الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناس والحكام، وينصحونهم، فتعاونوا، ولم يتعايبوا، وتناصروا، ولم يتدابروا.
وفي الوقت الذي كان فيه محمد بن القاسم، وموسى بن نصير، وطارق بن زياد، يفتحون البلاد شرقًا وغربًا، كان أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، يفتحون صفحات من العلم، والفقه، ناصعةً إلى يوم القيامة، وكان أحمد، والبخاري، ومسلم، يفتحون صفحات من النور؛ لِيُسَطِّرُوا عليها مرويات سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لتبقى ما بقي على الأرض إيمان، وكان الحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ينصحون الناس، ويعظون الحكام، وكان أحمد بن حنبل، وأحمد بن نصر المروزي، وإسحاق بن راهويه، يقمعون البدع، ويحاربون الانحراف، وينفون عن هذا الدين تحريفَ الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
وبعضهم كان يجمع بين هذا وذاك، فَأَحْمَدُ يجمع بين الحديث، والفقه، وَقَمْعِ البدع، ومناصحة الحكام .. وعبد الله بن المبارك يجمع بين العلم، والجهاد، وكان
…
وكان
…
كُلٌّ حسب قدرته، وكُلٌّ حسب توفيقه.
نتعاون، ولا نتخاصم
…
نتناصح، ولا نتفاضح
…
نتناصر، ولا نتخاذل
…
نتطاوع، ولا نتلاوم.
لَا عَيْبَ فِي التَّخْصِيصِ:
فما كان المجاهدون يعيبون على الفقهاء بحثهم في قضايا تفصيلية فقهية، في الحيض، والبيع، والنكاح، وما كانوا يقولون لهم: نحن نجاهد، ونفتح البلدان، وأنتم عاكفون على الكتب الصفراء، كُتُبِ الحيض، والنفاس! !
وما كان الفقهاء يعيبون على المجاهدين عدم معرفتهم بتفاصيل الفقه، وأغوار العلم، وما كان أحد منهم يعيب -فضلًا عن أن يَتَّهِمَ- الذين يهتمون بالعقيدة، والسنن، ويقمعون البدع، وما كانوا يقولون لهم: نحن نجاهد، ونفتح البلدان، ونحارب الطغاة، وأنتم مشغولون في:((أين الله؟ .. ويد الله .. ووجه الله)).
ولكنهم جميعًا كانوا يعيبون على من لا يعرف التوحيد تفصيلًا، ويشنعون على من لا يسمع ويطيع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم دائمًا.
وكانوا جميعا -رحمهم الله تعالى- حربًا على أصحاب البدع، والانحراف، والأهواء، وعلى من يُحْدِثُ في هذا الدين برأيه، وهواه، ومصلحته، وفكره، ما لم ينزل الله به سلطانًا.
شعارهم في هذا:
ديننا دين اختصاص وتعاون .. لا دين حقد وتنازع.
أما نحن
…
فيا حسرة علينا .. فهذا يقول لصاحبه: اترك هذا الشيخ؛ فهو فقيه، وليس بمحدث!
وذاك يقول: دع عنك هذا العالم؛ فهو محدث، وليس بفقيه!
وثالث يقول لصاحبه: دع عنك هذا التعاون مع ذاك الداعية؛ فهو ليس إلا داعية! ولو كانت دعوته صحيحة.
وآخر يقول: اهجر هذا الفقيه؛ فقد أخطأ في مسألة كذا.
وآخر يقول
…
ويقول
…
ويقول
…
وهكذا
…
يتعلق الناس بالرجال، ويُفْقَدُ التعاون، وتنشأ الخلافات، وتَمَزَّقُ الطائفة المنصورة، فيكون الضياع، والملل، واليأس، والفشل ..
ولو أنهم أدركوا ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لَمَا كان ما كان، فما من أحد -بعد الأنبياء- جمع العلم كله، ولا يمكن له ذلك، وما من أحد -بعد الأنبياء- إلا له وعليه؛ ولذلك أمر الله باتباع ما أنزل إلينا، وَحَثَّ على معرفة الدليل، والبرهان، مِنْ أَيِّ مَصْدَرٍ نُقِلَ، وعلى أي لسان جرى، وَمَنَعَ أَنْ يَكُونَ الرِّجَالُ حُجَّةً فِي دِينِهِ، وَأَنْ يَكُونَ الْهَوَى دَلِيلًا فِي شَرْعِهِ.
{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3].
إن هذا الذي يجري بين الشباب -فيما ذكرنا- إنما هو:
- من سوء التربية.
- وفقدان التأصيل.
- وعدم التفريق بين الهوى والدليل، والحجة التزيين.
إن هذا الذي يجري بين الشباب يحتاج إلى إعادة نظر من العقلاء؛ لتصحيحه، وتقويمه .. ولا يتم هذا إلا بالتجرد لله عز وجل، وتربية الناس على التأصيل، واتباع الحق، لا على العاطفة، وَحُبِّ الرجال.
ولو أنهم قالوا:
ما الدليل؟ لكان خيرًا لهم، وأقوم سبيلًا.