الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَحْصُلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهَا
زاد في الجواهر من قول أو فعل، وهذا هو الركن الرابع.
وقوله: على معناها: أي على تمليك المنفعة بغير عوض.
وَلَوْ قَالَ: أَعِنِّي بِغُلامِكَ أَوْ ثَوْرِكَ يَوْماً وأَعُينُكَ بِغُلامِي أَوْ ثُوْري يَوْماً فَإِجَارَةٌ، وأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَآهُ مِنَ الرِّفْقِ ....
(فَإِجَارَةٌ) يعني ليس بعارية، وهكذا صرح به ابن شاس؛ لأنه إنما ينظر إلى المعنى ولا ينظر إلى اللفظ، فإن قوله:(أَعِنِّي) قريب من العارية، وإذا كان إجارة فيشترط أن يكون ما يقع التعاون فيه معلوماً سواء كان من نوع واحد كالحصاد أو نوعين كالدراس والبناء، وأن يكون زمان العمل قريبً من عقد هذه الإجارة، فلو قال: أعنِّي بعبدك غداً على أن أعينك بعبدي بعد شهر لم يجز؛ لأنه نقد في منافع معين يتأخر قبضها؛ فإن قيل: إذا كان إجارة واشترط انتفاع الغرر في العمل في زمانه فأين الرفق؟ قيل: لعله في المتقدم من الغلامين، وأن هذا العقد جائز، وإن لم يتفاهما، أي الغلامين يكون عمله أولاً، هكذا قال ابن عبد السلام، وانظر لم نسب الجواز لابن القاسم فقط؟
الضَّمَانُ:
إِنْ كَانَ مِمَّا لا يُغَابُ عَلَيْهِ لِمْ يَضْمَنْ إِلا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ، وإِنْ كَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ ضَمِنَ إِلا بِبَيِّنَةٍ عَلَى تَلَفِهِ. وقَالَ أَشْهَبُ: ولَوْ قَامَتْ
…
تقدمت نظائر هذه المسألة والكلام عليها في الرهن وغيره، وحكى ابن شعبان عن مالك قولاً أنه لا ضمان عليه إلا أن يشترط، حكاه في المقدمات وظاهره كان مما لا يغاب عليه أو لا.
وذكر اللخمي أن ابن شعبان حكى عن مالك أنه لا يصدق في ذهاب الحيوان والعبيد والدواب.
اللخمي: وقيل لا يصدق فيما صغر خاصة؛ لأنه يخفى إذا غيب عليه، وقد يرجع هذا القول فيما يراد منه الأكل دون غيره.
ابن المواز: وإذا قلنا: لا يضمن الدابة فيضمن سرجها ولجامها.
اللخمي: ولا يضمن العبد ولا ما عليه من الكسوة؛ لن العبد حائز لما عليه.
ومَا عُلِمَ أَنَّهُ بِغَيْرِسَبَبِهِ - كَالسُّوسِ فِي الثوب - يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ فَسَاداً فيَبْرَأُ
هكذا في الموازية، ولا يكفي في اليمين: ما أراد فساداً، بل يزيد فيها: ولا ضَيَّع. وألحق التونسي الفأر بالسوس في هذا، وساوى اللخمي بين الفأر والسوس والحرق بالنار في الضمان، قال: لأن الغالب أن الناَّر لا تحدث إلا من فعله إلا أن يثبت أنه من غير فعله، وكذلك السُّوس إنما يحدث من الغفلة عن اللباس والمعير يقول: لو لبسته لم يتسوس، وقرض الفأر لا يحدث إلا لأمر كان من اللباس من رائحة طعام ونحوه، قال: وحيث ضمَّناه القيمة فهل يوم العارية أو يوم التلف؟ قولان مخرجان من القولين في الرهن، وما لا ينقص بالاستعمال يغرم جميعه، وكذلك ما ينقص إذا كانت مدة العارية قريبة لا ينقص في مثلها، وإن كانت بعيدة ينقص في مثلها ضمن قيمة ما يبقى بعد انقضاء مدة العارية.
