الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الصغائر والجزئيات ما يكون سببا في دخول الجنة أو النار
إنَّ كثيرًا مما يراه الناس جزئية أو صغيرة، ربما يكون سببًا في دخول الجنة، أو النار، والعياذ بالله.
ففي الصحيحين مرفوعًا: ((بينما رجل يمشي بطريق وَجَدَ غصنَ شوك على الطريق، فَأَخَّرَهُ، فشكر الله له، فغفر له)) (1).
وفي مسلم مرفوعًا: ((أنَّ امرأةً بَغِيًّا سَقَتْ كلبًا، فَغُفِرَ لها)) (2).
وقال صلى الله عليه وسلم:
((لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلِقٍ)) (3).
و((شيئًا)) نكرة في سياق النهي، فهي تفيد العموم، أَيْ: أَيَّ شيء كان صغيرًا أو قليلًا، وإخواننا لا يزالون يُصِرُّونَ على احتقار بعض ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو حَثَّ عليه، فمن أَحَقُّ بالنبي صلى الله عليه وسلم؟
ومن أحق بالتمكين؟
ومن أحق بشفاعته صلى الله عليه وسلم؟
(1) أحمد (2/ 286)، والبخاري (1/ 159)، ومسلم (3/ 1521).
(2)
مسلم (4/ 1761).
(3)
مسلم (16/ 271 رقم 2626).
وقال صلى الله عليه وسلم:
((دخلت امرأة النار في هرة حبستها، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خَشَاشِ الأرض)) (1).
وأكل رَجُلٌ بشماله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم:
((كُلْ بيمينك، قال: لا أستطيع، فقال صلى الله عليه وسلم: لا استطعت)) (2) فَشَلَّتْ يَدُهُ على الفور.
وقال صلى الله عليه وسلم:
((ما كان أسفل الكعبين من الإزار فهو في النار)) (3).
أي: إذا جاوز الثوب الكعبين فصاحبه قد استحق عذاب النار بقدر مخالفته ..
وقال صلى الله عليه وسلم:
((من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: وَإِنْ قضيبًا من أراك)) (4).
والأراك: الشجر الذي يؤخذ منه السواك.
وإذا كان وجوب النار وتحريم الجنة على من اغتصب سواكًا، فكيف بمن استهزأ بِسُنَّةٍ، أو عاب مَنْ فَعَلَ واجبًا؟ !
(1) مسلم (4/ 2026).
(2)
مسلم (3/ 1599)، وأحمد (40/ 46).
(3)
أحمد (2/ 498)، وأبو داود (رقم 4093)، وابن ماجه (3573)، وصححه شيخنا في ((الجامع)).
(4)
مسلم (1/ 22)، وأحمد (5/ 260).
بل وصل الأمر إلى أن عَلَّقَ الرسول صلى الله عليه وسلم أمورًا عظيمة بأمور يراها كثير من إخواننا ((جزئية)) ((تافهة)) ((ليس الآن وقتها))
…
ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أو لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ)).
فأي داء أعظم من داء اختلاف القلوب .. الذي جُعِلَ سببه إهمال تسوية الصفوف؟ ! !
وفيهما أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال الناس بخير ما عَجَّلُوا الْفِطْرَ)). وفي رواية أبي داود بسند صحيح: ((لا يزال الدين ظاهرًا ما عَجَّل الناسُ الفطرَ)).
فانظر كيف أناط الخيرية، وعلق بقاء الدين ظاهرًا بتعجيل الفطر .. الأمر الذي يراه كثير من إخواننا ((توافه)).
وقاعدة ذلك قوله تعالى:
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} [الزلزلة: 7 - 8].
أي: فمن يعمل ما يكون بوزن النملة الصحيحة -بل أقل- من خير، فسوف يلقى خيرًا في الدنيا والآخرة، ومن يعمل ما يكون بوزن النملة الصغيرة -بل أقل- من شر، فسوف يلقى شرًّا في الدنيا والآخرة.
وإذا علمتَ هذا، وعلمتَ أننا لم نُخْلَقْ إلا لفعل الخير مهما صَغُرَ، واجتناب الشر مهما دَقَّ، وأن الدين كله من عند الله، كلياته، وجزئياته -إن سُلِّمَ بهذا التقسيم- إذا علمت هذا أدركتَ بطلانَ دعوى تجزئة الدين إلى كليات وجزئيات، ولباب وقشور؛ لأنها دعاوى ليس عليها بينات، وتزيين ليس فيه حجة ولا دليل.
قال شيخ الإسلام:
((قالوا -أي: أهل السنة-: والفرق بين مسائل الأصول والفروع إنما هو من أحوال أهل البدع، وانتقل هذا القول إلى أقوام تكلموا بذلك في أصول الفقه، ولم يعرفوا حقيقة هذا القول، ولا غَوْرَهُ.
قالوا: والفرق (1) في ذلك بين مسائل الأصول والفروع كما أنه بدعة محدثة في الإسلام، لم يدل عليها كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، بل ولا قالها أحد من السلف والأئمة، فهي باطلة عقلًا)) (2).
(1) أي: ما وضعوه من قواعد للتفريق بين الأصول والفروع.
(2)
منهاج السنة (5/ 87).