المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الحديث الثاني: - التيه والمخرج

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مباحث هذا الكتاب

- ‌سبيل النجاة

- ‌ثلاث وَمَضَاتٍ لثلاثة مسارات:

- ‌ الومضة الأولى: الخلاف المذموم:

- ‌ الومضة الثانية: وضوح الطريق:

- ‌ الومضة الثالثة: ضبط الفهم لازم لحفظ الدين:

- ‌أصل أصول الهدية وأدلته

- ‌ الأول:

- ‌ الثاني:

- ‌((ما الدليل على أن المقصود بالمؤمنين في هذه الآية هم الصحابة

- ‌ الدليل الثالث:

- ‌الأدلة من السنة:

- ‌ الحديث الأول:

- ‌ الحديث الثاني:

- ‌زُبْدَةُ هَذِهِ النُّصُوصِ:

- ‌معالم وضوابط في العقيدة والمنهج

- ‌ضابط العقيدة:

- ‌مثال على ذلك:

- ‌المنهاج تعريفه وضابطه وقضاياه

- ‌من قضايا المنهاج:

- ‌ومن قضايا المنهاج الرئيسة:

- ‌ضابطه:

- ‌الأول:

- ‌الضابط الثاني للمنهاج:

- ‌هل من منهج الصحابة

- ‌مِنْ حِكْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ وُجُودُ الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ:

- ‌خلاصة أصل الأصول:

- ‌من أصولمنهج الطائفة المنصورة

- ‌من أصول منهج السلف:

- ‌الأصل الأول:التمسك بالإسلام جميعا

- ‌الدعوة إلى التفريق من سبل الصد:

- ‌ما ضابط هذا التفريق

- ‌من الصغائر والجزئيات ما يكون سببا في دخول الجنة أو النار

- ‌شبهات

- ‌الشبهة الأولى:

- ‌فَرْقٌ مَا بَيْنَ الْإِيمَانِ بِالشَّرَائِعِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا:

- ‌والناس في هذا .. طرفان ووسط:

- ‌الشبهة الثانية:كيف نهتم بالجزئيات والعدو على الأبواب

- ‌الحكم الفصل

- ‌صُوَرٌ مِنَ التَّعَاوُنِ الْمُثْمِرِ:

- ‌لَا عَيْبَ فِي التَّخْصِيصِ:

- ‌وأخيرًا:

- ‌الأصل الثاني:الدعوة إلى التوحيد أولا والعمل بالعبادات ثانيا مع التمسك بالأخلاق دائما

- ‌ما هو التوحيد

- ‌صور من الكفر المَنْسي:

- ‌التوحيد الخالص والنَّقي:

- ‌نقطتان مهمتان:

- ‌أثر التوحيد:

- ‌زُبْدَةُ الْكَلَامِ:

- ‌والخلاصة:

- ‌الأخلاق مع التوحيد

- ‌التوحيد والأخلاق متواكبان:

- ‌الخطأ الفاحش:

- ‌فقدان المعاني:

- ‌كيف تتكون الأخلاق الحسنة

- ‌اليقين بالتوحيد، وكثرة الطاعات:

- ‌الصدق والإخلاص:

- ‌القدوة:

- ‌التوجيه والتربية:

- ‌البيئة:

- ‌الفطرة والهداية:

- ‌وأخيرًا: المناصحة، والمتابعة:

- ‌ما هي الأخلاق الحسنة

- ‌وأما الأخلاق الحسنة فهي:

- ‌وخلاصته:

- ‌ومن المعوقات:

- ‌فضل حسن الخلق عند الله وعند الناس

- ‌ثمار حسن الخلق

- ‌وأخيرًا:

الفصل: ‌ الحديث الثاني:

o‌

‌ الحديث الثاني:

عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال:

((وَعَظَنَا رسول الله مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ رجل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فأوصنا، قال: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِى فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الراشدين الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ من بعدي، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ)) (1).

ذرفت: دمعت.

وَجِلَتْ: خافت.

وإن عبدًا حبشيًّا: وإن كان أميركم عبدًا، غيرَ حُرٍّ، لا حَسَبَ له ولا نسب .. حبشيًّا: غير عربي، إذ المهم القيام بأمر الله، والحكم به، وليس المهم أن يكون عربيًّا، ذا نَسَبٍ وَحَسَبٍ.

عَضُّوا عليها بالنواجذ: بالأضراس، وهو كناية عن شدة التمسك، والأخذ، وعدم الإهمال.

فإنه من يَعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا: تشخيص لمرض هذه الأمة من طبيب صادق، وخبير حاذق صلى الله عليه وسلم.

فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء: أي: لا دواء لهذا الاختلاف، ولا سبيل للنجاة منه إلا بالتمسك بالسننِ، وسبيلِ الصحابة رضوان الله عليهم.

(1) حديث صحيح أخرجه أبو داود (7/ 46)، والترمذي (2676)، وأحمد (4/ 126)، وغيرهم، وصححه شيخنا في صحيح الجامع (2549).

ص: 23

فهل المسلمون -وبخاصة الدعاة المعاصرون- يدركون هذا، ويعملون به؟ أم أن كثيرًا منهم هم السبب في هذا الخلاف؛ لإعراضهم عن التمسك بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من سنته، وسنة خلفائه، وإحداثهم في دين الله الأحداثَ باسم الفكر، والرأي، والمصلحة، والظروف، بما لم يأذن به الله؟ !

ثم

هل من سنته وسنة خلفائه تمييعُ العقيدة مِنْ أَجْلِ الظروف، وعدم التصريح بها؛ خوفًا من تفريق الأمة؟ !