وإِذَا اشْتَرَطَ إِسْقَاطَ الضَّمَانِ فِي مَا يَضْمَنُ، أَوْ إِثْبَاتَهُ فِي مَا لا يَضْمَنُ - فَفِي إِفَادَتِهِ قَوْلانِ ....
نحوه في الجواهر ما إذا اشترط إسقاط الضمان في ما يضمن؛ كالثياب ونحوها، فقال المازري في كلامه المنسوب إليه على المدونة: في المسألة قولان، وقال في شرح التلقين: واللخمي وغيرهما: اتفق ابن القاسم وأشهب عنا على إعمال الشرط، وإن كانا قد اختلفا في الرهن؛ لأن العارية معروف ثان لا مانع منه بخلاف الرهن.
اللخمي: وقال سحنون: في من أعطى لرجل مالاً يكونُ له ربحهُ ولا ضَمَانَ عليه، أنه ضامن، فعلى هذا يسقط شرطه في الثياب.
والذي في المقدمات الضمان لابن القاسم، وأنه قال في بعض روايات المدونة وهو [573/ب] أيضاً في العتبية لابن القاسم وأشهب في بعض روايات من كتاب العارية، قال: وعلى ما حكاه ابن أبي زيد في المختصر عن أشهب في الصانع يشترط الضمان عليه، أن شرطه جائز ينفعه الشرط في العارية، قال: لأنه إذا لزمه في الصانع فأحرى في المستعير؛ لأن المعير إذا أعاره على ألا ضمان فقد فعل المعروف معه من وجهين: إلا أن يكون ذلك من باب إسقاط حق قبل وجوبه، فلا يلزمه على أحد القولين، وأما إذا اشترط إثبات الضمان فيما لا يضمن من حيوان ونحوه، فقال مالك رحمه الله تعالى وجميع اصحابه: الشرط باطل مطلقاً إلا مطرفاً فإن قال: إن شرط عليه الضمان لأمر خافه من طريق مخوفة أو نهر أو لصوص أو ما أشبه ذلك فالشرط لازم إن عطبت في الأمر الذي خافه، واشترطه الضمان من أجلِهِ، وإن هلكت بغير ذلك لم يضمن.
والظاهر أن المصنف لم يرد قول مطرف؛ لأن كلامه لا يبنى على التفصيل، وظاهر كلامه أنه يضمن على أحد القولين؛ وهذا ليس بمنصوص بل خرجه اللخمي، قال: ويجري فيها قول بالضمان كما شرط؛ لأنه الواجب في أحد قولي مالك من غير شرط، فقد دخلا على التزام أحد القولين.
وَإِذَا ادَّعَى كَسْرَ السَّيْفِ أَوِ الْفَاسِ بِاسْتِعْمَالِهِ وَأَحْضَرَهُ لَمْ يُقْبَلْ إِلا بِبَيِّنَةٍ، وقِيلَ: يُقْبَلُ ....
يحتمل أن يريد بالقول الأول مذهب المدونة ونصها: وإن استعار سيفاً ليقاتل به فانكسر لم يضمن؛ لأنه فعل به ما أذن له فيه، وهذا إذا كانت بينة أو عرف أنه كان معه في اللقاء وإلا ضمن، وفي البيان في هذه المسألة أربعة أقوال:
الأول لابن القاسم في العتبية وابن وهب أنه لا يصدق إلا ببينة.
الثاني أنه يصدق إذا ائتمن ذلك بما يشبه وهو قول عيسى بن دينار ومثله حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وأصبغ واختاره؛ لأنه من محاسن الأخلاق أن يصلحه.
الثالث: قوله في المدونة في السيف أنه لا يصدق إلا أن تكون له بينة أنه كان معه في اللقاء.
