الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصل الثاني:
الدعوة إلى التوحيد أولا والعمل بالعبادات ثانيا مع التمسك بالأخلاق دائما
إِنَّ مِنَ الْمُسَلَّمَاتِ:
البدء بالدعوة إلى التوحيد -أولًا وقبل كل شيء- هو سنة الأنبياء جميعًا.
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25].
ولا إله إلا الله هي: التوحيد، كُلُّ التوحيد، إذا فُهِمَتْ حَقَّ فَهْمِهَا، وَعُمِلَ بمقتضاها.
وقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59].
وقال تعالى حاكيًا عن خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم في بدء دعوته لأبيه:
{يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} [مريم: 42].
وأول شيء دعا إليه يوسف عليه الصلاة والسلام صاحبيه في السجن التوحيد، قال:
{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39].
فانظر -بارك الله فيك- إلى أول كلمة قالها لهم ((أأرباب متفرقون))، فلم يبدأ أولًا بدعوتهم إلى السنن والواجبات، ولا إلى السياسة
والواقعات أولاً.
ومن الغريب أن يتفطن إلى ذلك الحيوان -هدهد سليمان- ويعلم أن التوحيد قبل كل شيء: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ
…
أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ
…
} [النمل: 24]، ولا يتفطن إلى ذلك كثير من الدعاة.
وأما دعوة سيد الرسل -عليهم الصلاة والسلام- فمما لا تخفى على مسلم، وأنه مَكَثَ صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشر عامًا، يدعو إلى التوحيد، وفي التوحيد، وللتوحيد، وبالتوحيد، مع ما كان عليه من خُلُقٍ عظيم، يدعو إليه بعمله أحيانًا، وبقوله أحيانًا.
وَلَمَّا أرسل صلى الله عليه وسلم معاذًا إلى اليمن، قال له:
((إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فَإِنْ هُمْ أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات
…
)) الحديث (1).
وإذا كان التوحيد قبل الصلاة، والزكاة
…
أفلا يكون قبل السياسات والواقعات؟
وإذا تأملت هذا، وتأملت حال الجماعات الإسلامية ودعوتها، عَرَفْتَ من هي الجماعة الأحق بالطائفة المنصورة.
هل هي الجماعة التي تُرَبِّي أتباعها على السياسة؟ ! أم الجماعة التي تربي أصحابها على التوحيد، وتغرس في نفوسهم التأصيل؟
وهل هي الطائفة التي تُرَبِّي أتباعها على الولاء للظَّلَمَةِ، والخضوع للْكَفَرَةِ؟ !
(1) مسلم (1/ 50).
أم هي الطائفة التي تُرَبِّي أصحابها على الولاء والبراء لله ولرسوله وللمؤمنين جميعًا؟
وهل هي الطائفة التي تدعو أتباعها إلى الجهاد ومقارعة الأعداء، قبل التربية والتوحيد، وقبل تحقيق شروط الجهاد؟ !
أم هي الطائفة التي تدعو الناس إلى التوحيد، والتربية، وتحقيق شروط الجهاد، قبل إعلانه، والدعوة إليه؟
وهل هي الطائفة التي تبدأ دعوة الناس إلى السنن والواجبات، والزهد والمندوبات، وتُهِمْلُ دعوتهم إلى التوحيد والعلم؟ !
وهل هي الطائفة التي تُفَرِّقُ في دين الله بغير سلطان أتاها، فتجعل هذه كُلِّيَّةً يُعمل بها، وهذه جزئية تُهجر؟ !
وهل هي الطائفة التي تُرَبِّي طلابها على العلم المجرد فحسب، دون عمل، ولا دعوة؛ كالجامعات وبعض الزوايا؟ !
إذا علمتَ هذا علمتَ مَنْ هُمْ أهل الطائفة المنصورة.
((السياسة قبل الله أكبر))
وإن كنتُ أنسى، فلا أنسى -إن شاء الله- مناظرة جَرَتْ بيني وبين أحد زعماء إحدى الجماعات الإسلامية، والتي بُهِتُّ فيها، وخرجتُ منها مهزومًا! !
قلت له -بعد كلام كثير جرى بيننا-:
فما هو أول شيء تُعَلِّمُونَهُ المرءَ إذا دخل حزبكم؟
قال: السياسة.
قلت: قبل التوحيد؟ !
قال: قبل الله أكبر.
فارتج الحاضرون لكلمته هذه، وقمتُ من فوري، وخرجت وأصحابي، ونحن لا ندري ما نقول
…
يقولون: هل نحن نهمل التوحيد؟
ولا بد -هنا- من الإجابة عن إشكال يطرحه البعض من هذه الجماعات، وهو قولهم: هل ترون أَنَّا نهمل التوحيد؟
وهل ترون في صفوفنا كفارًا؟
وهل قادتنا وأتباعنا مشركون .. حتى تتهمونا أننا لا ندعو إلى التوحيد، ولا نلتزم به؟ !
أم تريدون التوحيد الذي تعرفون -توحيد الأسماء والصفات- الذي أشغلتم به الأمة، وفرقتم به جَمْعَهَا، والذي لا ينفع، ولا يُغني من جهل؟ ! هل تريدوننا أن ننشغل بالخلافات الجزئية ((أين الله؟ هل له وجه؟ هل ينزل إلى السماء الدنيا؟ )) عن قضايا الأمة المصيرية؟ !
هل تريدون أن تشغلونا بهذا، والأمة يتكالب عليها القريب والبعيد، والأمة تحترق، وأنتم تمتحنون الناس بالجزئيات، وتفرقونهم بالفروع؟ !
إننا نريد أن نُوَحِّدَ الأمة .. إننا نريد أن نُسْقِطَ الطواغيت .. وأنتم ما زلتم على الكتب الصفراء! !
الدولة أولًا .. أم أين الله؟
قال لي: ما زلتم تمتحنون الناس، وتفرقون المسلمين.
قلت: بأيِّ شيء؟