وهل من سنته وسنتهم مداهنةُ الطواغيت، والظَّلَمَةِ، وأهل البدع والفكر المنحرف؟ !

وهل من سنته وسنتهم تربيةُ الناس على السياسة قبل التوحيد

وعلى مناهضة الأعداء قبل الأخلاق والإعداد

وعلى الأحداث الجارية قبل التربية؟ !

وهل من سنته وسنتهم الجري وراء الرجال والعاطفة؟ ! أم التأصيل، والتثبيت، والتربية، والأناة، وتقديم الحق على الرجال؟

وهل من سنته وسنتهم الاستهزاء بمن تمسك بالواجبات، وَفَعَلَ السنن؟ !

اللهم إنك تعلم أننا ابْتُلِينَا بدعاةٍ، وزعماءَ، وقادةٍ، لا عِلْمَ لهم بدينك، ولا بسنة نبيك، غير الحماسة، والعاطفة، بل ويعلمون عن فلسفة أعداء الله وسياستهم أكثر مما يعلمون عن كتابك، وهدي رسولك، وسيرة خلفائه الراشدين، ونحن لا ندري نياتهم، ولكن نتائج أعمالهم كانت خُسْرًا، وعلى المسلمين وبالًا .. فَاهْدِهِمْ، وَأَصْلِحْ بَالَهُمْ.

اللهم إِنَّ كثيرًا من أتباعهم مخلصون، ولإقامة شرعك راغبون، ولكنهم

ص: 24

أخطأوا الطريقَ، وانحرفوا عن الصراط، فَإِنْ كَلَّمْنَاهُمْ، كَلَّمْنَاهُمْ بما لا يعرفون، وإن نصحناهم لا يقبلون .. فاهدنا اللهم وإياهم صراطك المستقيم، صراط نبيك، وصحبه الْمُكَرَّمِينَ.

وفضلًا عن وضوح هذه النصوص من الآيات والأحاديث في وجوب التزام منهج الصحابة -رضوان الله عليهم- .. فضلًا عن ذلك فقد تتابع العقلاء من هذه الأمة والفحول من الأئمة على الْحَثِّ على منهجهم، والتزامه، وتضليل من خالفه

وإليك بعض هذه القبسات:

عن ابن عمر رضي الله عنه قال: ((مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ، أُولَئِكَ أَصْحَاُب مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، كَانُوا خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم، وَنَقْلِ دِينِهِ، فَتَشَبَّهُوا بِأَخْلَاقِهِمْ، وَطَرَائِقِهِمْ، فَهُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ)) (1).

فتأمل قوله: ((وَنَقْلِ دينه)) ..

فهل نَقَلَ لنا الصحابة نصوصَ الكتاب والسنة بلا فَهْمٍ، ولا إدراكٍ لمقاصدهما، حتى نتطاول عليهم، ونخالفهم؟ !

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ((

فَعَلَيْكَ بِالسُّنَّةِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ إِنَّمَا سَنَّهَا مَنْ قَدْ عَرَفَ مَا فِي خِلَافِهَا مِنَ الْخَطَأِ، وَالزَّلَلِ، وَالْحُمْقِ، وَالتَّعَمُّقِ، فَارْضَ لِنَفْسِكَ بِمَا رَضِيَ بِهِ الْقَوْمُ لِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ قَدْ كَفُّوا، وَهُمْ كَانُوا عَلَى كَشْفِ الْأُمُورِ أَقْوَى، فَقَدْ تَكَلَّمُوا مِنْهُ مَا يَكْفِي، وَوَصَفُوا مِنْهُ مَا يَشْفِي، وَإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ -

(1) الحلية (1/ 306).

ص: 25

أَيِ: الْمُقَصِّرِينَ وَالْغُلَاةِ- لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ)) (1).

فتأمل قوله: ((فارضَ لنفسك بما رضي به القوم لأنفسهم)).

يعني: أَلَا ترضى بعقيدة أبي بكر وعمر؟ ! .. ألا ترضى بعلم أبي بكر وعمر؟ ! .. ألا ترضى بمنهج أبي بكر وعمر؟ !

وَتَدَبَّرْ قوله: ((وببصر نافذ قد كفوا)).

أي: إنما كفوا عن بحث كثير من المسائل عن علم وبصيرة، لا عن جهل وغباوة، فلا تبحث ما لم يبحثوا من المسائل التي لا يترتب عليها عقيدة، أو عمل، فتكون من الغلاة المتنطعين.

((لَكِنْ هل هناك عقلاءُ بعد هذه النصوص والآثار يُعْرِضُونَ عن طريق الصحابة والسلف! ! !

)).

نعم، هناك فِرَقٌ قديمة، وجماعات معاصرة، مُعْرِضَةٌ عن هدي الصحابة والسلف، في العقيدة، والمنهج، والسلوك.

((هذا غريب جدًّا

لكن ما هي حجتهم؟ ))

قبل أن نذكر حجتهم، لا بد أن تعلم أن حجتهم باطلة، مهما كانت، ومهما زُيِّنَتْ

ومصيرهم الضلال في الدنيا، والعذاب في الآخرة

مهما حَسُنَتْ نياتهم، وبذلوا من جهدهم؛ لأن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كلها في النار)) لِمَنْ خالف لَا يُرَدُّ وَلَا يُرَاجَعُ

وإذا ما قُبِلَتْ حُجَّتُهُمْ فَسَتُقْبَلُ حُجَّةُ كُلِّ مخالف

وَحُجَّتُهُمُ: المصلحة .. التزيين .. الظروف .....

(1) الاعتصام (1/ 50).

ص: 26