الرابع: قول سحنون: يضمن إلا أن تكون له بينة أنه ضرب به في اللقاء ضرباً يجوز له قال: وهو أبعد الأقاويل، وأولاها بالصواب قول عيسى، والظاهر من قول المصنف أنه أراد بالقول الأول قول ابن القاسم في المدونة، وعلى هذا ففي تقديمه نظر.
اللخمي: وأما الرحا تستعار ليطحن عليها فيأتي بها وقد حفيت فلا شيء عليه بالاتفاق.
ولا يَتَعَدَّى الْمَاذُونَ فِيهِ؛ فَلا يَزْرَعُ مَا ضَرَرُهُ أَكْثَرُ
إذا أعاره أرضاً مثلاً ليزرع فيها شيئاً، فليس للمستعير أن يزرع ما هو أضر منه، ومفهومه أنَّ له أن يزرع ما هو مساوٍ في الضرر للأول، وهو صحيح صرح بذلك صاحب الجواهر وغير واحد في المدونة.
وإن استعار دابةً ليحمل عليها حنطة فحمل عليها حجارة فكل ما حمل مما هو أضر مما استعاره له، فعطبت به فهو ضامن، وإن كانت مثله في الضرر لم يضمن؛ كحمله عدساً في مكان حنطة أو كتاناً أو قطناً في مكان بز، فظاهرها أنه إذا حمل عليها ما هو أضر فعطبت فهو ضامن، سواء زاد ما تعطب بمثله أم لا، لكن الشيوخ فصلوا ذلك؛ فقالوا: إن كانت تلك الزيادة لا تعطب بمثلها فعطبت فليس لربِّ الدابة إلا كراء الزيادة فقط، وإن كان ذلك الزائد مما تعطب بمثله خير ربها في أن يضمنه قيمة الدابة يوم تعديه ولا شيء له غير ذلك أو يأخذ كراء الفضل فقط.
ابن يونس: ومعرفة ذلك أن يقال: كم يساوي كراؤها فيما استعارها له؟ فإن قيل: عشرة، قيل: وكم يساوي كراؤها في ما حمل عليها؟ فإن قيل: خمسة عشر؛ خير رب الدابة بين أن يُضمنَه قيمة الدابة أو يأخذ الخمسة الزائدة فقط، وأما إن كانت تلك الزيادة لا تعطب بمثلها فليس عليه إلا الخمسة، وكذلك إن لم تعطب فليس له إلا كراء الزيادة.
فَلَو أَطْلَقَ فَاسْتِعْمَالُ مِثْلِهَا
يعني: فإن استعار شيئاً ولم يبين الوجه الذي استعاره من أجله، فإنه يتعين ذلك بمقتضى العادة، بل نص في المدونة على أنه يترك ظاهر اللفظ للعادة، ففيها: وإن استعار دابة ليركبها حيث شاء وهو بالفسطاط فركبها إلى الشام أو إلى إفريقية، فإن كان وجه عاريته إلى ذلك فلا شيء عليه وإلا ضمن.
والذي يسأل رجلاً أن يسرج له دابة ليركبها في حاجة فيقول له: اركبها إلى حيث أحببت، فهذا يعلم الناس أنه لم يسرجها له إلى الشام، ولمراعاة العادة يحمل أيضاً عليها عند الاختلاف، ففي المدونة: ولو استعار مُهراً فحَملَ عليه بزاً لم يصدق أنه استعاره لذلك، وإن كان بعيراً صُدِّق.
وَهِيَ لازِمَةٌ فَإِنْ أَجَّلَهَا بِمُدَّةٍ أَوْ عَمَلٍ لَزِمَتْ إِلَى انْقِضَائِهِ وَإِلا فَالْمُعْتَادُ فِي مِثْلِهَا، وفِي اللُّزُومِ قَبْلَ الْقَبْضِ قَوْلانِ ....
