، وهو أحسن، وفي بعضها باللام فيكون خلافا لابن بشير، وأكثر الشيوخ أنه غير خلاف، وهو يشعر أن بعضهم عدةه خلافا.
وقوله: (والصغير يقترض له وليه) و (الصغير) مخفوض بالعطف على المحرم؛ أى: قرضهن لهؤلاء جاز.
فائدة:
تقرر ما ذكرناه أن كل شىء يجوز قرضه إلا أربعة أشياء:
- ما لا يمكن الوفاء بمثله كالدور والأرضين والجواهر النفيسة.
- وما لا تحصره الصفة كتراب المعادن وتراب الصواغين.
- والجوارى إلا على ما ذكره.
- والجزاف إلا ما قل كرغيف برغيف ونحوه.
فَإِنْ أَقْرَضَهَا ولَمْ يَطَا رُدَّتْ
أى: فإن أقرض جارية على الوجه المنهي عنه فسخ هذا القرض وردت إلى دافعها، وليست غيبته عليها بمفتية للرد وليست كغيبتة الغاصب عند من جعل غيبتة الغاصب تفيت كالوطء؛ لأنه متعد، ولا كغيبتة من أحلت له إنما غاب عليها الوطء.
وإِنْ وَطِىءَ وَجَبَتِ الْقِيمَةُ عَلَى الْمَنْصُوصِ، وقِيلَ: المِثْلُ؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى الْفَاسِدَ يُرَدُّ إِلَى صَحِيحِ أَصْلِهِ أَو صَحِيحِهِ ....
يعنى: وإن وطىء المقترض الجارية؛ يريد: أو فاتت بما تفوت به في البيع الفاسد-هكذا هو المنصوص- وجبت القيمة على المنصوص كالبيع الفاسد إذا فات المبيع وهو
مقوم؛ بناء على أن القرض الفاسد يرد إلى أصله وهو البيع، وقيل: المثل ردا له إلى صحيحه وهو القرض.
ابن يونس: وأظنه قول الأبهري، ولهذا نظائر كالمساقاة الفاسدة والقرائض ونحوهما، والصواب لو قال: إلى صحيح نفسه؛ لأن الواجب في صحيح أصله الثمن لا القيمة، وهذا الذى ذكره المصنف عام في كل قرض فاسد، سواء كان فساده من الجهتين أو من جهه المقترض بذلك.
وأراد ابن محرز على أبى بكر بن عبد الرحمن فقال: كيف يلزم المقترض القيمة وهو لم يدخل عليها، وإنما دخل على المثل فقال: هذا بمثل ما قاله فيمن تزوج امرأة فأدخلوا عليه مكانها أمة لهم فقد عدها مالك كالمحللة وألزم الزوج القيمة، وإن كان لم يدخل عليها، وأشار ابن محرز إلى أن الحكم في مسألتي القرض والأمة ليس بصحيح، قال: ولا يصرف عيب المسألة وجود أخرى في مثلها بذلك العيب، والصواب عندى ألا يؤخذ المقترض إلا بما دخل عليه فيغرم المثل ثم يباع للمقترض ويعطاه إن كان مساويا للقيمة أو ناقصا عنها وليس له سواه، وإن زاد وقف الزائد رجاء أن يرجع المقرض عن دعواه في فساد القرض، فإن طال توقفه تصدق به على من هوله، وماله المازرى إلى ما اختاره ابن محرز، قال: لولا ما ينظر فيه من يتولى البيع، وعلى من تكون العهدة، وهذا يفتقر إلى نظر آخر.
وشَرْطُهُ أَلا يَجُرَّ مَنْفَعَةً لِلْمُقْرِضِ
أى: سواء تمحضت المنفعة للمقرض أو اشتركت فيها مع المقترض؛ أعنى: أن تكون المنفعة لهما على السواء أو منفعة المقرض أكثر، وأما إن كانت منفعة المقترض أكثر فسيتكلم عليها المصنف، ولا أعلم فيما ذكره المصنف خلافاً.
والسَّفَاتِجُ مُمْتَنِعَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ
يقال: السفاتج والسفتجات على جمع السلامة، وواحدة سفتجة، والسفتجة بفتح السين المهملة وسكون الفاء وفتح التاء المثناة من فوق وبالجيم، وهى كتاب صاحب المال لوكيله في بلد آخر ليدفع إلى حامله بدل ما قبضه منه، والمشهور مذهب المدونة؛ لأن شرط القرض ألا يجر منفعة، وقد انتفع هذا بأمر غرر الطريق. وقيده عبد الوهاب واللخمي بما إذا لم يكن قطع الطريق غالبا، فإن غلب استحب؛ صيانة للأموال، واستدلا بقول مالك في الكراء المضمون بتأخر النقد فيه؛ لكون الأكرياء قد اقتطعوا أموال الناس، ويدفع ثلثي الكراء، ثم أجازه إذا قدم اليسير كالدينار ونحوه، وهذا هو الدين بالدين، وقد أجازه مالك؛ لئلا تهلك أموال الناس، والشاذ لمحمد بن عبد الحكم بالجواز، ونقل ابن الجلاب عن مالك الكراهة، قال: وأجازه غيره من أصحابنا، فإن لم تتأول الكراهة على المنع كان ثالثا، وكذلك إن لم يجعل كلام القاضي تقييدا لقول مالك كان رابعا.