أي: لازمة بالقول؛ لأنها نوع من أنواع الهبة فتلزم كبقية الأنواع، والظاهر أن المراد بقوله: لازمة إذا حصل الإيجاب والقبول، لقوله بعد ذلك: وفي اللزوم قبل القبض قولان، واللزوم هو أصل المذهب كالهبة، وهو قول ابن القصار، ولعل القول الأخر مبني على الشاذ في الهبة أنها تلزم بالقول، وحكاه في الجواهر عن أشهب وزاد عنه أن له الرد بعد القبض بالقرب، وقال القاضي أبو الفرج: ما روي من وجوب العارية بالقول دون
الإقباض إنما هو في الأرضين، ويريد أبو الفرج قوله في المدونة في الأرض يعيرها للبناء أو للغرس أنه ليس له إخراجه بقرب الغرس أو البناء.
وقوله: فإن أجلها بمدة: أي كشهر [574/أ] أو عمل؛ كزرع بطن لزمت إلى انقضائها (وَإِلا فَالْمُعْتَادُ فِي مِثْلِهَا) أي وإن لم يضرب أجلاً، وهكذا روى الدمياطي عن ابن القاسم أنه قال: وإن لم يضرب له أجلاً، فليس له إخراجه حتى يبلغ ما يعار إلى مثله من الأمد.
ابن يونس: وهو صواب؛ لأن العرف كالشَّرط، وذكر أشهب في كتابه أنَّ للمعير إذا فرغ المستعير من بنائه وغرسه أن يخرجه فيما قرب أو بعد؛ لأنه إعارة إلى غير أجل، وقد فرض إذا لم يضرب أجلاً ويعطيه رب الأرض قيمته مقلوعاً ويأخذه أو يأمره بقلعه، وروى عنه الدمياطي أنه له إخراجه متى شاء إن كانت له حاجة إلى عرصته أو إلى بيعها سواء تقدم بينهما شرط أم لا، وإن كان لغير حاجة ولكن لشيء وقع بينهما، فليس له ذلك، وقال أصبغ: إذا لم يسكن فليس له إخراجه أيضاً.
وإن أعطاه قيمته قائماً إلا برضاه وبه أخذ يحيى بن عمر.
وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْبِنَاءِ أَوِ الْغَرسِ فَلَهُ دَفْعُ قِيمَتِهِ مَقْلُوعاً بَعْدَ مُحاَسَبَتِهِ بِأُجْرَةِ الْقَلْعِ وإِخْلاءِ الأَرْضِ، أَوْ يَامُرُهُ بِقَلْعِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ نَقْضِهِ أَخَذَهُ مَجَّاناً ....
يعني (إِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْبِنَاءِ أَوِ الْغَرسِ) أي المدة المشترطة بالشرط أو بالعادة فللمعير دفع قيمة البناء والغرس مقلوعاً.
وقوله: (بَعْدَ مُحاَسَبَتِهِ) هكذا نص عليه محمد وابن شعبان وغيرهما، ومعناه أن يسقط من النقض قيمة قلع البناء وتنظيف الأرض لتعود كما كانت وكذلك الشجر؛ مثاله: أن يقال: كم تساوي قيمة النقض الذي في هذا أو الشجر بعد قلعه؟ فيقال: مائة،
فيقال: وبكم يقلع هذا؟ فيقال: بعشرة، ويقال: وكم تساوي الأرض لتعود كما كانت فيقال: عشرة، فيعطيه ثمانين.
قال غير واحد: إلا أن يكون المستعير ممن يتولى القلع وتنظيف الأرض بنفسه أو بعبده فلا يسقط لذلك شيء، وقيل: إن ما نص عليه محمد من إسقاط أجرة القلع خلاف مذهب ابن القاسم في المدونة، فإن مذهبه فيها لا يحط ذلك، وإلى هذا ذهب ابن دحون، واعتل في ذلك بأن الغاصب لو هدمه لم يكن للمغصوب منه أن يأخذه بالقيمة بعد هدمه، وكذلك أنكر ابن سهل كلام ابن المواز، واعتقد أن قيمة البناء مقلوعاً تستلزم طرح أجرة القلع، فلا ينبغي أن تسقط مرة أخرى، وليس بالبين، فإن تقويم البناء مقلوعاً أعم من كل واحد من وجهي طرح أجرة القلع وعدم طرحه، والأعم لا يستلزم الأخص.
وروى مطرف وابن الماجشون أن كل من بنى في أرض قوم أو غرس بإذنهم وأعلمهم فلم يمنعوه ولا أنكروا عليه فله قيمته قائماً؛ كالباني بشبهة، وكذلك من تكارى أرضاً أو بنى في أرض زوجته.
ابن حبيب: وهو قول ابن كنانة وجميع المدنيين، وقاله ابن القاسم، وعلى هذا فالغاصب متفق عليه أنه يأخذ قيمة البناء مقلوعاً، والمستحق من يده متفق عليه أنه يأخذ قيمة البناء قائماً، ويختلف في المستعير والمكتري.
قوله: (أَوْ يَامُرُهُ بِقَلْعِهِ) يعني أن رب الأرض يخير في أمرين: إما أن يعطيه القيمة كما تقدم، وإما أن يأمره بقلع بنائه؛ هذا بشرط أن يكون للبناء والغرس قيمة بعد القلع، وأما إن لم تكن له قيمة بعد القلع فلا يكون للباني فيه شيء.
وَقِيلَ لِلْمُعِيرِ الإِخْرَاجُ فِي الْمُدَّةِ الْمُعْتَادَةِ إَذَا أَعْطَى مَا أنْفَقَ، وَقِيلَ: قِيمَةَ مَا أنْفَقَ
يعني: أن المدة المشترطة ليس للمعير الإخراج قبل انقضائها، وأما المعتادة ففيها قولان:
الأول: وهو الذي قدمه المصنف، أنها كالمشترطة وهو قوله:(وإلا فالمعتاد في مثلها).
والثاني: أن للمعير الإخراج فيها، فقوله:(وَقِيلَ: لِلْمُعِيرِ) مقابل لقوله. (وإلا فالمعتاد في مثلها).
والأول لمطرف وابن الماجشون، والثاني: مذهب المدونة ففيها: ومن أذنت له أن يبني في أرضك أو يغرس، فلما فعل أردت أخراجه إلا أن تعطيه ما أنفق، فإما بقرب ذلك مما لا يشبه أن يعيره إلى مثل تلك المدة القريبة، فليس لك إخراجه، وقال في باب بعد هذا: قيمة ما أنفق وإلا تركته إلى مثل ما يرى الناس أنك أعرته إلى مثله من الأمد، وإلى هذا أشار المصنف بقوله:(إَذَا أَعْطَى مَا أنْفَقَ، وَقِيلَ: قِيمَةَ مَا أنْفَقَ)، وهذا الكلام من المصنف يدل على أنه حمل ما في المدونة على الخلاف، وهو تأويل غير واحد، وجمع بعضهم بينها فقال: يعطيه ما أنفق إذا اشترى المستعير ذلك للعمارة، وقيمة ما أنفق إذا كان ما أنفقه في ملكه ولم يشتر، وقيل: ما أنفق إذا كان بالقرب جداً؛ كاليوم واليومين، وقيمة ما أنفق إذا طال الأمد؛ لأنه تغير بانتفاعه، وقيل: ما أنفق إذا لم يكن فيه تغابن أو كان فيه تغابن يسير، ومرة رأى القيمة أعدل؛ إذ قد يسامح مرة فيما يشتريه ومرة يغبن فيه، قال في النكت: فهو على هذا الذي وصفنا لا يكون اختلاف قول.