وفِي سَلَمِ السَّائِسِ بِالسَّالِمِ فِي زَمَنِ الْمَسْغَبَةِ، والدَّقِيقِ والْكَعْكِ لِلْحَاجِّ بِدَقِيقٍ فِي بَلَدٍ بِعَيْنِهِ قَوْلانِ، وفيها: يُسَلِّفُ ولا يَشْتَرِطُ ....
السائس هو المُسوَّس، وتصور كلامه ظاهر، والمشهور المنع في المسألتين، والشاذ لسحنون، وقيد اللخمي المشهور بما إذا لم يقم دليل على إرادة نفع المستسلف فقط، وأما إن قام ذلك فيجوز، ونص ابن حبيب على عدم الجواز وإن كان النفع للمستسلف وحده، ونقل أبو محمد صالح عن أبي موسى المومناني أن قول اللخمي تفسير للمذهب، وأن قول ابن حبيب خلاف، ويدل على أن قول اللخمي (507/أ) تفسير قوله
في المدونة:" ومن له إلى جانبك زرع فاستقرضته منه على أن تقتضيه من زرع لك ببلد لم يجز، وإن أقرضك فدانا من زرع تحصده وتدرسه لحاجتك وترد عليه مثل كيل ما فيه؛ فإن فعل
ذلك رفقا ونفعا لك دونه جاز إن كان ليس فيما كفيته منه كبير مؤنة في كثرة زرعه، ولو اعتزى بذلك نفع نفسه بكفايتك إياه لم يجز".
وخص الحاج بالذكر لأنه يقصد إليها غالبا، وإلا فكل من كان مثله فكذلك.
وهَدِيَّتُهُ لا تَجُوزُ مَا لَمْ يَكُنْ مِثْلُهَا قَبْلُ، أَوْ حَدَثَ مُوجِبٌ، فَإِنْ وَقَعَتْ رُدَّتْ، فَإِنْ فَاتَتْ فَكَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ ....
أى: وهدية المديان لا تجوز؛ لأنها تؤول إلى السلف بزيادة.
ابن بطال فب شرح البخاري: وكذلك هدية ذي الجاه، وقاله الغزالي.
وألحق المتأخرون بهدية المديان هدية رب المال لعامه في الأقراض؛ لأنه يقصد بذلك أن يستديم العامل العمل فيصير سلفا جر منفعة، وأما هدية العامل لرب المال فإن لم يشغل المال منع بالاتفاق، وإن أشغله فللمتأخرين قولان؛ بناء على اعتبار الحال والمآل، واختار ابن يونس المنع مطلقا.
قوله: (ما لم يكن مثلها قبل) فتجوز بمثل تلك الهدية، وأما لو زادت لم يجز. وحدوث الموجب كالمصاهرة ونحوها، وفي العتبية عن مالك في مبتاع الزيت بثمن إلى أجل ويبقى له من وزن الزيت رطلان يتركهما للبائع؟ فأجازه في اليسير وقال: لا يعجبنى في الكثير، وقال في البيان: كرهه مالك في الكثير؛ خوفا من هدية المبتاع.
وقوله: (فإن وقعت ردت، فإن فاتت فكالبيع الفاسد) فيرد المثل في المثلي، والقيمة في المقوم.
وفِي مُبَايَعَتِهِ بِالْمُسَامَحَةِ الْجَوَازُ والْكَرَاهَةُ
يعني: أنه اختلف في مبايعة المديان لرب الدين وبمسامحة من المديان له، ومفهوم كلامه الجواز إذا لم تكن مسامحة، ومقتضى ما حكاه المازري وابن بشير وغيرهما العكس،
وهو الظاهر إن كانت مسامحة منع وفافا، وإلا فقولان، وقيد اللخميالخلاف بما قبل الأجل، وأما بعده فلم يحك إلاالكراهه وصرح المازري بعدم الجواز بعد الأجل فقال: وكذلك إن كانت المبايعة بعد حلول الدين فلا يجوز ذلك، وهو آكد في التهمة؛ لأن الدين قد وجب على من عليه قضاؤه.
ويَمْلِكُ الْقَرْضَ، ولا يَلْزَمُ رَدُّهُ إِلا بَعْدَ مُدَّةِ الشَّرْطِ أَوِ الْعَادَةِ، ولَهُ رَدُّ الْمِثْلِ أَوِ الْعَيْنِ مِا لِمْ يَتَغَيَّرْ .....
أى: يملك المقترض الشىء المقرض، ولا يلزم رده إلا بعد المدة المشروطة بلا خلاف، وإن لم يشترطا مدة رجعا إلى التحديد بالعادة، وليس له رجوع قبلها. قال الخضراوي في وثائقه: إلا أن يعسر، وأجراه على عارية الجدار المبهمة. ويأتى على قول مطرف وابن الماجشون في الجدار أنه ليس له أن يرجع وإن احتاج، وما ذكره المصنف من الرجوع إلى العادة عند الإطلاق.
ابن محرز وغيره: هو ظاهر المذهب.
وحكى جماعه فبه إذا اتفقا على أن العقد وقع على الإطلاق ثم طلب رد القرض أخذه ثلاث أقوال:
قال أبو عمران: ذلك جائز ويقضى بالحلول.
وقال ابن أبى زيد: يقضى بالأجل.
وقال ابن القاسم: لا يجوز وإن لم يتفقا على أن العقد وقع على الإطلاق؛ وقال المقلض على الحلول، وخالفه المقترض فقال الشيخان: القول قول المقترض. وقال ابن أخى هشام: القول قول المقرض. وفي المدونة القول قول المقترض. فرأى الشيخان أن الراء مكسورة، ورأى ابن أخى هشام أنها مفتوحة.