ابن يونس: والثالث والأول محتملان، وأما الثاني فخطأ؛ لأنه إنما يعطيه قيمة ما أنفق يوم البناء، فلا يراعي تغييراً ولم يتغير، ولو عكس هذا لكان أولى؛ لن ما تقدم وتغير القيمة فيه يوم البناء متعذرة لتغيره، ولا يقال: كيف كان حاله يوم البناء فيجب أن يعطيه ما أنفق لهذا، وما كان بالقرب ولم يتغير فالقيمة فيه مخلصة، فإذا أعطاها لم يظلم؛ لأنها متوسطة.
وفي مختصر حمديس: إذا أعطاه ما أنفق، يطعيه أجرة مثله في كفايته، ليس على قيامه فقط؛ لأن رب الأرض قد يجد ما ينفق ويعجز عن القيام، ولو نشأ ذلك من عجز عن القيام أن يعير أرضاً، فإذا استوى البناء، والغرس أخرجه وقال: هذه نفقتك.
أبو الحسن: قالوا: وإذا أعطاه قيمته قائماً، فمعناه على التأبيد بخلاف أول مسألة كتاب الاستحقاق، فإن إذا أعطاه قيمته قائماً فإنه إلى تمام المدة، قالوا: والفرق بينهما أن ما في الاستحقاق أن المستحق لم [574/ب] يأذن له وإنما أذن له غيره، وهنا الإذن من رب الأرض.
تنبيهان:
الأول: قد تقدم في آخر الشركة أن ابن زرقون حصل في هذه المسألة ومسألة عارية الجدار لغرز الجذع ستة أقوال، فانظرها.
الثاني: استقرأ ابن الهنيد من المسألة هذه من قوله: (ليس لك إخراجه في المدة القريبة) أنّ من أسلف رجلاً سلفاً ثم أراد تعجيل أخذه بالقرب فإنه ينظر إلى قدر ما ينتفع به في مثله، فإن كان قدر ما ينتفع به من المد فإنه يقضي عليه وإلا فلا، وهو منصوص أيضاً في العتبية.
وإِذا تَنَازَعَا فِي الْعَارِيَةِ وَالإِجَارَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ إِلا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْعُرْفُ
يعني: إذا ركب دابَّة رجل إلى بلد وادَّعى أنه أعارَه إيَّاها، وقال ربُّها: بل اكتريتُها منِّي، فالقولُ قولُ ربِّها. ابن راشد: مع يمينه. ابن يونس: لأنه ادعى عليه معروفاً.
وقوله: (إِلا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْعُرْفُ) قال في المدونة: بأن يكون ربها لا يكري الدواب لشرفه وقدره، وهذا هو المراد بقوله:(إِلا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْعُرْفُ) وليس المراد مجرد قوله: ولا يكري عادة، فإن هذا مقبول القول، ذكر هذا في النوادر عن أشهب فقال: وقال أشهب: القول قول المالك وإن كان ممن لا يكري دابته ويحلف لقد أكراها ويحلف الآخر ما أكراها ويغرم قيمة الكراء؛ وهذا ما لم يكن أكثر مما ادعاه صاحبها، إلا أن يكون رجلاً شريفاً عظيم القدر يأنف مثله من كراء دوابه، فيكون القول قول المستعير مع يمينه.
ابن عبد السلام: وهو معنى ما في المدونة وفي اللخمي.
وقال ابن كنانة: إن كان صاحب الدابة ممن يعرف بكراء الدواب ولذلك حبسها وهي بضاعته حلف وأخذ الكراء إذا ادعى ما يشبه أن يستأجر به، وإن كان ممن لا يعرف بكراء الدواب ولا ذلك عمله، حلف الآخر أنها عارية ولا شيء عليه، وحيث قلنا القول قول المالك في أنه لم يأذن إلا بعوض، فهل يقبل قوله في مقداره؟ قال في الجعل والإجارة، وإن ادعى رب المتاع أن الصانع عمله بإطلاق وقال الصانع: بل بأجر، صدق الصانع فيما يشبه الأجر وإلا رد إلى أجر مثله، وفي أكرية الدور: ومن أسكنته دارك ثم سألته الكراء. فادعى أنك أسكنته بغير كراء، فالقول قولك فيما يشبه من الكراء مع يمينك، وقال غيره: على الساكن الأقل من دعواك أو من كراء المثل بعد أيمانهما.
وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي النِّهَايَةِ؛ فَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ إِلَى الأَبْعَدِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمالكِ
يعني: إذا اتفقا على العارِّة واختلفا في النهاية، فقال المعير مثلاً: أعرتكها من مصر إلى غزة، وقال المستعير: بل إلى دمشق، فإن لم يركبها المستعير إلى الأبعد أي إلى دمشق في المثال المفروض، فالقول قول المالك مع يمينه؛ لأن المستعير مدعى عليه الزيادة.
ابن عبد السلام: وجهوا عليه اليمين في هذه المسألة والتي قبلها مع أنهما من دعوى المعروف، وفي توجيهها في هذا الأصل خلاف، ونحو هذا المثال ما إذا تنازعا في طريقين إحداهما سهلة والأخرى وعرة، وقال: أعرتني هذا الثوب شهراً، وقال: بل يوماً، وإذا حلف المعير يكون المستعير بالخيار بين أن يركبها إلى ذلك الموضع الذي حلف عليه أو يترك، إلا أن يخشى منه أن يتعدى ويمضي بها حيث شاء فلا يسلم إليه إلا أن يتوثق فيه ألا يتعدى.
فإن رَكِبَ إِلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ القَاسِمِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ، وقَالَ أَشْهَبُ فِي طَرْحِ الضَّمَانِ إِلا فِي الْكِرَاءِ، وَيَاخُذُ مَا بَيْنَهُمَا بِيَمِينِهِ
…
أي: وإن ركب إلى دمشق في المثال المفروض، فقال ابن القاسم في المدونة: القول قول المستعير إن ادَّعى ما يشبه مع يمينه، واعلم أنه في المدونة لم يذكر أن ابن القاسم قال هذا،
بل قال: وجدت في مسائل عبد الرحيم عن مالك ذلك، نعم ظاهر الحال أنه قائل بذلك، وحكى في البيان عن ابن القاسم في الدمياطية أن القول قول المعير إذا اختلفا بعد الرجوع، بخلاف إذا كان معه في سفر فاختلفا في الرجوع.
وخرجه اللخمي في أحد القولين في من دفع دنانير ليشتري بها طعاماً، فاشترى له بها ثمراً، وقال الآخر: قمحاً، أن القول قول الآخر ويغرمه الدنانير، بل هو هنا أولى؛ لأن المستعير قابض لحق نفسه.
اللخمي: ووجهه أن المعير واهب فلا يؤخذ بغير ما أقرَّ به، وقال أشهب وسحنون وابن حبيب: القول قول المستعير في طرح الضمان، فإن هلكت فيما بين المسافتين لا يكون عليه شيء؛ لأنَّه مدَّعى عليه تعمير ذمته لا في الكراء فإن القول قول المعير في الزائد.
سحنون: ويحلف المستعير ليسقط عنه الضمان، ويأخذ الكراء.
وعلى القول الثاني: فإذا حلف المعير نظر، فإن كان اختلافهما في زيادة المسافة أخذ كراء تلك الزيادة، وإن كان في صعوبة أخذ كراء جميع تلك الطريق، ويكون للمستعير أن يذهب بها إلى الطريق التي أقرَّ بها، قاله اللخمي.
ونوقش المصنف بأن قوله: فإن يركب إلى الأبعد يقتضي أنه لو وجده بين المسافتين أن يكون القول قول المعير، وليس كذلك فإن المذهب لا يصدق إلا فيما زاد على المسافة التي وصل المستعير إليها إلا فيما زاد على ما ادعاه المعير، وقد يقال هنا: يؤخذ حكمه مما إذا ركبها إلى الأبعد، فلذلك لم ينبه المصنف عليه، وعورض قول ابن القاسم واشهب هنا بما في الجعل، قال مالك: ومن استأجر فسطاطاً أو بساطاً أو غرائر أو آنية إلى مكة ذاهباً وراجعاً فادعى ضياع هذه الأشياء في البداية صدق في الضياع ولزمه الكراء.
ابن القاسم: ويلزمه الكراء كله إلا أن يأتيَ ببيِّنة على وقت الضياع، قال: وإن كان معه قوم في سفره فشهدوا أنَّهُ أعْلَمَهُم بضياع ذلك، وطلبه بمحضرهم حَلَف وسقط عنه من
يومئذ حصة باقي [575/أ] المدة، وقال غيره: القول قوله في رفع الضّمان والكراء، والمراد بالغير سحنون وعلى هذا كل من ابن القاسم وسحنون خالف اصله وفرق لابن القاسم بأن مسَّألة الجعل ذمته عمرت بعقد الكراء وهو مدع إسقاطه، وهنا لم تعمر ذمته بشيء، ورأى سحنون هنا أن المستعير مدع لمعروف زائد على ما أقرَّ بِه الواهب ولا يلزمه من المعروف إلا ما أقرَّ به.
وَهَذِهِ بِعَيْنِهَا - بِرَسُولٍ مُوَافِقٍ لِلْمُسْتَعِيرِ أَوْ مُخَالِفٍ - كَذَلِكَ
يعني: وهذه المسألة بعينها إذا أرسل المستعير رسولاً فأعاره إلى مسافة ثم اختلف المعير والمستعير فالحكم للأول سواء صدق الرسول المستعير أو كذبه أو كذبهما معاً؛ لأنه إنما شهد على فعل نفسه، واعلم أن ما ذكر من تساوي الحكم فهو بالنسبة إلى أشهب صحيح، وأما عند ابن القاسم ففي المدونة: من بعث رسولاً إلى رجل ليعيره دابة إلى برقة، وقال الرسول: إلى فلسطين، فعطبت عند المستعير، واعترف الرسول بالكذب ضمنها، وإن قال: بذلك أمرني، وأكذبه المستعيرن فلا يكون الرسول شاهداً؛ لأنه خصم، وتمت المسألة هنا في أكثر الروايات، وعليها اقتصر البرادعي، وزاد ابن أبي زيد في مختصره: والمستعير ضامن إلا أن تكون له بينة على ما زعم. وصحت هذه الزيادة في رواية يحيى بن عمر وعلى هذه الزيادة فليس الحكم مستوياً، ورأى بعضهم أنه يتخرج من هذه الضمان في مسألة عبد الرحيم، وقال جماعة: بل المسألتان مفترقتان، وإنما ضمن المستعير في هذه؛ إذ لا يقطع بكذب المعير إذ لا حقيقة عنده مما قاله الرسول، وفي مسألة عبد الرحيم: هو مكذِّبٌ للمُعِيرِ ذَكَرهُ عياض.
وَإِذَا تَنَازَعَا فِي رَدِّهَا فَالقَوْلُ قَوْلُ الْمُعِيرِ فِي مَا لا يُصَدَّقُ الْمُسْتَعِيرُ فِي تَلَفِهِ
أي: فيما يغاب عليه؛ لأن المستعير مقر بالأخذ مدع للدفع، قال في الموازية: وسواء قبضها ببينة أو بغير بينة، لا يقبل قوله في ذلك، وفهم من كلامه أن المستعير يصدق فيما لا
يغاب عليه، وكذلك قال محمد: كل من يقبل قوله في التلف، يقبل قوله في الرد، يعني لو كان كاذباً في الرد لأمكنه أن يفيء إلى دعوى الضياع، وقد علمت أن هذه القرينة ضعيفة في الوديعة، ألا ترى أنه لا يقبل قول المودَع في الرد مع أنه يقبل في الضياع.
* * *